- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2422
الانهيار الداخلي لـ جماعة «الإخوان المسلمين» في الأردن
في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، تصادف الذكرى السبعين لتأسيس جماعة «الإخوان المسلمين» في الأردن. وكانت الحركة قد خططت لإحياء هذه الذكرى من خلال خروج مظاهرة حاشدة في الأول من أيار/مايو، ولكن الحكومة الأردنية رفضت منح ترخيص لهذه المظاهرة. وكما يوحي الاحتشاد المحبط، فإن الفرع الأردني من جماعة «الإخوان» - مثل غالبية الفروع الإقليمية للحركة - ليس في أحسن حالاته هذه الأيام. فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، تنامت الانشقاقات التي تشهدها جماعة «الإخوان» المحلية منذ فترة طويلة لتتحول إلى انشقاق علني سيئ، استغلته عمّان بمهارة لتزيد من الانقسام داخل «الجماعة». ونتيجة لذلك، يبرز حالياً فرع جديد من «الإخوان المسلمين» أصغر من القديم، وأكثر ميلاً للحكومة، كمجموعة طليعية مسموح بها قانونياً في المملكة الهاشمية. وبالتالي، لا يزال مستقبل جماعة «الإخوان» الجديدة - وعناصرها الأكثر تطرفاً، الذين يشعرون بالإستياء، والمجردين من أي صلاحيات في الوقت الحالي - رهناً بالأيام المقبلة.
الخلفية
كانت جماعة «الإخوان» قد مارست سابقاً نوعاً فريداً من توحيد الأعراق في الأردن، حيث ينقسم السكان ما بين مواطنين من أصل فلسطيني (نحو 60 في المائة من السكان) وآخرين من أصل عشائري (المعروفين بسكان الضفة الشرقية). لكن على مدى العقد الماضي، اشتبك أعضاء من «الجماعة» أكثر اعتدالاً وموالين للنظام، من سكان الضفة الشرقية في المقام الأول، مع أعضاء أكثر تشدداً من أصل فلسطيني إلى حد كبير. وقد تركز الكثير من الخلاف على الأولوية النسبية للجهاد في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، إلا أن «الجماعة» انقسمت أيضاً في الآراء حول تعيينات العناصر وقرارات جوهرية في السياسة الداخلية. وبعد انتخاب زكي بني أرشيد في عام 2006 نائباً للمراقب العام لـ جماعة «الإخوان المسلمين» وتعيين همام سعيد رئيساً لحزبها السياسي، «جبهة العمل الإسلامي» في عام 2008، أصبح "الصقور" متفوقين، يحددون السياسات الرئيسية لـ «الإخوان».
التدهور
قاطع «الإخوان» الانتخابات البرلمانية وسط خلاف داخلي شديد في عام 2007 ومرة أخرى في عام 2013، احتجاجاً على قانون الانتخابات، الذي طالما اعتبرته «الجماعة» مضراً بشكل غير عادل بحزب «جبهة العمل الإسلامي». وعلى الرغم من أوجه القصور المزعومة في القانون، فاز الحزب بحوالي 7 في المائة من المقاعد في انتخابات عام 2003. ولكن مع وقوف «الإخوان المسلمين» على الهامش في كانون الثاني/يناير 2013، استحوذ «حزب الوسط الإسلامي» - وهو حزب إسلامي آخر يزعم البعض أن له صلات بالاستخباراتية الأردنية - على 16 من أصل 150 مقعداً في البرلمان المنتخب، ليصبح بذلك أكبر كتلة برلمانية.
وقد عانى «الإخوان المسلمون» من نكسة أخرى قبل شهرين من ذلك. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2012، قام مسؤول كبير سابق في «جبهة العمل الإسلامي» هو رحيل غرايبة - بمباركة ودعم مالي محتمل من القصر الملكي - بإطلاق "مبادرة زمزم"، وهي عبارة عن منظمة هدفها المعلن هو إنهاء "احتكار الخطاب الإسلامي" من قبل «الإخوان المسلمين» وتعزيز إسلام أصيل وأكثر شمولاً "لا يُبعد الجمهور". أما "مجلس الشورى" - الذي هو أعلى مكتب محلي لصنع القرار في جماعة «الإخوان المسلمين» - الذي يعج في هذه المرحلة بالمتشددين، فقد رد على ذلك من خلال منع أعضائه من التفاعل مع «الجماعة» الجديدة، الأمر الذي أبرز الصراع الداخلي بين "الصقور" الفلسطينيين، المتشددين في المواقف السياسية، و"الحمائم" الشرق أردنيين، المتساهلين في هذه المواقف.
ومع هذا، فإن الأسوأ من ذلك هو الإطاحة العسكرية بالرئيس المصري السابق محمد مرسي وحكومته بزعامة «الإخوان المسلمين» في مصر (القاعدة الرئيسية لـ "مكتب الإرشاد" الدولي للحركة) في تموز/ يوليو 2013، والحل القانوني اللاحق للمنظمة ومصادرة أصولها. فقد دوّت في الأردن أصداء الانقلاب، المدعوم من كبار الراعين لعمان ومموّليها الماليين من دول الخليج، مما أرعب الفرع المحلي لـ «الجماعة».
وقد اتضح أن هذا الخوف كان لسبب وجيه. ففي أواخر عام 2014، اعتقلت السلطات الأردنية بني أرشيد وحكمت عليه بالسجن ثمانية عشر شهراً لانتقاده دولة الإمارات العربية المتحدة بعد أن أدرجت هذه جماعة «الإخوان» على لائحة المنظمات الإرهابية. وبعد ذلك، في شباط/ فبراير الماضي، ألمحت عمان إلى مشاكل الترخيص لجماعة «الإخوان» المحلية، ذاكرة ارتباط الفرع بهيكلية القيادة المصرية. وفي 2 آذار/مارس، أصدرت وزارة التنمية الاجتماعية تصريحاً بإنشاء تنظيم جديد لـ «الإخوان» برئاسة عبد المجيد ذنيبات، زعيم معمّر من "الحمائم" البارزة في «الجماعة» القديمة. ولم يأت بعد قرار المحكمة المرتقب الذي من المرجح أن ينقل جميع الأصول المالية والمادية لـجماعة «الإخوان» الأردنية للفصيل الخاضع لسيطرة ذنيبات.
رد الحرس القديم
رد المتشددون بسرعة وبقسوة على مناورة الترخيص. إذ وصفها همام سعيد بأنها "انقلاب" قوّض قيادة «الإخوان المسلمين» وانتهك القوانين الداخلية لـ «الجماعة»، مما دفع بـ "مجلس الشورى" إلى طرد ذنيبات وغرايبة، وثمانية "حمائم" أخرى من المنظمة. ويقيناً، أن هذا القرار الأخير لم يُتخذ بالإجماع، إذ أن سبعين من أعضاء «الإخوان» البارزين قدموا التماساً إلى "المجلس" لإبطال الطرد إذا وافق ذنيبات على سحب طلب الترخيص الذي قدمه. وعلى الرغم من هذه اللفتة التصالحية ظاهرياً، لم تلبث الانقسامات أن اتسعت بين الجماعتين. ففي 9 آذار/مارس، أصدرت جماعة ذنيبات بياناً رسمياً أعلنت فيه عن عزمها على تشكيل هيئة قيادية جديدة، ورسمت مخططاً للوصول إلى قاعدة دعم جماعة «الإخوان»، والانخراط المجدد للنساء والشباب، والأهم من ذلك، إعطاء الأولوية للهوية الأردنية لـ «الجماعة». وكما ذُكر أعلاه، يُقال إن ذنيبات يضغط أيضاً على الحكومة لنقل جميع الممتلكات العقارية والحسابات المصرفية لجماعته المرخصة حديثاً، ووقف جميع النشاطات التي تقوم بها «الجماعة» الأقدم "غير الشرعية".
ووسط هذا الأمر الواقع الواضح، لا يزال "الصقور" يرفضون شرعية الحركة الجديدة، بينما يؤكد سعيد أن منظمته لا تحتاج إلى ترخيص للمصادقة على سلطتها. وترفض القيادة الدولية لـ جماعة «الإخوان المسلمين» أيضاً قبول «الجماعة» الأردنية المنشقة. وفي آذار/مارس، قال عضو مكتب الإرشاد بـ جماعة «الإخوان المسلمين» والأمين العام للتنظيم الدولي لـ «الجماعة» إبراهيم منير، المقيم في لندن، "نحن لا تعترف إلا بـ «مجلس الشورى العام» لـ جماعة «الإخوان» في الأردن، و «مراقب الجماعة العام» الدكتور همام سعيد، و«مجلسه التنفيذي» الشرعي [الذي جاء بانتخابات من كافة أعضاء «الجماعة»]".
ولكن إذا وضعنا التهديد والتبجح جانباً، يبدو أن هناك القليل الذي يمكن أن يفعله "الصقور" في هذه المرحلة. ففي 23 نيسان/أبريل، أعلن وزير الداخلية حسين المجالي "أنه لن يسمح لأي جهة أو جماعة بتنظيم أي نشاطات أو فعاليات عامة على الأراضي الأردنية، نيابة عن جماعات خارجية، تفرض أجندتها على الدولة الأردنية"، ولا يزال هذا هو الموقف الرسمي للحكومة - الغير قابل للتغيير على الأرجح - حول الموضوع. وفي حين أنه من المؤكد أن يواصل "الصقور" التحدث بنبرة قاسية، إلا أن أمامهم عدد محدود إن وجد من الخيارات السلمية القانونية، لاسترداد السيطرة على الحركة.
التداعيات
كان الانهيار الداخلي والتفكك الذي تشهده جماعة «الإخوان» في الأردن عملية طويلة دامت سنوات. وقد نتج ذلك، جزئياً على الأقل، عن الجروح التي ألحقتها بنفسها. فمن الواضح أن عقداً من الاقتتال الداخلي سيكون له تأثير فتّاك على التماسك. إلا أن الحكومة الأردنية لعبت أيضاً دوراً رئيسياً في إدارة الانشقاق داخل صفوف «الجماعة» بمهارة وسرية. فعلى الأقل حتى الآن، كانت العواقب السلبية بالنسبة إلى عمان قليلة أو شبه معدومة. وفي الواقع، أن العديد من المسؤولين الحكوميين قد تشجعوا من دون شك من الإعلان الذي صدر مؤخراً عن أن تياراً ثالثاً في «إخوان» الأردن يدعى "التيار الإصلاحي" سوف يصطف إلى جانب الفصيل المرخص برئاسة ذنيبات.
إن التطورات في الأردن قد تؤثر أيضاً على كيفية تعامل الدول الأخرى مع الفروع المحلية لـ جماعة «الإخوان». ففي الأسابيع الأخيرة، كتبت الصحافة المصرية العديد من المقالات حول كيفية احتمال أن تشكل الأردن نموذجاً للقضاء على بقايا «الإخوان» في مصر. ووفقاً لهذه التقارير غير معلومة المصدر، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في وقت سابق من هذا الشهر، مع عدد من كبار المسؤولين السابقين في جماعة «الإخوان» - بمن فيهم المتحدث السابق البارز باسم «الجماعة» كمال الهلباوي - لمناقشة إعادة ترخيص الحركة التي باتت عقيمة سياسياً. وربما لا يثير الدهشة أن كلا الجانبين نفى صحة هذه التقارير.
وفي الأردن، حيث لا تزال الآثار الجانبية للحرب في سوريا تهدد الأمن، يشكك البعض في حكمة النهج الذي تتبعه الحكومة تجاه جماعة «الإخوان المسلمين». ففي النهاية، بينما سيدير الفصيل الجديد والمحسّن الذي يترأسه ذنيبات كافة أصول المنظمة قريباً، قد يؤدي "الصقور" المطرودين سياسياً وجماهيرهم الكبيرة إلى خلق مشاكل أخرى للمملكة الهاشمية. فقبل المبادرة التي أطلقها ذنيبات، كان هؤلاء الإسلاميين مستائين من القصر الملكي ولكنهم كانوا مستعدين للبقاء داخل النظام. وفي غياب هذا المسار، من المرجح أن يعمل بعضهم سراً، وربما ينضمون إلى الصفوف المتنامية للسلفيين والجهاديين السلفيين في الأردن. هذا وترزح "دائرة المخابرات العامة" الأردنية بالفعل تحت أعباء ثقيلة، مثل احتواء المجموعة المتزايدة من المتطرفين الأردنيين ومراقبة ما يقرب من مليون لاجئ سوري. ويَعِد تتبُع كادر غاضب من أعضاء «الإخوان المسلمين» السابقين بزيادة الآثار السلبية على «الجماعة» المحاصرة. وباختصار، في حين روّضت عمان الفرع المحلي لـ «الإخوان المسلمين»، إلا أنها قد تكون قد عقّدت حربها ضد التشدد الإسلامي المحلي في هذه العملية.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
جافي برنهارد هو مساعد باحث في المعهد.