الانشقاقات داخل "المقاومة": حل "المحور الشمالي للحشد الشعبي"
يشكل السقوط (في الوقت الحالي) لأحد كبار المحسوبين التركمان على أبو مهدي المهندس تذكيراً بأن الحظوظ والمصالح والفصائل دائماً ما تتغير داخل مشهد الميليشيات المدعومة من إيران في العراق.
في 26 تموز/يوليو 2024، أصدر رئيس "قوات الحشد الشعبي" فالح الفياض أمراً بحل "المحور الشمالي للحشد الشعبي"، الذي هو مقرٌ رئيسي كان له تأثير كبير على الأمن المحلي في مجموعةٍ من مدن التركمان بين كركوك وآمرلي منذ عام 2014. ويمثل هذا الإجراء تتويجاً لما يقرب من عامين من مناورات التناحر بين مختلف فصائل التركمان الشيعة في المنطقة - المعروفة جماعياً لدى أقلية التركمان باسم "تركمانلي" ("أرض التركمان")، وهي نوعٌ من جيب عرقي (إثني) يشمل (من الشمال إلى الجنوب) تازة خورماتو وداقوق وطوزخورماتو وسليمان بيك وآمرلي.
وكان الخاسر الأكبر هو قائد "المحور الشمالي للحشد الشعبي" منذ عشر سنوات، أبو رضا يلماز النجار الذي مقره في طوزخورماتو، والذي يبدو أنه قد تمت إزاحته. ويشكل ذلك تحول جذري من المشاجرة الأخيرة التي ذكرتها سلسلة مقالات "الأضواء الكاشفة للميليشيات" أي توترات أيار/مايو 2023، حيث خرج النجار فائزاً، وذلك على ما يبدو بسبب وساطة الحاج علي إقبال بور، ضابط الاتصال منذ فترة طويلة في كركوك الذي ينتمي إلى "فيلق القدس" التابع "للحرس الثوري" الإيراني.
أما الفائز الأكبر هذه المرة، فكان حميد إبراهيم عبد الرضا السهلاني (أبو حسام)، وهو قائد تركماني آخر في "الحشد الشعبي" من الطرف الشمالي لممر "أرض التركمان". وبينما كان مقر النجار يقع خارج "معسكر الشهداء" بين طوزخورماتو وآمرلي (في الطرف الجنوبي من "أرض التركمان")، إلّا أن السهلاني يسيطر على معسكر تازة خورماتو الذي يقع في الطرف الشمالي، بالقرب من مدينة كركوك. وقد شكّل السهلاني تحدياً بالنسبة للنجار في أيار/مايو 2023 (إذ حاول استبدال "المحور الشمالي" بـ"قيادة عمليات كركوك وشرق دجلة" التي يتزعمها السهلاني). وفي عام 2023، تم رفض السهلاني، لكنه فاز هذه المرة، ويبدو أنه سيطر على (ريادة) عمليات تدمج بين "قيادة عمليات شرق دجلة" و"المحور الشمالي للحشد الشعبي".
إن الذي تغيرَ منذ عام 2023 هو أن النجار وطاقمه في "معسكر الشهداء" تصرّفا علناً بثقة زائدة. ففي نيسان/أبريل من عام 2024، تسببَ هجومٌ بطائرة مسيّرة زوّدتهما بها إيران من نوع "شاهد-101" ذات الذيل المتقاطع في مقتل أربعة مقاولين أجانب في منشأة "خورمور" للغاز، بالقرب من طوزخورماتو. وجاء ذلك الهجوم من منطقة "المحور الشمالي"، التي تقع تحت سيطرة النجار وبعض القادة التابعين له مثل أبو ثائر البشيري من "قوة التركمان" ("اللواء 16 في الحشد الشعبي") ومختلف وحدات الحرس الشخصي التي كان النجار يعمل على تنميتها لكي تصبح من الألوية الكاملة في "الحشد الشعبي" ("اللواءان 61 و63 في الحشد الشعبي"). وبلغت الهجمات المتكررة التي تم شنها على "خورمور" من منطقة "المحور الشمالي" منذ عام 2022 ذروتها في عام 2024، وذلك بعد توجيه الضربة الفتاكة في نيسان/أبريل، وإطلاق النيران الكردية المضادة على مناطق "المحور الشمالي"، وقيام قسم الأمن في "الحشد الشعبي" باعتقال 11 عنصراً مرتبطاً بضربات "خورمور" من "المحور الشمالي للحشد الشعبي". (وتم إطلاق سراح أربعة من أصل أحد عشر مشتبهاً بهم في تموز/يوليو، وربما لا يزال سبعة منهم قيد الاعتقال.) وفي أيار/مايو 2024، بدأ فالح الفياض بالتصدي لتوسيع قيادة النجار (من خلال العمل على تنمية اللواءين 61 و63).
ويتم أيضاً تشكيل "قيادة عمليات شرق دجلة الجديدة" التي تدمج "المحور الشمالي للحشد الشعبي"، والخاضعة لسيطرة السهلاني ونائبه، التركماني يلماز شهباز عباس إبراهيم الذي يقع مقره في الطوز، بينما تُناور بعض القوى الأمنية غير التابعة لـ "الحشد الشعبي" من أجل السيطرة على ممر "أرض التركمان". وتتداخل "قيادة عمليات شرق دجلة" غير التابعة لـ"الحشد الشعبي" (في قاعدة "حليوة" الجوية في الطوز، أو "قاعدة بيرنشتاين للعمليات المتقدمة" سابقاً)، بقيادة اللواء الركن في الجيش العراقي علي مشجل خلف بدر المالكي، عن كثب مع منطقة "قيادة عمليات شرق دجلة" التي تدمج "المحور الشمالي للحشد الشعبي". وكان من المقرر أن يتم نشر "لواء خاص مشترك" جديد (من قوات "البيشمركة" والجيش العراقي) تم تطويره بمساعدة الولايات المتحدة لملأ الفجوات بين الخطوط الأمامية الاتحادية والكردية بين كركوك والطوز هذا العام. ويبدو أن عناصر أخرى من "الحشد الشعبي" مثل "كتائب جند الإمام" ("اللواء 6 في الحشد الشعبي") ظهرت في مدينة داقوق لمنع هذه القوة المشتركة من اتخاذ موقعٍ لها أو التوسع بالقرب من قرى "أرض التركمان". ويُعَدّ ممر "أرض التركمان" - وناحية غيدا الواقعة جنوب غربه - من المناطق الأخيرة المتبقية التي تشهد نشاطاً منتظماً لتنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق.
ما الذي يعنيه كل ذلك بالنسبة لتوازن القوى داخل المحور الذي يدعو نفسه "المقاومة" (والذي تدعمه إيران) في العراق؟ أولاً، يشير ذلك إلى أن النجار، الذي هو أحد المحسوبين المحليين على أبو مهدي المهندس، قد يفقد مكانته كغيره من الجهات، في ظل زوال الدعم الذي يتلقاه من "فيلق القدس" التابع "للحرس الثوري" الإيراني، وذلك في حال ارتكاب قادة مثل النجار أي أخطاء علنية ويخرجون عن السيطرة وعند حدوث ذلك. وقد تنتج عن هذه الحالة استعادة زعيم منظمة "بدر" هادي العامري، الذي هو أحد داعمي السهلاني، بعض الاهتمام القديم لمنظمة "بدر" بمشهد الميليشيات التركمانية بين كركوك وآمرلي. فقد حصل بعض الأعضاء السابقين في منظمة "بدر" مثل النجار على أصدقاء أكثر قوة خلال عهد المهندس، وتحرروا من سيطرة هادي لمدة عقدٍ من الزمن. والأمر الذي يستحق النظر هو العلاقات التي تربط النجار بجماعات فرعية أكثر عدوانية داخل "كتائب حزب الله"، حيث قد يسلّط ذلك الضوء على سبب تورط "المحور الشمالي" التابع لنجار في الهجمات على "خورمور" وعلى سبب سقوط النجار (في الوقت الحالي). ويشير هذا الحادث إلى مدى ليونة ديناميكيات القيادة داخل "الحشد الشعبي"، في ظل التغيير الدائم في عناصرها، واستمرار فالح الفياض في استرضاء هادي وبعض الجهات على الأقل من "كتائب حزب الله".