- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2668
الانتخابات المحلية الفلسطينية: فرصة للنهضة السياسية أو لعبة "الدفع نحو الهاوية"؟
في 15 تموز/يوليو، أعلنت حركة «حماس» بشكل مفاجئ أنها تعتزم القبول بإجراء الانتخابات البلدية الفلسطينية المقررة في تشرين الأول/أكتوبر، على أمل أن يحرّك هذا الاقتراع المياه السياسية الراكدة في البلاد. وبالفعل، ستعتبر الانتخابات الفلسطينية في تشرين الأول/أكتوبر الأولى من نوعها في كافة أرجاء البلاد منذ الانتخابات البرلمانية عام 2006. وباستثناء الانتخابات الطلابية التي تجري أحياناً في الضفة الغربية (علماً بأن «حماس» قد منعت إجراء مثل هذه الانتخابات في قطاع غزة)، لم يتنافس الفصيلين الفلسطينيين المهيمنين «حماس» و «فتح» في صناديق الاقتراع لأكثر من عقد من الزمن. وفي ظل عدم إجراء أي انتخابات، يبقى من المستحيل إثبات الادعاءات الصادرة عن الحركتين بتمتع أي منهما بتأييد أكبر بين الفلسطينيين.
إلا أنه يجب تخطي بعض العقبات قبل إجراء هذه الانتخابات، الأمر الذي يتطلب إظهار نوايا حسنة من الجانبين على مستويات لم نشهد لها مثيل حتى الآن. وفي ظل البيئة السياسية الحالية، هناك احتمالات حقيقية لإلغاء الاقتراع.
الخلفية
تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة 416 بلدية (391 في الضفة الغربية و 25 في قطاع غزة) تتراوح ما بين المدن الكبيرة والقرى الصغيرة. وتجري الانتخابات وفقاً لـ "قانون انتخابات مجالس الهيئات المحلية" رقم 12 لسنة 2005 وتحت إشراف "لجنة الانتخابات المركزية". وكانت «حماس» قد قاطعت الانتخابات البلدية الأخيرة، عام 2012، ومنعت إجراءها في قطاع غزة إذ ادّعت أنها "خطوة أحادية الجانب...تقوّض المصالحة."
وتشارك الأحزاب السياسية في الانتخابات البلدية، إلا أنها تتنافس عادةً على أساس برامج انتخابية تقوم على تقديم الخدمات بدلاً من عرض البرامج الإيديولوجية. وعموماً لا تُطرح في الانتخابات البلدية القضايا التي تثار في الانتخابات العامة (على سبيل المثال، الالتزام بالاتفاقات السابقة مع إسرائيل). إلا أن مشاركة «حماس» - المدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية التي تنكر شرعية "اتفاقات أوسلو"، وهي الإطار الدولي الذي أنشأ السلطة الفلسطينية - ستشكّل تحديات سياسية للمجتمع الدولي.
قد لا تحسن الانتخابات البلدية أيضاً تقدير القوة السياسية التي تتمتع بها الأحزاب المتنافسة، نظراً للدور الرئيسي التي تضطلع به القبائل والعشائر والأسر الكبيرة، لا سيما في القرى والبلدات، في تحديد نتيجتها. وعلاوة على ذلك، إن طبيعة هذه الانتخابات التي تتمحور حول تقديم الخدمات تجعلها أقل دلالةً على تقييم شعبية المواقف السياسية الخاصة بكل جانب. وبناء على ذلك، فمثل هذه الانتخابات قد تسلط الضوء على التماسك والمهارات التنظيمية والمصداقية التي تتمتع بها الأحزاب في صفوف الناخبين.
هل من الممكن إجراء انتخابات دون مصالحة بين «حماس» والسلطة الفلسطينية؟
يتطلب قيام انتخابات بلدية حرة ونزيهة السماح للمرشحين بإجراء حملاتهم الانتخابية بشكل فعال، وهي ضرورة ليس من السهولة تلبيتها في ظل الانقسام الشديد التي تشهده اليوم الضفة الغربية وقطاع غزة. فمنذ استيلاء «حماس» بعنف على قطاع غزة عام 2007، قام كل من الفصيلين بقمع العمليات التي ينفذها الفصيل الآخر في المناطق الخاضعة لسيطرة كل منهما. وفي الضفة الغربية، تعتبر كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية أن حركة «حماس» تشكّل خطراً أمنياً، لذلك لم تستهدفا جناحها العسكري فحسب بل بنيتها التحتية السياسية والمالية أيضاً. وبالمثل، استهدفت «حماس» بانتظام الناشطين والمؤسسات التابعة لحركة «فتح»، فحدّت بشدة من قدرتها على العمل في غزة.
وحتى الآن، فشلت كافة المساعي التي تهدف إلى تحقيق المصالحة الوطنية، على الرغم من وفرة اتفاقيات المصالحة الرسمية. ولم يظهر الطرفان تقريباً أي إرادة سياسية للمصالحة، بل بذلا جهوداً كبيرة في توجيه أصابع الاتهام نحو بعضهما البعض. وحيث شعر الفصيلان بالخطر المتبادل، فقد عملا بثبات على منع بعضهما البعض من الحصول على أي موطئ قدم في المناطق التي يسيطران عليها، وتشير تصريحاتهما وأعمالهما الأخيرة إلى عدم وجود تغيّر في هذا التعنت. وفي مثل هذه البيئة، يعتبر الأمل المتمثل بسماح «فتح» و «حماس» لبعضهما البعض ببناء بنية تحتية تنظيمية ومالية لإجراء حملة انتخابات حرة أمراً بعيد المنال.
وبالإضافة إلى غياب المصالحة، لكل طرف دينامياته الخاصة التي تعيق إجراء الانتخابات البلدية.
«حماس» وتكلفة كونها منبوذة
بالإضافة إلى عجز «حماس» عن العمل بحرية في الضفة الغربية، تواجه الحركة مجموعة من التحديات المرتبطة بكونها مصنفة كمنظمة إرهابية ليس فقط في إسرائيل بل في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول مانحة أخرى. ويعني ذلك أن انتخاب عضو في «حماس» لعضوية أي بلدية قد يؤدي إلى مقاطعة الدول المانحة لتلك البلدية. ونظراً إلى أهمية المساعدات التي تقدمها الدول المانحة إلى البلديات التي تعاني من ضائقة مالية، فقد يترتب عن هذا الأمر انهياراً مدمراً في المكانة السياسية التي تحظى بها هذه البلديات وحركة «حماس» على السواء. وكما أثبت حكم «حماس» في غزة، قد تلوم الحركة الدول المانحة إلا أن الشعب يلوم «حماس» في النهاية لفشلها في الحكم وفي تأدية مهامها. وبالفعل، فبينما لا تزال «حماس» تحكم قبضتها على غزة، إلا أن خوض ثلاث حروب مع إسرائيل ومواجهة صعوبات اقتصادية ووجود حكومة يستشري فيها الفساد قد قضت تدريجياً على شعبية الحركة.
ونتيجة لهذه الاتجاهات، أعرب بعض قادة «حماس» عن عدم ارتياحهم من القرار الذي يقضي بالمشاركة في الانتخابات. وبالتالي، ظلت الحركة غامضة بشأن طبيعة مشاركتها. وتشير بعض التصاريح الصادرة عن بعض قادة «حماس» إلى أنه من المحتمل ألا تقدم الحركة مرشحين من قبلها بل قد تدعم مرشحين "مؤهلين وتكنوقراطيين". وقد اتبعت «حماس» مثل هذا التكتيك سابقاً مما سمح لها بالاستفادة من المكانة القبليّة أو السمعة المهنية اللتين يتمتع بهما مثل هؤلاء المرشحين المستقلين بينما تجنبت المسؤولية التي كان سيتكبدها أعضاء «حماس» نظراً إلى عزل الحركة على المستوى الدولي وإلى تراجع التأييد الشعبي التي كانت تحظى به.
حركة «فتح» وتكلفة الركود السياسي
تشمل التحديات التي تواجهها حركة «فتح» كونها مجزأة للغاية وتفتقر لأي تجدد سياسي. ففي الانتخابات البلدية التي أجريت عام 2012، وعلى الرغم من مقاطعة «حماس» لها، خسرت اللوائح الرسمية التابعة لـ «فتح» في بعض البلديات أمام منافسين من داخل الحركة، كانوا قد شعروا بتهميشهم من قبل الأجهزة الرسمية لـ «فتح» وقاموا بإدراج أسمائهم في لوائح بديلة. ومنذ ذلك الحين، تعمقت الانقسامات داخل حركة «فتح». وأصبح التسابق على خلافة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المتقادم في السن والذي لا يحظى بشعبية يحتل مركز الصدارة في سياسات «فتح». وفي مثل هذا السياق، فإن أولئك الذين يطمحون بالخلافة من المحتمل أن يستخدموا الانتخابات البلدية لإظهار قاعدات الدعم التي يحظون بها. وتشير بعض المؤشرات بالفعل إلى أن بعض قادة «فتح» يفكرون في تقديم بعض اللوائح المستقلة في مناطق في الضفة الغربية مثل نابلس وطولكرم.
وتشكل الانتخابات في غزة تحدياً إضافياً بالنسبة لحركة «فتح»، يتمثّل بشخصية محمد دحلان المنافس اللدود لعباس، والقيادي في «فتح» المولود في غزة، الذي على الرغم من طرده من الحركة ويعيش حالياً في المنفى، إلا أنه يحافظ على قاعدة صلبة تقوم على دعم الناشطين المتواجدين في غزة. وعلى الرغم من أن قيادة «فتح» قد تتمكن من منع المرشحين التابعين لدحلان من الترشح في الضفة الغربية، إلا أنه لا يمكنها القيام بذلك في غزة. إن قيام أي تحالف بين دحلان و «حماس»، كما طرح ذلك بعض المعلقين، والذي يسمح لـ «حماس» بتمكين مؤيدي دحلان من الفوز ببعض المقاعد، قد يشير إلى هزيمة مدوية لقائمة «فتح» الرسمية وإلى تعزيز مكانة دحلان، وتعتبر هذه النتيجة لعنة بالنسبة إلى عباس والعديد من قياديي «فتح» الآخرين.
سيناريوهات
نظراً إلى هذه التحديات، لا تشكل الانتخابات البلدية الناجحة السيناريو الوحيد، أو بالضرورة الأكثر ترجيحاً. وعوضاً عن ذلك، بدأ كل فريق يستعد بالفعل إلى إلقاء اللوم على الآخر إذا ما تم إلغاء الانتخابات أو إبطالها. ومنذ أن أعلنت «حماس» عن قرارها بالسماح بإجراء الانتخابات، سارعت وسائل الإعلام من كلا الجانبين إلى الإدعاء بوقوع مخالفات، وحدوث مضايقات ضد الأعضاء التابعين لكل منهما.
ووفقاً للرأي التقليدي السائد، قد يعود استعداد «حماس» للسماح بإجراء الانتخابات في المقام الأول إلى ثقة الحركة بأنها ستحصل فيها على نتائج جيدة، نظراً إلى ضعف منافسيها المنتمين إلى حركة «فتح» وقلة شعبيتهم والفوضى التنظيمية التي سيواجهونها. وقد ألمح بعض المحللين التابعين إلى حركة «حماس» إلى أن الحركة كانت قلقة أيضاً من منع إجراء الانتخابات البلدية لما لذلك من تداعيات تؤدي إلى زعزعة مكانتها. ولكن ما هو واضح، أن «حماس» تحاول أن تضع نفسها في حالة يكسب فيها الجميع. وإذ يقترب موعد الانتخابات ويصبح من السهل توقع النتيجة، وحيث تشعر «حماس» بالثقة بأنها ستخوض الانتخابات على ما يرام، فقد تمضي قدماً وتدّعي الفوز. وإذا قررت السلطة الفلسطينية إلغاء الانتخابات في ظل سيناريو كهذا، فسيعود هذا الأمر بالفائدة السياسية على «حماس». وفي المقابل، إذا شعرت «حماس» أنها ستُهزم في الانتخابات، فقد تستخدم القيود التي فرضتها إسرائيل والسلطة الفلسطينية على نشاطاتها في الضفة الغربية كذريعة للانسحاب وإلغاء الانتخابات في غزة.
وبدورها، من المحتمل أن تكون السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها «فتح»، عند إعلانها عن إجراء الانتخابات البلدية، قد توقعت أن تتكرر [نتائج] انتخابات عام 2012، التي خاضت فيها «فتح» الانتخابات دون أن أن يكون لها أي منافس. وقد أملت بالإدعاء بأن إجراء الانتخابات هو خطوة في سبيل التجدد الديمقراطي، في الوقت الذي تستهدف فيه «حماس» لمنعها من إجراء الانتخابات في غزة. بيد، وجدت «فتح» نفسها تواجه تحديات خطيرة ومحتملة مع قرار «حماس» خوض الانتخابات. وكما يتضح، قد تلجأ «فتح» أيضاً إلى إلغاء الاقتراع أو إلى إرجائه إلى أجل غير مسمى، حيث صرح بعض المسؤولين في «فتح» بصورة غير علنية بأن الحركة قد تقوم بذلك، مستشهدين بالتدخل الإسرائيلي أو القيود التي تفرضها «حماس» على أنشطة «فتح» في قطاع غزة.
إلا أن إلغاء نتائج الانتخابات أو إبطالها يشكلان استراتيجية محفوفة بالمخاطر لكلا الطرفين. ولإنجاح مثل هذه المقاربة، لا بد للرأي العام أن يقبل التبريرات التي تقدمها «حماس» أو «فتح» لهذه الأعمال. وبعد مرور ما يقرب من عقد من الاتهامات المتبادلة بين الفريقين، أصبحت ثقة الشعب في كل منهما منخفضة. ومن المرجح ألا يترتب عن قرار إلغاء الانتخابات سوى تفاقم هذا الانعدام في الثقة، مما سيؤدي إلى استفحال الأزمة السياسية الوطنية.
دور الجهات الفاعلة الخارجية
كما ذُكر سابقاً، تشكل عزلة «حماس» الدولية نقطة ضعفها الأساسية. ولتغيير هذه الصورة، من المحتمل أن تكثف الحركة نشاطاتها الإقليمية الظاهرة - والدولية أيضاً إذا أمكن ذلك - وتشجع الدول الصديقة، لاسيما تركيا وقطر، على زيادة دعمها لقطاع غزة. وتشير «حماس» بالفعل إلى أن قرار قطر القاضي بدفع راتب شهري كامل لموظفي الحركة في غزة هو دليل على ما يمكنها تحقيقه. ومن المرجح أيضاً أن تسلط الحركة الضوء على بعض المشاريع الإنسانية المتفق عليها بين إسرائيل وتركيا كجزء من الانفراج الأخير بين البلدين، بالإضافة إلى المناقشات التي تجري حالياً في إسرائيل حول بناء ميناء في غزة، للإشارة إلى تقليص عزلتها الدولية.
المحصلة
فيما يتعلق بالانتخابات القادمة، يتعين على الولايات المتحدة والدول المانحة الأخرى أن تكرر بشكل واضح وعلني ذكر قوانينها وسياساتها الحالية التي تتناول موضوع تقديم الدعم المالي إلى البلديات التي ينتخب فيها أحد أعضاء حركة «حماس». ومن المؤكد أن «حماس» ستعتبر مثل هذه التوضيحات تدخلاً في عملية الانتخابات، إلا أنها ضرورية لإعلام الناخبين بحقيقة العواقب التي ستترتب عن خياراتهم. وبعيداً عن هذه التوضيحات والدعم الروتيني المقدم لـ "لجنة الانتخابات المركزية"، ليس هناك الكثير الذي يمكن للمجتمع الدولي عمله أو عليه القيام به.
وفي حين يَعتبر بعض المراقبين أن موافقة «حماس» على المشاركة [في الانتخابات] تشكل خطوة كبيرة محتملة من شأنها أن تبعث الزخم في السياسة الفلسطينية بل تبشّر أيضاً بقدوم الانتخابات الوطنية التي تأخرت كثيراً، إلا أنه يجب على هذه النظرة المتفائلة أن تتعامل مع واقع يعجّ بالتحديات. فمنذ الانتخابات البرلمانية عام 2006، ليس هناك ما يشير على استعداد «حماس» أو «فتح» للمشاركة في أي سياسة تصالحية أو لقبول حكم مشترك في المناطق التي تقع تحت سيطرتهما. وتواجه كلا الحركتين تحديات ونقاط ضعف متميزة خاصة بهما. إن الدرس الذي يمكن استخلاصه من التجربة السابقة هو أنه من المرجح ألا يسمح الفصيلان باستمرار أي عملية سياسية مؤذية حتى النهاية. وفي المقابل، لا بد أن يجد أحد الجانبين ذريعة لإلغاء الانتخابات في المناطق التي تقع تحت سيطرته. وفي مثل هذه اللعبة السياسية المتمثلة في "الدفع نحو الهاوية"، يبقى السؤال الرئيسي: من سيغمض عينه أولاً؟
ومن دون التوصل إلى حل حل سياسي للقضايا الأكثر عمقاً التي تؤجج الانقسامات في السياسات الفلسطينية، بالإضافة إلى تلك التي تتسبب بشلل عام في النظام السياسي الفلسطيني، فقد تشكّل الانتخابات المقترحة سيناريو يساهم في ترسيخ الانقسامات ويعزز الأزمة السياسية الشاملة.
غيث العمري، هو زميل أقدم في معهد واشنطن، وقد خدم سابقاً في العديد من المناصب الاستشارية مع السلطة الفلسطينية.