- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2799
الانتخابات الرئاسية الإيرانية: الوضع الاقتصادي
"هذا المرصد السياسي هو الدفعة الثانية في سلسلة من ثلاثة أجزاء عن الانتخابات المقبلة في إيران. إقرأ الجزء الأول، الذي يناقش كيف يجب أن تفرق السياسة الأمريكية بين مراكز السلطة المنتخبة والثورية في طهران".
مع اقتراب الانتخابات المزمعة في التاسع عشر من أيار/مايو، أقدم فريق الرئيس حسن روحاني على تغيير رسالته بشأن أداء الاقتصاد الإيراني. فعوضاً عن لوم واشنطن على عرقلة الفوائد المتوقعة من الاتفاق النووي، تتفاخر أوساط روحاني اليوم بمدى أداء الاقتصاد. فما دقة هذا الادعاء، وما سبب استياء العديد من الإيرانيين من الوضع الاقتصادي؟
المؤشرات الكلية ممتازة
كان "الناتج المحلي الإجمالي" ("الناتج") الإيراني ينمو بوتيرة متسارعة بحيث أن "صندوق النقد الدولي" توقّع أن تبلغ نسبة النمو الفعلي في إيران 6.6 في المائة خلال العام الإيراني 2016/2017 (الذي انتهى في 21 آذار/مارس). كما أعلن حاكم "البنك المركزي" ولي الله سيف في 16 آذار/مارس أن "الناتج المحلي الإجمالي" المعدل وفق نسبة التضخم للأشهر التسعة الأولى من العام 2016/2017 وصل إلى 11.6 في المائة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق. وقد توقع منذ ذلك الحين أن يستمر هذا المعدل في عام 2017/2018 على الرغم من أن التنبؤ الصادر عن "صندوق النقد الدولي" كان أكثر حذراً واكتفى بنسبة 3.3 في المائة.
لقد انخفض معدل التضخم بشكل كبير. فقد توقع "صندوق النقد الدولي" أن مؤشر أسعار المستهلك سوف يرتفع بنسبة 8.9 في المائة خلال 2016/2017، وهو أول معدل أقل من عشرة في المائة منذ عقود. وفي المقابل، ارتفعت أسعار المستهلك إلى أكثر من 20 في المائة خلال ثلاثٍ من السنوات الثمانية السابقة. وعلى الرغم من أن "صندوق النقد الدولي" يتوقع أن يرتفع التضخم مرة أخرى في 2017/2018، إلّا أن فريق روحاني واثق من قدرته على إبقاء هذا المعدل ما دون الـ 10 في المائة.
وللسنة الثانية على التوالي، كانت واردات إيران (43.7 مليار دولار) أقل من صادراتها من النفط غير الخام (43.9 مليار دولار). ويقيناً، أن هذا الرقم الأخير مضلل بعض الشيء لأن صادرات النفط غير الخام والبالغة قيمتها 7.3 مليار دولار كانت عبارة عن متكثفات، وهي أساساً منتجات نفطية حتى وإن لم تصنّفها إيران أو الولايات المتحدة أو "منظمة التجارة العالمية" على هذا النحو. ومع ذلك، لا يخفى أن قيمة الصادرات غير النفطية البالغة 36.6 مليار دولار تبقى قيمة مرتفعة.
قضية صعبة لروحاني
على الرغم من هذه المعطيات المتفائلة، يواجه روحاني صعوبة كبيرة في إقناع الإيرانيين بالفكرة بأن الاقتصاد يحقق أداءً جيداً. ولا يزال "الناتج المحلي الإجمالي" والمؤشرات المرتبطة به أقل بكثير من ذروتها في الفترة 2011/2012 ولم تسجل أي مستوى جيد منذ ثورة عام 1979. ولا تزال البطالة مشكلة كبيرة أيضاً.
والواقع أن الاقتصاد الإيراني لم يتعافَ من الضربتين المزدوجتين اللتين أصابته، أي العقوبات الدولية المكثفة وانهيار أسعار النفط. وتشير تقارير "صندوق النقد الدولي" إلى أن "الناتج المحلي الإجمالي" للفترة 2011/2012 بلغ 541 مليار دولار، وأن "الناتج" للفترة 2016/2017 بلغ 377 مليار دولار أو أقل بنسبة 30 في المائة. وما يجعل من هذه الهوة أكثر إيلاماً لروحاني هو أن الاقتصاد حلّق عالياً خلال عهد سلفه - حيث بلغ "الناتج المحلي الإجمالي" 161 مليار دولار في 2004/2005، قبل انتخاب محمود أحمدي نجاد، مما يعني أن هذا الرقم تضاعف ثلاث مرات أساساً أثناء فترة رئاسته. بيد أن"الناتج المحلي الإجمالي" لم يصل حتى الآن إلى هذه المستويات العالية خلال فترة حكم روحاني. ويمكن لهذا الأخير أن يشير إلى عدة أسباب دقيقة عن سبب عدم مسؤوليته عن هذا الأمر- [على سبيل المثال]، أن تراجع الاقتصاد قد بدأ في عهد أحمدي نجاد، وأن انهيار أسعار النفط كان خارج سيطرة إيران، وأن استطالة الموقف المتحفظ للمرشد الأعلى من المواجهة النووية مع الغرب أنزل ضرراً شديداً بالاقتصاد - إلا أن النتيجة النهائية هي أن الحياة اليوم أصبحت أكثر صعوبة على غالبية الإيرانيين مما كانت عليه في عهد أحمدي نجاد، على الأقل من الناحية الاقتصادية.
ومما يزيد من حدة المشكلة هو السجل الاقتصادي الضعيف نسبياً في البلاد في ظل الجمهورية الإسلامية. فمتوسط الدخل الفردي اليوم، والمعدّل وفق نسبة التضخم، هو أدنى من مستواه عام 1979. وحتى الآن لم تعوّض إيران عن الضربة الهائلة التي تعرضت لها خلال العقد الأول من احتدام الثورة ولا عن الحرب التي طالت دون جدوى مع العراق، الأمر الذي قلّص معدل الدخل الفردي إلى أكثر من النصف. كما أن أي مقارنة مع دول المنطقة تثير قدراً مماثلاً من اليأس. ففي عام 1979، كان "الناتج المحلي اإلجمالي" الإيراني أكبر من "الناتج المحلي اإلجمالي" في تركيا، ولكنه اليوم يصل إلى نصف ناتج هذه الدولة المجاورة. وقد تسابقت الإمارات العربية المتحدة مع الجمهورية الإسلامية أيضاً: ففي عام 1979، كان "الناتج المحلي الإجمالي" الإيراني أكبر بثلاثة أضعاف من نظيره الإماراتي، أما اليوم فهما متساويان تقريباً. ويقيناً، أن الدخل ليس مقياساً مثالياً للرفاه، فقد شهدت المؤشرات الاجتماعية كمتوسط العمر المتوقع ومحو الأمية تحسناً كبيراً منذ الثورة. ومع ذلك، لا تزال الجمهورية الإسلامية بعيدة كل البعد عن الهدف الذي تَصوره الشاه قبل الإطاحة به، أي وصول إيران إلى مستويات المعيشة الأوروبية.
والمشكلة الأخرى التي تواجه روحاني هي البطالة. فقد عجزت إيران عن إيجاد عدد كافٍ من الوظائف لجيل "طفرة المواليد" الذي سعى إلى الانضمام إلى القوى العاملة خلال العقد المنصرم. وخلال كل عام من الأعوام الخمسة التي سبقت الإحصاء السكاني لعام 2011/2012، بلغ1.8 مليون إيراني سنّ الثانية والعشرين مقارنةً بـ1.2 مليون عام 2016/2017. فضلاً عن ذلك، ووفقاً لـ "الكتاب السنوي للإحصاءات" في إيران منحت الجامعات الإيرانية438,000 شهادة بكالوريوس و218,000 شهادة جامعية تحضيرية في عام 2011/2012. ولكن تعذّر استحداث عدد كافٍ من الوظائف لهذه الطفرة من اليد العاملة الحائزة على شهادات تعليمية عالية، على الرغم من أن عدداً قليلاً نسبياً من النساء الشابات يبحثن عن عمل - حيث تبلغ نسبة النساء اللاتي ينضمن إلى القوى العاملة الإيرانية 16 في المائة، مقابل 23-25 في المائة في مصر و30 في المائة في تركيا. ووفقاً لروحاني، تم استحداث نحو 700 ألف فرصة عمل في 2016/2017، وكان قد أطلق ادعاءات مماثلة خلال السنوات الماضية، إلا أن ذلك لا يكفي لتوظيف جيل طفرة المواليد الجديد بكامله. ولكن مع اضمحلال هذه الطفرة، قد تصبح هذه الأرقام ملائمة للسنوات المقبلة - على الأقل طالما بقيت مجموعات كبيرة من النساء خارج القوى العاملة.
خطة روحاني ليست أفضل من خطة خامنئي
يتمثل جوهر خطة روحاني في إحياء الاقتصاد من خلال الاستثمار الأجنبي والمدخلات الأجنبية. ولكن الكثير من الاستثمارات الأجنبية التي تستطيع إيران استقطابها هي مشاريع رأسمالية عالية تخلق عدداً قليلاً من فرص العمل. إن ما يناسب البلاد بشكل أفضل هو استخدام اليد العاملة الشابة ذات المستوى التعليمي العالي بصورة أكثر فعالية، وليس إنفاق مليارات الدولار لاستيراد طائرات الركاب أو بناء محطات جديدة للطاقة النووية.
ومن السهل الاستهزاء بالنداءات المتكررة إلى "اقتصاد المقاومة" التي يطلقها المرشد الأعلى علي خامنئي. فهو غالباً ما يتحدث مثلاً عن "الاكتفاء الذاتي اقتصادياً"، وهذا أمر منافٍ للمنطق في دولة يعتمد اقتصادها على صادرات النفط. ولكنه يؤيد أحياناً نفس النوع من السياسات الإنمائية التي أجدت نفعها في شرق آسيا، أي تعزيز الصادرات وعدم تشجيع الواردات. بيد أن الاقتصادات السائدة في الغرب ترفض هذا النهج وتعتبره عودة إلى مقاربات الاقتصاد السياسي التي شاعت في القرن الثامن عشر، لكنها أجدت نفعاً في كل من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ، وكذلك في الصين على نطاق أوسع. وبالمثل، أحزرت إيران تقدماً ملحوظاً في تحسين ميزانها التجاري الخارجي وتنمية قطاعها الصناعي - حيث كان التنويع وليس الاستثمار الأجنبي هو محرّك عجلة نموها الاقتصادي.
إلّا أنّ منافسي روحاني تابعوا دعوة خامنئي إلى [تبنّي] اقتصاد المقاومة، وخصوصاً إبراهيم رئيسي. وحتى لو كان تركيز الرئيس الإيراني على الاستثمار الأجنبي أفضل من نهج نقّاده الشعبويين - مع التشديد على "لو" في السياق الإيراني - إلّا أنّ آراء المتشديين قد تلقى تجاوباً أكبر من الرأي العام، لا سيما في ضوء سيل الانتقادات العنيفة حول مشكلة البطالة.
ويدّعي بعض النقاد الإيرانيين أيضاً أن استمرار العقوبات الأمريكية يعرقل الاقتصاد. ومع ذلك، فإن الخطوات الكفيلة فعلاً بتعزيز النمو هي الإصلاحات الهيكلية الرامية إلى الحد من المحسوبية والفساد والتدخل من قبل المؤسسات الثورية. وفي تقرير "ممارسة أنشطة الأعمال" الصادر عن "البنك الدولي" لعام 2017، الذي يصنف مدى سهولة عقد الصفقات في جميع دول العالم، تراجعت إيران إلى المرتبة 120 من أصل 190 دولة هذا العام. ولكن أيّاً من المرشحين الرئاسيين لم يجعل من الإصلاحات الهيكلية قضية مركزية، ربما لأن الشعب يئس من تمكّن أي مسؤول منتخب من التأثير على المصالح الثورية الراسخة. ولا ننسى أن وزير النفط بيجان زنكنة أقرّ في التاسع من نيسان/أبريل، أي بعد أكثر من ثلاث سنوات على وضع هدف استقطاب الاستثمارات الاجنبية في طليعة أولوياته، أن إبرام عقود النفط الجديدة يسير بوتيرة بطيئة مشيراً إلى أنها لا تزال تخضع لمراجعة "المجلس الأعلى للأمن القومي". وحتى في المجالات التي كان فيها التقدم أقل بطئاً، مثل الخطوات المتواضعة التي اتخذتها الحكومة للارتقاء بالمصارف إلى المعايير الدولية، لا يزال على إيران بذل الكثير من الجهود إلى درجة أنها لم تحصد حتى الآن سوى منافع محدودة. والواقع أن هذه العراقيل الهيكلية تعيق الاقتصاد أكثر من أي قيود دولية.
پاتريك كلوسون هو زميل أقدم في زمالة "مورنينغستار" ومدير الأبحاث في معهد واشنطن. وقد عمل سابقاً كخبير اقتصادي أقدم في "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي"، من بين وظائف أخرى.