- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3225
الانتخابات الرئاسية في الجزائر تجسّد لحظة مصيرية
في 12 كانون الأول/ديسمبر، أي بعد حوالي 10 أشهر من خروج المتظاهرين في جميع أنحاء الجزائر إلى الشوارع احتجاجاً على ترشُّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، سوف تنتخب الجزائر خلفاً له. وكانت الحركة الاحتجاجية السلمية إلى حدّ كبير والتي تطلق على نفسها تسمية "الحراك" قد رأت في ترشّح بوتفليقة استفزازاً، لأنه بالكاد ظهر علناً بعد تعرضه لجلطة دماغية في عام 2013. ورغم تراجعه عن الترشح في نيسان/أبريل، إلا أن "الحراك" بدأ بالدعوة إلى المزيد من التغييرات الجذرية، بما في ذلك وضع حد لهياكل السلطة التي حكمت البلاد منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1962.
ورداً على ذلك، تدخل رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح لتأكيد سيطرته على العملية السياسية، على الرغم من اختيار البرلمان لرئيس مؤقت. وبالإضافة إلى اعتقال الناشطين وإحالة بعض خصومه في الحكم إلى المحاكمة، فقد حثّ قايد صالح على إجراء انتخابات بحلول نهاية هذا العام. ومنذ ذلك الحين، تطوّر الوضع السياسي ليصبح مواجهة بين "الحراك" الشعبي والجيش. وفي ظل عدم وجود أي مرشح يمثل المحتجين، ستكون انتخابات الأسبوع الجاري بمثابة اختبار حاسم لمستقبل الجانبين.
الجهات الفاعلة الرئيسية
لأكثر من نصف قرن، تولّت مجموعة معقّدة من المؤسسات السياسية والأمنية تُعرف باسم "لو بوفوار" أو الدولة العميقة التي تستنزف السلطة والثورة والنفوذ في الجزائر إدارة النظام السياسي في الجزائر. وتُبقي هذه الجهات الفاعلة بعضها البعض تحت الرقابة بينما تتحكم بتوزيع عائدات النفط على النخب العسكرية والإدارية - وهو دور بالغ الأهمية في الاقتصاد حيث ترتبط 95 في المائة من عائدات التصدير و 60 في المائة من إيرادات الميزانية بالنفط والغاز. وكان الحكم المنعدم الشفافية في البلاد قد جعل من الصعب على الجهات الخارجية معرفة من يتحكم بزمام الأمور في أي وقت، وأصبح الجزائريون أنفسهم حذرين من أن يتمّ التلاعب بهم على يد بعض محرّكي الدمى المجهولي الهوية.
وتقليدياً، كان ثمة توازن في القوى قائم بين رئيس أركان الجيش، ورئيس الأجهزة الأمنية، ورئيس البلاد، حيث غالباً ما يختار أول اثنان مرشحين لتولي المنصب الثالث بناءً على المرونة المدركة. إلّا أن بوتفليقة غيّر هذا التوازن من خلال ممارسته المزيد من التأثير على القضايا المدنية ووضع رئيس الأركان في وجه شخصيات رائدة في الأجهزة الأمنية، الأمر الذي همّش تدريجياً هذا الأخير. وبحلول عام 2015، تمتع الرئيس وقائد الجيش بسلطة غير مسبوقة.
وهكذا مهدت الاحتجاجات التي أطاحت ببوتفليقة الطريق أمام قايد صالح، الذي خدم في الجيش لمدة ستة عقود وهو أحد من عدد قليل من أعضاء الجيل الثوري الذي ما زال في السلطة. وحيث اضطلع بدور غير معهود من قبل في الساحة السياسية، فقد اغتنم الفرصة لاعتقال أو تهميش أفراد من جماعة بوتفليقة (وأبرزهم شقيقه سعيد)، وعدد من رجال الأعمال الفاسدين في الدائرة المقرّبة لبوتفليقة، والعديد من مسؤولي الأمن الموالين للرئيس السابق.
لقد جعلت حملة التطهير قايد صالح، البالغ من العمر 79 عاماً، الرجل الأقوى في البلاد، لكن الانكشاف الناتج عن ذلك لم يصبّ في مصلحته دائماً. ففي أيلول/سبتمبر، حين كان "الحراك" الشعبي يكافح للبقاء في الشوارع، هدّد قايد صالح بمنع دخول المتظاهرين إلى العاصمة الجزائر. لكن هذه الخطوة قدّمت لهم دافعاً إضافياً ومنحت المسيرات الأسبوعية زخماً جديداً. ويحتاج قايد صالح، أكثر من أي شخص آخر، إلى أن تأتي الانتخابات برئيس موثوق كي يتمكن من التقليل من انكشافه وإعادة الجيش إلى دوره التقليدي الأقل علنيةً. ومع ذلك، فقد تسعى الأجهزة العسكرية إلى استبداله الآن بعد أن أدانه المحتجون.
وفي غضون ذلك، يُنظر على نطاق واسع إلى المرشّحين الذين ستظهر أسماؤهم في صناديق الاقتراع على أنهم امتداد للنظام. فمن بين 23 مرشحاً، وافقت السلطة الانتخابية على خمسة مرشحين فقط، وهم:
- عبد المجيد تبون (73 عاماً)، الذي شغل سابقاً منصب رئيس الوزراء ووزير الاتصالات ووزير الإسكان، وكان يُعتبر المرشح المفضل للجيش حتى وقت قريب - لكنه قد يكون مجرد تضليل لجعل فوز مرشح آخر يبدو كمفاجأة، وبالتالي أكثر شرعيةً في نظر الجزائريين.
- علي بن فليس (75 عاماً) شغل منصب رئيس الوزراء من عام 2000 إلى عام 2003، ثم مضى لمعارضة بوتفليقة لمدة خمسة عشر عاماً، وخاض الانتخابات ضده في عامي 2004 و 2014. وادّعى لاحقاً أن كلا الانتخابات شابهما الغش (رغم أن المراقبين الدوليين لم يوافقوا على ذلك). ونظراً إلى أنه لا يحظى بشعبية أكثر من المرشحين الآخرين، فقد يُعتبر انتخابه "مفاجأة".
- عز الدين ميهوبي (60 عاماً) كان وزيراً للثقافة في عهد بوتفليقة، ويمكن أن يحظى بدعم جزء كبير من النظام كبديل أكثر حيادياً لـ تبون أو بن فليس.
- عبد القادر بن قرينة، كان وزيراً للسياحة ونائباً يمثل حزباً إسلامياً صغيراً هو "البناء". وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يدعم الجيش مرشحاً إسلامياً، إلا أن فوزه يمكن استغلاله أيضاً كوسيلة لإثبات أن الجيش لم يتلاعب بنتيجة الانتخابات، بينما يلعب في الوقت نفسه على وتر الاستياء الذي لا يزال الكثيرون يشعرون به جراء الحرب الأهلية بين الجيش والجماعات الجهادية في تسعينيات القرن الماضي.
- عبد العزيز بلعيد، أسس حزب "جبهة المستقبل"، وهو حزب صغير متحالف مع "جبهة التحرير الوطني"، الحزب المهيمن في الجزائر طوال نصف القرن الماضي. ومن شأن انتخابه أن يجعل منصب الرئاسة ضعيفاً للغاية، مما يؤجج فكرة أن الجيش لا يزال يتحكم بالعملية السياسية.
من الصعب تصوّر سيناريو يقبل فيه "الحراك" فوز أي من هؤلاء المرشحين؛ وبالفعل، حثّ المتظاهرون رفاقهم على مقاطعة الانتخابات. وفي حزيران/يونيو، جمعت الحركة التي لا قائد لها ممثلين عن نحو سبعين منظمة من منظمات المجتمع المدني، تطالب كل واحدة منها بفترة انتقالية تقوم خلالها شخصية معترف بها وطنياً أو لجنة من الأفراد المتفق عليهم بتسهيل الحوار مع القيادة السياسية بهدف وضع خارطة طريق للخروج من المأزق. ورغم أن هذا الاقتراح لم يلق آذاناً صاغية، إلا أن التنظيم الذاتي لـ"الحراك" الشعبي، ووعيه المدني، وضبط النفس الذي يتحلى به، وانفتاحه قد منح الكثير من الجزائريين شعوراً جديداً من الاعتزاز والحق بالعملية السياسية. وسابقاً، كان يُنظر إلى معظم المواطنين على أنهم منفصلين عن السياسة، ويشعرون بالاشمئزاز من سنوات من التلاعب والإهمال المتصورَيْن.
ويشير حجم "الحراك" الشعبي وقدرته على التحمّل إلى أن عدداً كبيراً من الناخبين سوف يستجيب لدعوته لمقاطعة الانتخابات هذا الأسبوع. ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كانت نسبة المشاركة ستتأثر بين الأشخاص الأقل التزاماً بالحركة.
السيناريوهات والتوصيات
لقد تم السماح للصحفيين الأجانب بتغطية الانتخابات، لكن المراقبين الدوليين لن يتمكنوا من الإشراف على الانتخابات بذاتها، مما يحدّ من شفافية العملية. وبالتالي، قد يتكشف أي من السيناريوهات الثلاثة التالية.
أولاً، قد تشوب الانتخابات عدة عوائق على غرار تدخل "الحراك" أو قيام أعمال عنف تنفذها الأجهزة الأمنية. وكان الجيش قد أوضح أن منع مواطنين آخرين من الإدلاء بأصواتهم هو خط أحمر، وفي حين سمحت قوات الأمن باستمرار التظاهرات إلى حد كبير، إلا أنها زادت في الوقت نفسه من عمليات الاعتقال ومنعت "الحراك" من وقف الاجتماعات المتعلقة بالانتخابات. وإذا حاول عدد كبير من المتظاهرين منع الأفراد من التصويت، فقد يكون ردّ القوى الأمنية قاسياً، مما سيتسبب بأعمال عنف لم تشهدها البلاد من قبل. ومع ذلك، يأمل قادة الجيش على الأرجح في تجنب مثل هذا التصعيد لأنه سيُعرّض للخطر استقرار البلاد ويمنعهم من تطبيع الوضع المؤسسي.
ثانياً، إذا كانت نسبة المشاركة منخفضة للغاية، فقد تُضعف شرعية الرئيس الجديد، وتبقي المؤسسات مشلولة، وتضخ طاقة جديدة في صفوف "الحراك". وقد يحاول الجيش إجبار الرئيس الجديد على تقديم إصلاحات، لكن مثل هذه الخطوة قد تدفع بعض المتظاهرين إلى الانخراط في تكتيكات أكثر تطرفاً. وحتى إذا حافظ "الحراك" ببساطة على مستوى الحشد الحالي، فمن شأن الجمود المستمر أن يجعل موقف قايد صالح أكثر صعوبة.
ثالثاً، إذا كانت نسبة المشاركة متدنية أو متوسطة وفاز مرشح آخر غير تبون، فسيكون لدى الجيش ذريعة كافية من أجل إطلاق المرحلة الثانية من العملية الانتقالية - أي ترك وجه جديد (نسبياً) يتحمل عبء كسر الجمود، وتمكين الجيش من التراجع. ومن الناحية النظرية، يمكن للرئيس الجديد الاستفادة من هذا المنصب ليضطلع بدور الوسيط بين الجيش والشارع. وعلى الرغم من أن هذا الدور من شأنه أن يضع بطبيعته ضغطاً هائلاً على الفائز [في الانتخابات]، إلا أنه قد يمثل أفضل فرصة لتحقيق نتيجة سلميّة وفتح مسار معقّد وهش بل عملي نحو بعض الإصلاحات.
لكن بالنظر إلى قلق الجزائر من أي تدخل خارجي، فقد يكون اتخاذ قوى خارجية خطوات أو إصدار تصريحات مصممة لتطبيق السيناريو الثالث هزيمة ذاتية. فماضي البلاد الاستعماري يجعل من التصريحات التي ستصدرها فرنسا بشكل خاص والدول الغربية بشكل عام مسألة حساسة للغاية. وفي الواقع، من المرجح أن يستخدم معارضو "الحراك" أي تصريح داعم للمتظاهرين من أجل تقويض هذه الحركة ووصفها بالمؤامرة الخارجية. وفي الوقت نفسه، سيعتبر الجزائريون أي تصريح يقدّم ولو دعماً محدوداً للوضع الراهن بمثابة مؤشر على دعم الجيش. ومع ذلك، فمن غير الواقعي أن نتوقع من المجتمع الدولي التزام الصمت في أعقاب حدث سياسي مهم في بلد بالغ الأهمية لاستقرار شمال إفريقيا.
وبما أنه لا يمكن لأي مرشح أن يكسر حاجز الأزمة السياسية فقط من خلال فوزه بالانتخابات، فبالتالي إن المسألة الرئيسية لا تتعلق بالانتخابات بحدّ ذاتها بقدر ما ستتمخض عنه العملية. ينبغي على واشنطن أن تقدّم جبهة موحدة مع المجتمع الدولي بشأن الضرورات التالية: حث الأجهزة الأمنية الجزائرية سراً على احترام حق الشعب في الاحتجاج؛ إبلاغ "الحراك" الشعبي بأن الاحتجاجات يجب أن تظل سلمية؛ وحثّ من تفرزه الأصوات في موقع سلطة على معالجة مظالم "الحراك" بجدية ويرسي الأسس لإصلاحات طويلة الأجل الضرورية إلى حد كبير في المجالين الاقتصادي والسياسي. ففي النهاية، سيكون من الصعب تنفيذ حتى التغييرات الملحة والمفيدة إذا ما اعتُبر أنصارها غير شرعيين.
سارة فوير هي زميلة مساعدة في معهد واشنطن.