- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
الانتخابات في مصر (الجزء الثاني): السلفيون يستخدمون التربية في حملتهم الانتخابية
"إقرأ الجزء الأول من هذه المقالة، الذي ناقش الجهود السياسية لـ «حزب النور» في الدفاع عن نفسه من الهجمات الأخيرة واستغلال فرصه الانتخابية إلى أقصى الحدود الممكنة."
في الوقت الذي تستعد فيه الأحزاب السياسية في مصر للدخول في المرحلة الأولى من الجدول الزمني للانتخابات في 17 تشرين الأول/أكتوبر، تتجه الأحزاب السلفية إلى المجال التربوي للترويج لبرامجها وإعادة تشكيل صورها كعوامل محفزة على "البناء والتنمية". ويتم تنفيذ هذه الاستراتيجية على خلفية بيان وزارة الأوقاف من 26 آب/أغسطس حول دعم حملة "لا للأحزاب الدينية" (لمعرفة المزيد عن هذه الحملة، راجع الجزء الأول). وهناك حافز آخر وهو المبادرة الآنية من قبل المؤسسة الدينية في الأزهر لتهميش الفكر السلفي الصادر عن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، ويتم ذلك أساساً من خلال المطبوعات والشراكات مع الوزارات الوطنية والمعاهد التربوية.
انتقادات من "الهادئين"
إن اسلوب الأحزاب السلفية في التركيز على التربية هو استجابة واضحة للعداء المتزايد في المجال السياسي. لكنه قد يكون أيضاً وسيلة لكسب منتقدي هذه الجماعات من السلفيين "الهادئين" في الوقت الذي يمكن أن تفقد فيه الأحزاب مثل «حزب النور» ناخبين غير سلفيين محتملين.
ووفقاً لبعض التقارير كان هؤلاء "الهادئون"، الذين يعارضون أي دخول في السياسة البرلمانية، قد هاجموا «حزب النور» والفصائل الأخرى مراراً وتكراراً لإهمالهم التربية في سعيهم إلى السلطة. على سبيل المثال، وصف أحد أشد المنتقدين أحمد النقيب، أعضاء «حزب النور» بأنهم "سلفيين ديمقراطيين"، ودعا في العدد الأول من مجلته الشهرية في أعقاب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، إلى إعطاء "دور نشط للشباب خلال الأزمة الحالية" عن طريق توسيع معرفتهم بالشريعة الإسلامية من خلال [اتباع استراتيجية] "التصفية والتربية".
وهناك منتقد شديد آخر هو خالد سعيد المتحدث باسم "الجبهة السلفية"، الجماعة التي انفصلت عن "الدعوة السلفية" - المنظمة الأم لـ «حزب النور» - في عام 2012، ومنذ ذلك الحين بدأ يتحدث بصراحة ووضوح ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي، بل أنه استضاف مظاهرة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. ووصف سعيد «حزب النور» بأنه يعتمد على "مَصدريْ دعم هما: أموال الخليج والتعيينات الحكومية". وفي مقال ظهر على شبكة الإنترنت في 30 آب/أغسطس بعنوان "التنازلات التي قدمها «حزب النور» من أجل البرلمان"، قال سعيد إن الحزب "لا يولي اهتماماً للمصادر الإسلامية، بل إلى ما يمليه الحكام والممولين"، مدعياً أن مواقف الحزب "لا علاقة لها بمبادئ الشريعة الإسلامية".
كما أن هناك أصوات أخرى أكثر تشدداً قد أدانت «حزب النور» لوقوفه مع حكومة السيسي على حساب المبادئ السلفية. وقد نبذ السلفي المصري ذو الميول الجهادية المقيم في قطر وجدي غنيم، الأحزاب السياسية ووصفها بأنها "ليست سلفية حقاً"؛ وقد جاء ذلك في محاضرة ألقاها غنيم في 28 آب/أغسطس بعنوان "السيسي الكافر ابن اليهودية يحارب الإسلام". و ندد بـ "حزب الظلم" على وجه التحديد، في إشارة إلى «حزب النور» كما يُرجح.
الجوانب السياسية المرافقة للتربية
لكي تُظهر الأحزاب السلفية والإسلامية التزامها تجاه مؤيديها من مستوى القاعدة الشعبية، في الوقت الذي تعمل فيه على إقناع أكبر عدد من أفراد الجمهور بأنها توجه مصر بعيداً عن العنف الناجم عن أعمال تنظيم «الدولة الإسلامية»، ذهبت هذه الأحزاب إلى أبعاد مختلفة لتثقيف الطلاب حول الحاجة إلى بناء قيم صحيحة، والمساهمة في المجتمع الحديث، والحفاظ على القانون والنظام. ففي 28 آب/أغسطس، خاطب نائب رئيس الشؤون التربوية في «حزب النور» أحمد خليل خير الله، طلاب المدارس الثانوية في محافظة المنوفية حول التكنولوجيا، مؤكداً أن عليهم استخدامها "للاستفادة والزيادة من العلم لا لتأخذهم بعيداً عن الواقع". وأوضح كذلك أن "الشباب يعاني هذه الأيام من مشاكل متعددة وخطيرة، أبرزها مشكلة التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي التى أصبح أسيراً لها".
وبالمثل، ألقى مؤخراً زعيم «حزب النور» يونس مخيون محاضرة أمام جمهور من طلاب المدارس الثانوية وتلاميذ تحفيظ القرآن الكريم حول ضرورة غرس كل من المعرفة والأخلاق الحميدة. كما قال لهم أنه ينبغي عليهم "العمل على حماية الدولة والحفاظ عليها موحدة"، مشيراً إلى أن الغرب يحاول تقسيم مصر ويراهن على زوالها.
وقد استخدمت الأحزاب السلفية الأخرى المجال التربوي لإلقاء محاضرات حول كيفية الحكم، بما يتميز عن المشاركة في الحياة السياسية. وإحدى هذه الجوانب هي فك الارتباط بين استخدام اللغة العربية الحديثة للكلمة "سياسة" وبين معناها في القانون الإسلامي التقليدي، وهي "الحكم". وفي 27 آب/أغسطس، نشرت صفحة الفيسبوك الرسمية لـ «حزب الوطن» السلفي رسائل حول "فن الحكم"، مؤكدة أنه "في حين يرى البعض أن دراسة الحكم تقتصر على الممارسين وأولئك الذين يدرسونها، إلا أنه في واقع الأمر هي حاجة اجتماعية يجب علينا جميعاً الإطلاع عليها".
وفي الوقت نفسه، عكست منشورات الجماعات المنتسبة لـ «حزب النور» قلق الحزب من تعزيز "الفهم الصحيح" لأيديولوجيتها. على سبيل المثال، في مقالة نُشرت في 26 آب/أغسطس من على موقع "الدعوة السلفية" "أنا السلفي" (Anasalafy.com) بعنوان "براءة السلفية من التكفير"، أكد المؤلف محمد القاضي على "براءة السلفية براءة تامة من المنهج الداعشى الذى انتشر فى هذه الاوقات للأسف الشديد بين أبناء الصحوة نتيجة قلة العلم و انتشار الجهل بالأدلة الشرعية و أقوال العلماء...".
المحصلة
على الرغم من أن استراتيجية "التصفية والتربية" كانت السمة المميزة للحركة السلفية على مدى عقود، إلا أن التركيز مؤخراً على التربية من قبل الأحزاب السياسية السلفية قد يكون أكثر تعلقاً بتوجيه صورتها العامة بعيداً عن ارتباطها الأيديولوجي مع تنظيم «داعش»، ذلك الارتباط الذي استخدمه المعارضون السياسيون والوزارات الدينية الحكومية باستمرار ضدهم. وهذه الأحزاب مجهزة بشكل جيد لإبراز انطباع بديل عن التزامها الأصولي لتعاليم الدين الإسلامي، وبصفة أساسية من خلال التذرع بمفهوم الحكم والتركيز بشكل أكبر على سيادة القانون بدلاً من فرض القانون الإسلامي.
ومع أن مسار رحلة «حزب النور» قد يتغير في الأسابيع المقبلة، إلا أنه ركز حملته التربوية حتى الآن على مقره في مدينة الإسكندرية،. ويشير ذلك إلى أن الأولوية الأولى للحزب قد تكون منع أَتْباع قاعدته الشعبية من تحويل ولائهم إما إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» أو إلى منافسين سلفيين محليين.
وأخيراً، من المهم أن نلاحظ أن تحركات «حزب النور» على الجبهة التربوية هي خطوات مكمّلة لمواقفه السياسية وليس بديلاً عنها؛ وستصبح تفاصيل هذه المواقف أكثر وضوحاً في الأسابيع المقبلة. وفي 3 أيلول/سبتمبر، عقد ميخون اجتماعاً تمهيدياً لمناقشة [أسماء] المرشحين في الانتخابات، وفي العدد الأخير من منفذ السلفية "الفتح نيوز"، أعلن أن حزبه سيتنافس على 60 في المائة من مقاعد البرلمان.
يعقوب أوليدورت هو زميل "سوريف" في معهد واشنطن. نريد الإشارة هنا إلى أن جميع بيانات الوقائع أو الرأي أو التحاليل التي تم التعبير عنها في هذه المقالة هي آراء الكاتب فقط ولا تعكس مواقف أو وجهات النظر الرسمية للحكومة الأمريكية