- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الانتقائية في الاعتماد على النموذج الأمريكي هي خطوة خاطئة في النقاش القضائي الإسرائيلي
Also published in "ذي هيل"
سيخلّف تخلي الدولة عن فكرة السلطة القضائية المستقلة تأثيراً بالغاً على العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
على الرغم من النداء الملح الذي وجهه الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، لتعليق البدء بالإجراءات التشريعية، صوتت "لجنة الدستور والقانون والقضاء" في الكنيست الإسرائيلي يوم الإثنين لصالح إرسال بند رئيسي من حزمة الإصلاح القضائي إلى الجلسة العامة التي ستنعقد بجميع أعضائها من أجل قراءته الأولى. وإذا أصبحت هذه الحزمة قانوناً، فستغير توازن القوى بين فروع الحكومة الإسرائيلية تغييراً جذرياً.
لقد أصبحت المخاطر عالية جداً بنظر الإسرائيليين. ويرى معارضو الحزمة أنها تهدد طابع إسرائيل الديموقراطي، وقد حث ذلك 100 ألف متظاهر على الاحتجاج في الشوارع أسبوعياً للتعبير عن معارضتهم لها، علماً أن إسرائيل لم تشهد في تاريخها احتجاجات مستمرة بهذا الحجم. أما مؤيدو الحزمة فيزعمون أنها ستخدم الديمقراطية بعد أن لفتوا إلى أن السلطة القضائية قد أصبحت قوية جداً ورفضت إرادة الشعب من خلال استباقها صلاحيات الحكومة المنتخبة. ويؤكد العديد من المتظاهرين على ضرورة إعادة التوازن، ولكنهم يعتبرون أن هذه الإصلاحات لا تعرف الجيد من السيئ.
وعلى الأقل، يذكّرنا النقاش كما تذكرنا الاحتجاجات بقوة الديمقراطية الإسرائيلية، إذ يشكل النقاش جزءاً من الروح الإسرائيلية، وكذلك التصويت. كيف يمكننا تبرير مشاركة 71 في المائة من الشعب الإسرائيلي في الانتخابات الخامسة التي تُنظَّم في غضون ثلاث سنوات ونصف، وهو رقم يفوق بشكل واضح نسبة إقبال الناخبين الأمريكيين، لو لم يكن هذا صحيحاً.
ومع ذلك، من الواضح أن تعريف الديمقراطية لا يقتصر على الانتخابات. فالمجر (هنغاريا) وبولندا تجريان انتخابات، ولكنهما تتبعان نظام حكم الأغلبية الذي لا يراعي فعلاً حقوق الأقلية. وفي مجموعة مقالات "الأوراق الفدرالية" على سبيل المثال، يندد جيمس ماديسون بخطر تركّز السلطة في فرع واحد فقط من فروع الحكومة. لذلك هناك حاجة إلى الضوابط والتوازنات خشية أن يهدد تركّز السلطة حقوق الفرد.
ويقول بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي الجديد، أن الإصلاح القضائي المقترح يعكس ببساطة النموذج الأمريكي. ولكن هذا ليس صحيحاً.
والصحيح هو أن الإصلاح يأخذ بشكل انتقائي جانباً من النهج الأمريكي الذي يسيّس اختيار القضاة والمستشارين القانونيين، حتى في الوقت الذي يتجاهل فيه الضوابط والتوازنات التي تحمي الحقوق الفردية.
نعم، تعتمد الولايات المتحدة عملية سياسية لاختيار القضاة، مما يعني أن الإدارات الجمهورية والديمقراطية تختار القضاة بناء على فلسفاتها السياسية المختلفة إلى حد كبير. وعلى نحو مماثل، في الولايات المتحدة يتم تعيين كل مستشار قانوني تابع للوزارة من قبل عضو مجلس الوزراء الذي يترأس الوزارة أو الوكالة، بخلاف إسرائيل حيث يكون المستشارون القانونيون في الوزارات مسؤولين أمام النائب (المدّعي) العام وليس رئيس الوزارة.
لقد عملنا بشكل وثيق مع مستشاريْن قانونييْن في وزارة الخارجية الأمريكية - الأول هو مسؤول عيّنه وزير الخارجية بخلاف الثاني الذي عيّنه مسؤول غير حزبي كما هو الحال في إسرائيل.
وفي هذا السياق، لا يجوز اعتبار هذه الجوانب من حزمة الإصلاحات المقترحة معادية للديمقراطية، حتى لو كان من الأفضل عدم منح المسؤولين السياسيين صلاحية تعيين القضاة والمستشارين القانونيين كما هو الحال في الولايات المتحدة (حيث يصعب إنكار الواقع بأن هناك قضاة "جمهوريون" و "ديمقراطيون").
ولكن هنا تكمن المشكلة: تعتمد الإصلاحات على النموذج الأمريكي بصورة انتقائية، فتأخذ منه الجانب الذي يناسب التفضيل السياسي لصاحب حزمة الإصلاح، وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين، وتتجاهل ما يبقى. ففي النهاية، تتخذ "المحكمة العليا" في الولايات المتحدة قراراتها على أساس الأغلبية البسيطة، وإذا اتخذت قراراً يبطل قانوناً أقره الكونغرس، فلا يمكن للهيئة التشريعية الأمريكية إلغاء قرار المحكمة.
وتضم الحزمة الإسرائيلية بند إلغاء سيسمح لأغلبية بسيطة من أعضاء الكنيست، أي 61 عضواً من أصل 120، بإلغاء أي قرار تصدره "المحكمة العليا" الإسرائيلية. (لا يمكن إبطال قرار قضاة "المحكمة العليا" الإسرائيلية الخمسة عشر، إلّا إذا وافق جميعهم على القرار ذو الصلة. ومثل هذا الإجماع لن يكون موجوداً على الإطلاق تقريباً).
وسيضع بند الإلغاء بصياغته الحالية حداً لفصل السلطات، وسيؤدي بالتالي إلى هيمنة السلطة التنفيذية في إسرائيل دون أي ضوابط. ويتمتع ائتلاف رئيس الوزراء بتفوق عددي في الكنيست بفضل نظام إسرائيل البرلماني، ولهذا السبب، يمكن لحكومة ذات قاعدة ضيقة لا تخضع لإشراف قضائي أن تقرّ أي قوانين تريدها، وقد يسفر ذلك عن استبداد الأغلبية من دون حماية حقوق الأقليات.
وفي الولايات المتحدة، يحظى المواطنون بحماية دستورية. ولا تملك إسرائيل دستوراً وإنما "قوانين أساسية" تشكل في جوهرها شبه دستور مكتوب وفق فصول موضوعية. ولكن إذا أصبح بند الإلغاء بصياغته الحالية قانوناً، ستتمكن أغلبية بسيطة في البرلمان الإسرائيلي من تعديل "القوانين الأساسية" كما يحلو لها، من دون أي رادع.
[وفي هذا الصدد]، قال الياكيم روبنشتاين، نائب رئيس "المحكمة العليا" السابق في إسرائيل، الذي يحظى باحترام كبير وينتمي إلى يمين الوسط سياسياً، إن الإصلاحات - ستؤدي إلى "دكتاتورية ديمقراطية" ما لم تُعدَّل.
هل يمكن تحقيق التوازن بين أولئك الذين يريدون الحفاظ على استقلالية القضاء في إسرائيل التي عادت بالنفع على الدولة على مدى 75 عاماً وأولئك الذين يريدون معالجة مسألة تجاوزات السلطة القضائية؟ لقد عرض الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ بعد أن اجتمع مع الأطراف كافة في الأسابيع القليلة الماضية، خمسة مبادئ من شأنها أن تحدد في جوهرها "القوانين الأساسية" بشكل أكثر دقة وتجعلها قابلة للتفسير بطريقة أكثر صرامة، وتعزز التنوع في السلطة القضائية نفسها لتعكس جميع عناصر المجتمع الإسرائيلي، وتضمن أن يعكس إلغاء أي قرار صادر عن "المحكمة العليا" إجماعاً أكبر. ويرى الرئيس الإسرائيلي أن هذه المبادئ توفر أسس الحوار والتسويات التي ستترتب عنه.
ويقدم الرئيس هرتسوغ مخرجاً من الانقسام العميق الذي تشهده البلاد، وبدلاً من اتخاذ المواقف بشأن نداء هرتسوغ، على جميع الأطراف قبول عرضه بالحوار الذي يجب أن يبدأ الآن.
إن التسوية ضرورية وممكنة في الوقت نفسه.
وفي سياق العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، تجدر الإشارة إلى أن استقلالية القضاء الإسرائيلي قد صبّت في مصلحة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. لقد خوّلت واشنطن حث مجموعات مثل "محكمة العدل الدولية" على الثقة في وجود رقابة قضائية في إسرائيل لا مثيل لها في الشرق الأوسط. ورسّخت أيضاً الاعتقاد لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة بأن إسرائيل تعتمد إجراءات قانونية واجبة فيما يتعلق بمطالبة الفلسطينيين بالأراضي.
إن المخاطر عالية. وسيخلّف فقدان استقلالية السلطة القضائية في إسرائيل تأثيراً بالغاً على العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فآخر ما تحتاجه إسرائيل هو الظهور بصورة الدولة الرافضة للقيم الأمريكية، لا سيما مع تزايد الانتقادات التي تتعرض لها في أوساط التقدميين وعدد متنام من الشباب الأمريكي.
إن المصالح المشتركة قد تجمع بين الحكومتيْن، ولكن القيم المشتركة هي التي تربط مجتمعيْنا على نحو مستمر. وإذا تخلت إسرائيل عن هذه القيم فستواجه صعوبة متزايدة في الحفاظ على ما امتلكته طيلة 75 عاماً، أي سيطرة قوية على مخيلة الرأي العام الأمريكي.
دينس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن. ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المتميز في المعهد، ومدير "مشروع كوريت" حول "العلاقات العربية الإسرائيلية".