- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الأقليات اليزيدية ما زالت تعاني بعد سقوط الخلافة
هزّت الأعمال الإرهابية التي مارسها تنظيم "الدولة الإسلامية" خلال عهد خلافته التي فرضته بنفسه الضميرَ العالمي، لدرجة أن ألدّ الأعداء حشدوا مواردهم لمواجهة التهديد الذي طرحه. ولكن كما صرّحت كيلي إ. كوري، وهي موظفة رفيعة المستوى في وزارة الخارجية وممثلة عنها في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، في حديث أجرته مؤخرًا في "معهد السلام الأميركي" مع نادية مراد الحائزة على جائزة نوبل للسلام: "لن ينتهي الصراع إلا بالتئام الجراح". ولكي تلتئم الجراح الجسدية والنفسية التي تعاني منها أعداد هائلة من ضحايا الخلافة، يجب بذل الجهود عينها التي حُشدت لمواجهة تهديد تنظيم "الدولة الإسلامية" العسكري.
وعلى الرغم من إعلان العراق نهاية الخلافة في العام 2017، إلا أن الندوب لا تزال محفورة في الذاكرة الجماعية للشعب اليزيدي. وبالرغم من أن شهر آب/أغسطس 2019 يسجل انقضاء خمسة أعوام على الإبادة اليزيدية، لا يزال اليزيديون يعانون. فقد دفعت الحملة التي شُنت على المجتمع اليزيدي آلاف الأشخاص إلى عيش حياة بائسة إلى أبعد الحدود، كما أدت التوترات المذهبية الممزوجة بالتعصب الديني إلى دمار المجتمع اليزيدي القديم في منطقة سنجار الواقعة في محافظة نينوى العراقية وأجبرت فتيات يزيديات على العبودية الجنسية، باستخدامهن كدروع بشرية وتخديرهن وغرس العقائد في عقولهنّ، في حين تم التخلص من آلاف الرجال والنساء المسنات في قبور جماعية. لا يزال الكثيرون في عداد المفقودين، في حين أن الناجين منهم لا يزالون يعانون من الظُلم الذي ألحق بهم.
قبل الهجوم الذي شنه تنظيم "الدولة الإسلامية" في العام 2014، كان عدد السكان اليزيديين يبلغ حوالى 400 ألف نسمة. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، تم قتل أو إخفاء 10 آلاف واختطاف 6400 شخص في أعقاب هذا الهجوم. أبلغت "يزدا"، وهي منظمة يزيدية هدفها التوعية، عن أعداد مروعة مماثلة، مقدّرة أعداد القتلى بـ 12 ألفًا. ووفقًا للأمم المتحدة، لا تزال 3 آلاف امرأة وفتاة في عداد المفقودين. واليوم، لقد يسكن من تبقى منهم في إقليم كردستان العراق كنازحين داخليًا أو يعيشون في مخيمات اللاجئين في شمال شرق سوريا. أما أولئك الذين تمكنوا من الهرب من المنطقة فيقيمون حاليًا في أرجاء أوروبا والولايات المتحدة.
كسب اضطهاد اليزيديين اهتمامًا دوليًا تجلّى بسنّ الكونغرس الأميركي مشاريع قوانين عديدة مرتبطة بمناصرة اليزيديين. في العام 2016، صوّت الكونغرس بالإجماع (بنسبة 393 صوتًا مقابل صفر) على مساعدة المسيحيين واليزيديين وأقليات دينية أخرى تعيش في مناطق خاضعة لسيطرة "الدولة الإسلامية" بواسطة قانون العدالة لليزيديين. وفي العام 2018، سنّ الكونغرس قانون الإغاثة والمساءلة عن الإبادة الجماعية في العراق وسوريا، الذي "يخول الوكالات الحكومية الأميركية تأمين المساعدات الإنسانية وتحقيق الاستقرار والتعافي للمواطنين والسكان في العراق وسوريا، بصورة خاصة الجماعات العرقية والأقليات المعرضة لخطر الاضطهاد أو جرائم الحرب". ويمنح القانون الوكالات أيضًا الصلاحية للمساعدة في مقاضاة مرتكبي الجرائم في ما يتعلق بهذه الأعمال.
بيد أن اليزيديين الذين لا يزالون في العراق عالقون في صراع على السيطرة بين بغداد وأربيل، في حين أنهم يتجنبون أيضًا صراعات عنيفة مستمرة بين المليشيات الشيعية المدعومة من إيران. هذا وقد حاولت "قوات الحشد الشعبي" والقوات الأمنية العراقية وقوات البشمركة الكردية وجماعات ذات صلة بـ"حزب العمال الكردستاني" - الذي صنفته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية - وتركيا إقناع اليزيديين بأن بإمكانها توفير أفضل الأوضاع الأمنية، إلا أن قوات "حزب العمال الكردستاني" هي التي وفّرت الأمن على الفور لليزيديين في العام 2014 عندما هرب الكثير من القوات الأخرى من بغداد وأربيل.
وبالرغم من أن هذه المحاولات المتنافسة تُعتبر حامية للأقليات اليزيدية، لا يزال أغلبية المجتمع يواجه ظروفًا قاسية. على حدّ تعبير الممثلة الخاصة لأمين عام الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، "يفاجئني الآن وبعد مرور حوالى خمسة أعوام على سيطرة "داعش" (تنظيم "الدولة الإسلامية") على سنجار وما تلا ذلك من تحرير للمنطقة أن أرى أن الكثيرين لا يزالون يعيشون في الخيم، على قمة الجبل الذي هربوا إليه في ذورة الحملة الإرهابية".
ولكن اليزيديين يخشون من أن تؤدي عودتهم إلى منطقتهم التاريخية في سنجار إلى عواقب وخيمة. وأفادت "مجموعة الأزمات الدولية" بأنه يُعتقد أن "قوات الحشد الشعبي" "هي المسيطرة من الناحية السياسية والعسكرية [في المنطقة] وتوفر ممرًا لإيران للوصول إلى سوريا". وفي إحدى مقالات "فورين بوليسي" الصادرة في العام 2018، أكّد نائب قائد "قوة حماية إيزيدخان" اليزيدية، إيدو حيدر مراد، على هذا التقييم بشأن "قوات الحشد الشعبي" في سنجار: "يريدون استخدام هذه المنطقة للسيطرة على قمة الجبل، يريدون السيطرة على إسرائيل، يريدون السيطرة على كل شيء".
ومن الجانب المشرق، تمكن القادة اليزيديون من الحصول على أربعة مقاعد في مجلس حكومة إقليم كردستان التي أُعلن عنها حديثًا. ذُكر أن رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان المكلف، مسرور بارزاني، قد وافق على المناصب التالية: نائب وزير، ووزير للشؤون اليزيدية، ومستشار لدى القيادة البرلمانية الكردستانية لشؤون اليزيديين، ومدير لشؤون اليزيديين العامة. بينما يصعب تقييم ما إذا كان منح هذه المناصب مجرد مسألة رمزية أو ما إذا كانت المناصب ستتمتع بصلاحيات، فقد يسمح الوضع الأخير لليزيديين بممارسة تأثير أقوى على مسائلهم الخاصة. يأمل الكثيرون من اليزيديين في محاسبة أولئك المسؤولين عن الإبادة وتأمين التعويضات لأفراد عائلاتهم والحصول على ضمانات أمنية لمناطقهم والسعي على وجه الاحتمال إلى تحقيق المزيد من الاستقلالية داخل العراق.
ونظرًا إلى التحديات التي تواجه اليزيديين الذين يأملون في العودة إلى سنجار، يبني الكثيرون منهم حاليًا مجتمعات خارج العراق. وبشكل خاص، يتمتع أولئك الذين يعيشون في الولايات المتحدة بالحرية الدينية، ولهذا السبب شهدت الجالية اليزيدية فترة إعادة بناء في أميركا، بعيدًا عن فظائع تنظيم "الدولة الإسلامية". تضم مدينة لينكولن في نيبراسكا أكبر عدد من اليزيديين في الولايات المتحدة ويبلغ عددهم حوالى 3 آلاف شخص. بدأ هناك السكان اليزيديون حياة جديدة بينما يحاولون إرسال المساعدات إلى عائلاتهم في الشرق الأوسط. ويوضح الناشط من المجتمع اليزيدي، خلف حسو، بأن أفراد المجتمع "لم يكونوا واثقين مما إذا كان عليهم البقاء هنا أو العودة مجددًا إلى الشرق الأوسط، وفجأةً بدأ اليزيديون كلهم بالمجيء إلى هنا". بعدما أدرك أفراد المجتمع بأن احتمال عودتهم إلى بلادهم في المستقبل القريب ضئيل، كان أول ما سعوا إليه هو بناء مقبرة، ما له معانٍ كبيرة نظرًا إلى أنّ المجتمعات في المهجر كانت تعيد الجثث إلى العراق من أجل دفنها.
قام الوضع المتزعزع في سنجار، مقرونًا بالفرص المتاحة في لينكولن، بتشجيع أفراد العائلات إلى بناء مجتمعهم ومساعدة الوافدين الجدد والتوعية بمشاكل اليزيديين، في حين أنهم يواصلون ممارسة تقاليدهم اليزيدية. وكما يوضح نائب رئيس "يزدا"، هادي بير: "عانى المجتمع بما يكفي. يجب أن نشعر كما كنا نشعر في العراق، أن نعيش على الأقل حياة طبيعية نوعًا ما". ويجب بالتالي على الأميركيين أن يستمروا بالتشجيع على الاستقرار ودعم هؤلاء الذين عانوا في ظروف قاسية، بما أن المعاملة المنصفة والعدالة لمجتمع الأقليات اليزيدية أمر ضروري لترسيخ المعايير الإقليمية التي ستوفر درجة من الاستقرار في الشرق الأوسط.