- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الأردن يعود إلى التحالف السني- الإسرائيلي
على الرغم من التوترات الأخيرة التي حدثت بين المملكة الأردنية الهاشمية وبعض الأطراف الأخرى الفاعلة في الشرق الأوسط، أتاحت الديناميكيات المتغيرة في المنطقة الفرصة لظهور تحالف مؤقت- مدعوم من قبل الولايات المتحدة- بين إسرائيل والدول العربية السنية المعتدلة (السعودية، الإمارات، مصر، الأردن، البحرين). وفي حين أن هذا التقارب قد اثبت أنه مفيد مالياً وسياسياً للملكة، إلا أنه أثار غضب العديد من الأردنيين. ومع ذلك، نجح الملك عبد الله الثاني بن الحسين في مقاومة هذه الضغوط واتخذ خطوات جريئة وقرارات استراتيجية حكيمة لتعزيز هذا التقارب.
يقوم هذا التحالف على ركيزتين أساسيتين، أولهما التهديد الذي تشكله إيران وتنظيم والدولة الإسلامية "داعش،" حيث عبر الملك عبد الله، عن مخاوفه في ما يخص تمدد النفوذ الإيراني، حيث قال في مقابلة له مع صحيفة الواشنطن بوست في عام 2017 أن "الحرس الثوري الإيراني على بعد 70 كيلو متر من حدودنا وإذا كان ذلك غير جيد بالنسبة لنا فيجب أيضا اخذ المعادلة الإسرائيلية في الحسبان." وفى واقع الأمر، دفعت المخاوف بشأن النوايا التوسعية لإيران وتنظيم " داعش"، فضلاً عن الرغبة في منع إيران من تحقيق طموحاتها النووية، دفعت إسرائيل والدول السُنّية المذكورة إلى الاعتراف بمصالحهم المتبادلة وفتح الباب أمام التنسيق الأمني في ما بينهم.
أما الركيزة الثانية التي دفعت إلى تشكيل هذا التحالف فهي اقتصادية بطبيعتها، حيث شهدت الأعوام السابقة تزايد كبيرا في حجم التبادل التجاري والمشروعات المشتركة بين إسرائيل والدول العربية المكونة للتحالف السني. فمثلا، وقعت شركة ديليك دريلنغ الإسرائيلية في عام 2014 اتفاقا بقيمة 771 مليون دولار مع شركات أردنية مثل شركة البوتاس العربية وشركة برومين. وبعد مضى عامين، وقعت الشركة المالكة لحقل الغاز الإسرائيلي ليفاثيان اتفاقا بقيمة 10 مليار دولار مع شركة الكهرباء الأردنية.
ومع ذلك، تخلفت الأردن عن مشاركة الولايات المتحدة وإسرائيل والمحور السني نفس الرؤى حول القضايا الإقليمية الحاسمة وعلى راسها القضية الفلسطينية ومستقبل القدس، والحرب في اليمن. فمثلا، ترى عمان أن الأولوية يجب أن تكون للصراع العربي -الإسرائيلي، في حين ترى الأطراف الأخرى أن مواجهة التمدد الإيراني يجب أن يكون له الأولية. إضافة إلى ذلك، أدى رفض الأردن إرسال قواته إلى حرب اليمن ومعارضته للحصار الذي فرضته الدول السنية الأربعة على قطر، وعدم اتخاذ موقف متشدد من جماعة الإخوان المسلمين أدى إلى توتر العلاقات بين الأردن والمملكة العربية السعودية. وبالطبع، لم يساهم قرار نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس في تعزيز العلاقات بين عمان وواشنطن، كما أدى اندلاع العنف المرتبط بقرار إسرائيل بتركيب بوابات الكترونية على أبواب المسجد الأقصى لتفتيش المصلين المسلمين في صيف 2017 إلى إغلاق مؤقت للسفارة الإسرائيلية في الأردن، وذلك على الرغم من إعادة فتح السفارة منذ ذلك الحين.
وعلى الرغم من الضغوط المفروضة على الملك عبد الله من قبل قوى المجتمع المدني والمؤسسات السياسية الرسمية وغير الرسمية، لحثه على الانسحاب من المحور السني- الإسرائيلي، إلا أن سرعان ما أدرك الملك خطورة ذلك على المصالح الأردنية على المدى الطويل .ومن ثم، سعى الملك عبد الله إلى تقوية العلاقات مع إسرائيل والدول السنية الأخرى، حيث استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لعمان، كما استدعى سفيره من طهران، ولا نية لديه لإرسال سفير جديد، وقام بإرسال ولي العهد الأمير حسين إلى الأمارات للقاء نظيره الإماراتي الأمير محمد بن زايد. وبالمثل ، سافر الملك عبد الله إلى واشنطن العاصمة وشارك في قمة مكة ، التي نتج عنها دعم الأردن بمبلغ 2.5 مليار دولار.
التحدي الأكثر جدية الذي يواجه العاهل الأردني الآن هو كيفية إقناع الأردنيين بالمصالح التي سوف يتحصل عليها الأردن من خلال بقاءه في التحالف السني الإسرائيلي. ومع ذلك، يدرك المجتمع الأردني محدودية صانع القرار على التأثير في مجريات الأحداث خاصة تلك التي تتعلق بالقدس وعملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية. وبالتالي يجب على الملك أن يحاول إقناع الشعب الأردني بأن مشاركة الأردن في التحالف ستوفر له مظلة سياسية للانخراط التام في أي صفقة مقبلة يحافظ من خلالها على دوره التاريخي في عملية السلام وعلى مصالح المملكة في القدس بشكل أساسي. لذلك، يجب على الشعب الأردني أن يتفهم أن الأردن بصفته دولة صغيرة ذات موارد محدودة، تعتمد على حلفائها، حتى لو بدى هؤلاء الحلفاء في بعض الأحيان أقل مثالية.