- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
الأردنيون يحتجون على إدانة رقيب بتهمة قتل ثلاثة جنود أمريكيين
في عمّان يوم 17 تموز/يوليو، أدانت محكمة عسكرية أردنية الرقيب أول معارك أبو تايه بتهمة القتل المتعمد لثلاثة عناصر من القوات الخاصة لسلاح المشاة الأمريكي أو"القلنسوات الخضراء" في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في قاعدة "الأمير فيصل الجوية" في الجفر، جنوب المملكة. وقد حُكم عليه بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، مع احتمال تخفيض الحُكم الى السجن عشرين عاماً لحسن السلوك. ومنذ صدور الحكم، لم تكف قبيلة الحويطات التي ينتمي إليها أبو تايه عن الاحتجاج وإدانة النظام الملكي بشدة. وفي حين تستضيف المملكة الهاشمية 1.4 مليون لاجئ سوري وتواجه بالفعل تحديات أمنية متزايدة، فإن مصادفة هذه المظاهرات مع الاضطرابات المحلية الناجمة عن العنف في القدس تأتي في أوقات صعبة للمملكة.
وكانت قبيلة الحويطات من أوائل الداعمين للحكم الهاشمي في المملكة وأهمهم خلال أربعينيات القرن الماضي. بيد أنّ القبيلة الكبيرة المستقرة جنوبي البلاد أثبتت مراراً أنها حليف عنيد [ومتمرد] للبلاط. فقد شكلت الاحتجاجات التي كانت القبيلة تنفذها بين الحين والآخر في معقلها في معان - وأقدمت خلالها في بعض الأحيان على ادعاء دعم أفراد العائلة المالكة السعودية كبديل للحكم الهاشمي - مصدر إزعاج للعائلة الحاكمة الأردنية. ومع ذلك، فعلى مر السنين، كان البلاط الملكي قادراً إلى حد كبير على تبديد السخط في هذه المنطقة المحرومة اقتصادياً [والتي تعتمد] سياسات المحسوبية.
وبعد صدور حكم المحكمة العسكرية، دعت القبيلة عبر صفحتها على موقع الـ "فيسبوك" - التي تضم 41,000 متابع - إلى التظاهر في [منطقة] الجفر. وقد نددت التعليقات التي نشرتها على صفحتها يوم صدور الحكم بالوجود العسكري الأمريكي في المملكة، وانتقدت الجيش الأردني لـ"تخليه عن [أبو تايه] بدلاً من حمايته". وذكرت أن هذا الحكم سيكون "بوابة الجيش لإسقاط [الملك عبدالله الثاني] الذي تجاوز الحدود بعيداً عن إرث البلاد وإرث والده [الملك حسين].
ويصف الآن شعار صفحة القبيلة على موقع الـ "فيسبوك": "تذكروا عدد رصاصات معارك أبو تايه وتناسوا رصاصات عودة أبو تايه"، وهو شيخ القبيلة وقائد "الثورة العربية الكبرى" الذي تحالف مع الهاشميين لطرد الإمبراطورية العثمانية مما يعرف اليوم بجنوب الأردن. كما شملت منشورات هذه الصفحة فيديوهات لرجال القبيلة على الجمال يحملون أعلام السعودية.
وفي 18 تموز/يوليو، احتجت قبيلة الحويطات عبر إحراق سيارات وإطارات في منطقة الجفر على طول الطريق السريع 15، حيث أغلق أفرادها الطريق بين معان ووادي رم، مما دفع بالسفارة الأمريكية في عمان إلى إصدار إعلان يحذر المواطنين الأمريكيين في المملكة من السفر محلياً. وفي مساء 18 تموز/يوليو، أطلق معتدون مجهولو الهوية النار في القاعدة الجوية. وفي وقت مبكر من صباح 19 تموز/يوليو، حاول موكب من رجال قبيلة الحويطات السفر من معان إلى عمّان للاحتجاج أمام السفارة الأمريكية والديوان الملكي. وتحسّباً لاندلاع أعمال عنف، أفادت التقارير أن الحكومة أغلقت الطرق أمام المتظاهرين ونشرت أفراد إضافيين من قوات الأمن وأقامت حاجزاً لتفتيش السيارات التي تدخل العاصمة.
ومن غير الواضح إلى متى ستواصل القبيلة احتجاجاتها، أو ما إذا كان الغضب - على البلاط الملكي والولايات المتحدة - سوف يتجاوز نطاق قبيلة الحويطات وإلى رجال القبائل الأخرى في المملكة أيضاً. وقد أعرب أعضاء من قبائل كبيرة أخرى، مثل بني حسن، عن تضامنهم [مع أبو تايه] من على صفحة الـ "فيسبوك". لكن الواقع الافتراضي لا يهم بقدر ما يحصل على الأرض. فالسلطات الأردنية تتمتع بخبرة كبيرة في احتواء المظاهرات والحد منها، كما أن الشعب الأردني لم يُظهر منذ عام 2011 رغبة في المخاطرة بتنظيم احتجاجات قد تزعزع الاستقرار.
غير أن إغلاق الحرم الشريف/جبل الهيكل بعد إقدام ثلاثة من عرب إسرائيل على إطلاق النار على عنصرين من الشرطة الإسرائيلية في 14 تموز/يوليو أدى إلى قيام المزيد من المظاهرات - وإن كان معظم المشاركين فيها من الأردنيين من أصل فلسطيني وليس من أصل قبلي. وفي 16 تموز/يوليو، غصت شوارع عمّان بمئات الأردنيين احتجاجاً على الإغلاق. وعلى الرغم من إعادة السماح بدخول المسجد الأقصى، إلّا أن أجهزة كشف المعادن التي وضعتها إسرائيل حديثاً [في مداخل الحرم الشريف] - وكذلك التصريحات الملتهبة من قبل رئيس البرلمان الأردني عاطف الطراونة - من المرجح أن تتسبب بتنظيم مسيرات أكبر يوم الجمعة المقبل، 21 تموز/يوليو.
وبالمقارنة مع الدول العربية الأخرى، شهدت المملكة احتجاجات قليلة نسبياً في السنوات الأخيرة. لكن الأمر الاستثنائي في المظاهرات المتعلقة بالحكم الصادر بحق أبو تايه هو أنها تسلط الضوء على التفاوت بين البلاط الذي يميل إلى الغرب ومعظم الشعب الأردني، الذي لا يحب الولايات المتحدة كثيراً، وفقاً للاستطلاعات. كما أن الاهتياج في أوساط القبائل - التي تزوّد الجيش الأردني والأجهزة الأمنية بالجنود والأفراد - يشكل مصدر قلق أكبر بكثير من المسيرات الواجبة المناهضة لإسرائيل في الوقت الراهن. وفي نهاية المطاف، من المرجح أن يتخطى الأردن هذه الأزمة، وسينصب تركيز الشعب مجدداً على المزيد من المخاوف التقليدية والدنيوية مثل تلك المرتبطة بالاقتصاد المتعثر والبطالة المتوطّنة. ولكن في الوقت الحاضر، يمكن إضافة هذه الاحتجاجات إلى قائمة كبيرة ومتنامية من التحديات التي تواجهها المملكة.
ديفيد شينكر هو زميل "أوفزين" ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.