- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2692
الأردنيون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع: فهل تعود جماعة «الإخوان المسلمين»؟
أشارت استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن الإقبال على الانتخابات النيابية الأردنية في 20 أيلول/سبتمبر سيكون منخفضاً، ويُعزى ذلك على الأرجح إلى أن المواطنين لطالما اعتَبروا هذه المؤسسة غير فعالة وغير ذي قيمة. ومع ذلك، ستشكّل المعركة الانتخابية اختباراً مهماً لقوة إسلاميي الأردن. وكان حزب «جبهة العمل الإسلامي» - الجناح السياسي لفرع جماعة «الإخوان المسلمين» المحظور في المملكة الهاشمية - قد قاطع الانتخابات الوطنية في دورتيْن سابقتيْن، إلا أنه وافق على المشاركة في هذه الانتخابات بناءً على القانون الانتخابي الجديد.
تغيير قوانين الانتخابات
عندما أجرى الأردن انتخابات نيابية حرة على الصعيد الوطني في عام 1989- في إطار أول عملية انتخابية منذ ثلاثة عقود - فازت «جبهة العمل الإسلامي» بـ 34 مقعداً من أصل 80 مقعداً. ولتجنّب تكرار مثل ذلك السيناريو اللافت، أقدم الملك حسين على تعديل القانون الانتخابي في عام 1993، بحيث حوّله من صيغة تقوم على "عدة مقاعد، عدة أصوات" إلى نظام "عدة مقاعد، صوت واحد"، مما أرغم الناخبين عملياً على منح الأولوية لولائهم العشائري على ميولهم السياسية والإيديولوجية. وخلال الانتخابات التي جرت في ذلك العام، فازت «جبهة العمل الإسلامي» بـ 17 مقعداً فقط، ثم قاطعت الانتخابات في عاميْ 1997 و2003، حيث شكت من أن نظام الصوت الواحد "ليس ديمقراطياً".
وفي عام 2012، تمّ ثانية تغيير القانون الانتخابي، من أجل منح المواطنين صوتاً إضافياً للأحزاب السياسية، لكن «جبهة العمل الإسلامي» لم تشارك في الانتخابات التي جرت في العام اللاحق. ومع ذلك، فخلال آذار/مارس من هذا العام، صادق الملك عبدالله الثاني على نظام الأصوات المتعددة الذي أثنى عليه الإسلاميون، مما مهّد الطريق أمام مشاركة الحزب في الانتخابات.
وفي حين لا يزال سوء تحديد الدوائر الانتخابية - أي التلاعب في تقسيم الدوائر الانتخابية لصالح "أردنيي الضفة الشرقية" ذوي أصول عشائرية [وتفضيلهم] على "أردنيي الضفة الغربية" من أصول فلسطينية - يطرح مشكلة، إلا أن القانون الجديد يُعتبر تحوّلاً مهماً كبيراً عن سابقه من وجوه أخرى عديدة. فبموجب قانون 2012، كان يحقّ لكل مقترع في خمسٍ وأربعين دائرة انتخابية الإدلاء بصوت واحد لأحد مرشّحي الدائرة وصوت لقائمة وطنية نسبية مغلقة. وقد خُصّص سبعة وعشرون مقعداً للقوائم الوطنية من أصل 150 مقعداً في مجلس النواب، مع تخصيص حصص للنساء والمسيحيين والشركسيين والبدو. وأبقى القانون الجديد نظام الحصص على ما هو عليه عموماً لكنّه خفّض مقاعد البرلمان إلى 130 معقداً وعدد الدوائر الانتخابية إلى ثلاثٍ وعشرين دائرة. إلا أن التغيير الأكبر يتمثّل بالانتقال إلى نظام يستند إلى قائمة حزبية - حيث أصبح بإمكان الأردنيين الآن الإدلاء بثلاثة إلى سبعة أصوات لمرشّحي القوائم الوطنية النسبية المفتوحة في دائرتهم الانتخابية (أي أنهم سيصوتون لصالح قائمة فضلاً لعدد المرشّحين المخصّصين لدائرتهم ضمن القائمة نفسها).
ورغم تعقيد هذا القانون الجديد، أثنى عليه المجتمع الدولي إلى حدّ كبير فضلاً عن الإصلاحيين الأردنيين الذين يعتقدون أنه قد يساهم في تمتّع البلاد بمجلس نواب أكثر فعاليةً يركّز على القضايا المهمة ويهيمن عليه عددٌ محدودٌ من الكتل المتنافسة. ولكن هذا النوع من التحوّل يبدو مستبعداً. فبادئ ذي بدء، يضمن وجود 230 قائمة تضمّ نحو 1300 مرشّح يتنافسون على 130 مقعداً، قيام مجلس نواب يجمع في كنفه عشرات الأحزاب المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تخصيص خمسة عشر يوماً فقط للحملات الانتخابية، أدّى إلى انعدام الوقت الكافي لتركيز المرشّحين اهتمامهم على مسائل ترتبط "بخدمات المواطنين" والتي تؤثّر في "أولويات حياة" الناس، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "الغد" في 12 أيلول/سبتمبر. وكان استطلاع للرأي أجراه "المعهد الجمهوري الدولي" الأمريكي في نيسان/أبريل قد أظهر أن الناخبين قلقون على وجه خاص إزاء المشاكل الاقتصادية، حيث لفت نحو 70 في المائة منهم إلى أن وضع الاقتصاد "سيئ" أو "سيئ للغاية"، وأشاروا إلى أن أكبر المشكل تتمثّل في ارتفاع الأسعار ومعدل البطالة والأجور المنخفضة. بيد، قام عدد قليل من المرشّحين والأحزاب بنشر برنامجهم الانتخابي المرتبط بهذه القضايا على موقع "الفيسبوك"، الذي يُعتبر وسيلة التواصل الاجتماعي الأكثر شيوعاً في المملكة.
وباختصار، سيتألّف مجلس النواب القادم على الأرجح بصورة عامة من سياسيين يملكون جداول أعمال خاصة بهم، وليس من كتل كبيرة تجمعها مبادئ أو منصات موحَّدة، علماً بأن الاستثناء البارز لهذه القاعدة يتمثّل بحزب «جبهة العمل الإسلامي» الذي وعد بالخروج من الانتخابات بأكبر كتلة.
المشهد الإسلامي الجديد
شهد الإسلام السياسي الأردني الكثير من التغييرات منذ الانتخابات السابقة عندما كان حزب «جبهة العمل الإسلامي» لا يزال يقاطع الانتخابات وعندما استحوذ حزب "الوسط الإسلامي" غير المعروف نسبياً على 19 مقعداً، وامتلك الكتلة النيابية الأكبر في ذلك الوقت. ومنذ ذلك الحين، شملت التطورات الرئيسية ما يلي:
- "مبادرة زمزم". في عام 2012، أسّس المسؤول السابق في جماعة «الإخوان المسلمين» رحيل غرايبة، منظمة قومية/إسلامية جديدة، بدعم من الحكومة على ما يبدو. ومنذ ذلك الحين، عملت "مبادرة زمزم"، كما تُعرف، على الظهور بصورة البديل المعتدل الموالي للحكومة والمهتم بالشؤون المحلية لـ جماعة «الإخوان المسلمين» المؤيّدة لحركة «حماس» والتي تصبّ تركيزها على فلسطين. ويُعرف جناحها السياسي باسم حزب "المؤتمر الوطني الأردني".
- انقسام «الإخوان المسلمين». لطالما واجه «الإخوان المسلمون» صعوبات في التعامل مع الانشقاقات الداخلية بين "الحمائم" ["المؤيدين للسلام"] القبلية من أردنيي الضفة الشرقية بشكل رئيسي و "الصقور" ["مؤيدي الخيارات العسكرية"] الأكثر تشدداً من أصول فلسطينية. وتحوّلت هذه الانقسامات إلى شرخ واضح في نيسان/أبريل عندما أعلنت الحكومة أن التنظيم غير شرعي. وفي ذلك الوقت، منحت عمّان ترخيصاً إلى المراقب العام السابق لـ «الجماعة» عبد المجيد ذنيبات، الذي لطالما كان قائداً "مؤيداً للسلام"، لتأسيس حزب جديد عُرف باسم «جمعية جماعة الإخوان»، ثم نقلت الأصول الكبيرة لـ جماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة إلى المنظمة الجديدة.
- استمرار المحافظين القدامى «الإخوان المسلمين». على الرغم من الحظر، بقي الجناح السياسي لـ «الجماعة» - أي «جبهة العمل الإسلامي» --قائماً وبرز كحامل راية الإسلاميين الرئيسي في المملكة. وتُسمّى البطاقة الانتخابية لـ «جبهة العمل الإسلامي» "التحالف الوطني للإصلاح".
مشاركة الإسلاميين في الانتخابات
ستتنافس أربعة أحزاب إسلامية رئيسية في الانتخابات. فحزب "الوسط" سيخوض الانتخابات بواسطة 16 مرشّحاً في تحالف غير مترابط مع "حزب المؤتمر الوطني الأردني" التابع لـ "مبادرة زمزم" و«جمعية جماعة الإخوان»، رغم أن هذيْن الأخيريْن لن يكون لهما سوى مجموعة "متواضعة" تضمّ 20 مرشّحاً في الإجمال في عمّان وإربد والزرقاء والعقبة. ومن ناحية أخرى، سيقدّم "التحالف الوطني للإصلاح" 118 مرشّحاً ضمن 20 لائحة تشمل كافة أنحاء البلاد، من بينهم 4 شركسيين/شيشان، 5 مسيحيين، و14 إمرأة.
إن تنوّع بطاقة "التحالف الوطني للإصلاح" يسلّط الضوء على مقاربة الحزب الانتخابية التي - على غرار مقاربة "حزب المؤتمر الوطني الأردني" و«جمعية جماعة الإخوان» - تفتقد إلى حدّ كبير إلى لغة دينية لتركّز بدلاً من ذلك على الإصلاح. ففي مقابلة أجرتها الصحيفة الإسلامية الأردنية اليومية "السبيل" في 9 أيلول/سبتمبر، أشار زعيم "جبهة العمل الإسلامي" زكي بني أرشيد إلى أن "التحالف الوطني للإصلاح" يأمل في استقطاب الناخبين الذين "يرغبون في المشاركة في عمل وطني من دون الالتزام بمبادئ الحركة الإسلامية ومن دون الإذعان لرغبة السلطات الرسمية وإرادتها". وفضلاً عن تعزيز جاذبية الحزب الشعبية، من المرجّح أن تساعده اللائحة المتنوعة على استحواذ حصة في مقاعد نيابية أقل تنافسية. وفي مسعى واضح للتلاعب بالنظام الانتخابي، يدير "التحالف الوطني للإصلاح" عدة بطاقات متنافسة في عدد من الدوائر. ففي دائرة عمّان الأولى، على سبيل المثال، يدعم التحالف "اللائحة الإصلاحية" بخمسة مرشّحين و"لائحة العدالة" بأربعة.
التداعيات
كما كان عليه الحال في عام 2013، سيتولّى مراقبون دوليون الإشراف على الانتخابات التي ستُعتبر على الأرجح "حرة وعادلة". وقد خلُصت منظمات أمريكية، في تقييمها لفترة ما قبل الانتخابات خلال آب/أغسطس، إلى "توافر ظروف إجراء عملية انتخابية ديمقراطية".
ومع ذلك، يبدو أن الناخبين الأردنيين ما زالوا لا يفهمون القانون الانتخابي المُفرط التعقّد، على الرغم من حملة حكومية مكثّفة لتثقيفهم. ففي عام 2013، أدلى 57 في المائة تقريباً من الناخبين المسجلين بأصواتهم (أو 34 في المائة من كافة المواطنين الذين يحق لهم التصويت)، لكن من المرجّح أن تكون نسبة المشاركة هذا العام أقلّ بسبب الارتباك الذي يسبّبه القانون، وخيبة الأمل إزاء التشريع، والمخاوف حيال نزاهة الانتخابات ولا مبالاة الناخب عموماً. كما من غير المحتمل أن يؤدي قرار الحكومة بجعل يوم الانتخابات يوم عطلة إلى تغيير هذا الشعور. وفي حين اعتَبر العديد من المراقبين المحليين في بادئ الأمر بأن التغييرات الانتخابية هي مسعى من قبل البلاط الملكي لتعزيز دور مجلس النواب، إلا أن الجزء الأكبر من هذا التفاؤل تحوّل إلى خيبة أمل بمجرد إدراكهم أن مجلس النواب المقبل قد يكون أكثر انقساماً، بل وحتى أقل فعالية من أي وقت مضى. وفي الواقع، أصبح البعض يَعتقد أن الهدف الفعلي من القانون الجديد هو إضعاف مجلس النواب. وكما عبّر أحد المحللين المحليين في هذا السياق بحسرة خلال آب/أغسطس قائلاً إن "البلاط الملكي فاقنا ذكاءً ودهاءً".
ومن بين المسائل المهمة الأخرى التي لا بدّ من مراقبتها هي أداء الإسلاميين، لا سيما بقايا «الإخوان المسلمين» في "التحالف الوطني للإصلاح". ويشير الإجماع الشامل في أوساط المحللين المحليين إلى أن التحالف سيفوز بما يصل إلى 20 مقعداً، من بينها حصص النساء والأقلية. وفي المقابل، قد تفوز كل من "مبادرة زمزم" و «جمعية جماعة الإخوان» و"الوسط" بخمسة مقاعد في المجموع على الأكثر. وعموماً، قد يحصد الإسلاميون 25 مقعداً من أصل 130، أي نسبة 20 في المائة تقريباً مما ستجعلهم مجدداً أكبر كتلة منفردة في مجلس النواب.
بيد، في حين تسلّط هذه الأرقام الضوء على الصدى المتواصل والنفوذ السياسي للمحافظين القدامى المتمثّلين بـ «الإخوان المسلمين»، من غير المرجح أن يشكّلوا تحدياً فعلياً للملك أو أجندته في مجلس النواب، نظراً إلى أن معظم أو كافة المقاعد المتبقّية ستكون داعمة للحكومة. وفي الواقع، إن الفوز بكتلة كبيرة قد يزوّد هؤلاء الإسلاميين بصمّام أمان، يضمن بقاءهم في النظام رغم الضغوط المتنامية من قبل البلاط الملكي والجهاز الأمني.
ونظراً إلى الدور الهامشي الذي يلعبه مجلس النواب في السياسة الأردنية، ستشكّل الانتخابات في أحسن الأحوال فوزاً رمزياً للإسلاميين. لكن يبقى أمراً واحداً واضحاً: بعد مرور خمسة أشهر على حظر جماعة «الإخوان المسلمين»، لا تزال ذرّيتها السياسية قائمة وناشطة.
ديفيد شينكر هو زميل "أوفزين" ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.