تعاني البحرين - الدولة الأصغر في الخليج العربي - من مشاكل اقتصادية كبيرة. فديونها المتزايدة تعني أنها بحاجة إلى النقد الأجنبي لتجنب تخفيض قيمة عملتها. ووفقاً لتقرير لوكالة "بلومبرغ" من 18 تموز/يوليو، وعد جيران الجزيرة الأثرياء - السعودية والكويت والإمارات - بتوفير المال إليها ولكنها تنتظر من البحرين تقديم اقتراح حول إجرائها إصلاحات اقتصادية. ووصف التقرير نفسه حكومة الجزيرة البحرينية "بالبطء" في تنفيذ التغييرات على مستوى السياسات وفي استقطاب الاستثمارات الأجنبية بعد انخفاض أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة.
بالإضافة إلى ذلك، وفي 15 تموز/يوليو، أوصى المجلس التنفيذي لـ"صندوق النقد الدولي" بأن تَفرض البحرين ضرائب مباشرة (من بينها ضرائب على دخل الشركات)، وتضبط رواتب القطاع العام، وتركز الإعانات الحكومية على الفئة الأكثر فقراً من المواطنين. ومن ثم في 20 تموز/يوليو، وصفت النشرة الإخبارية المرموقة "ميدل إيست إيكونوميك سورفي" القطاع المالي في الجزيرة - الذي كان سابقاً المركز المصرفي للمنطقة - بأنه "في تدهور نهائي". وفي الوقت نفسه، كان الارتفاع المأمول في احتياطي النفط البحريني الضئيل نسبياً بطيئاً، أما الإنتاج المرتقب من حقل النفط البحري الذي تم اكتشافه مؤخراً لكن يصعب استغلاله، فمن غير المتوقع أن يتم [انتاجه] قبل عام 2023.
وتحتاج العلاقات مع واشنطن إلى الإصلاح أيضاً، على الرغم من التحسن الجزئي الذي شهدته في ظل إدارة ترامب. ففي 21 حزيران/يونيو، رحّبت وزارة الخارجية الأمريكية بالحكم القضائي الذي برّأ زعيم المعارضة الشيخ علي سلمان من تهمة التعاون مع قطر ضد الحكومة. ووصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر ناورت بأن قرار التبرئة يزيل "عقبةً محتملة أمام المصالحة السياسية في البحرين" وحثّت المدّعين العامين على "عدم الطعن بقرار القاضي"، ثم دعت المنامة إلى إطلاق سراح سلمان من السجن حيث يمضي عقوبة أمدها أربع سنوات بتهمة أخرى.
وبعد مرور يوم واحد، أصدرت السفارة البحرينية في واشنطن بياناً اعتبرت فيه تعليقات المتحدثة ناورت كإثناء على نزاهة القضاء البحريني. كما شددت على أن التهم الموجهة ضد سلمان كانت جنائية أكثر من كونها سياسية، وأكدت أن "التدخل في الإجراءات القضائية" من قبل "أي طرف خارجي قد ينتهك ... المعايير الدولية".
الشيعة والسياق الجغرافي - السياسي الإيراني
يهيمن على حكومة البحرين أفراد من العائلة المالكة السنية آل خليفة، الذين يشعرون بأنهم مهددون من قبل إيران ذات الغالبية الشيعية، التي ادّعت في الماضي أن الجزيرة جزءاً من أراضيها. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن أكثر من نصف سكان البحرين الأصليين هم من الشيعة، والكثير منهم محرومون اقتصادياً وسياسياً. وفي المقابل، تعتبر الحكومة أنهم يشكلون تهديداً أمنياً، [لذلك] أقدمت رسمياً على حلّ "جمعية الوفاق الوطني" - الجمعية السياسية الشيعية الرئيسية في البلاد - ومنعت زعماءها من ممارسة العمل السياسي (بمن فيهم الأمين العام علي سلمان). وسابقاً، كان ما يقرب من نصف أعضاء البرلمان قد ادعوا بانتمائهم إلى "جمعية الوفاق".
وفي الوقت نفسه، ردّت حكومة البحرين على التهديدات الفعلية من إيران - التي شملت اعتراض أسلحة وشحنات متفجرة - عبر ممارسة القمع الشديد ضد المتظاهرين، حتى السلميين منهم. وهناك أكثر من 3 آلاف شيعي محتجز حالياً في السجون، حُكم على بعضهم بالسجن لمجرد قيامهم بانتقاد الملك حمد من خلال تغريداتهم على موقع "تويتر". وقد تم إبطال جنسيات البعض الآخر، بمن فيهم الشيخ الشيعي عيسى قاسم، الذي احتُجز في قريته إلى أن استدعت حالته الصحية المتدهورة إلى دفع الحكومة إلى نقله إلى لندن لتلقّي العلاج الطبي العاجل.
وتميل وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون، إلى اعتبار هذه السياسات القاسية بمثابة هزيمة ذاتية، كونها تزيد من تهميش الشيعة وتحث الشبان على الاحتجاج أو الهروب إلى العراق أو إيران، حيث يتدرب بعضهم في معسكرات المتشددين. وفي 10 تموز/يوليو، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية تنظيم "سرايا الأشتر" البحريني المدعوم من إيران على لائحة التنظيمات الإرهابية الأجنبية. ومن جهته، أعرب الكونغرس الأمريكي عن قلقه من القيود المفروضة على الحرية السياسية وسعى إلى تجميد صفقات بيع الأسلحة إلى البحرين.
الانقسام بين الخوالد والمعتدلين
يعود جمود التغيير السياسي في البحرين إلى الانقسام بين الفصائل المعتدلة والمتشددة في العائلة المالكة. ويأتي على رأس المعتدلين السياسيين الابن الأكبر للملك، ولي العهد الأمير سلمان. أما المتشددون المعروفون بـ"الخوالد" فيتزعّمهم اثنان من أبناء عم [أنسباء] عاهل البحرين وهما وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد وشقيقه المشير الركن خليفة بن أحمد القائد العام لقوة دفاع البحرين. وتجدر الإشارة إلى أن التغيير الوحيد الذي طرأ مؤخراً على هذا الانقسام هو أن عمّ الملك البالغ من العمر ثمانية وثمانين عاماً - خليفة بن سلمان، الذي كان رئيساً للوزراء منذ عام 1970 - لم يُعد يعتبر عرّاب المتشددين.
ويحاول الملك حمد - صاحب الكلمة الأخيرة في ما يخص السياسات - السير بحذر بين هذين الفصيلين مع حفاظه على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. فالأسطول الخامس التابع للبحرية الأمريكية متمركز في البحرين، والمواطنين السنّة ومعظم أبناء المواطنين الشيعة يحرصون على إبقاء العلاقة العسكرية خالية من الشوائب فيما يتعلق بالخلافات المتعلقة بالسياسات.
وفي الوقت عينه، حاول العاهل البحريني، الذي يبدو وكأنه يعتبر نفسه ملكاً دستورياً شبيهاً بالملكة إليزابيث ملكة بريطانيا، أن يتجنب الظهور وكأنه قريب جداً من واشنطن عبر التعامل مع قوى غربية أخرى. فقد سمح مؤخراً للبحرية الملكية البريطانية بإعادة إقامة قاعدة لها في الجزيرة بعد غياب دام خمسين عاماً. وفي الشهر الماضي، أعطت الملكة إليزابيت مزيداً من الدلائل على العلاقة المتقاربة بين البلدين عبر منح لقب الفروسية لمسؤول رفيع متقاعد من جهاز الاستخبارات البريطاني وُصف بأنه "مستشار ملك البحرين"، وأشارت إلى "الخدمات التي يقدمها لدعم المصالح البريطانية في الخارج".
التعامل مع الانتخابات والنزاع مع قطر
يُعتقد أن الملك حمد يعتبر الانتخابات المزمع إجراؤها هذا العام جزءاً مهماً من إرثه. فقد تولى الحكم خلفاً لوالده عام 1999، ولكن بعد الاستفتاء الذي أُجري عام 2001، شدد على ضرورة إجراء انتخابات نيابية بصورة مؤسسية، ومنح المرأة حق التصويت، وجعل من البحرين مملكةً بصورة رسمية، ومنح نفسه لقب الملك. وفي عام 2011، تطورت المظاهرات المستلهمة من "الربيع العربي" إلى احتجاجات شيعية على وجه الحصر، قمعتها الحكومة بالقوة بمساعدة قوات من السعودية والإمارات، وبعد ذلك قاطع السياسيون الشيعة انتخابات عام 2014. ومن المتوقع اجراء انتخابات جديدة في تشرين الثاني/نوفمبر ولكن لم يتم الإعلان عن موعدها حتى الآن.
ومن مصادر القلق الأخرى التي تلوح في الأفق هو الخلاف مع قطر. فقد انضمت البحرين في اللحظة الأخيرة إلى السعودية والإمارات ومصر في مقاطعة الدوحة بسبب مجموعة من الإساءات منها البرامج الإعلامية المعادية، والدعم المزعوم للإرهاب، والروابط الوثيقة مع إيران. وعلى الرغم من أن الرئيس ترامب كان متحمساً في تغريداته المعادية لقطر عندما بدأت الأزمة قبل عام، إلا أن موقفه بشأن المذنب الأكبر بين الطرفين قد تغيّر على ما يبدو. وقد دأبت قطر بجهد على معالجة المخاوف الأمريكية. فخلال افتتاح المنشآت الأمريكية الإضافية في "قاعدة العديد الجوية" القطرية في الأسبوع الماضي، دعا وزير الدفاع خالد بن محمد العطية واشنطن علناً إلى استخدام القواعد البحرية الجديدة في بلاده.
التداعيات على السياسة الأمريكية
عندما التقى وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة بنظيره الأمريكي مايك بومبيو على هامش مؤتمر وزاري أقيم في واشنطن الأسبوع الماضي، كانت هناك دون شك مواضيع كثيرة للتحدث عنها بين هذين الدبلوماسيين. فالأوضاع المالية المتأزمة في البحرين وحاجة الدولة إلى إصلاحات اقتصادية مؤلمة تحدّ من الخيارات المتاحة أمامها، وبالذات عندما تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران. وإذا أجرت الحكومة الانتخابات في موعدها، فإنها تخاطر بحدوث اضطرابات بتحريض من إيران. ولكن تأجيل الانتخابات - وهو على الأرجح الخيار الذي يفضله المتشددون من العائلة البحرينية المالكة والدول الحليفة في المنطقة على السواء - يمكن أن يؤدي إلى اندلاع مظاهرات جماعية.
وبالنسبة للولايات المتحدة، من المرجح أن تبقى المصلحة الأكبر في ضمان المرونة العملياتية للأسطول الخامس. لذلك، حتى إذا واصلت واشنطن الضغط على طهران لوقف أعمالها المثيرة للاضطرابات في المنطقة، عليها أن تحرص على أن لا تؤدي السياسة الداخلية الحساسة للبحرين - في القرى الشيعية والقصور الملكية على حد سواء - إلى إضعاف الموقف الأمريكي. وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب على واشنطن أن تواصل دعم العملية السياسية في البحرين لتقليص الفرص المتاحة أمام إيران لاستغلال التوترات الاجتماعية في البلاد. يجدر بواشنطن أن تشجع أيضاً الدول العربية المجاورة على مدّ المساعدات المالية للبحرين، مع الحرص على امتداد فوائد هذه المساعدات إلى المجتمع بأسره.
سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.