- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الاستعداد لمواجهة التوسع الإيراني في سوريا بعد الاتفاق النووي
ينبغي على الولايات المتحدة الاستفادة من العلاقات الوطيدة بين حلفائها الإقليميين لمواجهة النفوذ الإيراني، مع التركيز على سوريا بشكل خاص.
في حال نجحت كلا من الولايات المتحدة وإيران في التوصل إلى اتفاق نووي في المحادثات الجارية في فيينا، فإن الكثيرين ممن يعيشون في المناطق التي تحاول فيها إيران توسيع نفوذها قلقون بشأن رفع العقوبات عنها، خاصة في ظل التدفق النقدي المحتمل الناتج عن رفع العقوبات والذي قد يسمح لإيران بالمضي قدمًا في تحقيق أهدافها الإقليمية.
ومع ذلك، ما زالت الولايات المتحدة تمتلك العديد من الفرص لمواجهة احتمال زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة، وذلك من خلال الاستفادة من التقارب الأخير بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهة وبين وتركيا وقطر من جهة أخرى، وجميعهم حلفاء الولايات المتحدة. ومن ثم، فإذا تم حشد هؤلاء الشركاء جنبًا إلى جنب مع شركاء الولايات المتحدة الإقليميين في سوريا، فإن هذا الجهد المنسق يمكن أن يحول بشكل فعال التوسع الإقليمي الإيراني في سوريا، حيث تشكل إيران تهديدا كبيرا لأي أمل في الاستقرار هناك.
على مدى سنوات، استغلت إيران الصراعات الإقليمية كورقة مساومة خلال المفاوضات الدولية بغية تغذية التطلعات القومية التي تهدف الى إحياء الإمبراطورية الفارسية. وتعتبر الميليشيات والجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في العراق واليمن وسوريا ولبنان مكون أساسي في هذه الاستراتيجية، حيث انخرطت إيران هناك في حروب بالوكالة.
الآن، مع احتمال التوصل إلى اتفاق نووي جديد وما يتبعه من رفع العقوبات والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة، فمن المرجح أن يشهد حزب الله والميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق دفعة مالية كبيرة. ومن المؤكد أن الميليشيات التي تم تمكينها حديثا ستقف حائلا أمام تنفيذ أهداف الولايات المتحدة في المنطقة وترسيخ وجودها في شرق سوريا، مما سيضر بجهود الولايات المتحدة في محاربة تنظيم "داعش" وإيقاف المد الإيراني، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وأبرزها القرار رقم (2254).
ومن ثم، يجب أن يمثل هذا النشاط الإيراني المتزايد في سوريا مصدر قلق لصانعي السياسة الأمريكية بشكل خاص وذلك بالنظر إلى وضع سوريا كورقة حاسمة لنجاح النشاط الإيراني الإقليمي. ومع تزايد النفوذ الإيراني، تتحول سوريا إلى حجر زاوية في حزام يربط إيران بثلاث دول تحت درجات متفاوتة من النفوذ الإيراني، وهي العراق وسوريا ولبنان.
ومن شبه المؤكد أن النفوذ الإيراني المتزايد سيؤثر سلبًا على سوريا حيث أن الميليشيات الإرهابية والطائفية المدعومة من إيران ستتمتع بسلطة أكثر وحرية أوسع لاستعراض قوتها، ما قد يؤدى الى تزايد مستوى العنف والقتل. وفي السياق نفسه، وحسب تقارير الوكالات الاستخبارية العالمية، سيوفر الإفراج عن الأموال الإيرانية، تمويلاً للتجارب الصاروخية التي تجري في سوريا، بدعم وإشراف إيراني مباشر. وعلى المستوى الاقتصادي، سينعكس الإفراج عن الأموال الإيرانية سلبا على السوريين عامة، لأن أي انتعاش لإيران، يعني تحكمها في الموارد الاقتصادية السورية، ولهذا تحاول إيران إيجاد موطئ قدم لها في المناطق البترولية والغنية بالثروات. علاوة على ذلك، من شأن الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة أن يساعد إيران أيضا على دعم نظام الأسد، الذي يناهض المصالح الأمريكية في المنطقة الى حد كبير. ومن ثم، فان تمكين نظام الأسد وتقويته يعني تدهور حالة حقوق الإنسان في سوريا ومعاداة الولايات المتحدة من قبل حكومة النظام السوري.
إضافة الى ذلك، ستنعكس آثار الاتفاق النووي الإيراني بشكل كبير على الساحة اللبنانية إذ أن الأفراج عن الأموال المجمدة لإيران سييسر لـ "حزب الله" فرص التزود بصواريخ دقيقة أو تعويض كوادره البشرية التي خسرها في سوريا. ويذكر أن تقليص الدعم المالي الذي عانى منه حزب الله في الفترات الأخيرة والذي جاء نتيجة انخفاض أسعار النفط، والضغوط التي فرضتها العقوبات الامريكية على إيران، قد أضرّ بأنشطة الحزب داخل لبنان. من شبه المؤكد أن الاتفاق النووي الذي قد يساهم في تحرير الأموال الإيرانية المجمدة من شأنه أن يخفف تلك الضغوط المالية على إيران بينما لا يحرك ساكنا في مواجهة الانهيار الاقتصادي السوري أو اللبناني الذي يقع خارج سيطرة النظام أو حزب الله.
وفى ظل هذه المخاطر المتوقعة، وفى الوقت الذي تسعى الولايات المتحدة الى المضي قدما لإبرام اتفاق نووي جديد مع إيران، يتحتم عليها البحث عن "آليات جديدة" تضاف إلى العقوبات، الى جانب الضربات الإسرائيلية الموجعة. وكجزء من تلك الجهود، يستوجب على الإدارة الامريكية إعادة النظر في توجيه الدعم الذي تقدمه الى سوريا، وتوجيهه من "الميليشيات" إلى "القوى الوطنية" السورية بجميع مكوناتها من أكراد وعرب وأشوريين ومسيحيين وغيرهم من الفئات التي يجري تهميشها، وإبعادها عن "مركز القرار". كما ينبغى أن يحدث ذلك بموازاة تشجيعها لحلفائها الإقليميين (تركيا-السعودية-قطر-الإمارات) على إنهاء خلافاتهم البينية"، ما يسمح بتنسيق الجهود لمواجهة النفوذ الإيراني.
ومن المتوقع أن تستفيد هذه الاستراتيجية بشكل كبير من بوادر المباحثات غير المعلنة التي قد بدأت، بين تركيا والسعودية، وبينها وبين الإمارات، إضافة الى لإعلان عن إنهاء الخلافات القطرية بين السعودية والإمارات. ومن الجدير بالذكر هنا أن هذه الدول لها حضور واسع في الصراع الدائر في سوريا وجميعها لها مصلحة استراتيجية مشتركة تتمثل في تقليص النفوذ الإيراني المزعزع لاستقرار أنظمتهم. وفى الوقت الذي يُظهر حلفاء الولايات المتحدة إشارات تدل على التقارب في ما بينهم، يجب أن تعمل الولايات المتحدة على تشجيعهم ودفعهم لصياغة خطط استراتيجية مشتركة، لا سيما في المناطق التي تمكن وكلاء إيران من بسط سيطرتهم عليها.
كما يمكن للإدارة الامريكية أن تعمل على تشجيع حلفائها الاستراتيجيين، المتواجدين في سوريا، منهم الحليف التركي الذي يمتلك القوة العسكرية والموقع الجغرافي المهم، والسعودي – الإماراتي - القطري الذي يمتلك القدرة المالية. وبالطبع، ستصبح تلك الجهود أكثر فاعلية إذا ما تم تطبيق القرارات الدولية الخاصة بالشأن السوري، وأبرزها قرار الأمم المتحدة رقم (2254)، الذي يتحدث عن تشكيل هيئة حكم انتقالي، تقود المرحلة الانتقالية، يقوم خلالها الشعب السوري بإقرار دستور جديد، وتوفير الأرضية المناسبة لترسيخ حكم مدني ديمقراطي. وفي حين تبدو العديد من الدول العربية منفتحة بشكل متزايد على تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، فإن الجهود المنسقة التي تبذلها الولايات المتحدة لا تزال تسمح بظهور حكومة انتقالية تشرف على إعادة إعمار سوريا بالكامل.
على هذا النحو، وفي حالة إبرام اتفاق نووي مع إيران دون جهود موازيةٍ متعددة الأطراف تهدف لعرقلة التوسع الإيراني، فمن المرجح أن تشهد الولايات المتحدة عودة الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة. وفي هذا السيناريو، قد تؤدي جهود إيران الجريئة للسيطرة على منفذ في الدول العربية عبر وكلاءها من الميليشيات إلى تقويض ثقة حلفاء الولايات المتحدة فيها وفى جدوى أهدافها للحد من التوسع الإيراني. لذلك من الضروري أن تعمل الولايات المتحدة على إشراك حلفائها الإقليميين والاستفادة من التقارب الأخير بينهم، وتعزيز الجهود المتعددة الأطراف لإدارة النفوذ الإيراني، مع التركيز بشكل خاص على سوريا.