بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية المساهمة في تنشيط بعثة الاتحاد الأفريقي عبر إدارة التوترات بين مصر وإثيوبيا، والتوسط بين الأطراف المختلفة الفاعلة في الصومال
في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، سلمت مصر دفعة ثالثة من الأسلحة إلى الحكومة الاتحادية الصومالية كجزء من صفقة لتسليح وتدريب الجيش الوطني الصومالي ونشر قوات مصرية هناك في نهاية المطاف. وقد وصلت الدفعة الأولى (التي تضمنت أسلحة صغيرة وخفيفة ومركبات مدرعة) في 27 آب/أغسطس، والدفعة الثانية في أواخر أيلول/ سبتمبر.
تأتي هذه الأسلحة في وقت توشك فيه مهام "بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال" على الانتهاء بحلول نهاية العام. ومع اقتراب انتهاء مهام البعثة، يعمل الصومال بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة على إيجاد بديل يتمثل في "بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال"، والتي تشمل مهامها نشر حوالي 12 ألف عنصر، معظمهم من العسكريين من الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، لدعم الحكومة الاتحادية الصومالية في مواجهة "حركة الشباب" المرتبطة "بتنظيم القاعدة". وعلى الرغم من عدم توفر التمويل الكافي للبعثة الجديدة حتى الآن، فمن المتوقع أن تبدأ عملها في الأول من كانون الثاني/يناير وتستمر حتى عام 2029.
وفي كانون الثاني/يناير، أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مع إقليم "صوماليلاند" الانفصالي غير المعترف بها دولياً. ويقضي الاتفاق بمنح "صوماليلاند" إثيوبيا حق استئجار عشرين كيلومتراً من ساحلها البحري المزعوم مقابل اعتراف أديس أبابا بها. أثار هذا الاتفاق غضب الحكومة الصومالية الاتحادية مما دفعها إلى الدعوة إلى استبعاد إثيوبيا من الاتحاد الأفريقي.
عند معالجة هذه القضايا، يتعين على واشنطن أن تركز على إدارة التوترات بين إثيوبيا ومصر، وتأمين التمويل اللازم لـ "بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال". ومن ثم، سيساعد ذلك في الحفاظ على استمرارية البعثة، وهو أمر بالغ الأهمية لمنع "حركة الشباب" من توسيع مناطق سيطرتها في الصومال.
مشاركة مصر العسكرية مع الصومال
بعد فترة وجيزة من حصولها على الاستقلال في عام 1960، طالبت الصومال بإقليم "أوغادين" الإثيوبي باعتباره إقليمها، وخاضت حرباً حدودية استمرت شهرين على المنطقة ذات الأغلبية الصومالية في عام 1964 بعد اندلاع انتفاضة هناك. وفي عام 1977، شن الصومال غزوًا واسع النطاق على إثيوبيا، إلا أن التدخل السوفيتي- الكوبي ألحق بالصومال هزيمة ساحقة ووضعه على مسار طويل من الصراع الأهلي. وفي كلتا الحالتين، قدمت مصر مساعدات عسكرية لتغذية مغامرات الصومال ونزعته الوحدوية. غير أن عمليات نقل الأسلحة الأخيرة تُعدّ العملية الأولى التي تقوم بها القاهرة منذ عام 1977.
وفي الفترة ما بين عام 1993 وعام 1995، شاركت مصر بنحو 1600 جندي في "عملية الأمم المتحدة الثانية في الصومال" لدعم جهود حفظ السلام، بعد التزامها بتوفير كتيبة في العملية الأولى. وعندما تسلمت حكومة اتحادية جديدة السلطة في الصومال في عام 2022، كثّفت مصر من دعمها للصومال من خلال تدريب ما يصل إلى 3000 عنصر من الجيش الوطني الصومالي منذ عام 2023، إضافة إلى توفير تدريب متخصص في مجال مكافحة الإرهاب لمجموعات من خمسين عنصرًا أمنيًا من قوات الأمن الصومالية. كما قدمت تدريبًا مشابهًا في إطار برنامج تطوير وحدة الشرطة العسكرية يضم ما بين 3500 و4500 عنصر، بتمويل إماراتي.
وإذا ما تم المضي قدماً وقامت القاهرة بنشر القوات المصرية المتفق عليها في الصومال، فإن 10 آلاف جندي مصري سيدخلون البلاد، وسيكون نصفهم مكلف بالعمل ضمن "بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال". وسيشكل ذلك أكبر دعم عسكري مصري للصومال حتى الآن، وأكبر عملية انتشار خارجي لمصر منذ حرب الخليج عام 1991.
التوترات بين مصر وإثيوبيا
هناك نزاع قائم منذ عام 1959 بين مصر وإثيوبيا على استخدام مياه نهر النيل، عندما بدأت مصر في التخطيط لبناء السد العالي في أسوان. وترى مصر أن السد - الذي بدأ تشغيله في عام 1970 - ضروري لتأمين الاستخدام المستمر لمورد يوفر لها معظم مياه الشرب تقريبًا والكثير من مياه الري. ورغم ذلك، أثار البناء الأحادي للسد غضب إثيوبيا ودول المنبع الأخرى، خاصة وأن مصر عارضت تطوير مشاريع على النيل في هذه الدول للحفاظ على إمداداتها المائية. في عام 2022، أكملت أديس أبابا مشروعها المائي الضخم، سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي تؤكد القاهرة أنه سيقلص كمية المياه المتاحة للمصريين.
منذ عام 1960، كان دعم مصر للصومال نابعًا من اعتبارات استراتيجية، شملت مساندة الانفصاليين الصوماليين والإريتريين على مر السنين. واليوم، تعتبر القاهرة انتشارها العسكري المخطط له في الصومال بمثابة فرصة لتقليص النفوذ الإثيوبي هناك ووضع قواتها على الحدود بين البلدين. ومن شأن هذا الوجود أن يعزز قدرة مصر على التدخل في الشأن الإثيوبي، ويحرم خصمها من موقع استراتيجي مهم في الصومال تستخدمه أديس أبابا للسيطرة على الاضطرابات في إقليم “أوغادين" واحتواء نشاط "حركة الشباب". ومع ذلك، فإن تواجد القوات المصرية في الصومال قد يعرضها لهجمات من قبل "حركة الشباب."
منذ عام 2006، خصصت إثيوبيا الآلاف من القوات لمحاربة "حركة الشباب" في الصومال. كما شكلت القوات الإثيوبية جزءًا أساسيًا من قوات الاتحاد الأفريقي في الصومال، حيث مهدت الطريق لتشكيل "بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال"، التي حلت محل "بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال" عام 2007 من خلال تدخلها في العام السابق. وقد تمكنت "بعثة الاتحاد الأفريقي من تحرير المراكز السكانية الرئيسية في الصومال من سيطرة "حركة الشباب"، مما حد من سيطرة الحركة على الأراضي في المناطق الريفية بشكل رئيسي. كما طورت السلطات المحلية علاقات قوية مع القوات الإثيوبية، واعتمدت عليها في توفير الأمن في المناطق المختلفة.
أما بخصوص الاتفاق الجديد بين أديس أبابا و "صوماليلاند" ، فإن أحد الأهداف الأساسية لهذا الاتفاق هو استعادة منفذ إثيوبيا إلى البحر، والذي فقدته في عام 1993 بعد أن حصلت إريتريا المجاورة على استقلالها. وفي حال المضي قدماً في هذا الاتفاق، ستصبح إثيوبيا الدولة الوحيدة في الأمم المتحدة التي تعترف باستقلال إقليم "صوماليلاند"، وهو أمر ترفضه بشدة حكومة الصومال الاتحادية، باعتباره انتهاكاً لسيادتها.
توصيات السياسة الأمريكية
حتى الآن، تركزت السياسة الأمريكية في الصومال على تعزيز "لواء الداناب" التابع للجيش الوطني الصومالي (وحدة العمليات الخاصة)، وتقديم الدعم العسكري والإنساني للحكومة الاتحادية، فضلاً عن تنفيذ ضربات جوية وعمليات خاصة لدعم الجيش الوطني الصومالي في حربه ضد "حركة الشباب". من المهم الآن أن تسعى واشنطن إلى لعب دور قيادي في تنظيم بعثة الاتحاد الأفريقي القادمة، وذلك عبر إدارة التوترات بين الدول المساهمة، وتنسيق الجهود بين مختلف الفاعلين في الصومال، والمساهمة في حل أزمة تمويل "بعثة الاتحاد الأفريقي". ومع ذلك، لا تزال الحكومة الاتحادية الصومالية بحاجة ماسة إلى "قوات الاتحاد الأفريقي"؛ إذ أن غيابها قد يؤدي إلى سقوط مقديشو بيد "حركة الشباب"، وهو ما سيشكل بالتأكيد تهديد لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
قد يكون نشر القوات المصرية المخطط له مفيداً لـ “بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال"، ولكن بشرط أن تتجنب القاهرة استخدام بعض التكتيكات الضارة التي استخدمتها في مواجهة الجهاديين في الماضي. على سبيل المثال، شملت الحملة الأخيرة ضد تمرد "الدولة الإسلامية" في شبه جزيرة سيناء تدمير الجانب المصري من رفح على الحدود مع غزة، وتشريد آلاف العائلات السيناوية، بالإضافة إلى مزاعم واسعة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان. رغم أن الهدف من هذه التكتيكات كان عزل الجهاديين، إلا أنها أثارت استياء السكان المحليين ودفعت العديد منهم لدعم تنظيم الدولة الإسلامية. وفي نهاية المطاف، ساعدت الانتهاكات التي ارتكبها الجهاديون ضد المجتمعات القبلية في سيناء مصر على التعاون مع العشائر المحلية لاجتثاث المتمردين، وذلك بمساعدة كبيرة من الدعم الجوي والاستخباراتي الإسرائيلي.
تعد الصومال تحدياً جديداً، ولكن يمكن للقاهرة أن تتعلم الآن من أوجه القصور التي واجهتها في سيناء. للمضي قدماً، يجب على مصر التعاون مع الحكومة الصومالية الاتحادية والعشائر المحلية لتحسين أوضاعهم ومساعداتهم في مواجهة "حركة الشباب" في الوقت ذاته، وكل ذلك بالتنسيق مع الجهات الأجنبية القادرة. وفي المقابل، يجب على الولايات المتحدة أن تستغل قوتها الدبلوماسية، وأن توفر مساعدات عسكرية لمصر، إذا لزم الأمر، لضمان بقاء القاهرة على المسار الصحيح.
كما يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يبذلوا قصارى جهدهم للحفاظ على مساهمة إثيوبيا في بعثات الاتحاد الأفريقي في الصومال وإدارة التوترات مع مصر. لقد أثبتت أديس أبابا جدارتها في الحرب ضد "حركة الشباب"، حيث أظهرت فعالية عسكرية مستدامة تستند إلى معلومات استخباراتية دقيقة ومعرفة عميقة بالبلد اكتسبتها من خلال خبرة الانتشار الطويلة. وعلى الرغم من مخاوف الحكومة الصومالية الاتحادية، فقد أكدت إثيوبيا أنها لا تنوي سحب قواتها البالغ عددها 3000 جندي، المكلفين بالعمل في بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، أو الآلاف الأخرين المنتشرين في مهام منفصلة.
وفيما يتعلق بالتوترات حول إقليم "صوماليلاند"، يمكن للولايات المتحدة أن تعمل مع شريك مهم آخر لترتيب بديل يتيح وصول إثيوبيا إلى البحر – لا سيما أحد موانئ جيبوتي، وهو ما عرضه وزير خارجية الأخيرة بالفعل. إن النجاح في معالجة هذه القضية يمكن أن يساعد في حل شكاوى الحكومة الاتحادية بشأن صفقة ميناء "صوماليلاند"، ويخفف من معارضتها السياسية لاستمرار انتشار القوات الإثيوبية في المنطقة.
يستلزم تحقيق الاستدامة المالية وضمان استمرار دعم "بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال"، اعتماد أساليب تمويلية مبتكرة. فمنذ عام 2009، قدم "مكتب الأمم المتحدة لدعم بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال" و"مكتب الأمم المتحدة لدعم الصومال" و"بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى الصومال" مئات الملايين من الدولارات سنويًا لدعم بعثة الاتحاد الأفريقي، خاصة في مجال الخدمات اللوجستية. وقد تحمل الاتحاد الأوروبي الجزء الأكبر من عبء تمويل "بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال" و "بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال"، حيث ساهم بحوالي 2.5 مليار دولار بين عامي 2007 و2022. ومع ذلك، فقد خفض الاتحاد الأوروبي مساهماته منذ عام 2016 وأظهر تراجعاً في دوره كممول رئيسي لـ 'بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال. ومن ثم، يجب على الولايات المتحدة أن تسعى لإعادة تعزيز الدور الأوروبي، مستفيدة من علاقاتها مع كافة الأطراف لزيادة التمويل، مع التركيز على اتخاذ تدابير رقابية لمعالجة المخاوف الأوروبية بشأن إساءة استخدم التمويل المقدم.
كما يمكن لواشنطن أن تسعى للحصول على تمويل من دول الخليج العربي، التي سبق أن قدمت العديد منها تبرعات صغيرة لبعثة الصومال وما زالت تبقى على عملياتها هناك. على سبيل المثال، يمكن تجديد وتوسيع الجهود السابقة الممولة من قبل الإمارات العربية المتحدة لتدريب قوات الجيش الوطني الصومالي في مصر في إطار "بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال"، وربما من خلال إشراك المملكة العربية السعودية أيضًا في تلك الجهود. وتشمل الخيارات الأخرى الوصول إلى صناديق الأمم المتحدة لحفظ السلام أو إنشاء صندوق مخصص للاتحاد الأفريقي لالتماس التبرعات الدولية.
وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة إنشاء منتدى تنسيقي للتعاون مع جميع الجهات الفاعلة التي تحارب "حركة الشباب" حالياً. ومن شأن الجهود المنفصلة التي تبذلها بريطانيا وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة ومختلف السلطات الصومالية على المستوى دون الوطني أن تكون أكثر فعالية إذا ما تم دمجها في إطار مؤسسي واحد، على غرار ما حققه” التحالف الدولي لهزيمة تنظيم "داعش" بقيادة الولايات المتحدة. وعلى وجه الخصوص، قد يساعد إنشاء مركز عمليات مشترك في تعظيم تأثير العمليات الجوية الأمريكية والإماراتية والتركية المستقلة في الصومال.
يمكن لـ "مجموعة الستة" - المكونة من بريطانيا والاتحاد الأوروبي وتركيا والإمارات العربية المتحدة والأمم المتحدة والولايات المتحدة - والتي تقدم منحاً أمنية، أن تشكل الأساس لهذا المركز. أخيراً، أثناء سعيها لتنفيذ هذه الجهود، سيتعين على واشنطن أن تبقى على دراية بالجغرافيا السياسية المعقدة في منطقة شرق أفريقيا. على سبيل المثال، قد يسهم التدخل الإريتري والإماراتي في السودان في تعقيد الوضع في الصومال.
عيدو ليفي هو زميل مشارك يعمل في برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن، حيث يركز على مكافحة الإرهاب والعمليات العسكرية، لا سيما فيما يتعلق بالجماعات الجهادية.