- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الاستثمار في الأردن من خلال تأمين الدعم للمؤسسات الاجتماعية
من خلال الالتزام بالاستثمارات طويلة الأجل في المجتمعات الأردنية عبر دعم المؤسسات الاجتماعية، تستطيع الولايات المتحدة المساهمة في استقرار البلاد ونموها الاقتصادي.
في الأردن، أحد الحلفاء الأكثر موثوقية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يمثل التقلب الاقتصادي تهديدًا كبيرًا للاستقرار وقد أدى إلى احتجاجات متكررة منذ عام 2011. إذ تساهم معدلات البطالة المرتفعة لدى الشباب والعدد الكبير من اللاجئين في بروز مشاكل اقتصادية وتوترات سياسية تفاقمت جميعها في ظل جائحة "كوفيد-19".
وفي هذا الإطار، تستطيع الولايات المتحدة دعم تعافي الأردن من الجائحة من خلال الاستثمار طويل الأجل في ريادة الأعمال الاجتماعية. فالنظام البيئي لريادة الأعمال في البلاد هو في مرحلة التطوّر، بحيث تركّز معظم الموارد على التمويل والتدريب على المدى القصير، لذا فإن التحول في المساعدات الأمريكية إلى الدعم طويل الأجل يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا. وستسمح زيادة التمويل وتوفير الإرشاد والدعم التشغيلي على سنوات عدة لمؤسسات اجتماعية مختارة بأن تصبح هذه الأخيرة قوى ذات ثقل في التغيير الإيجابي والمشاركة المدنية في مجتمعاتها.
المؤسسات الاجتماعية الأردنية
تُعتبر المؤسسات الاجتماعية، وهي منظمات مبتكرة تركّز على المجتمع وتستخدم استراتيجيات الأعمال لمعالجة القضايا الاجتماعية، في وضع جيد بشكل خاص للمساعدة في التخفيف من بعض التحديات التي يواجهها الأردن. فتتميز المؤسسة الاجتماعية عن المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الصغيرة الأخرى بكونها مدفوعة بالربح، لكنها تُعيد استثمار تلك الأرباح في رسالتها. كما تتمتع بمكانة فريدة لمعالجة قضايا متنوعة مثل تمكين المرأة وتطرّف الشباب ودعم المجتمع المدني. وبالإضافة إلى ذلك، فإن إبداعها ومرونتها تسمحان لها بالاستفادة من مواردها وشبكاتها بكفاءة لتوفير حلول خلال الأزمات الحادة والطويلة. ومع نموها، يمكن للمؤسسات الاجتماعية توسيع نطاق عملياتها لتغطية نطاق أوسع من القضايا، أو تقديم خدمات إضافية، أو التوسّع لتشمل المزيد من المجتمعات. ونظرًا إلى أنّ المؤسسة الاجتماعية تقدّر مدى تأثيرها المرتبط برسالتها أكثر من المكاسب المالية للمساهمين، فإنّ الاستثمار في هذه المنظمات يشكّل استثمارًا مباشرًا في المجتمعات الأردنية.
والجدير بالذكر هو أنّ العديد من المؤسسات الاجتماعية قد حققت نجاحًا مميّزًا في الأردن. فعلى سبيل المثال، تُعد "نوى" منصّة تأثير اجتماعي تهدف إلى تعزيز المشاركة المدنية والعطاء الفردي وعطاء الشركات والتطوّع من خلال بناء الثقة بين منظمات المجتمع المدني والجهات المانحة. وتقوم "نوى" أيضًا بقياس ونشر بيانات التأثير الاجتماعي على موقعها على شبكة الإنترنت، بحيث يمكن للمستخدمين التأكد من أن تبرعاتهم وعملهم التطوعي موجّه نحو مؤسسات جديرة بالثقة يتم التدقيق بها بعناية. وخلال الإغلاق في فترة الجائحة والذي استمرّ لأشهر في الأردن، ركّزت "نوى" جهودها على توفير 85000 حزمة طعام و3000 لوحة إلكترونية للعائلات والأطفال المحتاجين للتعلّم عبر الإنترنت. وللقيام بذلك، استفادت من شراكتها القائمة مع الحكومة ومنظمات المجتمع المدني الأخرى، كخير مثال على قدرة المؤسسات الاجتماعية على التكيّف مع الظروف المتغيرة والاستجابة بسرعة لاحتياجات المجتمع.
أما موقع "فرصة" فيربط من خلال منصّته على شبكة الإنترنت الشباب بفرص تعليمية وفرص عمل للخريجين الجدد. وهو أكبر منصّة في الشرق الأوسط توفّر معلومات وفرصًا موثوقة ومبسطة من دون أي تكلفة، بما في ذلك قاعدة بيانات للمنح الدراسية وورش العمل وبرامج التدريب وفرص العمل، من بين خيارات أخرى. وتنشر منصّة "فرصة" مقالات تثقيفية ودليلًا شاملًا للتخصصات الجامعية ودليلًا ومرجعًا مهنيًا. كما تدير المنصّة اختبارًا للقدرات واختبارًا مهنيًا قائمًا على الذكاء الاصطناعي وتُطوّر دورات مجانية عبر الإنترنت للمستخدمين. وقد نمت "فرصة" بشكل ملحوظ، ففي أوائل عام 2018، كانت تضم أقل من عشرة موظفين وتستقبل أقل من عشرة آلاف زائر يوميًا. أما اليوم فتوظف المنصّة ثلاثين شخصًا وقد وسّعت خدماتها، وتستقبل 90 ألف زائر يوميًا، بالإضافة إلى 2 مليون مستخدم مسجّل. وتشكّل بذلك خير مثال على المؤسسات الاجتماعية التي زاد حجمها وتأثيرها.
في حين تفتخر جمعية "يارا" الشبابية للتوعية والواقعية بإيجادها حلولًا تركّز على المجتمع لمجموعة متنوعة من التحديات التي تواجه الشباب، ليس في الأردن فحسب، بل على الصعيدين الإقليمي والعالمي أيضًا. وتهدف إحدى مبادراتها الرئيسية الحالية إلى إنشاء قاعدة بيانات للأطفال غير الملتحقين بالمدارس، وتطوير حلول مجتمعية لتزويدهم بالتعليم. كما تدعم جمعية "يارا" مبادراتها بمبيعات المنتجات التي توفرها من خلال توظيف أفراد المجتمع في كل خطوة من العملية، بدءًا من جمع وتنظيف المواد ونقل البضائع وتجميع المنتجات النهائية وصولًا إلى بيعها وتوزيعها. وبالتالي، فإنّ مدى وصول الجمعية يتجاوز حدود أهداف تعليم الشباب من خلال لعب دور صاحب عمل مجتمعي.
وتركّز المؤسسات الاجتماعية في الأردن على الاحتياجات المحددة لمجتمعاتها مع عملها في الوقت عينه على إيجاد حلول تتعلق مباشرة بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة العالمية. ومن بين أهداف التنمية المستدامة التي تتطرق لها المؤسسات الاجتماعية "القضاء على الفقر" و"التعليم الجيد" و"المساواة بين الجنسَين" و"المياه النظيفة والنظافة الصحية" و"العمل اللائق ونمو الاقتصاد" و"الحدّ من أوجه عدم المساواة" و"المدن والمجتمعات المحلية المستدامة" و"الاستهلاك والإنتاج المسؤولان" (أهداف التنمية المستدامة 1 و4 و5 و6 و8 و10 و11 و12 على التوالي). وتطوّر المؤسسات الاجتماعية وتنفّذ استراتيجيات مبتكرة تخلق حلولاً دائمة لهذه القضايا الرئيسية.
التحديات التي تواجه المؤسسات الاجتماعية
توظف الشركات الصغيرة والمتوسطة حوالي 70٪ من القوى العاملة في القطاع الخاص الأردني، والتي تشكّل بدورها حوالي 60٪ من إجمالي القوى العاملة، لذلك تتوفر بعض الإمكانات أمام المؤسسات الاجتماعية للمساهمة في خفض نسبة الموظفين على جدول رواتب القطاع العام، والتي تبلغ حاليًا حوالي 40٪. غير أنّه في الوقت الحاضر، تواجه المؤسسات الاجتماعية العديد من التحديات بدءًا من التسجيل والاستدامة المالية وصولًا إلى زيادة الحجم والعمليات.
ولا يمتلك الأردن حاليًا مسارًا مخصصًا لريادة الأعمال الاجتماعية لتسجيل المنظمات بشكل قانوني. ولهذا السبب، على المؤسسات الاجتماعية أن تقرر ما إذا كانت تريد تسجيل نفسها كمنظمات غير حكومية في وزارة التنمية الاجتماعية أو كشركات في وزارة الصناعة والتجارة. وينطوي كل من الخيارَين على تحدياته الخاصة، إذ يبلّغ رواد الأعمال في المجال الاجتماعي عن صعوبة في التسجيل بسبب إجراءات التسجيل المعقدة للغاية. بالإضافة إلى ذلك، تخضع المؤسسات الاجتماعية المسجلة كشركات لدى وزارة الصناعة والتجارة لقوانين ضريبية غير مواتية.
وتُعدّ الاستدامة المالية أحد أهم أهداف المؤسسات الاجتماعية، لكن يعاني العديد من هذه المؤسسات من هذه المسألة. وتركّز برامج الدعم التي تقدمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حاليًا على فترات التمويل قصيرة الأجل بمبالغ أصغر تُعطى للعديد من المؤسسات الاجتماعية. وتركّز هذه البرامج على إنشاء عدد كبير من المؤسسات التي يفشل العديد منها بعد عام أو عامين. ويرجع ذلك إلى أن الاستثمارات الصغيرة قصيرة الأجل تجعل المؤسسات الاجتماعية تعتمد على الاحتياجات المتغيرة لمجموعة متنوعة من الجهات المانحة، وتتطلب منها إعادة تقديم طلبات التمويل بشكل متكرر، كما تحرمها من القدرة على تنفيذ مشاريع طويلة الأجل مع معاناتها في أغلب الأحيان لتغطية نفقات التشغيل الأساسية لديها.
عند بلوغ مؤسسة اجتماعية الاستدامة المالية، يقضي هدفها التالي زيادة حجمها ونطاق عملياتها. فيسمح هذا لها بتوظيف المزيد من الأشخاص وزيادة تأثيرها، إما عن طريق توسيع مدى وصول برامجها جغرافياً و/ أو عن طريق تنفيذ مشاريع إضافية. في هذه المرحلة، تكافح معظم المؤسسات الاجتماعية لإيجاد الدعم اللازم، لأن القليل جدًا من الجهات المانحة يستثمر في هذه المرحلة. بل ينصبّ معظم التركيز على إنشاء مؤسسات جديدة وتزويدها بالموارد والتدريب. وتستلزم المؤسسات القائمة التي ترغب في التوسّع ذلك أيضًا، ولكنها لا تتمتع سوي بإمكانية وصول ضئيلة إلى المرشدين أو التدريب في هذه المرحلة الحاسمة.
إدراك إمكانات المؤسسات الاجتماعية
لدى المؤسسات الاجتماعية القدرة على تقديم الخدمات الأكثر إلحاحًا للعديد من المجتمعات في كافة أنحاء الشرق الأوسط بمجرد امتلاكها للموارد اللازمة للتوسّع والنمو. وبصفة الولايات المتحدة جهة مانحة رئيسية ملتزمة بالعديد من الأهداف نفسها التي تسعى المؤسسات الاجتماعية إلى تحقيقها، فإنها في وضع مميّز لدعم المؤسسات الاجتماعية وزيادة التأثير الذي يمكن أن تحدثه هذه الأخيرة. ويُعتبر إنشاء برنامج دعم للمؤسسات الاجتماعية من التمويل الحالي، يركّز على استدامة المؤسسات بدلاً من إنشاء مؤسسات جديدة، أمرًا بالغ الأهمية في هذه المرحلة. وتتلخّص توصيات السياسات المحددة بالتالي:
-
إنشاء مسار تسجيل مخصص: يجب على صانعي السياسة في الولايات المتحدة أن يشجّعوا الحكومة الأردنية على إنشاء مسار رسمي لتسجيل المؤسسات الاجتماعية من أجل تخفيف الصعوبات البيروقراطية ومنح المؤسسات الاجتماعية وضعًا قانونيًا واضحًا. يجب أن يشمل ذلك قوانين ضريبية مواتية مع معدلات ضريبية مخفضة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وعلى الأردن نشر المبادئ التوجيهية والمتطلبات للتسجيل بشكل مباشر يسهُل الوصول إليه عبر الإنترنت، وأن يذكر ويلتزم بأوقات المُهل المتوقعة لاتخاذ القرارات. ويتمثّل تحسين إضافي في تمكين المتقدمين من إكمال عملية التسجيل عبر الإنترنت.
-
إعادة النظر في المساعدات المالية: تركّز المساعدات الأمريكية للمؤسسات الاجتماعية حاليًا على الدعم قصير المدى للمؤسسات الاجتماعية الجديدة. وكان هناك بعضٌ من خيبة الأمل لأن العديد من المؤسسات الاجتماعية هي غير قادرة على تحقيق هدف التحول إلى منظمات دائمة ومؤثرة. ويعود هذا إلى أنّ معظم المؤسسات الاجتماعية لا يمكنها الوصول إلى التمويل طويل الأجل والإرشاد الذي تحتاج إليه. وبالتالي، يمكن للولايات المتحدة في هذه المرحلة أن تميّز نفسها عن طريق توسيع أعمال المؤسسات الاجتماعية القائمة من خلال استثمارات مالية واستثمارات في رأس المال البشري طويلة الأجل. ويجب على "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" في الأردن أن تغيّر مقاربتها حيال المنح المالية طويلة الأجل لمؤسسات اجتماعية قائمة مختارة. كما يمكن للمسؤولين الأمريكيين الاعتماد على تمويل من "نشاط الإصلاح الاقتصادي الأردني". إذ سيسمح التمويل طويل الأجل للمؤسسات الاجتماعية بأن تكون استباقية في مجتمعاتها وأن تتوسع في الحجم والعمليات مع المساهمة في الوقت عينه في أهداف "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" ضمن استراتيجية التعاون الإنمائي في الأردن.
-
الاستثمار في الاستدامة: يجب أن يترافق تحوّل "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" في الأردن من الاستثمارات قصيرة الأجل وصغيرة الحجم إلى استثمارات كبيرة طويلة الأجل مع إرشاد مخصص وبناء القدرات للمؤسسات الاجتماعية القائمة. ويجب أن يجتمع مسؤولو الوكالة مع متلقي التمويل بشكل منتظم لتحديد ومراجعة الأهداف الاستراتيجية الرئيسية. كما يمكن أن يكون التمويل المستمر مشروطًا بتحقيق الأهداف في مواعيد نهائية معقولة، مل يحد من المخاطر التي تتعرض لها "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" ويضمن تمتّع جميع الاستثمارات في المؤسسات الاجتماعية بفرصة أكبر للنجاح المستدام. ويجب أن تتم قيادة البرامج التدريبية بالاشتراك مع الزملاء الأردنيين، مثل منظمة "تي تي آي" ومركز الابتكار والريادة التابع للجامعة الأردنية اللذَين يمكنهما تقديم المشورة لأصحاب المشاريع الاجتماعية بشأن البيئة السياسية والقانونية الحالية. سيساعد هذا في تحديد الاحتياجات الفردية لكل مؤسسة والمسار الأمثل للعمل لدعمها. ويجب أن يكون الغرض العام من هذه الاستثمارات هو توسيع نطاق المؤسسات الاجتماعية والتأكد من أنها ستكون مستقلة مالياً في ختام برنامج "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية".