- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الاتفاق بين إسرائيل والإمارات يحقق إنجاز نادر في الشرق الأوسط: صفقة رابحة لجميع الأطراف ومن بينهم الفلسطينيون
في الثالث عشر من آب/أغسطس، حققت الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات أندر الأعمال الفذة [في السنوات الأخيرة]، ألا وهو: التوصل إلى اتفاق دبلوماسي يعود بالفائدة على جميع الأطراف في الشرق الأوسط. ففي ذلك اليوم أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن انفراجة تاريخية تقوم بموجبها الإمارات العربية المتحدة بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل مقابل تخلي الأخيرة عن خطتها لضم أجزاء من الضفة الغربية يطالب بها الفلسطينيون لدولتهم المستقبلية. ومن المؤكد أن تشجب القيادة الفلسطينية هذا التطور، ولكن من الحكمة أن لا تفعل ذلك: فهذا الاتفاق يمكن أن يفيد الفلسطينيين أيضاً.
وحتى الآن، كان الإسرائيليون والفلسطينيون عالقين في عملية محتضرة لتبادل الأراضي مقابل السلام في أعقاب النشوة الأولية في أوائل التسعينيات التي أعقبت توقيع "اتفاقية أوسلو" بين الفلسطينيين وإسرائيل، ومعاهدة السلام في "وادي عربة" بين الأردن وإسرائيل، والتي أدّت كلتاهما إلى فسح المجال أمام فشل متكرر. وسرعان ما ولّد ذلك الفشل اليأس والصراع، وبدأت آفاق التقدم تتلاشى بسرعة. ومع هذا المشهد القاتم كخلفية، فإن الاتفاق الأخير بين دولة الإمارات وإسرائيل يحمل إمكانية بث الروح في عملية السلام. (بالطبع، تُعتبر "اتفاقية أوسلو" أيضاً تذكيراً مؤلماً حول كيفية تحطيم الفرص والآمال بسرعة).
ويتجذر الاتفاق الجديد في المصالح الوطنية لكل من الإمارات وإسرائيل، لكن آثاره تتجاوز ذلك بكثير. وحتى الآن، تمتعت إسرائيل بعلاقات طبيعية مع دولتين عربيتين فقط هما مصر والأردن - وشملت هذه العلاقات الاعتراف بوجود إسرائيل والامتيازات التي تنطوي عليها، مثل السفارات والتجارة والسفر والتعاون في مجال الأمن والمياه وغير ذلك. ومن ناحية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فمثله مثل كل رئيس وزراء إسرائيلي قبله، جعل تطبيع العلاقات مع الدول العربية والإسلامية جزءاً أساسياً من أجندته الدبلوماسية. ويعكس ذلك رغبة إسرائيلية أعمق وطويلة الأمد لأن يكون للبلاد مكان طبيعي في المنطقة.
وبالنسبة لنتنياهو، يُعتبر الاتفاق مكسباً دبلوماسياً كبيراً. كما يمنحه أيضاً مخرجاً من الزاوية السياسية الصعبة التي وضع فيها نفسه، مما يعزز قبضته الضعيفة على السلطة. وكان قد وعد أنصاره من اليمين في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، بأن إسرائيل ستضم أجزاء من الضفة الغربية - وهي خطوة يعتبرها الفلسطينيون والأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي غير شرعية. وبسبب الضغوط الدولية والمخاوف داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بشأن التداعيات الأمنية والدبلوماسية، لم يتمكن نتنياهو من دفع عملية الضم إلى الأمام. والآن يمكنه أن يدّعي انتصاراً سياسياً بينما ينتشل نفسه من قيود الضم.
ولكن هذا أيضاً يمثل دفعة دبلوماسية للإمارات. فهذه الدولة الخليجية الصغيرة معروفة بثبات موقفها المؤيد للأمريكيين واستعدادها لأن تكون رائدة في عدد من القضايا المثيرة للجدل على الرغم من انتقادات بعض جيرانها. علاوة على ذلك، فمثلها مثل العديد من دول الخليج والدول العربية الأخرى، تَعتبر الإمارات أن الأنشطة الإيرانية تشكل التهديد الرئيسي لأمنها القومي، وهي قلقة بشأن اتجاه [السياسة] الأمريكية - الذي أظهرته كل من إدارتي أوباما وترامب - والمتمثل بتقليص التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط. وتشارك إسرائيل هذه المخاوف أيضاً، مما يخلق تقارباً قوياً في المصالح بين العدوّين السابقين.
ومع ذلك، ستشهد هذه الخطوة دون شك تعرُّض الإمارات لانتقادات شديدة من أعدائها الكثيرين. ويكاد يكون من المؤكد أن يعمل معارضو أبو ظبي في المنطقة على تصويرهذه الخطوة على أنها خيانة للفلسطينيين. وتعتمد استراتيجية السلطة الفلسطينية نفسها على عزل إسرائيل، وسينُظر إلى خطوة الإمارت بأنها تشكل ضربة قاسية للنهج المستمر منذ عقود. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر بعض الدول في المنطقة، مثل سوريا، أن الاعتراف بإسرائيل بمثابة خيانة.
وفي هذا الصدد، بدأت وسائل الإعلام في قطر وتركيا، الدولتان اللتان تعارضهما الإمارات بسبب دعمهما لجماعة «الإخوان المسلمين» على عكس سياسة أبو طبي المتمثلة بفصل الدين عن السياسة، بانتقاد تواصل الإمارات مع إسرائيل. أما إيران فستعمل على توجيه رسائل مشابهة وستحاول عزل الإمارات في التجمعات الإقليمية مثل "منظمة التعاون الإسلامي".
والأهم من ذلك، يختبر اعتراف الإمارات بإسرائيل أيضاً ما إذا كانت القضية الفلسطينية لا تزال تلقى صدى في الشارع العربي، وخاصة بين جيل الشباب. وفي حين أن الإمارات ليست دولة ديمقراطية بأي شكل من الأشكال، فإن قادتها، كما هو الحال في جميع أنحاء العالم العربي، حساسون تجاه الرأي العام. ورغم أن هذه الخطوة لن تحظى بشعبية كبيرة لدى الإماراتيين كما هو الحال مع الإسرائيليين، إلا أن هناك مؤشرات على أن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية قصوى لدى الجمهور الإماراتي.
وأدّى الاستعداد التاريخي للدول العربية لوضع محنة الفلسطينيين في صلب سياستها الخارجية إلى تضخيم نفوذ الفلسطينيين ونضالهم. ولكن إذا تمكنت الإمارات من تحقيق هذا التغيير الجذري في توجهها الدبلوماسي، فقد يشير ذلك إلى أن القضية الفلسطينية تفقد صداها المعهود وأنها غير قادرة حالياً على تعبئة الجماهير. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إضعاف المساعي الدبلوماسية للفلسطينيين.
وقد أدانت القيادة الفلسطينية هذه الخطوة لأسباب مفهومة، خاصة وأنها لم تكن طرفاً في اتفاق ترى أنه يتجاوز مصالحها ويقوّض استراتيجيتها الدبلوماسية. وأدّى ذلك إلى تعميق العداء بين القيادتين الفلسطينية والإماراتية - ذلك العداء الذي دفع السلطة الفلسطينية مؤخراً إلى رفض المساعدات الخاصة بوباء "كوفيد-19" من الإمارات عندما أرسلت أبو ظبي طائرة عبر مطار إسرائيلي لتسليمها. ومع ذلك، يتجاهل رد الفعل هذا، الفوائد المحتملة لهذا الانجاز الكبير [الاتفاق الدبلوماسي] للفلسطينيين أنفسهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأمر الإيجابي الأكثر أهمّية هو إزالة عملية ضمّ الأراضي من جدول الأعمال. فعلى الرغم من تمكّن الدبلوماسية الفلسطينية (بمساعدة الأردن ومصر ودول عربية وأوروبية أخرى) من خلق إجماع دولي ضد عملية الضمّ، إلا أن التهديد ظل واضحاً نظراً لبقاء إدارة ترامب منفتحة على الفكرة واستمر نتنياهو في اعتبارها ضرورية من الناحية السياسية. والآن، التزمت إسرائيل بتجميد الضمّ إلى أجل غير مسمى - وهو التزام لم تقدمه للإمارات فقط، بل الأهم من ذلك لترامب أيضاً.
ولكن بعيداً عن هذه الميّزة على المدى القريب للفلسطينيين، أظهر التاريخ أن الدول العربية التي تجمعها علاقات مع إسرائيل - وبالتحديد مصر والأردن - هي أكثر فاعلية في النهوض بالمصالح الفلسطينية. ويعود ذلك جزئياً إلى إجرائهما محادثات مباشرة مع إسرائيل، التي لا تريد أن تفقد علاقاتها بهاتين الجارتين. ولكن يَرْجع ذلك أيضاً لأن من ناحية واشنطن والمجتمع الدولي الأوسع، فإن العلاقات الرسمية للقاهرة وعمّان مع إسرائيل تمنحهما مصداقية أكبر من الدول التي لا تتمتع يهذه المكانة وتُعتبر منتقدة للدولة اليهودية تلقائياً. وستكون الإمارات إضافة قيّمة وفعّالة لهذا التجمّع، لا سيّما أنها توسع الحوار العربي - الإسرائيلي إلى منطقة الخليج ذات الأهمية الاستراتيجية.
لقد تعثرت عملية السلام بين الدول العربية وإسرائيل منذ سنوات عديدة. وأدّى هذا الفراغ إلى تصلّب المواقف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتخلّى العديد من الفاعلين الدوليين والإقليميين عن احتمال حدوث أي تقدم بين الجانبين. وفي الواقع، إن حل الدولتين - الفكرة بإنه بإمكان حل النزاع من خلال تقسيم "الأرض المقدسة" بين إسرائيل والدولة الفلسطينية - يفقد الدعم بسرعة. وكان ضم الأراضي سيضع حداً لأي احتمالات للتقدم، لأنه كان سيجعل دولة فلسطين المستقبلية غير قابلة للاستمرار والصمود. ويمكن لهذا التطور الجديد أن يفتح نافذة لبدء تغيير هذه الديناميكيات.
وفي منطقة معتادة على تفاقم الأوضاع السيئة، يُعدّ هذا خبراً ساراً نادراً. يجب الإشادة بإسرائيل والإمارات على هذه الخطوة الشجاعة. على المجتمع الدولي الاستفادة من الزخم الذي تشكله هذه المبادرة، وعلى الدول العربية والصديقة للفلسطينيين حثهم على استخدام هذا الانفتاح لإيجاد سبل لاستئناف المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في سياق إقليمي أوسع.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومستشار سابق لفريق التفاوض الفلسطيني. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "ان بي سي نيوز".
"ان بي سي نيوز"