- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني: حقبة جديدة من الصراع
مع تزايد الانشقاقات بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، سيفقد إقليم كردستان استقراره الاقتصادي والسياسي.
تزداد التوترات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني عمقًا وخطورة. في الآونة الأخيرة، دفعت هذه التوترات أعضاء حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في حكومة إقليم كردستان، بمن فيهم نائب رئيس الوزراء الحالي في حكومة إقليم كردستان، قباد طالباني، إلى مقاطعة الاجتماعات الأسبوعية لحكومة إقليم كردستان، إذ رفض الوزراء والموظفون العودة إلى مكاتبهم.
بحسب بيان صادر عن بافل طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني وشقيق قباد، ينبع الخلاف من شكاوى مختلفة. قال بافل في مقابلة مع شبكة رووداو الإعلامية قبل عدة أسابيع: "تعاقب حكومة إقليم كردستان منطقة السليمانية وإدارتها، ولا تسدد رواتب المواطنين، ولن تسمح حتى لنائب رئيس الوزراء بالقيام بما تقتضيه وظيفته." وعلى وجه التحديد، ذكر البيان أن حكومة إقليم كردستان "لن تسمح لقباد باستبدال الوزراء أو الموظفين المتورطين في الفساد."
لم يدلِ أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني، بمن فيهم رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، حتى الآن بأي تصريح بنّاء بشأن مخاوف الاتحاد الوطني الكردستاني والانتقادات الموجهة له. تطرق النائب الأول لرئيس مجلس النواب الموالي للحزب الديمقراطي الكردستاني، هيمن هورامي، بشكل سطحي فحسب إلى التوترات في مقابلة، قائلًا: "لا يمكن إدارة الحكومة من منطلق المزاج الشخصي أو الحزبي. لا تستطيع الحكومة القيام بواجباتها في المنطقة الخاضعة لسلطة الاتحاد الوطني الكردستاني، ولا أحد لديه معلومات بشأن عائدات هذه المنطقة."
اشتدت أيضًا حدة التوترات إثر اغتيال هوكر جاف في تشرين الأول/أكتوبر، وهو ضابط في مجلس أمن كردستان حوّل في هذا العام ولاءه من الاتحاد الوطني الكردستاني إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني. نفى الاتحاد الوطني الكردستاني بشدة تورطه في الاغتيال وطلب إجراء تحقيق شامل في الحادثة، لكنه حث حكومة إقليم كردستان أيضًا على عدم نشر أسماء الجناة المتورطين. ونشرت الإدارة بقيادة بارزاني ومجلس أمن كردستان أسماء الجناة واعترافاتهم على أي حال، ما زاد من حدة الخلاف.
إن مستقبل الاتحاد الوطني الكردستاني غير مؤكد بما أن الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني يسلكان اتجاهيْن مختلفيْن، ومتناقضيْن بشكل متزايد، ولا أحد يعرف الوجهة النهائية لهذه المنطقة الصغيرة. تشمل الاحتمالات تعزيز حكومة واحدة، أو تشكيل حكومتين، أو مقاطعة الحكومة، أو العودة إليها مجددًا، أو تخفيف التوترات أو تصعيدها.
أثارت تلك المشاكل مخاوف هائلة بين سكان إقليم كردستان، فهم يدركون أن نشوب أي نزاع بين الحزبين الرئيسيين، قد يعيد الحنين للماضي الذي شهد حرب أهلية، وبروز أزمات مالية وتشرذم البلاد. وبالطبع، تمثل تلك النزاعات مصدر قلق كبير بالنسبة للمواطنين لما تحمله من تداعيات على حياتهم اليومية وأعمالهم.
المال في قلب الصراع
لا تزال شكاوى الاتحاد الوطني الكردستاني من أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يعاقب السليمانية ماليًا، وهي المحافظة التي يقع فيها مقر الاتحاد الوطني الكردستاني، مستمرة منذ أكثر من عام. يتمحور الجدل حول تخفيضات حادة في الميزانية من قبل حكومة إقليم كردستان، جعلت المناطق الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، مثل السليمانية، غير قادرة حتى على دفع رواتب موظفي الحكومة وقوات الأمن.
تعزى هذه المشاكل المالية أيضًا إلى مشاكل هيكلية. يعتمد إقليم كردستان العراق بشكل أساسي على عدد من الموارد المدرة للدخل، أهمها النفط الذي يتوزع بين المناطق الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. وعلى الرغم من أن معظم هذا النفط يقع في مناطق تخضع لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، تُعد جودته منخفضة جدًا، ويجب مزجه بالنفط من المناطق الخاضعة للاتحاد الوطني الكردستاني حتى يكون قابلًا للتسويق.
في منطقة الاتحاد الوطني الكردستاني، يبدو إنتاج الغاز الطبيعي واعدًا. بلغ معدل إنتاج حقليْ نفط خور مور وجمجمال في نهاية العام 2021 مثلًا 452 مليون متر مكعب يوميًا، وفقًا لمشروع جديد بين شركة دانة غاز والمؤسسة الأمريكية للتنمية المالية المعروفة باسم KM250. تشير التقديرات إلى أن غالبية الغاز الطبيعي في إقليم كردستان العراق قد يكون تحت سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، وهذا ما يدفع شركات مثل دانة غاز باتجاه توسيع العمليات. وفي ما يتعلق بحقل خور مور، تتوقع دانة غاز أن يصل الإنتاج إلى 700 مليون متر مكعب سنويًا بحلول نيسان/إبريل 2023. وبعد ذلك، يهدف مشروع KM500 قيد التنفيذ إلى إنتاج مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا.
إضافة إلى ذلك، لا تزال الخلافات بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان معلقة دون حل، وقد شكل قرار المحكمة الفيدرالية العراقية الذي وصف عملية التنقيب عن النفط بأكملها في إقليم كردستان العراق بأنها غير قانونية، عقبة كبيرة بين حكومة إقليم كردستان في قطاع النفط. حينها، وعدت حكومة محمد شياع السوداني بحل الازمة مع إقليم كردستان العراق نظرا لان بقائها دون حل سيكون له تأثير كبير على قطاع النفط، حتى أن بعض الشركات قد تُقبل على تصفية أعمالها في إقليم كوردستان في العام المقبل.
أصبحت ديناميكيات الموارد المتغيرة هذه إحدى أبرز نقاط الخلاف بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، لا سيما لجهة الخطط المتعلقة بتصدير الغاز الطبيعي من إقليم كردستان العراق إلى الخارج. يعترض الاتحاد الوطني الكردستاني بشدة على هذه الخطوة، وقد منع حدوثها، بينما يرى الحزب الديمقراطي الكردستاني أنها وسيلة تسمح لإقليم كردستان العراق بلعب دور بارز على الصعيد الدولي.
بطبيعة الحال، أدت هذه الخلافات حول النفط والغاز إلى المزيد من الخلافات المالية البارزة. وفقًا لتفاهم مسبق، يتم تقسيم ميزانية ودخل إقليم كردستان بين المنطقتين: 57% لمنطقة الحزب الديمقراطي الكردستاني (المنطقة الصفراء) و43% لمنطقة الاتحاد الوطني الكردستاني (المنطقة الخضراء). ولكن الطرفين تبنّيا منذ ذلك الحين وجهات نظر متباينة بشكل متزايد حول كيفية تخصيص دخل المنطقة. من منظور بارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، يجب على حكومة إقليم كردستان دفع رواتب المحافظات وتحديد ميزانياتها بناءً على دخل كل منهما. ومقابل هذه الرؤيا، يقترح طالباني والاتحاد الوطني الكردستاني أن تجمع حكومة إقليم كردستان كل المداخيل من إقليم كردستان العراق ومن ثم توزعه بشكل منصف على جميع المناطق بحسب الحاجة.
كما هو الحال، يزعم قادة الاتحاد الوطني الكردستاني أن دخل محافظة السليمانية، بين عائدات النفط والضرائب ودخل معبرين حدوديين دوليين، لا يزال غير كافٍ لتغطية الاحتياجات الأساسية لميزانية المحافظة ورواتبها. فقد تسبب نقص الأموال بأزمة أجور في مناطق السليمانية مثل حلبجة وغرميان ورابارين، ما أدى إلى تأخر توزيع الرواتب.
كردستان موحدة أم منطقة خضراء ضد منطقة صفراء؟
لا شك أن العلاقة المتوترة التي تجمع اليوم بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني في كردستان تنتج من النزاع الذي دام 60 عامًا والذي أضفى طابعًا مؤسسيًا على الانقسام بين هذين الحزبين. وتنتج هذه العلاقة تحديدًا من خلاف بين شخصين، هما ملا مصطفى بارزاني وإبراهيم أحمد، قسما الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى قسمين عام 1964، بسبب خلافاتهما، وتسبب هذا القرار منذ ذلك الحين بانقسام تاريخي وأيديولوجي وجغرافي، وحتى لغوي، على مدى عقود.
على الرغم من أن الطرفين وقعا اتفاقًا استراتيجيًا عام 2003، واضعَين بذلك حدًا اسميًا للخلاف، نشبت حرب باردة بينهما ولم يُحرَز سوى تقدم ضئيل للغاية في التوصل إلى حل مجدٍ. واليوم، يُعد مسرور بارزاني وقباد طالباني ورثة هذا الصراع، وتصبح الحدود بين المنطقة الخضراء والمنطقة الصفراء في كردستان أكثر ترسخًا وتقييدًا، حرفيًا ومجازيًا.
وعلى الرغم من المحاولات المتعددة من قبل الأحزاب والكيانات السياسية الأخرى لتسهيل التخفيف من التوترات بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، أصبح الصراع اليوم محتدمًا ومطولًا أكثر من أي وقت مضى والتهديد بانقسام إقليم كردستان خطرًا أكثر من أي وقت مضى.
لقد خلّف بالفعل رفض الاتحاد الوطني الكردستاني أداء واجباته في الحكومة تداعيات كبيرة على إدارة حكومة إقليم كردستان. في ظل مقاطعة أعضاء الاتحاد الوطني الكردستاني، مثل وزير البيشمركة، لواجباتهم الحكومية، نشأت مشاكل كبيرة. وازدادت إدارة وتنظيم قوات البيشمركة مثلًا صعوبة، وهذا واقع خطير بالنسبة إلى إقليم كردستان العراق.
يسود عدم اليقين تجاه ما يحمله مستقبل هذه المنطقة في طياته، ولكن الواقع الحالي الذي يزداد فيه تنافس الأحزاب من أجل مصالحها الخاصة بدلًا من العمل معًا لا يبشر بالخير لكردستان. لتجنب اتخاذ قرارات أكثر تشددًا بعد وعواقبها الخطيرة، لا بد من أن يعمد الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني إلى تخطي خلافاتهما لصالح المنطقة. وعوضًا عن التنافس عن طريق المنطقة الصفراء والمنطقة الخضراء، يجدر بالطرفين إعادة تأطير فكرهما حول مفهوم "منطقة كردستان" الواحدة الموحدة.