- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
البَرلمان العراقي وزواج القاصرات: حقوق القاصرات العراقيات كالمستجيرة مِنَ الرمضاءِ بالنار
أن التعديل الجديد قد قوبل بمخاوفٍ نظراً للاعتقاد بأنه يشجع على زواج القاصرات، مما يزيد من مخاطر التعديل وتداعياته المحتملة على الأجيال القادمة من الفتيات العراقيات.
ما فتئت أن انقضت أسابيعَ دار فيها الجدل حول تعديل مقترح قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، حتى وافق البيت التشريعي العراقي على القراءة الأولى للتعديل. إذ عدلّت الكتلة الشيعية في مجلس النواب العراقي قانون الأحوال الشخصية بإضافة فقرة ثالثة إلى المادة الثانية من النسخة القديمة، تنص على ضرورة "التزام المحاكم بالفقهين الشيعي والسني المُتَّبَعين، عند تسجيل عقود الزواج." وذَكَرَت الكتلة أن مُسوغ التعديل هو أن الأخير يتوافق مع الدستور العراقي الذي ينص في المادة 41 على أن "العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم، أو مذاهبهم، أو معتقداتهم، أو اختياراتهم". كما زعمت أنه ينسجم مع شرط الدستور (المادة 2(1)) في أن "الإسـلام يعد ديناً رسمياً للدولة وهـو مصدر أساسي للتشريع". ومن الجدير بالذكر، أن زواج القاصرات مسموح به في سن التاسعة قمرية (8.7 سنة شمسية)، حسب المذهبين الإسلاميين الرئيسين في العراق. بيد أن التعديل المذكور قد قوبل بمخاوفٍ نظراً للاعتقاد بأنه يشجع على زواج القاصرات، مما يزيد من مخاطر التعديل وتداعياته المحتملة على الأجيال القادمة من الفتيات العراقيات. وعلى الرغم من أن العراق ليس طرفاً في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969) - التي تُلزم الأطراف في كل اتفاقية نافذه - ينبغي على بغداد أن تفكر ملياً في تداعيات التصديق على تعديل قد يتعارض مع العديد من المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل التي صادق عليها العراق.
انتهاكات التعديل لمعاهدات حقوق الإنسان
يُشَكِل التعديل المقترح انتهاكاً لجملةٍ من المعاهدات الدولية التي صادق عليها العراق فعلاً. ففي المقام الأول، يشكل التعديل انتهاكاً صريحاً للمادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل، التي تُعرَفُ الطفل بأنه "أي إنسانٍ لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه". أما لغوياً، فيشير مصطلح "سن الرشد" إلى السن الذي يصبح فيه الشخص بالغاً قانونياً، وعادة ما يكون سن الثامنة عشرة أو الحادية والعشرين. إذ يختار التعريف بعناية مصطلح "سن الرشد" في إشارة إلى المرحلة العقلية للإنسان وليس سن الرشد الجنسي.
. ومع ذلك، يتجاهل التعديل هذه الحقيقة على وجه الخصوص ويَضَعُ أسساً للزواج الفعلي للقاصرات في سن أبكر بكثير. وتسمح النسخة المعدلة من القانون، في المادة 8، بزواج المراهق الذي أكمل الخامسة عشرة من عمره الشمسي، فقط إذا أجازه القاضي الذي يجده "ضروريا للغاية" و"متوقفا على نضج الفرد الشرعي وقدرته البدنية". ومن عجيب المفارقات، أنَ التشريعات العراقية تشترط على المواطنين إكمال سن الثامنة عشرة للبلوغ والتمتع بحق التصويت في الانتخابات–وهو ما يعتبر من السمات المميزة للبلوغ في البلدان الديمقراطية. هذا وينتهك التعديل عدداً من المواد الأخرى: المادة 3(1) التي تشترط أن تكون المصلحة الفضلى للطفل هي الاعتبار الأساسي، والمادة 34، التي تدعو الدول الأطراف إلى "حماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي"، والمادة 36، التي تدعو إلى الحماية من سائر أشكال الاستغلال الضارة بأي جانب من جوانب رفاه أو سلامة الطفل. كما ينتهك التعديل أيضاً المواد 4 و12 و16 و19 و31 و42 من الاتفاقية، مما يشير بوضوح إلى انتهاكه للاتفاقية نفسها.
زواجٌ باطِنهُ استِرقاقٌ
بصرف النظر عن هذه الاتفاقية الأحدث عهداً، يُمثل التعديل انتهاكاً للمادة 1(ج)1 من الاتفاقية التكميلية لمناهضة الاسترقاق (1956)، والتي تدعو الدول إلى اتخاذ جميع التدابير التشريعية وغيرها من التدابير العملية والضرورية لتحقيق الإبطال الكامل أو التخلي عن الممارسة التي بموجبها "تُوعد امرأة، دون حق الرفض، بالزواج أو تُمنح للزواج مقابل دفع مقابل نقدي أو عيني لوالديها أو ولي أمرها أو أسرتها أو أي شخص آخر أو مجموعة...". وتُعرِّف اتفاقية عام 1956 الزواج القسري بأنه صورةٌ من صور الزواج المستعبد، وتصفه بأنه ممارسة تشبه الاسترقاق.
وعلاوة على ذلك، يرتبط الزواج القسري بالمفهوم التقليدي للاسترقاق، كما هو منصوص عليه في الاتفاقية المعنية بالرق لعام 1926، والذي غالبًا ما يشار إليه باسم "استرقاق الملكية (المتاع)". إذ تُعد القاصرةُ، في هذه الحالة، متاعاً، نظراً لممارسة زوجها أو والدها أو ولي أمرها كل الصلاحيات المرتبطة بحق الملكية التي يسنها صاحبها، ضد الضحية – أي القاصرة. وعلى الرغم من أن القاصرة المتزوجة في هذا الصدد لا تخضع لممارسة حقوق الملكية المتطرفة المرتبطة بـ "استرقاق الملكية"، إلا أنَ الضرر الذي من شأنه أن يلحق بشخصيتها المستقلة (القانونية) يعد امراً محالٌ التغاضي عنه (المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية رانتسيف ضد قبرص وروسيا، الفقرة 142). لذا تتعارض الموافقة على التعديل مع نص اتفاقيتي 1956 و1926 وروحهما، وتتناقض مع إلغاء الزواج المرتبط بالمهر.
يُعد التعديل المذكور انتهاكاً أيضاً للمادة 3 من اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 لسنة 1999 المعنية بحظر أسوأ أشكال عمل الأطفال، والتي تعرف عمالة الأطفال بأنها "كافة أشكال الرق أو الممارسات الشبيهة بالرق، كبيع الأطفال والاتجار بهم، ...". كما يحظر التعديل أداء أي عمل من شأنه بطبيعته أو الظروف التي يتم فيها أن يضر بصحة الأطفال أو سلامتهم أو أخلاقهم. ومن عجيب المفارقات، أن العراق صادق على الاتفاقية في 9 تموز / يوليو 2001، إلا أن النواب تجاهلوا هذه الحقيقة. لذا فمن شأن التعديل المقترح أن يسن أسس عمالة القاصرات واستغلالهن جنسياً، ويخفي العبودية الحديثة وراءَ ستار "الزواج بالتراضي".
القاصرات العراقيات والاتجار بالبشر
يروج التعديل المذكور للاتجار بالبشر أيضاً. ففي المادة 3 من البروتوكول المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، يعرّف "الاتجار بالبشر" بأنه فعل يتضمن، من بين جملة أمور منها، "إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر، لغرض الاستغلال". وإذا ما أخذنا بالاعتبار حقيقة أن زواج المهر مبني على شرط عطاء وتلقي بين ولي امر القاصرة أو الوصي عليها والزوج المستقبلي بوصفه مستفيداً، فإن مثل هذا الترتيب يعتبر صورة من صور الاتجار بالبشر قطعاً. وإضافةً إلى ذلك، فإن زواج القاصرات لا يتم بطبيعته بالتراضي نظرًا لأن القاصرة غير قادرة على الموافقة على هذا الاستغلال. وزيادةً على ذلك، وعلى الرغم من غياب موافقة القاصرة على الزواج أو عدم أهمية الموافقة، فأن التعديل ينتهك المادة 16(2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إذ ينص الإعلان في المادة المذكورة على أن "رضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملً لا إكراهَ فيه" يمثل الشرط الوحيد لعقد الزواج. وعلى هذا الأساس، فإن التعديل ينتهك هذه المادة أيضًا.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن العنف المرتبط بالمهر مدرج في تعريف العنف ضد المرأة الوارد في إعلان الأمم المتحدة المعني بالقضاء على العنف ضد المرأة، المادة 2(أ). إذ تُعرف الاتفاقية العنف بأنه "أي أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة". وبالتالي فإن زواج القاصرات المرتبط بالمهر يعتبر عنفاً ضد المرأة، والتعديل يتعارض مع هذا الإعلان الذي انضم إليه العراق في 13 آب / أغسطس 1986.
حقوق القاصرات في خطر
ينص التعديل في المادة المقترحة 2، الفقرة 3(ت)، والذي أقر مؤخراً، على أنه يقوم كل من المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي والمجلس العلمي والافتائي في ديوان الوقف السني، بالتنسيق مع مجلس الدولة، بوضع "مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية" وتقديمها خلال ستة أشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون، لتنظيم تطبيق الأحكام المقترحة للتعديل. ومن الجدير بالذكر أن هذين المجلسين لا يعدان هيئتانِ قانونيتانِ تشرعان القوانين والأنظمة، بل هيئتان مؤلفتان من علماء دينيين في فقه الشريعة الإسلامية، ينبغي للمحاكم أن تستمد تفسيرات قوانينها منهما. لذا، لا يوجد قانون نافذ أو مجموعة أحكام بشأن إنفاذ زواج القاصرات أو استغلالهن في العراق حتى الآن. ومع ذلك، إذا أخذنا في الاعتبار التدابير المتهورة المتزايدة التي يتخذها الإطار التنسيقي الشيعي في بغداد فرضاً لإرادته، فلا شك أن مثل هذه القوانين يمكن التحايل عليها إذا رغب الإطار في ذلك.