
- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الدعم الأمريكي لقوات الأمن العراقية: التحديات والآفاق المستقبلية في عهد ترامب

في ظل مراجعة المساعدات الأمنية الأمريكية للعراق، تسعى بغداد إلى تقييم التأثير المحتمل للتجميد الممتد لهذه المساعدات على أمنها القومي.
ظل الدعم الأمريكي للقوات الأمنية العراقية، عاملاً مهماً في تعزيز الأمن والاستقرار في العراق، ليس بسبب عجز القوات العراقية عن أداء مهامها، بل نظراً لأهمية جوانب الدعم الذي تقدمه واشنطن لها في عدة مجالات حيوية، بما في ذلك التدريب العسكري، وتوفير الأسلحة والمعدات، وتقديم المعلومات الاستخباراتية التي تسهم في مكافحة الجماعات المسلحة مثل تنظيم "داعش". وبشكل عام، تنظر الحكومة العراقية إلى هذا الدعم على أنه ضرورة لتحسين قدرات الجيش العراقي، لكن هذا الدعم لا يخلو من التحديات والتوترات، خاصة فيما يتعلق بسيادة العراق ووجود القوات الأجنبية على أراضيه. وفي بعض الحالات، يسود القلق من أن يؤدي استمرار هذا الدعم إلى تعزيز النفوذ الأمريكي في الشؤون الداخلية للعراق.
وتُعد المطالبة بخروج القوات الأجنبية، بما في ذلك قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، جزءاً لا يتجزأ من استعادة السيادة الوطنية الكاملة كما هو مُعلن، إضافة إلى دعوات أخرى مرتبطة بالرفض الإيراني لهذا الوجود. ومع ذلك، فإن احتمال عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية في عام 2025 ومراجعة إدارته لأولويات التمويل، بما في ذلك تعليق المساعدات الأمنية المقدمة للعراق، تعيدان تشكيل النقاش في بغداد بشأن مستقبل العلاقة الأمنية بين البلدين وتأثيراتها على الأمن القومي العراقي.
أشكال الدعم الأمني المباشر
تُعد الولايات المتحدة الأمريكية أحد أبرز الشركاء الرئيسيين في دعم القوات الأمنية العراقية، عبر سلسلة من البرامج والمساعدات التي تشمل التدريب، والتجهيز، والتمويل، والمعلومات الاستخباراتية التي لعبت دوراً مهماً في تعزيز قدرات القوات الأمنية في مواجهة التهديدات الإرهابية. ويندرج معظم هذا الدعم ضمن بنود الاتفاقية الأمنية المبرمة بين بغداد وواشنطن منذ عام 2009، إبان تولّي نوري المالكي رئاسة الوزراء، حيث تنظم هذه الاتفاقية طبيعة وجود القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي وأنشطتها في العراق.
ووفقاً للتقارير الرسمية، قدمت الولايات المتحدة ما يقرب من 13.8 مليار دولار أمريكي كتمويل للعراق في الفترة من 2015–2023. وبحسب أحدث البيانات المتاحة لهذا العام، قُدرت هذه المساعدات في عام 2023، بحوالي 430 مليون دولار، حيث تضمن هذا الدعم مجموعة من البرامج لتعزيز القدرات العسكرية العراقية. فعلى سبيل المثال، بلغت قيمة المساعدات التي قُدمت عبر برنامج المساعدات العسكرية الأجنبية (FMF) والمخصص لشراء المعدات العسكرية والأسلحة، مثل الطائرات والمدافع والدبابات والمركبات المدرعة، نحو 250 مليون دولار من أجل تدريب وتطوير القدرات العسكرية العراقية، ما مكن العراق من شراء معدات عسكرية أساسية، من بينها الطائرات المقاتلة من طراز F-16 ومدرعات M1 Abrams. كما قدّمت الولايات المتحدة تمويلاً بقيمة 21.93 مليون دولار ضمن برنامج إزالة بقايا المتفجرات، بالإضافة إلى دعم هذا المبلغ بـ 7.515 مليون دولار لتدريب القوات العراقية على عمليات الاستطلاع وإزالة الألغام والمتفجرات. ومع ذلك، لا تزال العديد من هذه المساعدات السابقة معلقة حالياً رهن مراجعة الإدارة الحالية.
لا يقتصر هذا الدعم على الجانب المالي فحسب؛ فقد طورت الولايات المتحدة برامج موسعة لتدريب أكثر من 20 ألف جندي وعنصر أمني عراقي في مختلف المجالات الأمنية والعسكرية، مثل تكتيكات مكافحة الإرهاب، والتقنيات الاستخبارية، وعمليات الرصد، والاستطلاع. وقد تم تدريب هؤلاء الجنود داخل القواعد الأمريكية في العراق، بالإضافة إلى مركز التدريب الأمريكي في الأردن. كما تنفذ الولايات المتحدة بتنفيذ عمليات مشتركة وأخرى مستقلة مع القوات العراقية، تشمل تزويدها بمعلومات استخباراتية محدثة حول تحركات الخلايا الإرهابية، إلى جانب تنفيذ ضربات دقيقة باستخدام الطائرات بدون طيار. ويشمل الدعم التكنولوجي تزويد القوات العراقية بمعدات مراقبة متقدمة، مثل الطائرات المسيرة، التي ساعدت في رصد وتتبع تحركات العدو في المناطق الجغرافية الوعرة والصحراوية. أما الدعم اللوجستي، فيتضمّن توفير إمدادات أساسية للجيش العراقي، تشمل الوقود، وقطع الغيار للمعدات العسكرية، والإمدادات الطبية. كما تسهم الولايات المتحدة في تطوير البنية التحتية العسكرية عبر بناء منشآت مثل القواعد الجوية والمرافق العسكرية.
دوافع توفير وأسباب تعليقه
تقدّم الولايات المتحدة دعماً مستمراً للقوات الأمنية العراقية لأسباب استراتيجية وسياسية متعددة. فمن ناحية، يعود ذلك إلى الطلب الذي قدّمته الحكومة العراقية، بقيادة رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي، في حزيران/يونيو عام 2014، إلى التحالف الدولي للحصول على المساعدة العسكرية في مواجهة تنظيم داعش، بعد سيطرته على مدن عراقية كبيرة. وقد ترافقت هذه المساعدات الأمنية، التي شملت إمدادات الأسلحة والذخيرة والدعم اللوجستي، مع عمليات عسكرية مباشرة، من بينها الغارات الجوية على مواقع تنظيم "داعش."
وعلى الرغم من هزيمة التنظيم، لا تزال خلاياه النشطة تشن عملياتها ضد القوات الأمنية خصوصاً في المناطق النائية وبعض المناطق المحاذية للمُدن الرئيسية مثل مناطق حزام بغداد، ومحيط محافظتي ديإلى والأنبار، وفي مناطق جبال حمرين، شرقي البلاد المتحدة.
من جانبها، اعتبرت الولايات المتحدة هذه المساعدات تشكل جزءاً من استراتيجيتها الأوسع في الشرق الأوسط، مؤكدة أن استقرار وقوة قوات الأمن العراقية يسهمان في حماية مصالحها ومنع انتشار النفوذ الإيراني والجماعات الإرهابية في المنطقة. كما تسعى الولايات المتحدة إلى إبقاء القوات الأمنية بعيدة عن تأثيرات السياسة الإيرانية في المنطقة، أو تحولها إلى أداة في يد الجماعات المسلحة المحلية التي تعمل خارج إطار الدولة، فضلاً عن منع تحول الجيش العراقي إلى قوة موازية لصالح الفصائل الموالية لإيران.
لا يزال من غير الواضح أي من هذه الاعتبارات ستحتفظ بها الإدارة الحالية، وخصوصاً أن تعليق المساعدات الأمنية للعراق، إلى جانب مساعدات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، يأتي ضمن جهود الرئيس الأمريكي لإعادة تقييم استراتيجية بلاده العسكرية في الشرق الأوسط ومستوى الإنفاق على المساعدات الخارجية.
قد يُنظر أيضاً إلى استمرار تعليق المساعدات الأمنية على أنه جزء من عملية الانسحاب المتفق عليها لقوات التحالف الدولي، والمقرر استكمالها في عام 2026 بناءً على طلب الحكومة العراقية. ويعتبر هذا الطلب سابِقاً لقطع التمويل الأمريكي عن القوات المسلحة العراقية، وقد تزايدت حدته بعد العملية الأمريكية التي استهدفت كلاً من قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، في مطلع عام 2020، وقتها بدأت الحكومة العراقية تشعر بأن وجود القوات الأمريكية على أراضيها أصبح يشكل تهديداً للسيادة الوطنية للعراق، إضافة إلى الضغط الداخلي الذي تمارسه الأحزاب الموالية لطهران، والتي تعتقد أن استمرار وجود هذه القوات يندرج ضمن محاولة واشنطن للتوسع في المنطقة.
تعتبر بغداد بشكل عام أن التعليق الحالي للمساعدات الأمنية يعكس التوترات السياسية الداخلية في العراق وتأثيرها على قوات الأمن. ومن المنظور الأمريكي، يرى صانعو القرار أن برامج الدعم السابقة أخفقت في الحد من النفوذ الإيراني داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية العراقية، وخاصة فيما يتعلق بفصلها عن الفصائل المسلحة المقربة من طهران. سبق أن أعربت واشنطن عن قلقها بشأن استمرار الألوية 45 و46 و47 التابعة لـ"كتائب حزب الله" ضمن قوات الحشد الشعبي، رغم تورطها في عمليات استهدفت القوات الأمريكية في العراق. وإذا قررت إدارة ترامب ربط الدعم العسكري الأمريكي بتحقيق تقدم حقيقي في هذا المجال، فإن عملية الفصل بين هذه الفصائل وقوات الأمن العراقية لم تتم بعد، مما يثير تساؤلات حول قدرة بغداد على تنفيذ هذا التغيير.
بغداد تدرس خياراتها
تميل الحكومة العراقية والقوى السياسية البارزة عموماً إلى تبني موقف متوازن بين مصالحها الداخلية واحتياجاتها من الدعم الخارجي. ومع ذلك، فإن الضغوط الناشئة عن التغيرات الإقليمية الحالية تضعها في موقف حساس فيما يخص ضمان الاستقرار الأمني. وفي حال قررت الحكومة السعي لاستمرار المساعدة الأمنية، فقد تجد الساحة السياسية العراقية نفسها في خضم أزمة سياسية جديدة، لا سيما إذا كان عليها تقييم التكلفة المحتملة لهذا الدعم.
ومع ذلك، فإن استمرار تعليق الدعم الأمريكي للقوات الأمنية العراقية يترتب عليه العديد من التداعيات التي ستؤثر على أداء هذه القوات وتزيد من المخاطر الأمنية اللاحقة، خصوصاً في ظل استمرار التهديدات التي يشكلها تنظيم "داعش" والفصائل المسلحة. فعلى الرغم من قدرة القوات العراقية في الوضع الراهن على مواجهة بعض التحديات، إلا أن طول مدة الدعم الأمريكي أدت إلى اعتماد القوات العراقية عليه بشكل كبير في عملياتها. وإذا لم يعد هذا الدعم متاحاً، فمن المرجح أن تتراجع قدراتها، مما يؤدي إلى فتح ثغرات أمنية جديدة قد تستغلها الخلايا النائمة. وينطبق ذلك بشكل خاص إذا حاول الجيش العمل دون الاستفادة من صور الأقمار الصناعية والدعم الجوي الذي توفره الطائرات الأمريكية المسيرة منذ فترة طويلة، خاصة في المناطق الصحراوية والجبلية النائية التي يصعب مراقبتها بوسائل أخرى.
وإذا أصبح تنظيم "داعش" أكثر نشاطاً على المستوى العملياتي، فقد تضطر القوات المسلحة إلى العودة إلى الاستراتيجية التي اتبعتها خلال المعركة الأولى ضد التنظيم، حيث دفع تصاعد التهديد القوات المسلحة إلى التنسيق مع بعض الفصائل المدعومة من طهران لتوحيد الجهود في مواجهة المخاطر الأمنية الجسيمة التي يشكلها التنظيم. ومن ثم، فإن تصاعد عمليات "داعش" دون مساعدة أمريكية مقابلة لمعالجتها سيسهم بلا شك في تعزيز قدرات ونفوذ الفصائل المسلحة وإمكانية فرض نفوذها الأوسع داخل المؤسسة السياسية العراقية. وبالمثل، سيواجه الجيش العراقي صعوبة في تمويل شراء المعدات العسكرية الأمريكية، مما سيحد من قدرته على تحديث أو صيانة أو تطوير ترسانته الحالية. كما سيعاني الضباط من نقص في التدريب على الأسلحة المتطورة والتكتيكات القتالية الحديثة.
وبالنظر إلى التأثير المحتمل لهذا التعليق المستمر، قد تسعى بغداد إلى إقناع واشنطن بأن المساعدات الأمنية السابقة كانت "استثماراً جيداً". ومن المتوقع أن تشمل طلبات بغداد من واشنطن بعض أو جميع النقاط التالية:
- إنشاء المزيد من القواعد الأمريكية إلى جانب القواعد الحالية في مناطق مختلفة من محافظتي الأنبار وأربيل.
- تقليل تأثير إيران في البلاد بشكل واضح من خلال إعادة هيكلة الحشد الشعبي أو دمجه ضمن القوات النظامية لضمان تحييده عن النفوذ الإيراني.
- إطلاق حملات أمنية مشتركة ضد الفصائل المسلحة المرتبطة بطهران داخل العراق.
- فرض إجراءات رقابية مشددة على برامج الدعم التي تقدمها الحكومة العراقية لضمان عدم استخدامها أو تسريبها إلى الفصائل المصنفة من قبل الولايات المتحدة، وذلك في إطار الاستجابة للتقارير المسربة العام الماضي.
- تعزيز مشاركة القوات المسلحة العراقية في تحالف دفاعي إقليمي موسع مستوحى من نموذج "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" الذي أعيد تنشيطه، وهو المشروع الذي سعت إليه إدارة ترامب السابقة بهدف تعزيز التعاون بين الدول العربية وإسرائيل لمواجهة التهديدات الإقليمية.
وبغض النظر عن مدى استعداد بغداد لتقديم بعض هذه الحوافز أو جميعها، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت قادرة على معالجة الانتقاد الأمريكي الأساسي المتعلق بالنفوذ الإيراني داخل القوات المسلحة العراقية، بما يحظى بقبول واشنطن. وفي النهاية، إذا تم ممارسة ضغط أمريكي كبير باستخدام المساعدات الأمنية كوسيلة للتأثير، فمن غير المرجح أن يكون هناك استجابة سياسية عراقية موحدة. فقد تقبل بعض القوى والشخصيات شروط الدعم الأمريكي، بينما قد ترفض قوى أخرى، خاصة الموالية لإيران أو تلك التي تنادي بسيادة العراق الكاملة، هذه الشروط وتميل بشكل أكثر حسماً إلى تعزيز العلاقات مع إيران أو دول أخرى في المنطقة.
وقد طورت القوى السياسية المقربة من طهران هذه العلاقة لأسباب عقائدية، حيث يتبع معظم قادتها وأعضائها مرجعية ولاية الفقيه في طهران، ومن غير المحتمل أن يتخلوا عن ذلك حتى مع التراجع الإقليمي لإيران. الإضافة إلى ذلك، حتى إذا أظهرت قيادة هذه الجماعات رغبتها في الانفصال عن إيران، فإنها لن تتمكن من تحقيق ذلك بالسرعة التي من المرجح أن تقبلها واشنطن، وذلك بسبب النفوذ الإيراني داخل أعضاء هذه الجماعات والمجتمعات التي تدعمه.
أما الجماعات الشيعية الأخرى المنضوية تحت المظلة السياسية للحكومة المركزية، إضافة إلى بعض القوى السنية والكردية، فغالباً ما تجد نفسها عالقة بين مطرقة الضغوط الأمريكية وسندان التحديات الداخلية. ونظراً لأن هذه الجماعات ترغب في الحفاظ على علاقات مع كل من واشنطن وطهران في آن واحد، فمن غير الواضح كيف سيتعاملون مع أي ضغوط لاتخاذ قرار سريع وحاسم.
ولكن وفقاً للوضع الراهن وحاجة البلاد إلى وجود هذه القوات، يؤخذ على الحكومة العراقية امتناعها عن التفاوض مع واشنطن للوصول إلى اتفاق ثنائي مع الولايات المتحدة أو التحالف الدولي بشكل عام، يسمح لها بتأمين مصالحها الوطنية في سياق التحديات الأمنية التي تواجهها وحاجتها الملحة إلى هذا الوجود. ومع ذلك، يبدو أن الضغوط المفروضة أو ضعف دراسة هذا القرار أدت إلى تفضيل دعوة القوى الأجنبية إلى المغادرة بدلاً من تأمين مصالحها الوطنية في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها.
وبالتالي، هناك اعتقاد سائد بأن العراق سيشهد فترة اختبار حقيقية خلال عام 2025، مع سؤال مفتوح حول كيفية تعامل النخبة السياسية العراقية مع ما قد يكون خياراً مستحيلاً. وعلى أقل تقدير، سيتعين على بغداد أن تدرك ثمن أي من الخيارين: إما القتال من أجل استمرار التمويل الأمني على حساب علاقتها مع إيران، أو السماح بانقضاء المساعدة الأمنية الأمريكية دون اعتراض كبير، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات على الأمن القومي.