- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الدول العربية تعد العتاد للحرب في ظل عدم التأكد من نية أوباما
قليلة هي المنظمات التي تتفاخر بسمعتها المعروفة بالخلل الوظيفي مثل جامعة الدول العربية. فعلى مدى سبعة عقود، ميّزت الجامعة العربية نفسها من خلال الاقتتال الداخلي والعجز. ولكن في الوقت الحالي، وحيث يُنظر إلى إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على أنها منعدمة الدور في منطقة الشرق الأوسط، يشهد التحالف المؤلف من 22 دولة حالة من النهضة. فخلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، عقدت جامعة الدول العربية اجتماعاً في مدينة شرم الشيخ في مصر وأيدت إنشاء قوة تدخل لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط.
وقد جاء الدعم الإقليمي للقوة بعد أيام من قيام التحالف، العربي بمعظمه وتحت قيادة المملكة العربية السعودية، بشن غارات جوية تستهدف بالتحديد المتمردين الحوثيين الشيعة - إسمياً - في اليمن المدعومين من إيران، والذين اجتاحوا العاصمة المؤقتة عدن في الأسبوع الماضي ودفعوا بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى المنفى.
وعلى الرغم من أن التطورات في اليمن زادت من الحاجة الملحة للتدخل، إلا أن المناقشات حول تأسيس قوة عربية مشتركة كانت جارية منذ أشهر. يُذكر أن المحرّك الرئيسي في هذه النقاشات هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تواجه بلاده مشكلة الإرهاب، والذي يحظى بدعم قادة عرب سنة رئيسيين مثل عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني وعاهل السعودية الملك سلمان.
وفي هذا السياق، وفي 26 آذار/مارس، صرّح الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي قائلاً: "إن مهمة تلك القوة ستتمثل في التدخل العسكري السريع للتعامل مع التهديدات الأمنية للدول العربية". وتشمل هذه التهديدات جماعات مثل الحوثيين وتنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») في سوريا والعراق .
من الملاحظ أن مفهوم القوة العسكرية العربية ليس بالجديد. فمنذ إنشائها في عام 1945، نشرت الجامعة العربية العديد من قوات حفظ السلام وقوات التدخل السريع، وكانت بالتأكيد ذات نتائج متفاوتة. وقد تم تأسيس ما يُسمى بـ "قوات الردع العربية" في عام 1976 بهدف المساعدة على إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية. لكن في النهاية، سهلت القوة من وجود الجيش السوري الذي امتد على عدّة عقود في لبنان.
وفي عام 1982 شاركت الدول الست الأعضاء في «مجلس التعاون الخليجي» في "قوات درع الجزيرة"، وهي عبارة عن مجموعة تهدف إلى مواجهة أعمال التخريب الإيرانية. إلا أن هذه الوحدة المؤلفة من 40 ألف فرد لم تشارك بأي قتال باستثناء انتشارها لقمع الانتفاضة الشعبية في البحرين عام 2011.
هذا وشاركت سبع دول عربية في تحرير الكويت تحت قيادة الولايات المتحدة في عام 1991. وبعد الحرب، وافقت دول «مجلس التعاون الخليجي» من حيث المبدأ على بناء قوة إقليمية عسكرية تشمل مصر وسوريا، ولكن هذا الجهد توقف. وبالتالي، دفع التأخير برئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي في ذلك الحين، لي هاملتون، إلى تأنيب حلفاء واشنطن في الخليج معتبراً أن "ما يفعلونه حقاً هو الاعتماد على الولايات المتحدة باعتبارها الضامن لأمنهم. وإذا وقعوا في ورطة مرة أخرى، سيطلقون صافرة الإنذار".
على الرغم من تحذير السيد هاملتون، شكلت واشنطن بشكل موثوق ضامناً لأمن الخليج لغالبية الفترة الماضية التي تعود إلى 25 عاماً. لكن في الآونة الأخيرة، ومع اقتراب إدارة الرئيس أوباما من التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، ومع توسيع طهران لنفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، يتزايد شعور حلفاء واشنطن السنة التقليديين تجاه تضاءل إلتزام الولايات المتحدة.
ويجدر بالذكر أن استعداد الدول العربية للتضحية أخيراً بدمائها وثرواتها للدفاع عن المنطقة في وجه الإرهاب وفي وجه التعدي الإيراني يشكل تطوراً إيجابياً. ولكنه يعكس أيضاً يأساً متزايداً في ظل تقلص دور واشنطن الأمني في الشرق الأوسط.
بعد بدء الحملة الجوية التي تقودها السعودية في اليمن، وصف وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش التدخل بأنه "صفحة جديدة من التعاون العربي لأمن المنطقة". وعلى الرغم من أن التقدم الأولي كان واعداً، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان الحماس سيستمر أو يكون فاعلاً.
ويُعتبر نشر القوات العربية، أهم مساهمة للجامعة العربية في اليمن. ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت الدول العربية مستعدة لتكبد الخسائر. فقد أشارت القاهرة إلى أنها سترسل قوات قتالية إلى اليمن، ولكن الجمهور المصري قد يكون حساساً تجاه الوفيات. فمنذ 50 عاماً فقدت مصر 26 ألف جندي في تدخل عسكري فاشل في اليمن. كما أن المملكة العربية السعودية نشرت قواتها لقتال الحوثيين في 2009 - 2010 لكنها عادت وانسحبت بعد ثلاثة أشهر عندما بدأت أعداد الضحايا بالارتفاع.
وفي هذا السياق، تبرز أيضاً مخاوف حول القدرات العسكرية لشركاء الائتلاف العربي. فعلى الرغم من مساهمة السودان والأردن ومصر في العتاد الجوي للحملة في اليمن، إلا أن هذه الدول غير قادرة، وفقاً للتقارير، على تنفيذ طلعات جوية ليلية. أضف إلى ذلك أن الحلفاء العرب في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الحرب ضد «داعش» لم تشن في الأشهر الأربعة الماضية سوى حوالي 8 في المائة من الغارات الجوية في سوريا والعراق. وبالفعل، بعد أيام فقط من إنطلاق الحملة، قيل إن المملكة العربية السعودية والسودان فقدت [بعض] الطائرات. وفي ظل غياب دور بارز للولايات المتحدة، قد تطرح الصيانة والخدمات اللوجستية وقابلية تبادل المعدّات مشاكل أيضاً.
ومن ثم تأتي مسألة الأولويات. إذ يركز السعوديون والإماراتيون بشدة على عكس المكاسب الإيرانية في اليمن. أما مصر - التي تقوم الرياض وأبو ظبي بكفل اقتصادها - فتعتبر أمن الخليج أهمية قصوى.
لكن لدى القاهرة مخاوف استراتيجية أخرى أكثر مقربة. فبالإضافة إلى تنامي التمرد الذي يقوده تنظيم «الدولة الإسلامية» في شبه جزيرة سيناء، تتحول ليبيا بسرعة إلى دولة فاشلة. ففي وقت سابق من هذا العام، أعدم التنظيم 21 من المصريين المسيحيين الأقباط في ليبيا. ويستمر تدفق الإرهابيين والأسلحة عبر الحدود.
وتُطرح أيضاً مسألة موقف واشنطن تجاه عمل عسكري إقليمي عربي أكثر قوة. ففي شباط/فبراير أدانت إدارة أوباما مصر لشنها غارات جوية إنتقامية ضد تنظيم «داعش» في ليبيا. إلّا أن البيت الأبيض رحّب في الآونة الأخيرة بجهود التحالف العربي في اليمن، ويقدم له الدعم اللوجستي والاستخباراتي.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو، هل ستقوم واشنطن - التي تقدم الدعم الجوي للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق، والتي تستهدف تنظيم «الدولة الإسلامية» - بتقديم دعم مماثل لقوة عربية سنية؟ بناءً على كيفية قيام الجامعة العربية بخططها [في الوقت الحاضر]، لا يبدو أن العرب يعولون على هذا الدعم.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن. جلعاد وانيج هو باحث مشارك في معهد واشنطن ومدير تحرير منتدى فكرة.