- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3355
الفلسطينيون وحل الدولتين: بيانات موثّقة للإجابة على أصعب الأسئلة
"في 21 تموز/يوليو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي بالتزامن مع إصدار تقريره الجديد "أمة منقسمة: وجهات نظر فلسطينية حول الحرب والسلام مع إسرائيل". وشمل المتحدثون مؤلف التقرير، ديفيد بولوك، الذي يرأس "مشروع فكرة" التابع للمعهد؛ وتمار هيرمان، المديرة الأكاديمية لـ "مركز غوتمان للرأي العام وبحوث السياسات" التابع لـ "معهد الديمقراطية الإسرائيلي"؛ وغيث العمري، زميل أقدم في المعهد وعضو سابق في فريق مفاوضات «السلطة الفلسطينية». وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم".
ديفيد بولوك
يجمع عنوان "أمة منقسمة" استطلاعات وجهاُ لوجه أُجريت مع فلسطينيين من قبل فلسطينيين، وتضم بيانات يعود تاريخها إلى عشر سنوات. وعلى الرغم من أنه عادةً ما يتم إظهار الرأي العام الفلسطيني على أنه موحداً، إلا أن التقرير يركز على انقساماته الداخلية.
ويُعتبر أحد أبرز الانقسامات ذو تسلسل زمني. فخلال العقد الماضي، تغيّر الرأي العام الفلسطيني من خلال اتباعه اتجاهاً يميل أكثر نحو الخيارات العسكرية وأقل نحو المصالحة. وفي استطلاعات أخيرة أجريت في شباط/فبراير 2020، كان دعم حل الدولتين موقف الأقلية. وهذا لا يعني أن حل الدولة الواحدة الثنائية القومية قد اكتسب زخماً - فقد أيد هذا الرأي 10٪ فقط من الجمهور الفلسطيني. وبدلاً من ذلك، دعمت الأغلبية استعادة فلسطين التاريخية بكاملها. بالإضافة إلى ذلك، قال 58٪ من سكان الضفة الغربية و 62٪ من سكان غزة أنه حتى إذا تم التوصل إلى حل الدولتين، فيجب أن يستمر الصراع مع إسرائيل إلى أن يستعيد الفلسطينيون كافة الأراضي.
أما الانقسام الثاني فهو بين الفلسطينيين المنتشرين في أراضٍ مختلفة، كما أظهر استطلاعان أجريا مؤخراً (منتصف 2019 وأوائل 2020) بشأن الضم الإسرائيلي المحتمل لأراضي في الضفة الغربية. ووفقاً لأحدث استطلاع، أيّد 25٪ فقط من المستطلعين في الضفة الغربية وبشدة وجوب معارضة الفلسطينيين لعملية الضم بالقوة إذا لزم الأمر، في تراجع عن النسبة المسجلة في الاستطلاع السابق. وحصد دعم انتفاضة ثالثة أرقاماً مماثلة، مما يظهر أن احتمال حدوث انتفاضة في الضفة الغربية ضد عملية الضم ضئيل نسبياً.
غير أن النسبة الداعية إلى معارضة الضم بالقوة إذا لزم الأمر كانت أعلى بكثير في غزة. وعموماً، يمكن أن تختلف المواقف في كل منطقة بنسبة تتراوح بين 30 و40 نقطة. وفي هذه الحالة، من المرجح أن يمثل هذا التفاوت الكيفية التي يوافق بموجبها المستطلعين على إقدام فلسطينيين من أبناء بلدهم في مناطق أخرى على إطلاق مواجهة مسلحة ضد إسرائيل، لكنهم أقل ميلاً إلى خوض هذه المخاطرة في أراضيهم.
أما بالنسبة للقدس الشرقية، فقد اعتاد السكان الفلسطينيون هناك على اتخاذ مواقف أكثر اعتدالاً بكثير تجاه إسرائيل لأسباب عملية. لكنهم اليوم يعبّرون عن وجهات نظر مماثلة لفلسطينيين في الضفة الغربية حول الردود المسلحة على عمليات الضم - وهو تغيير هائل على مدى السنوات الخمس الماضية. وبالمثل، قالت نسبة 52٪ منهم إنه قبل عقد من الزمن كانوا يفضلون أن يكونوا مواطنين في إسرائيل بدلاً من دولة فلسطينية، لكن هذه النسبة أصبحت اليوم 10٪ فقط. وكانت "انتفاضة السكاكين" التي حصلت بين 2015 و 2016 والرد الإسرائيلي عليها أحد العوامل الرئيسية وراء هذا التحوّل. ومع ذلك، حتى في ظل انجراف الرأي العام نحو المزيد من التطلعات العسكرية، لا ينخرط الفلسطينيون عادةً في أنشطة مسلحة، ويعود ذلك جزئياً إلى خشيتهم من الرد الأمني الإسرائيلي /"السلطة الفلسطينية"، ولأنهم أكثر تركيزاً على الظروف في حياتهم اليومية.
وبرز انقسام ثالث بين عامة السكان والنخبة. فبالنسبة للمسائل قصيرة المدى المتعلقة بالتعاون الاقتصادي مع إسرائيل والاعتبارات التكتيكية الأخرى، يُظهر الجمهور الفلسطيني موقفاً أكثر اعتدالاً بكثير من الخط الرسمي لـ "السلطة الفلسطينية" أو حركة «حماس». وأحياناً يتخطى الأمر البعد التكتيكي؛ على سبيل المثال، قد يقبل 60٪ من الجمهور بِقَصر حق العودة على الضفة الغربية أو غزة فقط، بينما يقول ثلثا الجمهور أنه يتعين على "السلطة الفلسطينية" التوقف عن دفع الرواتب إلى الإرهابيين المدانين في السجون الإسرائيلية. وفي المقابل، تدّعي "السلطة الفلسطينية" أنها لا تستطيع المساومة على مسألة الرواتب بسبب الرأي العام.
ويرتبط انقسام آخر بالأجيال - حيث أن الجيل الأصغر سناً أكثر اعتدالاً من كبار السن في القضايا التكتيكية القصيرة الأمد. ومع ذلك، يختفي هذا الانقسام عندما يتعلق الأمر بالعديد من القضايا الاستراتيجية الأطول أمداً.
وفي السياق الإقليمي، يتفق غالبية الفلسطينيين مع العرب في الدول المجاورة على أن الإصلاحات السياسية والاقتصادية الداخلية أكثر أهمية من أي قضية تتعلق بالسياسة الخارجية. وعلى الرغم من التطلعات الطويلة الأمد ضد إسرائيل، إلّا أن الفلسطينيين لا يميلون إلى الانتفاض بأعداد كبيرة، ويرجع ذلك إلى حد كبير لأنهم يعتقدون أن وضعهم ليس سيئاً بقدر الصراعات الأخرى الدائرة في الشرق الأوسط.
ولحسن الحظ، إن الاتجاه السلبي الحالي ليس محتماً - فالرأي العام الفلسطيني تجاه إسرائيل يمكن أن يتأرجح من جديد في اتجاه إيجابي في ظل ظروف مختلفة (وربما قيادة مختلفة). ومع ذلك بإمكان المرء أن يتصوّر مستقبلاً مختلفاً، مستقبل يُظهر فيه القادة الفلسطينيون لأبناء شعبهم أن السلام هو السبيل لإنهاء الاحتلال وتحقيق تطلعاتهم القومية على المدى الطويل.
تمار هيرمان
ينطبق عنوان "أمة منقسمة" إلى حدّ كبير أيضاً على إسرائيل التي كانت الآراء تنقسم فيها حول القضية الفلسطينية ولكنها أصبحت الآن أكثر انقساماً بين اليسار واليمين. فوفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، يعتبر نحو 15٪ من الإسرائيليين حالياً أنهم ينتمون إلى معسكر اليسار، و 35٪ إلى الوسط، و 50-60٪ إلى معسكر اليمين. ويرى أولئك في معسكر الأغلبية اليمينية أن حل الدولتين لن يقوّض رغبة الفلسطينيين في دولة واحدة. وحتى إذا كانت التداعيات المترتبة على بيانات بولوك صحيحة - بأن هذه الرغبة لا تزال في الغالب تطلعات ولن تتحول إلى فعل ملموس - فليس هناك فرصة كبيرة في الوقت الحالي لحشد المشاعر العامة للشعب الإسرائيلي سواء اليهود منهم أو حتى العرب لصالح حل الدولتين.
وبالمثل، يميل الشبان الإسرائيليون إلى أن يكونوا أكثر تشدداً من الجيل الأكبر سناً، ويعود ذلك جزئياً إلى أنهم نشأوا خلال الانتفاضة الثانية وأنهوا لتوهم خدمتهم العسكرية. في الوقت نفسه، ازداد عدد الولادات بشكل كبير في أوساط اليهود الأرثوذكس والمتشددين - الذين يميلون إلى معسكر اليمين سياسياً. وباختصار، فإن الأجيال الشابة من كلا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني غير مهتمة إلى حد كبير بفكرة التسوية.
وفيما يتعلق بمسألة العنف، ففي استطلاع جرى في نيسان/أبريل، أعرب ما يقرب من 60٪ من المستطلعين الإسرائيليين اليهود عن توقعهم باندلاع انتفاضة ثالثة إذا تم المضي قدماً في عملية الضم. ويُظهِر ذلك أن هناك نوع من الترابط بين ما يرغب الفلسطينيون في القيام به وما يتوقع منهم الإسرائيليون فعله.
وتُعتبر جائحة فيروس "كوفيد-19" سبباً آخر لغياب حل الدولتين من الخطاب الإسرائيلي في الوقت الحالي. ففي الواقع، لم يعد الإسرائيليون يتحدثون عن أي حل - وعندما سُئلوا عن الحل الأكثر ترجيحاً مع الفلسطينيين، أجاب معظم المستطلعين أنه لن يكون هناك حل ناجح وأن الوضع الراهن سيستمر. ولا يزال الاحتلال ومقاربة حل الدولتين أساسيين في إدراكهم الجماعي، لكن هذه المفاهيم لم تعد محور تركيزهم. كما أن عدداً قليلاً جداً من الإسرائيليين اليهود يدعمون فكرة دولة ثنائية القومية (حوالي 5٪). وعندما بدت عملية الضم وشيكة في وقت سابق من هذا العام، توقعت الأغلبية منهم أنها لن تتحول إلى حقيقة. وبالنسبة للعديد من الإسرائيليين، يُعتبر الوضع الفلسطيني الحالي جيد لأنهم لا يدفعون ثمناً باهظاً من حيث الاقتصاد أو الأمن القومي أو الرأي العام الدولي.
غيث العمري
منذ فشل الوعد بحل الدولتين والدبلوماسية في السنوات الأخيرة، لم يشهد جيل الشباب سوى الأسوأ ما في الجانب الآخر ويعتقد الآن أنه لا يمكن اعتباره شريكاً. لكن دوامة انعدام الثقة الكبير التي تزداد عمقاً بشكل متبادل لا تعني أن حل الدولة الثنائية القومية هو الخيار الوحيد؛ وبدلاً من ذلك، يتبنى المزيد من الأفراد على كلا الجانبين [سياسة] التطرف. ومع ذلك، لم يكن حل الدولتين يتعلق على الإطلاق بتبني سردية الطرف الآخر - بل كان يعني ببساطة الإقرار بأنه من الضروري تقسيم الأرض إذا أراد الطرفان تحقيق تطلعاتهما القومية.
وفيما يتعلق بالتمييز بين المخاوف التكتيكية والاستراتيجية، يواجه القادة صعوبة أكبر في التوصل إلى حل وسط عندما يعارض جمهورهم التسوية. ومع ذلك، فإن هذا التناقض لا يقضي بالضرورة على عملية صنع السلام الرسمية، كما حصل في المعاهدات التي وقّعتها إسرائيل مع الأردن ومصر. وحتى اليوم، من الصعب إيجاد مواطنين أردنيين أو مصريين يؤمنون بحق إسرائيل في الوجود، لكن السلام بين بلديهما وإسرائيل كان مستقراً لعقود. وفي الحالة الفلسطينية، يحتاج الطرفان إلى حوافز لإيجاد سلام مستقر وإعادة التركيز على الأمور العملية بدلاً من السرديات المتضاربة.
ويمكن للقيادة رسم معالم الرأي العام، كما فعلت خلال عملية "اتفاقيات أوسلو" واتفاقات "كامب ديفيد". لكن مثل هذا التأثير يتطلب قيادة جديرة بالثقة، وهي ميزة يصعب إيجادها لدى الجانب الفلسطيني هذه الأيام نظراً إلى اتساع فجوة شرعية "السلطة الفلسطينية". [فسابقاً] كان الرئيس ياسر عرفات ينخرط مع الشعب وجهاً لوجه، لكن الرئيس محمود عباس لا يستجيب للغاية للسياسة الشعبوية. فهو أكثر حساسية تجاه آراء النخبة، وغالباً ما يشعر بعدم الارتياح في الاستعانة بالدعم الشعبي لتحقيق التوازن مع هذه الآراء.
وعلى المدى القريب، من المهم مواجهة السياسات (بما فيها عملية الضم) التي تعزز الابتعاد عن حل الدولتين. فسلبيات خطط السلام وغيرها من "السياسات الكبرى" المحكوم عليها بالفشل تتجاوز إيجابياتها في الوقت الراهن. وعوضاً عن ذلك، على الطرفين التركيز على الحكم الفلسطيني كشرط مسبق لخلق واقع سياسي يتوافق مع نموذج [حل] الدولتين. ويمكن للمشاريع الثنائية الناجحة أيضاً أن تخلق زخماً وتُظهر للفلسطينيين أن لديهم شريكاً إسرائيلياً؛ على سبيل المثال، كان تعاونهم لمحاربة "كوفيد-19" خطوة إيجابية. وقد يدعم الشعب الفلسطيني المزيد من الخطوات المماثلة. كما أنه يملك القدرة على إحداث مفاجآت، كما حصل في الماضي حين دعم العديد من الفلسطينيين "اتفاقيات أوسلو" وفك الارتباط عن غزة.
أعدت هذا الملخص باسيا روزنباوم. أمكن تنفيذ سلسلة برامج منتدى السياسات بفضل سخاء "عائلة فلورنس وروبرت كوفمان".