- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2854
الحفاظ على مهمة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في جنوب سوريا
في تموز/يوليو 2017، وضعت إدارة ترامب حداً لبرنامج "وكالة المخابرات المركزية" الذي دام أربع سنوات ووفّر مساعدة مباشرة، على شكل رواتب وأسلحة، لمختلف الجماعات المتمردة السورية التي تقاتل تنظيم «الدولة الإسلامية» ونظام الأسد. ورغم أن بعض هذه الجماعات منحل عملياً في الوقت الراهن، إلّا أنّ عناصر «الجيش السوري الحر» لا تزال تقاتل بنشاط فروع «التنظيم» في الريف الغربي لمقاطعة درعا. بالإضافة إلى ذلك، إن النظام معزول حالياً عن جيب تنظيم «الدولة الإسلامية» على الحدود الشمالية للأردن، مما يبقي قوات «التنظيم» في تلك المناطق بمنأى عن أي تدخل نسبياً، باستثناء نزاع متداخل مع المتمردين والقصف الأردني في بعض الأحيان. يجب أن يتم تطهير هذا الجيب إذا ما أُريد تحقيق أهداف «عملية الحل المتأصل«، وهي المهمة التي تشمل الجهود المناهضة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»في سوريا والعراق. وفي 21 آب/أغسطس، اجتمع وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس مع مسؤولين أردنيين في عمان لمناقشة المرحلة التالية من استراتيجية محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية».
نجاحات «الجيش السوري الحر» ونقاط ضعفه
في أواخر عام 2011، كان عدد من الأطراف الإقليمية الفاعلة تدعم المتمردين جنوب سوريا بشكل مستقل، لتجتمع كلها بحلول عام 2013 في "مركز العمليات العسكرية" في عمّان حيث قام مسؤولون عرب وغربيون في مجال الاستخبارات بتنسيق هذه الجهود. وخلال ذروة الدعم المقدم من "المركز"، تفوّق «الجيش السوري الحر» في جنوب سوريا في أدائه على نظرائه في مناطق أخرى في تفادي عمليات التسلل والأَسْر الواسعة النطاق من قبل جماعات إسلامية أو جهادية. وإلى حدّ ما، نجح «الجيش السوري الحر» في الجنوب بفضل الموارد التنافسية المتوافرة له مقارنة بالجماعات الجهادية، والنجاح الذي أثبته ضد النظام، والطابع المحلي لكثير من الجماعات القتالية الفرعية.
ومع ذلك، أبدت الجماعات الجنوبية لـ «الجيش السوري الحر» بعض من نفس الديناميات المقلقة التي قضت على نظرائها في أماكن أخرى من البلاد. وشملت هذه خسارة المقاتلين لصالح الجماعات الجهادية، والتنسيق بنشاط مع الجهاديين، وحتى الاعتماد على الهجمات الانتحارية من قبل مثل هؤلاء الشركاء البغيضين من أجل كسر مواقع النظام المحصّنة بغية البدء بعملية ما. وحتى لو تجنّب هؤلاء المتمردون من الجنوب الأسر الكامل من قبل الجهاديين، إلّا أنهم حافظوا على تحالفات داخلية مع كيانات تُعتبر غير مقبولة من قبل الولايات المتحدة.
وقد عكس بعض التباعد السابق بين «الجيش السوري الحر» في الجنوب والجماعات الجهادية، قيام رد على الضغوط الأمريكية والإقليمية، مما يستدعي طرح السؤال حول حصول تعاون أكبر في المرحلة القادمة نظراً لغياب الدعم الأمريكي. بل حتى أن الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو هل يمكن أن يؤدي أي تغيير في الرعاة إلى تقارب بين تنظيم «الدولة الإسلامية» وجماعات تضطلع بدور رئيسي على نحو متزايد؟
حالة الوضع الراهنة
حدث تطوران هامان مؤخراً غيّرا الأوضاع في درعا: في 9 تموز/يوليو، سرى وقف إطلاق النار على أجزاء كبيرة من جنوب سوريا، وفي 18 تموز/يوليو وصل المئات من قوات المراقبة الروسية من أجل الإشراف على عملية وقف إطلاق النار. فضلاً عن ذلك، إن قوات النظام، التي تتواجد إلى جانب مقاتلي «حزب الله» وغيرهم من المقاتلين المدعومين من إيران إلى الشمال في مرتفعات الجولان، منعزلين حالياً عن جيب تنظيم «الدولة الإسلامية» من قبل قوات المتمردين، كما أن الجبهة بين الاثنين - المتمردين وقوات النظام - غير ناشطة. وقد بُنيت هذه التطورات خلال فترة أطول من الهدوء النسبي خلال العام الماضي، حيث نجح الرعاة الأمريكيون والأردنيون في الحدّ من الصراع بين «الجيش السوري الحر» والنظام، باستثناء اشتباكات داخل مدينة درعا.
ومن جهته، أظهر تنظيم «الدولة الإسلامية» التزامه بكونه صاحب المصلحة الوحيد في المناطق التي يغيب عنها النظام، وبأنه لن يتهاون في حملته ضد المتمردين. وخلال الأسابيع التي أعقبت وقف إدارة ترامب برنامج "وكالة المخابرات المركزية"، أظهر «التنظيم» بوضوح أنه لن يسعى إلى السلام مع العناصر المدعومة سابقاً من قبل الولايات المتحدة. وقد حاصرت الجماعة الجهادية بلدة الحياة التي يسيطر عليها «الجيش السوري الحر» وشنّت مؤخراً هجوماً انتحارياً على معبر نصيب الحدودي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 25 مقاتلاً إسلامياً. وعلى الرغم من أن تنظيم «الدولة الإسلامية» سيستوعب كتائب أصغر حجماً، وسيقبل دائماً منشقين من قوات أخرى، إلّا أنه لن يتحمّل منافسة مباشرة. كما أنه ألحق ضرراً كبيراً في المجتمعات غرب درعا بحيث أصبحت العناصر المتمردة هناك ملتزمة بمحاربة الجماعة من أجل الحفاظ على علاقاتها مع الجمهور المناهض للحكومة.
وفي ظل توقّف الولايات المتحدة عن توفير الدعم المباشر، يمكن للمرء إيجاد فرص مناسبة مع الأردن الذي تربطه علاقات جيدة مع المتمردين في الجنوب. وبالفعل، أظهرت عمّان التزاماً أكبر بمراقبة ارتباط شركائها بجهاديين من التزام رعاة آخرين مثل أنقرة أو الرياض. ومع ذلك، وفي ظل انتهاء الشراكة الأمريكية، بإمكان المتمردين في الجنوب أن يسعوا إلى المزيد من التنسيق مع الإسلاميين المتشددين وحتى مع «هيئة تحرير الشام»، على الرغم من احتمال إثارة غضب رعاتهم الأردنيين. ومن شأن اندماج أوثق مع هذه الجماعات أن يساعد «الجيش السوري الحر»، ولا سيما من خلال إتاحة فرص أكبر للانتحاريين الذين يمكنهم اختراق خطوط النظام. وما يثير القلق أيضاً على نحو متساوٍ هو أن هناك القليل من الأدلة التي تُشير إلى أن «الجيش السوري الحر» في الجنوب سيدفع الثمن مع الشعب السوري على مثل هذا التنسيق. وفي كثير من الحالات، يطالب السكان المدنيون بقيام علاقات أوثق مع المتشددين.
مسار الولايات المتحدة في المرحلة القادمة
نظراً إلى وقف برنامج "وكالة المخابرات المركزية" وتضاؤل أهمية "مركز العمليات العسكرية"، يسعى المتمردون جنوب سوريا جاهدين إلى استمالة رعاة جدد في المنطقة. ورغم أن مثل هذا الدعم المتنوع قد يكون غير مرجح نظراً إلى الأولويات الأخرى لتركيا وقطر، فقد يبرز هيكل جديد من الحوافز يتمّ بموجبه تشجيع قيام تنسيق أكبر مع جماعات متشددة أو على الأقل يكون مقبولاً. ومع ذلك، وحتى في غياب أي علاقة مباشرة مع متمردي الجنوب، بإمكان الولايات المتحدة اتخاذ عدد من الخطوات لمنع المزيد من التنسيق بين المتمردين والجهاديين ودعم المعركة الشاملة ضد الإرهاب:
· زيادة الدعم إلى الأردن في مساعيه لإدارة حدوده الخاصة: تشارك الولايات المتحدة أساساً المعلومات الاستخباراتية وتوفّر الدعم المالي للجهود الأردنية في سوريا، لكن ثمة فرص لتعزيز هذا الالتزام. ففي زيارته بتاريخ 21 آب/أغسطس، ألمح الوزير ماتيس إلى احتمال قيام تنسيق أكبر من خلال التأكيد على أن الولايات المتحدة ستقف "جنبا إلى جنب" مع المملكة الهاشمية في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي الوقت نفسه، قد يأخذ التعاون الأكبر شكل مهمات جوية ضد «التنظيم» تكون منسقة مع الأردن وليس مع «الجيش السوري الحر» في الجنوب. وعلى الرغم من أن الروس والنظام السوري يسيطرون حالياً على أجواء درعا، بإمكان واشنطن التفاوض مع موسكو عبر عمّان لشن ضربات ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» من المجال الجوي الأردني، ولكن فقط في المناطق الواقعة على طول الحدود الشمالية للمملكة.
· التوضيح لتركيا وحلفاء أمريكا الخليجيين أن دعم الجماعات الجهادية أو دعم المتمردين الأكثر اعتدالاً الذي يحفّز على التنسيق مع «هيئة تحرير الشام» سيستوجب رداً من الولايات المتحدة. قد يكون هذا الرد بسيطاً نسبياً - يأخذ ببساطة شكل تصريحات علنية تشجب مثل هذه التطورات - ولكن حتى مثل هذه الخطوة المتواضعة لكانت مستحيلة في وقت كانت فيه "وكالة المخابرات المركزية" تدعم البعض من تلك الأطراف.
· العمل مع الأردن وإسرائيل على السواء لمنع وصول «حزب الله» أو «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني أو القوات الأخرى المدعومة من إيران الموجودة أساساً في المحافظة إلى الحدود الإسرائيلية. يكتسي هذا التنسيق أهميةً خاصة نظراً إلى العلاقات المتوترة حالياً بين إسرائيل والأردن. وفي غياب أي وكيل، سيتعيّن على الولايات المتحدة النظر في خيارات أكثر تنوعاً، مثل الضربات الجوية، من أجل منع «حزب الله» من إقامة أي معسكرات على المدى الطويل بالقرب من الحدود الإسرائيلية. وحتى بدون مساعدة الولايات المتحدة، سيتفادى الإسرائيليون على الأرجح مثل هذه النتيجة، ولكن يجب على واشنطن السعي إلى التعاون مع إسرائيل في أي جهد تبذله. فتحركات إسرائيل في الجولان، ولا سيما تلك القريبة من الحدود الأردنية، قد تلحق المزيد من الضرر بالعلاقات الإسرائيلية-الأردنية. ولمواجهة مثل هذا التدهور المحتمل، يجب على الولايات المتحدة أن تسعى إلى إنشاء جبهة موحدة مع الأردن وإسرائيل من أجل استهداف الجماعات الإرهابية على طول حدود البلدين.
وعلى الرغم من إنهاء المساعدات المباشرة التي قدّمتها "وكالة المخابرات المركزية" إلى المتمردين السوريين، إلّا أنّ الولايات المتحدة لا تزال قادرة على التأثير على الوضع في الجنوب من خلال دعم الأردن وإسرائيل وردع أي رعاة مستقبليين. وقد تكون المهمة الثانية أكثر إثارة للقلق، غير أن الأطراف الفاعلة الإقليمية قد لا تعتبر المنطقة فراغاً أساسياً لا بدّ من ملئه في أي حال. وفي نهاية المطاف، فحتى قطْع روابط "وكالة المخابرات المركزية" مع المتمردين السوريين قد يوفر مرونةً أكبر نحو هدف هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في الجنوب.
إيفان باريت هو حالياً المحلل الرئيسي لشؤون سوريا وكاتب في "استطلاعات بيختر التابعة لبرينستون" (P3)، وهي شركة توفر منتجات بحثية لمجموعة متنوعة من العملاء الزبائن للحكومة الأمريكية.