- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3106
الحكومة الفلسطينية الجديدة تواجه تحدياتٍ في الحوكمة والقضايا المالية
في 13 نيسان/أبريل، أدّت الحكومة الجديدة لـ "السلطة الفلسطينية" برئاسة رئيس الوزراء محمد أشتية اليمين الدستورية وسط إحدى أشد الأزمات المالية والحوكمة منذ تولي الرئيس محمود عبّاس منصبه في عام 2005. وأدى المشهد المالي المتداعي والقدرة المتدهورة على الحكم اللذان تواجههما هذه الحكومة إلى أزمة شرعية محلية وبروز مخاوف لدى الجهات المانحة. ويطلق هذان العاملان، إلى جانب البيئة الأمنية والسياسية المتهاوية، إنذارات بشأن استقرار "السلطة الفلسطينية" والضفة الغربية. ويصب استمرار استقرار الضفة الغربية قطعاً في مصلحة الولايات المتحدة.
تحديات الحوكمة
في السنوات الأخيرة، كانت "السلطة الفلسطينية" ترأس عملية إصلاح متردّية بشكلٍ ملحوظ في الحوكمة، والتي تفاقمت بفعل الضيق المتزايد للمجال السياسي، وازدياد إدراك الجمهور للفساد، وتراجع القدرة في مؤسسات "السلطة الفلسطينية". وقد أثار هذا قلقاً خاصاً يتعلق بالإدارة المالية العامة، التي تُعتبَر أساسية لطمأنة الجهات المانحة بحُسن إنفاق أموالها. وفي مثال ملفت للنظر رمزيّاً، توقفت وزارة المالية في "السلطة الفلسطينية" مؤخراً عن نشر التقارير المالية على موقعها الإلكتروني. فبعد أن وصف رئيس الوزراء السابق سلام فيّاض هذه الممارسة ذات مرة على أنها دليلٌ واضح على شفافية الحكومة، تم تعليقها بسبب "التبعات مع الجانب الإسرائيلي". وهكذا نشأ شعور متزايد بتعطّل الإصلاحات وضُعف "السلطة الفلسطينية"، مما أقلق الفلسطينيين والدبلوماسيين الأجانب على حدٍ سواء. وكنتيجة لذلك، يُعرب مانحو "السلطة الفلسطينية" عن شكوكهم المتزايدة، وتتدهور الشرعية المحلية للسلطة. وفي دراسة استقصائية أجراها "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحيّة" في آذار/مارس 2019، أشار 82 بالمائة من المشاركين إلى اعتقادهم بأن "السلطة الفلسطينية" فاسدة، بينما اعتبر 47 بالمائة أنها تشكل عبئاً على الفلسطينيين. وفي أواخر عام 2018، في إشارة إلى احتمال تزعزع الاستقرار، شهدت الضفة الغربية احتجاجاتٍ غير مسبوقة حول قضايا اجتماعية اقتصادية.
تحديات مالية
بالنسبة للأزمة المالية المتفاقمة، لجأت إسرائيل في شباط/فبراير إلى اقتطاع 138 مليون دولار سنويّاً، أو 11.5 مليون دولار شهريّاً (حوالي 6٪ من عائدات الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية)، استنكاراً لمدفوعات "السلطة الفلسطينية" إلى عائلات السجناء و"الشهداء" - وهي ممارسة رفضَ عبّاس التفاوض بشأنها. وردّاً على ذلك، رفضت "السلطة الفلسطينية" قبول القِسْم المتبقي من عملية التحويل طالما تستمر إسرائيل في اقتطاع أيٍ منها. ووفقاً لبعض التقارير، أدى ذلك إلى اعتماد "السلطة الفلسطينية" تدابير تقشفية صارمة، بما فيها دفع رواتب جزئية فقط لموظفي الحكومة في شهريْ آذار/مارس ونيسان/أبريل.
وهذه ليست المرة الأولى التي تُحرَم فيها "السلطة الفلسطينية" من مثل هذه التحويلات التي - بعد أن بلغت 2.25 مليار دولار في عام 2018 - تُمثل حوالي 70 بالمائة من إيرادات السلطة وتغطّي 95 بالمائة من مجموع أجور "السلطة اللفلسطينية". ومنذ اعتماد آلية التحويل بموجب "اتفاقية باريس"، وهو اتفاق اقتصادي وقّعته إسرائيل و"منظمة التحرير الفلسطينية" في عام 1994، تم تعليقها أو تأخيرها بضع مرّاتٍ، من بينها لمدة عامين خلال الانتفاضة الثانية، وخلال العام الذي تولّت فيه «حماس» قيادة "السلطة الفلسطينية"، وثلاثة أشهر في عام 2015 للاحتجاج على المحاولة الفلسطينية للانضمام إلى "المحكمة الجنائية الدولية".
لكن هذه المرة، يبدو أن "السلطة الفلسطينية" تحتسب أن المخاوف من عدم الاستقرار في "السلطة الفلسطينية" والضفة الغربية ستدفع إسرائيل إلى العدول عن قرارها. ومثل هذا التحوّل، بالإضافة إلى تحقيق استقرار الموارد المالية في "السلطة الفلسطينية"، من شأنه أن يمنح عباس نصراً سياسياً. ومع ذلك، فبينما كانت هذه المقاربة نفسها فعّالةً في الماضي، لم تعد فعاليتها مؤكّدة بالقدر نفسه هذه المرّة. فبالنسبة إلى إسرائيل، إن أساس الاقتطاع الجزئي للأموال منصوص عليه في القانون ويحظى بالإجماع الإسرائيلي عبر مختلف الأطياف السياسية. بالإضافة إلى ذلك، أدّى قرار إسرائيل في الماضي باقتطاع "كافة" الأموال إلى حشد المجتمع الدولي لرفض هذا التحرك ودعْم "السلطة الفلسطينية" مالياً ودبلوماسياً. لكن هذه المرة، اعتبرت بعض الجهات الفاعلة الدولية قرار "السلطة الفلسطينية" برفض أي عملية تحويل جزئية من إسرائيل بمثابة مسعًى للفت الأنظار، مما لم يحثها على التعاطف أو الدعم. وتشير بعض التقارير إلى أن السفراء الأوروبيين أخبروا المسؤولين الفلسطينيين أن بلدانهم لا تستطيع المساعدة في تعويض النقص في التمويل طالما ترفض "السلطة الفلسطينية" قبول التحويلات الجزئية. وفي أوائل نيسان/أبريل، جددت "جامعة الدول العربية" التزامها بتوفير "شبكة أمان مالي" "للسلطة الفلسطينية" لكن لا يبدو أنها أشارت إلى أي دعم جديد. وتراجعَ دعم الجهات المانحة لميزانية "السلطة الفلسطينية" إجمالاً بشكلٍ مطرد منذ عام 2008، مما يعكس مزيجاً من تراجع الثقة في جدول الأعمال الإصلاحي الخاص بـ"السلطة الفلسطينية"، وتنافس الأولويات الإقليمية، وتعَب الجهات المانحة إجمالاً. وبلغت الاقتطاعات في المساعدات الأمريكية في عام 2018 مئات ملايين الدولارات. ووصل معدّل الدعم المالي الأمريكي المباشر لميزانية "السلطة الفلسطينية" إلى 400 مليون دولار في ذروته.
وحتى قبل تطوّر هذه الأزمة الأخيرة، كانت "السلطة الفلسطينية" تواجه تحديات مالية كبيرة. وأصبحت التدابير البديلة المقترَحة للعجز الراهن - على سبيل المثال، خفض النفقات، واقتراض مبالغ أكبر، وتجميع المزيد من المتأخرات إلى القطاع الخاص (أي عدم دفع الفواتير) - على وشك الاستنفاد. وسيطرت تخفيضات التمويل إلى غزة ابتداءً من عام 2017 على عجز الميزانية في عام 2018؛ وتم تحقيق 17 في المائة من المدخرات في مجموع الأجور إلى حد كبير من عمليات التقاعد القسرية ومدفوعات الرواتب الجزئية في غزة. إلّا أن المزيد من هذه التخفيضات في غزة لن يشكّل أمراً حكيماً. فبالإضافة إلى التكاليف الإنسانية والسياسية، قد يأتي المزيد من التراجع في اقتصاد غزة بنتائج عكسية على الشركات والمؤسسات المالية في الضفة الغربية التي تتأثر كثيراً بالمنطقة الساحلية.
وتواجه المصارف الفلسطينية فعلاً مخاطر كبيرة مباشرة وغير مباشرة من "السلطة الفلسطينية". وتشير الأرقام الأخيرة إلى أن الدَيْن المستحَق من "السلطة الفلسطينية" مباشرةً إلى المصارف التجارية يبلغ 1.3 مليار دولار. وحددت الهيئة التنظيمية المحلّية، أي "سلطة النقد الفلسطينية"، سقف تعرّض المصارف للمخاطر من "السلطة الفلسطينية" وفقاً لرؤوس أموال المصارف، التي تبلغ حاليّاً 1.9 مليار دولار. وبشكل منفصل، حددت "السلطة الفلسطينية" حد الاقتراض المصرفي الخاص بها بمبلغ 1.5 مليار دولار، على الرغم من أنها قد تتجاوز هذا الحد في الأشهر المقبلة إذا استمرت الأزمة الراهنة. وثمة 3 مليارات دولار إضافية كقروض مستحقة من المصارف الفلسطينية إلى موظفي "السلطة الفلسطينية"، الذين يوشكون على التخلف كلما طالت مدة عدم تقاضيهم رواتب كاملة.
ومن المحتمل أن تؤدي القيود المفروضة على الاقتراض إلى زيادة تراكم متأخرات القطاع الخاص. ولكن وفقاً لبعض التقارير، تواجه فعلاً شركات البناء والأدوية صعوباتٍ في التدفق النقدي والتمويل بسبب تخلف "السلطة الفلسطينية" عن دفع الفواتير. وقدّر "البنك الدولي" أن المتأخرات إلى صندوق تقاعد "السلطة الفلسطينية" بلغت 1.6 مليار دولار في منتصف عام 2018، مع احتمال الإفلاس في غضون عامين فقط إذا استمر الاتجاه الحالي. ونظراً لهذه التحديات، وإلى جانب استعادة إيرادات التخليص - سواء جزئيّاً أو كليّاً - سيبقى دعم الميزانية من الخارج ضرورةً على المدى القريب لتجنب ما وصفه "صندوق النقد الدولي" في أيلول/سبتمبر 2018 بأنه "تراجع غير منضبط للنفقات يخلّ بالنمو".
التوصيات
يحدّ عاملان أساسيان من قدرة واشنطن على تحسين الوضع في الضفة الغربية وهما: قرارها الخاص بتعليق المساعدات للفلسطينيين، وقرار "السلطة الفلسطينية" بقطع كافة الاتصالات مع الإدارة الأمريكية.
وعلى الرغم من عدم التشابه تماماً، يذكّر هذا الوضع بالعلاقات الأمريكية-الفلسطينية خلال الولاية الأولى للرئيس جورج دبليو بوش، حين أدّى نداء الولايات المتحدة بالإصلاح وتجديد القيادة الفلسطينية إلى قطع العلاقات الثنائية. وبما أن واشنطن لم تكن تتفاعل كثيراً بشكلٍ مباشر مع "السلطة الفلسطينية" في ذلك الوقت، فقد عملت من خلال نظام المانحين الدوليين من أجل تحقيق الأهداف الأمريكية. وعبر العمل مع الجهات الفاعلة الرئيسية مثل "البنك الدولي" والبلدان الأوروبية والدول العربية و"لجنة الاتصال المخصصة" - التي تنسّق مساعدة المانحين لـ"السلطة الفلسطينية" - نجحت إدارة بوش في إدراج مطالب الإصلاح في "السلطة الفلسطينية" كميّزة أساسية لمشاركة المانحين مع السلطة، فلم يبقَ أمامها سوى خيار الشروع بجهود الإصلاح.
وبالمثل، يمكن لإدارة ترامب إشراك مجتمع المانحين - الذي بدأ يشعر بالقلق من وضع الحوكمة في "السلطة الفلسطينية" - لإدراج عناصر من شأنها تحقيق الاستقرار في الضفة الغربية و"السلطة الفلسطينية". وليس بالضرورة أن تكون طبيعة هذه العناصر شاملة على غرار طبيعة سياسات حقبة بوش، لكن يمكنها أن تركّز على زيادة حدة ضغط المانحين لثني "السلطة الفلسطينية" عن السعي للفت الأنظار في قضية التخليص الجمركي ولمعالجة قضايا محددة من أجل تثبيت السفينة. وتشمل هذه الخطوة الأخيرة إعادة شفافية الميزانية من أجل تعزيز ثقة المانحين، وتحقيق الاستقرار في تدفقات الميزانية، وتحسين توليد الإيرادات، وتخفيض مجموع الأجور، وتقليص المتأخرات الإضافية إلى أدنى حد. وسيتطلب ذلك قيام الولايات المتحدة بتخصيص أموال للجهود الدولية الرامية إلى تحقيق استقرار "السلطة الفلسطينية"، ولكن لا يدعو حالياً إلى استئناف التمويل الأمريكي المباشر للفلسطينيين.
لقد حددت إدارة ترامب السلام الإسرائيلي-الفلسطيني كهدفٍ يجب تحقيقه عبر الإطلاق الوشيك لخطة سلام أمريكية. وقد يؤدي الإخفاق في مواجهة التحديات المالية وتحديات الحوكمة العاجلة التي تواجه "السلطة الفلسطينية" إلى جعل الهدف الأمريكي الأكبر موضع جدال.
كاثرين باور هي زميلة عائلة بلومنشتاين-كاتز في معهد واشنطن ومسؤول سابق في وزارة الخزانة، التي شغلت منصب ممثلة الوزارة في القدس في الفترة 2009-2011. غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومؤلف مشارك في دراسة المعهد لعام 2018 بعنوان "دولة بلا جيش، جيش بلا دولة: تطور قوات أمن السلطة الفلسطينية، 1994-2018".