- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الحراك الاحتجاجي اللاعنفي في السويداء يواصل إحياء دعوات الثورة السورية
مع كل يوم من الاحتجاجات السلمية، يثبت أهالي محافظة السويداء أنفسهم كرمز يتردد صداه لدى السوريين أينما كان، سواء في الخارج أو داخل البلاد التي لا تزال منقسمة بين سيطرة النظام والفصائل الإيرانية والروسية والتركية والمحلية.
في 8 كانون الأول/ديسمبر، نزل أهالي مدينة السويداء والمناطق المحيطة إلى الشارع للاحتجاج مرة أخرى ضد نظام الأسد. وبعد أيام، مع دخول الحراك أسبوعه السادس عشر، ظهر طابور طويل من المتظاهرين في بلدة صلخد جنوب محافظة السويداء. وفي الشارع، تهتف موجات من المتظاهرين "الشعب يريد إسقاط النظام"، مرددين هتافات الربيع العربي التي أثارت في الماضي رد فعل عسكري سريع من قبل النظام السوري. وتنتشر أعلام المعارضة السورية، إلى جانب علم الدروز، الطائفة التي تنتمي إليها الغالبية العظمى من سكان السويداء.
في الوقت عينه، اقتحم عدد من سكان صلخد ومدينة شهبا المجاورة مكاتب "حزب البعث" المحلية إما لإغلاقها أو أخذ المستندات من مبنى مغلق أصلًا. فقد لاقت هذه المكاتب مصير مكاتب الحزب الأخرى في جميع أنحاء المحافظة، والتي تم إغلاقها في بلدات مثل ملح وعرمان والقريا وصما البردان. وفي مقاطع فيديو نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، قام هؤلاء المتظاهرون بتمزيق صور بشار الأسد في تحدٍ واضح ورفض صريح لشرعية النظام، مطالبين برحيله. في أحداث هذا الأسبوع وحده، تمكن السوريون الذين يتابعون الاحتجاجات من رؤية نموذج مصغّر عن حركة احتجاج السويداء الأوسع نطاقًا، والتي مضى عليها الآن أكثر من مئة يوم من دون أن تظهر أي علامات على توقفها.
وعلى الرغم من أن المظاهرات السلمية في السويداء لم تعد في دائرة الضوء الدولية منذ اندلاع حرب غزة، يتميز الحراك باستدامته وتعبيره المفتوح والمستمر عن أفكار كثيرة حفزت السوريين في البداية على النزول إلى الشارع في عام 2011 وحاول النظام السوري قمعها بشتى الطرق في السنوات الماضية .
تشكل هذه الاحتجاجات الوسيلة التي يتواصل من خلالها المتظاهرون مع العالم، وقد أصبحت رمزًا للكثير من السوريين داخل البلاد وخارجها. فعندما بدأت في منتصف آب/أغسطس 2023، سرعان ما تم الترحيب بها كموجة ثانية من الثورة السورية نظرًا لنطاقها غير المسبوق. وتساءل كثيرون آنذاك: هل ستكون السويداء نقطة التحول؟ وهل سيتمكن هذا الحراك من الإطاحة بنظام الأسد وبدء عملية سياسية ديمقراطية قد تجعل إعادة الإعمار ممكنة، ما يسمح بعودة اللاجئين والنازحين؟
في حين أن المتظاهرين في السويداء لم يحققوا بعد هذه الأهداف الجريئة في الواقع، إلا أنه لم يتم إسكاتهم أو إجبارهم على الخضوع في الأشهر الماضية. وهذا بحد ذاته يجب أن يُنظر إليه على أنه انتصار. فقد أصبح حراك السويداء الحراك الأطول والأكثر تنظيمًا وانتشارًا وتشاركية منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، وهو حراك مدني مختلط بين الجنسين تتخلله مشاركة واسعة ومؤثرة من شرائح مجتمع السويداء كافة .
الاضطرابات الاقتصادية والإحباط السياسي
في الأساس، بدأت احتجاجات السويداء، مثل الكثير من المظاهرات السياسية، ردًا على الصعوبات الاقتصادية الشديدة التي يواجهها السكان. فقد أصبح تأمين الضروريات خلال أشهر الشتاء أكثر صعوبة بعد بسبب انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة وندرة الوقود. ونتيجة لذلك، يزداد غضب السوريين داخل البلاد، ولم يعد لديهم ما يخسرونه حرفيًا.
عادت محافظة السويداء إلى سيطرة النظام بالكامل عام 2017 نتيجة هدنة تم التوصل إليها بوساطة دولية. لكن سكان السويداء يعيشون منذ ذلك الحين في الفقر المدقع ويعانون من نقص الغذاء وهشاشة الوضع الأمني. ويعرب السكان أيضًا عن قلقهم على سلامتهم الجسدية، إذ يصفون التأثير المستمر لتجارة المخدرات التابعة للأسد في مناطقهم كتهديد للأمن الهش الذي يحاول سكان المنطقة المحليون الحفاظ عليه.
ردًا على ذلك، استخدم سكان مدينة السويداء ساحة الكرامة في وسط المدينة للاحتجاج من قبل، بما في ذلك حزيران/يونيو 2020، ونيسان/أبريل 2021، وشباط/فبراير 2022، وكانون الأول/ديسمبر 2022، وكانون الثاني/يناير 2023. وفي كل مرة، ركزت هذه الاحتجاجات بشكل أساسي على الظروف المعيشية، على الرغم من اتخاذ الهتافات أحيانًا طابعًا سياسيًا، بما في ذلك الدعوات لإنهاء النظام وتنفيذ القرار 2254. وكما توقع أحد المتظاهرين في كانون الأول/ديسمبر الماضي، في السويداء "قد تهدأ الأمور لفترة معينة، ولكن ما لم يحصل تغيير حقيقي، ستنفجر لاحقًا".
خلال العام الماضي، استمرت الظروف الاقتصادية والأمنية بالتدهور. وأثارت عمليات مكافحة التهريب التي قامت بها الدول المجاورة قلق سكان السويداء، التي تقع بالقرب من الحدود الجنوبية مع الأردن. لقد شن الجيش الأردني غارة جوية في أيار/مايو أدت إلى مقتل تاجر مخدرات كبير في ريف السويداء الشرقي، وغارة جوية ثانية في آب/أغسطس.
الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة واحتمال امتدادها إلى الأراضي السورية يثقلان كاهل السوريين. لكن بالنسبة إلى الكثيرين، تظل عيونهم وقلوبهم مركزة على الحراك الشعبي في السويداء، حتى مع تراجع الاهتمام الدولي به. وبالنسبة إلى المتظاهرين أنفسهم، يمثل هذا الحراك كل ما يريده الشعب السوري ويطمح إلى تحقيقه بدعم من القوى العالمية.
التعبير عن المطالب وتأكيد اللاعنف
منذ بدء الاحتجاجات السلمية، تم توجيه دعوات متكررة للمجتمع الدولي لتفعيل قرار الأمم المتحدة رقم 2254 الذي ينص على انتقال سياسي تحت إشراف دولي وإزاحة نظام الأسد. كما طالب المتظاهرون بالكشف عن مصير المعتقلين والمخفيين قسرًا، بالإضافة إلى انسحاب القوات الأجنبية كافة من الأراضي السورية.
لقد شكلت هذه الاحتجاجات نقلة نوعية في التعبير عن رفض استمرار حكم الأسد، ويبدو أن حدة هذه المطالب أخذت النظام على حين غرة. فمحافظة السويداء تُعتبر المدينة الرئيسية لمذهب الموحدين الدروز في سوريا. وبما أن الاحتجاجات تنطلق من مركز درزي رئيسي، تُعتبر هذه الدعوات لإسقاط النظام قوية بشكل خاص في مواجهة جهود النظام المتكررة لإضفاء الشرعية على حكمه من خلال الادعاء بأنه حامي الأقليات، وهو ما يؤكده منذ بداية الأحداث عام 2011.
لكن السويداء لم تنسَ استخدام النظام للقوات الإرهابية والبلطجيين ضد السكان المحليين من أجل الضغط على المجتمع المحلي أو الانتقام من المنشقين. أما النظام فلم ينسَ من جهته رفض الطائفة الدرزية الانصياع للأوامر والانخراط في الصراع السوري إلى جانب دمشق. فشباب السويداء يرفضون الالتحاق بالخدمة الإلزامية في جيش الأسد منذ سنوات.
استفاد الحراك الشعبي في السويداء من التجربة السورية المريرة وتعلم من أخطائه. فمعارضة حكومة الأسد لا يمكن أن تُبنى على المقاومة المسلحة، كما أشار مشايخ ومثقفون في بداية الاحتجاجات عندما نوّهوا عن امتلاكهم الأسلحة ولكنهم قرروا داخليًا عدم استخدامها. وأصروا على الطبيعة السلمية للمظاهرات والطبيعة المدنية للحراك.
كما تجنب منظمو الحركة الاحتجاجية الوقوع في فخ التطرف الديني، الذي من شأنه أن يسمح لنظام الأسد بتصوير الحراك على أنه إرهابي، كما حدث مرارًا وتكرارًا في مناطق أخرى من سوريا خلال العقد الماضي. ولا يخشى المتظاهرون اتهامهم بخيانة وطنهم، بما أنهم يطالبون بحريتهم وبحياة كريمة داخل سوريا. وبحسب تصريحاتهم، فإن الوطن هو المواطن، وليس رأس النظام الذي جلب الاحتلال والدمار للبلاد.
ويصر أيضًا المتظاهرون على استخدام الشعارات الوطنية التي يتردد صداها وتخاطب ضمير شرائح الشعب السوري كافة. فالشعارات تكرر نداءات الثورة السورية السابقة ويتردد صداها في جميع أنحاء البلاد، ما يؤكد من جديد أمل الشعب السوري في حل سياسي ملموس لتحريره من التدمير المستمر لما تبقى من البنية التحتية الاجتماعية والبنية التحتية للدولة في ظل استمرار حكم الأسد. وتبلور هذا الموقف بعدما اتضح أن النظام لا يرغب في أي حل مقترح، وبعد فشله في استغلال الفرصة عقب إعادته إلى الجامعة العربية من خلال طرح مشروع سياسي مفصّل، بالإضافة إلى استمراره في تجارة المخدرات عبر الحدود.
كما أكد عضو نافذ في المجتمع المدني في حراك السويداء الطبيعة السورية الداخلية لهواجسهم الأمنية، قائلًا: "لم نأتِ إلى ساحة الكرامة لحماية حدود الأردن أو الخليج. نحن نعلم أن أنفاق تهريب المخدرات لا يمكن أن تكون اتفاقًا يُجمع عليه جميع الأطراف. لن نقبل أن نكون ضحايا لهذه الاتفاقات المعقدة التي فرضها واقع الحرب وموقعنا الجغرافي. نحن لسنا حرس حدود، بل حراس كرامة السوريين وحريتهم وديمقراطيتهم".
الخصائص المميزة: المشاركة الواسعة ودعم القيادة المحلية
تضطلع احتجاجات السويداء بدور ملحوظ بالنسبة إلى فئة كبيرة من المجتمع التي أبدت دعمها لها، إذ لا تشكل مجرد حركة شبابية أو ذكورية. فمشاركة المرأة واضحة بشكل خاص، إذ تُظهر الكثير من الصور والفيديوهات سوريات يرفعن لافتات بمطالبهنّ، ويطالبن بإنهاء خيانة الشعب السوري والأكاذيب التي حجبت معاناته، مع توجيه هذه المطالب إلى المجتمع الغربي والسوريين في كل مكان.
تشرح معلمة لغة عربية من قلب المظاهرات في ساحة الكرامة في السويداء سبب مشاركتها: "ذهبت إلى الساحة لأعبر عن رغبتي في تأمين مستقبل آمن لابنتي. إذا ذهبت إلى المدرسة غدًا، يجب أن تكون بأمان كما لو كانت في منزلها الثاني، وغير معرضة لخطر العنف أو المخدرات. وعندما تختار السفر إلى الخارج للدراسة، يجب أن تتوفر لها هذه الفرصة، وأن يتم الترحيب بها، وألا تكون مكروهة أو مشكوك بأمرها لأنها من سوريا فحسب. هذا ما فعله نظام الأسد. جعل السوريين مكروهين من حول العالم، وغرباء في أرضهم، بلا مرفأ ولا مطار ولا قرار. فصوتنا هنا في الساحة هو صوت كل السوريين، من يتكلمون ومن لا يتكلمون بدافع الخوف. ما نقوله هنا هو ما نريده، ولن نتراجع".
منذ البداية، كانت المشاركة النشطة للزعماء الروحيين الدروز المحليين ملحوظة أيضًا، وغالبًا ما كان وجودهم واضحًا في ساحة الكرامة. فقد عكست مشاركتهم دعمًا ضمنيًا لمطالب الحراك، بالإضافة إلى تحذير ضمني لنظام الأسد من أي أعمال متهورة قد تستهدف المتظاهرين.
خاطب الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشباب في الأيام الأولى للاحتجاج قائلًا: "نحن خلفكم، ندعم مواقفكم الوطنية، لكننا لسنا سياسيين، أما أنتم الشباب، فتفهمون السياسة بشكل أفضل".
وبحسب الناشطين على الأرض، انضمت القيادات الدينية الدرزية إلى الشباب في توجههم إلى ساحات الاحتجاج، على الرغم من أنها كانت في السابق تلعب دور الوسيط بين الشعب والنظام، في محاولة للحفاظ على التوازن والهدوء.
ويضيف الناشطون أنه يجب على المجتمع الدولي التعامل مع الحراك الشعبي وقيادته المدنية، وليس مع الزعماء الدينيين فحسب. فالحراك الشعبي في السويداء يُعتبر امتدادًا لثورة عام 2011، وليس حراكًا خاصًا بالدروز كما يصوره النظام، ولا حراكًا انفصاليًا. ويقوم مطلبه على إيجاد حل شامل لسوريا بأكملها بناءً على قرارات الأمم المتحدة، بما يضمن العدالة والحياة الكريمة لجميع السوريين.
الرابط الجنوبي: درعا والسويداء
على الحدود الغربية لمحافظة السويداء تقع درعا، مهد الاحتجاجات الأولى التي أشعلت الثورة السورية. وعلى الرغم من أنهما محافظتان مختلفتان، هما يُعتبران جزءًا من منطقة حوران. فالقبضة الأمنية على محافظة درعا جنوبي سوريا جعلت أي تحرك ضد نظام الأسد مستحيلًا فعليًا، لا سيما بعد ما يسمى بـ"المصالحات" التي فرضتها القوات الروسية عام 2018. يعيش أهالي درعا وضعًا أمنيًا قاسيًا، مع اعتقالات واسعة النطاق واغتيالات لمتمردين سابقين، بالإضافة إلى عدد من الحواجز العسكرية المنتشرة في المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أن درعا هي من أبرز المناطق السورية التي خرجت عن سيطرة الأسد وانخرطت بالكامل في الثورة ضده حتى عام 2018.
على الرغم من تراجع المعارضة المسلحة ضد الأسد، لم تتوقف درعا عن المطالبة بحرية سوريا، بما في ذلك من خلال الاحتجاجات المتفرقة. وعندما اندلعت الاحتجاجات المطالبة برحيل الأسد في السويداء، لم تتردد درعا في الانضمام إلى شقيقتها في الجبل. وبدأت تجمعات منتظمة داعمة للحراك الشعبي المستمر في السويداء، وشارك العشرات من أهالي درعا في مظاهرات ليلية حاشدة. وتجمع البعض أمام الجامع العُمري الذي يضطلع برمزية معنوية إذ يعتبره الكثيرون مهد الثورة السورية، مطالبين بإسقاط الأسد وتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 2254. وقد أعلن بيان للمجلس الأعلى/الهيئة الاستشارية لمحافظة درعا في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 دعم محافظة السويداء وحركتها السلمية من أجل تحقيق دولة العدالة والمواطنة لجميع السوريين.
شاركت أيضًا وفود من درعا بشكل مباشر في مظاهرات ساحة الكرامة. وسعى المتظاهرون في السويداء من جانبهم إلى التضامن مع إخوانهم السوريين ولاقوا تضامنًا منهم، بدلًا من التطلع إلى الدول المجاورة للحصول على الدعم. فقد قال أحد الناشطين ردًا على سؤال حول ما إذا كانوا يتوقعون عبورًا بريًا للإمدادات الغذائية والطبية من الأردن إلى السويداء في حال حاصر نظام الأسد المنطقة: "لا نعتمد إلا على السوريين وعلى إخواننا وشعبنا. لقد كنا معًا في مواجهة العدوان والعنف الذي تعرضت له سوريا منذ بداية الثورة، والعمق الذي نعتمد عليه لمواصلة حراكنا هو العمق السوري القريب من درعا وليس غيره".
رفض تهديدات الأسد ودعايته
في الماضي، استجاب نظام الأسد بسرعة ووحشية لأي علامات معارضة، بينما كان يحاول استغلال مشاعر الإحباط الناجمة عن مستوى المعيشة السيئ في البلاد وتحويلها نحو عقوبات قيصر الأمريكية. لكن نظام الأسد لم يُبدِ رد فعل يذكر على احتجاجات السويداء حتى الآن، في خروج عن نهج حملات القمع الوحشية التي شهدتها مدن أخرى في الماضي.
وبينما قد يبدو هذا الموقف إهمالًا للحراك الشعبي في السويداء، تُظهر أدلة أن النظام يحاول بدلًا من ذلك التأثير على الشخصيات المحلية النافذة من خلال اتصالات سرية اجتماعية وأمنية في المنطقة. لم تحقق هذه الجهود الرامية إلى إنشاء "شارع مضاد" نجاحًا حتى الآن. كما حاول نظام الأسد تشويه الاحتجاجات من خلال الدعاية، بما في ذلك الادعاءات بأن الحركة هي في الواقع مشروع انفصالي يهدف إلى الانضمام إلى إسرائيل، على الرغم من اللغة القومية الواضحة التي يستخدمها المتظاهرون.
لكن تظهر أيضًا إشارات تدل على أن النظام يعمد ربما إلى تعديل موقفه تجاه الاحتجاجات. فقد أفادت تقارير في أوائل كانون الأول/ديسمبر عن مقتل المتظاهر مراد المتني برصاص حي أُطلق ضد المتظاهرين في السويداء، وهي إشارة مثيرة للقلق لما قد يحدث.
الأهداف الحالية للحراك الشعبي في السويداء
خوفًا من انتقام محتمل من قبل نظام الأسد، يحث حراك السويداء المجتمع الدولي على تجديد اهتمامه بالقضية السورية. فعلى الرغم من استحواذ النزاعات في أماكن أخرى من المنطقة حاليًا على اهتمام المجتمع الدولي، يرى الحراك أن تقديم حل حقيقي للأزمة في سوريا يشكل جزءًا لا يتجزأ من الاستقرار الإقليمي.
وبدلًا من حل وطني شامل يبدو غير ممكّن حالياً يأمل المتظاهرون في تحقيق درجة معينة من الاستقلال الإداري خارج سيطرة النظام ومؤسساته. فهم يعتبرون، بالاستناد إلى وثائق أُفيد أنها مأخوذة من أرشيف مقر "حزب البعث"، أن المؤسسات الحالية فاسدة وقمعية، ولا تؤدي واجباتها منذ سنوات.
لذلك، يتطلع المجتمع المحلي إلى إنشاء هيئة مدنية لملء الفراغ، وتشكيل لجان لإدارة الشؤون الخدماتية. لكن الناشطين يؤكدون وحدة الأراضي السورية، ويقترحون إدارة لامركزية مؤقتة لتلبية احتياجات المجتمع ومعالجة مشكلة المخدرات الناتجة عن الفساد الحكومي والانخراط في تجارة المخدرات.
تجدر الإشارة إلى أنه ما من إجماع حول كيفية المضي قدمًا. فأهالي السويداء يقيّمون رغبتهم في الاستقلالية مقابل مخاطر الإدارة الذاتية. على سبيل المثال، ستعتبر الأوراق الثبوتية لاغية ما لم تصدر عن الدوائر الرسمية للنظام السوري. ويخشى الكثيرون من السكان المحليين من أن تؤدي أي إشارة إلى الإدارة الذاتية في هذه الفترة إلى زج المنطقة في مأزق إداري، على غرار ما حدث في شمال سوريا.
تشارك ناشطة من السويداء وجهة نظرها بشأن النقاشات المحلية حول الإدارة الذاتية، قائلة: "أنا من الذين يخشون الإدارة الذاتية، على الرغم من تأييدي للامركزية في إدارة الدولة. إذا كانت الإدارة الذاتية لا تتوافق مع دستور شامل للدولة السورية برمتها، سنواجه واقعًا جديدًا مع السلطة والنفوذ والسلاح، في غياب دستور أو قوانين لتوجيه المواطنين. وفي الوقت عينه، تبرز مخاوف من عزل المنطقة. فالسويداء فقيرة بالموارد، وإذا عزلت ذاتها عن دمشق، سيؤدي ذلك إلى كارثة إنسانية".
ومع ذلك، تبقى الدعوة لجميع قوات الاحتلال إلى مغادرة الأراضي السورية. وفي نهاية المطاف، يبدو بالنسبة إلى الكثير من السوريين أن أهالي السويداء هم في صدد كتابة فصل جديد من الثورة السورية، وهو فصل يوازن ما بين رغبتهم الشديدة في الحرية وحقوق الإنسان والكرامة من جهة والالتزام بتجنب المزيد من العنف وإراقة الدماء في بلد مزقته سنوات من الحرب الأهلية من جهة أخرى.