- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3812
الحرب بين "حماس" وإسرائيل: بعد مرور شهر
يناقش أربعة خبراء ومسؤولين سابقين العملية العسكرية المتطورة ضد "حماس"، ووضع الجبهة اللبنانية، والمحنة السياسية للحكومات العربية، والخطوات التي يجب على إسرائيل اتخاذها لتحقيق التوازن بين أهدافها والضغوط الدولية المتزايدة.
"في 6 تشرين الثاني/نوفمبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع زوهار بالتي، وحنين غدار، وغيث العمري، ودينس روس. وبالتي هو "زميل فيتربي الدولي" في المعهد والرئيس السابق لـ "مكتب السياسات والسياسة العسكرية" بوزارة الدفاع الإسرائيلية. وغدار هي زميلة أقدم في "برنامج فريدمان" في المعهد وشاركت في إنشاء خريطته التفاعلية لتتبع الاشتباكات على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. والعمري هو زميل أقدم في "مؤسسة روزاليند وآرثر جيلبرت" في المعهد ومستشار سابق "للسلطة الفلسطينية". وروس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في المعهد. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم."
زوهار بالتي
خصصت إسرائيل عدداً كبيراً من القوات القتالية للعملية البرية في غزة، مع وضعها عدة أهداف في الاعتبار، وهي: حماية البلاد، والقضاء على "حماس"، وضمان عدم حدوث عملية مماثلة لتلك التي وقعت في 7 تشرين الأول/أكتوبر مرة أخرى، وإعادة الإسرائيليين إلى منازلهم، وانقاذ الرهائن. وقد أشار منتقدو التكتيكات الإسرائيلية داخل غزة إلى المعارك الماضية في الموصل والفلوجة كعبرة، لكن هذه المقارنات لا تنطبق في هذه الحالة. ويقع التهديد الذي يشكله قطاع غزة على مسافة قريبة من الحدود الإسرائيلية تبلغ 220 متراً تقريباً، وتُسهل أكثر الدعوة إلى ضبط النفس ووقف إطلاق النار عندما يفصل محيط بين العدو والضحية. ولن يكون من الممكن وقف إطلاق النار من دون إزاحة "حماس" (من الحكم) وعودة الرهائن المدنيين.
وتتفهم إسرائيل الوضع الإنساني على الأرض، كما أنها تتفهم أيضاً الطبيعة المزدوجة لـ "حماس". فقد بذل الجيش الإسرائيلي قصارى جهده لتحذير المدنيين في غزة وتأمين سلامتهم، وذلك جزئياً من خلال وقف التنقل مؤقتاً إلى مناطق آمنة معينة ونقل السلع الإنسانية. ومع ذلك فقد أظهرت "حماس" نفسها كخصم شرس يدرس خطواته بينما كانت تحتمي في مخابئها الواسعة تحت الأرض. وليس لدى الحركة أي مشكلة في استخدام المدنيين كدروع، والاختباء في الأنفاق الواقعة تحت البنية التحتية المدنية المحمية مثل المستشفيات، وإقامة حواجز على الطرق لمحاصرة المدنيين في مناطق القتال، وإطلاق النار على أولئك الذين يحاولون المغادرة. وعلى الرغم من هذه الحقائق، لدى الجيش الإسرائيلي مهمة يجب عليه إنجازها، ولن يتوقف حتى يحقق هدفه.
وفي الواقع، إن هذه الحرب مختلفة ولا يمكن مقارنتها بالنزاعات الأخيرة الأخرى بين "حماس" وإسرائيل. يجب على الجيش الإسرائيلي أن يحافظ على التكتيكات اللازمة لتحقيق أهدافه. ومن المؤكد أن القرار الأمريكي بإرسال المزيد من الأصول العسكرية إلى المنطقة كان بمثابة رادع قوي للجهات الفاعلة الإقليمية المعادية، وقد امتنّت إسرائيل لهذه الخطوة بشكل كبير. ومع ذلك، لم تطلب إسرائيل قط، ولن تطلب أبداً أن تخوض الولايات المتحدة حرباً نيابة عنها.
حنين غدار
منذ حرب عام 2006 في لبنان، تحوّلت مهمة "حزب الله" بشكل ملحوظ من محاربة إسرائيل من أجل "المقاومة" إلى العمل بشكل أساسي كحارس شخصي لإيران. ويتجلى هذا التحوّل بشكل أكثر وضوحاً في ضوء الرد العسكري للحزب على حرب غزة، والتي شملت التصريحات العلنية الأخيرة للأمين العام حسن نصر الله بشأن الأزمة.
ولم يشارك "حزب الله" بعد بشكل مباشر في الحرب، وحصر نشاطه بإطلاق وابل من الصواريخ قصيرة المدى عبر الحدود مع إسرائيل، وسمح لخلايا "حماس" في جنوب لبنان بالحصول على المديح في العديد من العمليات على تلك الحدود. وحالياً، لا يملك الحزب الميزانية، أو القيادة، أو القوة القتالية المتماسكة، أو الإرادة السياسية اللازمة للدخول في حرب غزة بأي طريقة مجدية.
وبدلاً من ذلك، اتبع "حزب الله" سياسة الردع و"الإنكار المعقول" التي أملتها عليه راعيته طهران. فإيران ليست على استعداد لخسارة الحزب، الذي هو أكبر أصولها العسكرية الأجنبية، لمجرد تعزيز القضية الفلسطينية أو حماية "حماس". وعلى نحو مماثل، لا يرغب "حزب الله" في استخدام ترسانته المجهزة بعناية من الصواريخ الموجهة بدقة وغيرها من الأسلحة المتقدمة لحماية الشعب الفلسطيني.
وقد أدى خطاب حسن نصر الله الفاتر والهادئ نوعاً ما في 3 تشرين الثاني/نوفمبر إلى تعزيز هذه السياسة القائمة على العمل المحسوب والمحدود. وحتى الآن، رضي بجني فوائد الحرب دون المخاطرة مباشرةً بقواته، وعلى غرار طهران، أوضح أن "حماس" تقاتل بمفردها.
لكن هذه الاستراتيجية تنطوي على مخاطر جسيمة فيما يتعلق بسردية "المقاومة" الذي يتبناها "حزب الله" والتي تشكل جوهر هويته. ومن خلال إعلان نصر الله أن الحزب لن يشارك في الحملة من أجل "تحرير فلسطين"، ربما يكون قد ألحق الضرر بمصداقية "حزب الله" وشرعيته الإقليمية بما يتعذر إصلاحه.
وفيما يتعلق بهجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر الذي أشعل فتيل الحرب، تُثبت أدلة ظرفية دامغة أن "حزب الله" وإيران كانا على علم مسبق بالعملية من خلال اجتماعات ثلاثية لا تُعد ولا تُحصى مع "حماس"، وإنشاء غرفة عمليات مشتركة، والخطابات المتصاعدة حول "الجبهة الموحدة" التي أدت إلى المأساة. ولكن ما لم يتوقعاه على ما يبدو هو رد الفعل الدولي، وخاصة الرد العسكري الأمريكي. ويبدو أن قرار واشنطن بنقل قوات إضافية إلى المنطقة قد ردع "حزب الله" وإيران عن اتخاذ المزيد من الإجراءات. ومع ذلك، فإن المناوشات المستمرة على الحدود الشمالية لإسرائيل تزيد من خطر سوء التقدير - فالأخطاء يمكن أن تحدث في أي يوم، ويمكن لصاروخ واحد خاطئ أن يغير رد إسرائيل، وبالتالي حسابات إيران و"حزب الله".
غيث العمري
ترسم وجهات النظر الفلسطينية والعربية حول الحرب صورة مختلفة تماماً عن تلك التي ترسمها المصادر الإسرائيلية، لا سيما مع تحويل الأحداث المروعة التي وقعت في 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى أحداث ثانوية. ويجري بسرعة تداول الصور والقصص عن المعاناة الفلسطينية الشديدة في غزة، مما يفرض المزيد من الضغوط الشعبية على القادة العرب.
وعلى الرغم من هذه الضغوط، ظلت الضفة الغربية هادئة نسبياً حتى الآن. وقد قُتل فيها ما يصل إلى 150 فلسطينياً حتى تاريخ كتابة هذا المقال، خلال الأزمة الحالية، في حين أن المؤامرات الإرهابية وعنف المستوطنين الإسرائيليين آخذة في الازدياد. ومع ذلك، فإن التوترات والاشتباكات ليست محتدمة بقدر ما يمكن أن تكون عليه. وبطبيعة الحال، قد ينقلب هذا الوضع رأساً على عقب نظراً للضعف الحالي "للسلطة الفلسطينية". فقد دخل قادة "السلطة" إلى الأزمة وهم يواجهون عاملَيْن ضاغطيْن رئيسيين: الرأي العام في الضفة الغربية الذي يدين بشدة "السلطة الفلسطينية" وإسرائيل في الوقت نفسه، والوزراء الإسرائيليين الذين يستهدفون السلطة الفلسطينية عمداً من خلال خطاباتهم وسياساتهم اليمينية المتطرفة. يجب أن يحظى تحقيق استقرار "السلطة الفلسطينية" والضفة الغربية بالأولوية.
ومن جهة أخرى، تواجه مصر والأردن تهديدات مباشرة لأمنهما القومي نظراً لقربهما من النزاع في غزة، مما يجعل حساباتهما مختلفة عن حسابات الدول العربية الأخرى، بما في ذلك الدول الموقّعة على "اتفاقيات إبراهيم". كما يجب على عمّان أن تتعامل مع الجهات الفاعلة الخارجية المعادية على حدود المملكة الهاشمية، ومع مستويات غير عادية من الضغط السياسي الداخلي، وقضية التهجير الفلسطيني القائمة منذ وقت طويل. وبالمثل، تواجه القاهرة احتمال انتقال أعداد كبيرة من الفلسطينيين النازحين إلى أراضيها، وهو ما تعتبره خطاً أحمر.
وفي غضون ذلك، تتم الإشادة بقطر على خلفية دورها كمفاوض بشأن الرهائن مع "حماس"، على الرغم من أنها لم تحرز تقدماً كبيراً حتى الآن. وإذا أرادت الدوحة الاضطلاع بدور فعلي في حل النزاع، فيتعين عليها استخدام نفوذها لتحرير جميع الرهائن وإقناع "حماس" بالاستسلام.
دينس روس
منذ التصريحات الأولية المؤثرة للرئيس بايدن بشأن هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، أظهرت التصريحات والأفعال الأمريكية دعماً لا لبس فيه لإسرائيل وتفهّماً كبيراً للتهديد الذي تواجهه. فالولايات المتحدة لم تدعم إسرائيل في الأمم المتحدة فحسب، بل نشرت أيضاً مجموعتين من حاملات الطائرات الهجومية في المنطقة واعترضت الصواريخ والطائرات بدون طيار التي أطلقتها قوات الحوثيين في اليمن. ومن خلال اتخاذ هذه الخطوات، ركزت الإدارة الأمريكية على ردع فتح جبهة ثانية، ودعم الهدف الرئيسي لإسرائيل (أي عدم مواجهة أي تهديد من "حماس" مجدداً)، وتقليل التكلفة البشرية في غزة.
وفي الوقت نفسه ، حذرت الإدارة الأمريكية إسرائيل من الصعوبات التي تواجهها حملتها البرية في منطقة حضرية كثيفة السكان مثل غزة، مستخدمة التجارب العسكرية الأمريكية في الفلوجة والموصل لتوجيه مناقشاتها مع المسؤولين الإسرائيليين. وعلى الرغم من أنه قد لا يتم تقدير الاختلافات بين تلك التجارب والواقع الحالي في غزة بشكل صحيح، إلا أن الدروس المستفادة منها لا تزال تؤثر في ذهنية واشنطن.
ويُعد التواصل أساسياً في هذه المرحلة. يجب على إسرائيل أن تبيّن لشركائها على نحو مقنع - بما فيها الدول التي وقّعت على "إتفاقيات إبراهيم" والدول العربية التي تشترك معها في علاقات استخباراتية - كيف تتوافق خطواتها العملياتية في غزة مع أهدافها. وبدون تواصل واضح، ستستمر صور الحرب المروّعة في خلق التوتر والضغط الشعبي في المنطقة.
وفي هذا السياق، تُعتبر سياسة إسرائيل المعلنة المتمثلة بـ"القضاء" على "حماس" شعاراً أكثر منها سياسة عملية، إذ من المستحيل تدمير الحركة بالكامل. ومن المرجح بصورة أكثر أن يكون هدف إسرائيل الفعلي القضاء على "حماس" كتهديد للأمن القومي، أي القضاء على بنيتها التحتية العسكرية، وتماسكها التنظيمي، وقدرتها على السيطرة على غزة سياسياً. ولكسب الوقت والمجال لتحقيق هذا الهدف العسكري، يجب على إسرائيل تقليل الخسائر في الأرواح في صفوف المدنيين الفلسطينيين، وجزئياً من خلال فتح المزيد من الممرات للمساعدات الإنسانية وخلق فترات توقف مؤقتة للسماح بالمزيد من حركة المدنيين وتسليم المساعدات. وتضطلع هذه الأهداف بأهمية قصوى لدى واشنطن. فالضغط الدبلوماسي الأمريكي سينتقل من الأوساط الخاصة إلى العامة إذا لم تنفَّذ هذه الهدن.
وتجدر الإشارة مجدداً إلى أن الصور ومقاطع الفيديو المأساوية القادمة من غزة تؤثر بشدة على الرأي العام في الدول العربية. إن اتخاذ خطوات لتوفير مناطق آمنة وتقديم المساعدة للفلسطينيين يمكن أن يساعد في تقليل الضغط الذي دفع الكثير من الحكومات الإقليمية إلى الضغط من أجل وقف إطلاق النار الذي هو سابق لأوانه، وهذه نتيجة من شأنها ترك السيطرة على غزة لـ"حماس". وتكمن طريقة أخرى للتأثير على مناخ الرأي العام في نشر مقاطع الفيديو التي صوّرها نشطاء "حماس" وهم يحتفلون بتعذيب وقتل عائلات بأكملها. ومن الصعب تقبّل هذه الخطوة لعدة أسباب، إلا أنها تبدو ضرورية في هذه المرحلة. فهي على الأقل تفضح "حماس" وغيرها من الجهات التي أنكرت ارتكاب الحركة الفظائع في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وعلى نطاق أوسع، سوف تُذكّر المنطقة والمجتمع الدولي الأوسع نطاقاً بما تتعامل معه إسرائيل ولماذا لم يعد من الممكن أن نتوقع منها أن تتعايش مع "حماس" كجارة.
تم إعداد هذا الملخص من قبل آنا استرادا.