- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3014
الجولة الأولى من الحملة على إدلب قد تستهدف المتمردين المدعومين من تركيا
انقر على أي خريطة لعرض أو تحميل نسخة عالية الدقة.
سيشنّ نظام الأسد قريباً هجوماً على إدلب، آخر جيب للمتمردين في سوريا. وقد احتشدت قوات الجيش السوري على حدود الجيب منذ أسابيع، في الوقت الذي بدأت فيه الغارات الجوية التحضيرية والقصف التمهيدي. وتعارض جهات فاعلة دولية متعددة بصورة علنية هذه الحملة الوشيكة، ومن بينها تركيا، التي تريد حماية وكلائها المحليين المتمردين والمصالح الاستراتيجية الطويلة الأجل في سوريا. ومع ذلك، تبدو دمشق وحلفاؤها في موسكو وطهران غير مبالين باستياء أنقرة، ولن تردعهم أي تحذيرات خارجية أخرى.
متمردو إدلب كثيرون لكنهم منقسمون
في آذار/مارس 2016، تراوح عدد قوات المتمردين في جيب إدلب بين 50 و90 ألف عنصر. ويعزى النطاق الواسع لهذا التقدير إلى الغموض في وضع المقاتلين: ففي حين كان حوالي 50 ألف فرد من هؤلاء المتمردين يقاتلون بدوام كامل وينتمون إلى أفضل الجماعات، إلّا أن 40 ألف من المقاتلين العاديين الآخرين الذين ينتمون إلى فصائل محلية صغيرة قد لا يكونوا راغبين على التأثير بشكل ملحوظ على المعارك الكبيرة أو قادرين على القيام بذلك. وقد تم تعزيز هؤلاء المقاتلين بما يقارب 20 ألف متمرد آخر كانوا قد طُردوا من مناطق حلب والغوطة ودرعا والرستن، التي استعادها النظام وحلفاؤه في العامين الماضيين. إلا أن بعض المتمردين في جيب [إدلب] إمّا قتلوا منذ ذلك الحين، أو غادروا سوريا، أو انتقلوا إلى المناطق التي تحتلها تركيا (عفرين، أعزاز، جرلابولس، أو الباب). لذلك، من الصعب تقييم العدد الدقيق للمقاتلين في إدلب حالياً، لكن من المؤكد أنه أعلى بكثير من العدد المتداول والبالغ 30 ألف فرد، وربما ضعف هذا العدد.
وينقسم المتمردون إلى تحالفين متساويين في العدد تقريباً: «هيئة تحرير الشام» التي تقودها الجماعات التابعة لتنظيم «القاعدة»، و«الجبهة الوطنية للتحرير». وقد أنشأت تركيا الائتلاف الأخير في أيار/مايو الماضي لإضعاف «هيئة تحرير الشام»، وحشد معارضيها، ومنعها من الاستيلاء على الجيب بأكمله، بسبب عدم نجاح هدف أنقرة الأولي في حل «هيئة تحرير الشام». وتشمل الفصائل الإحدى عشر التابعة لـ «هيئة تحرير الشام» ما تبقى من مقاتلي «الجيش السوري الحر» و«أحرار الشام».
وحتى مطلع هذا العام، كانت «هيئة تحرير الشام» راضية بالسيطرة على الحدود مع تركيا، ومدينة إدلب، وخطوط الاتصال الرئيسية في المحافظة، والعديد من النقاط الاستراتيجية، أي أنها بسّطت سيطرتها فعلياً على معظم الجيب. ومع ذلك، ففي شباط/فبراير، نشب صراع بين «هيئة تحرير الشام» والمتمردين المدعومين من تركيا، مما أدى إلى تقسيم الأراضي بشكل غير متجانس بعد وقف إطلاق النار بينهما في أيار/مايو. وتسيطر «هيئة تحرير الشام» حالياً على معظم شمال إدلب، بينما اضطرت إلى التخلي عن الجزء الجنوبي من الجيب والأطراف الغربية من حلب لصالح «الجبهة الوطنية للتحرير». وأمّا المتمردون في الجنوب فهم معزولون، حيث أنهم محاصرين بين مطرقة «هيئة تحرير الشام» وسندان الجيش السوري. وبالكاد تستطيع أنقرة تزويدهم بالإمدادات - وفي الواقع، على الجيش التركي أن يتفاوض مع «هيئة تحرير الشام» لإرسال الجنود والمعدات إلى مراكز المراقبة الخاصة به على الخطوط الأمامية مع الجيش السوري. لذا ستكون «الجبهة الوطنية للتحرير» الهدف الأول إذا بدأ الهجوم في الجنوب، والذي يبدو أنه الخيار الاستراتيجي الأكثر منطقية لدمشق وحلفائها.
مهاجمة أضعف بقعة أولاً
على الرغم من أن هدف بشار الأسد على ما يبدو هو استعادة إدلب بأكملها، فمن المرجح أن يكون راضياً في بادئ الأمر على شن هجوم محدود [النطاق] نظراً لحجم قوات المتمردين هناك (ناهيك عن القيمة السياسية لإبقاء تهديد «هيئة تحرير الشام» قائماً ولكن تم احتواؤه، كما سيناقش بمزيد من التفصيل أدناه). ويكمن الهدف الأساسي للنظام في توفير حماية أفضل لمدينة اللاذقية والقاعدة الروسية في حميميم، التي استُهدفت بشكل منتظم من قبل المتمردين المتواجدين حول جسر الشغور. أمّا هدفه الثاني فهو دفع المتمردين بعيداً عن حماة عن طريق الاستيلاء على الجزء الجنوبي من جيب إدلب بأكمله وصولاً إلى معرة النعمان. كما قد يهدف النظام أيضاً إلى التخلص من المتمردين من الأطراف الغربية من حلب.
ونظراً إلى هذه الأهداف الواضحة، من المرجح أن يكون المتمردون المدعومون من تركيا هم أول من يستهدفهم الهجوم القادم. وقد يشير القصف الأخير إلى أن جسر الشغور قد يكون هدفاً أولياً محتملاً آخر، غير أنّ أي توغل للجيش السوري هناك سيشمل مواجهة مع مقاتلي "الأويغور" من «حزب تركستان الإسلامي»، وهو فصيل غير مندمج بشكل كاف مع المتمردين الآخرين نظراً لخصائصه العرقية، والذي ما زال يشكّل قوة خطرة بمفرده - على غرار العناصر الرائدة في «هيئة تحرير الشام» الموالية لتنظيم «القاعدة». بالإضافة إلى ذلك، فإن الأراضي المحيطة بالمدينة هي شديدة الانحدار وسيستغرق الأمر شهوراً لتتمكن قوات المشاة من استعادتها، كما كان عليه الحال في سلمى غرب جسر الشغور. إن صعوبة أي عملية من هذا القبيل قد تردع الجيش عن محاولة الاستيلاء على المدينة على الفور؛ لذا، قد يكون هدف القصف الحالي هناك هو تحييد "الأويغور".
وفي المقابل، سيكون من الأسهل على الجيش الاستيلاء على سهل الغاب والمناطق المنخفضة حول جبل الزاوية، حيث يمكن للقوات الجوية والمدرعة أن تسحق دفاعات المتمردين. وبعد ذلك، يمكن أن تتلاقى القوات السورية الآتية من الغرب مع تلك القادمة من أبو الظهور للاستيلاء على معرة النعمان، الأمر الذي يؤدي إلى تجزئة جيب إدلب إلى نصفين. أما المتمردون الموالون لتركيا في الجنوب فسيجدون أنفسهم محاصرين ومجبرين على الاستسلام، وربما مع عرض للجوء إلى المناطق التي تسيطر عليها تركيا مثل عفرين أو جرابلس. وقد سبق للجيش أن استخدم هذه الاستراتيجية في الغوطة وحلب ورستن ودرعا: أي تقسيم منطقة الجماعات المتمردة من خلال مهاجمة الفصيل الأضعف أولاً، ثم التفاوض مع الفصائل الأخرى بصورة منفردة. ومن المرجح أن يعتمد الجيش وحلفاؤه على بقاء «هيئة تحرير الشام» محايدة إلى حد كبير في البداية، آخذين في الاعتبار أن الائتلاف سيراقب بهدوء كيف يتم القضاء على خصومه، لينهمك بعد ذلك في قتال ما تبقى منهم من المحبطين للجولة الثانية من المعركة على إدلب.
معضلة تركيا
من المؤكد أنّ أنقرة تعارض بشدة هذه الاستراتيجية. فمن شأن هذه الحملة أن تسبب أفدح الخسائر لـ «الجبهة الوطنية للتحرير»، مما يضر بمصداقية تركيا مع الحلفاء المحليين الذين التزموا بالوقوف ضد «هيئة تحرير الشام». وتطالب أنقرة بتأجيل الهجوم، غير أنّ دمشق وطهران وموسكو تجادل بأن تركيا لم تفِ بالتزامها بالقضاء على «هيئة تحرير الشام»، وبالتالي ليس أمامها أي خيار سوى تطهير إدلب بنفسها.
في خريف 2017، سمح هجوم شنّه النظام ضد جيب إدلب باستعادة دمشق السيطرة على شريحة من جنوب شرق المحافظة، بما فيها القاعدة العسكرية أبو الظهور. وقد اغتاض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تلك العملية وهدد دمشق علناً بسبب مهاجمتها عملائه. وفي النهاية، استرضته روسيا من خلال منحه الضوء الأخضر لمهاجمة منطقة عفرين الكردية. وقد تنوي دمشق عرض تعويض مماثل للحملة القادمة على إدلب، بإدراكها جيداً أن القضاء على «وحدات حماية الشعب» الكردية ما زال يشكل الأولوية القصوى لتركيا في سوريا. ومع ذلك، فإن الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا سيمنع أي هجوم تركي جديد ضد الأكراد حتى لو حصل أردوغان على ضوء أخضر آخر من موسكو، لذلك ليس من الواضح إلى أي مدى سيذهب في معارضته للحملة القادمة على إدلب.
وأياً كان الحال، فإن القضاء على «الجبهة الوطنية للتحرير» سيمكّن دمشق من التخلص من بعض الفصائل الأخرى التي ربما تكون قد مثّلت المعارضة على طاولة المفاوضات. وكجزء من استراتيجية مكافحة التمرد التي اتبعها النظام منذ عام 2011، استهدف هذا الأخير بشكل مطرد الجماعات المتمردة المعتدلة لكي لا تبقى سوى الفصائل المتطرفة مثل «هيئة تحرير الشام». ويخشى المجتمع الدولي من مثل هذه الجماعات المتطرفة ولا يعتبرها بديلاً سياسياً للنظام أو شريكاً صالحاً للتفاوض. ولذلك، قد يكون الأسد على استعداد للاستمرار في تطويقها دون مواجهتها بشكل مباشر من أجل درء الجهود الخارجية للإطاحة به.
ومن جانبها، حاولت تركيا إقناع «هيئة تحرير الشام» بالتخلي عن الفكر الجهادي والاندماج مع «الجبهة الوطنية للتحرير»، ولكن دون جدوى. فلو نجحت، لكانت أنقرة قد اكتسبت نفوذاً قوياً على دمشق، ربما يكفي لجعل جيب إدلب تحت حماية تركيا على غرار شمال حلب، ودمجها مع المنطقة العازلة التي يشكلها أردوغان على الجانب السوري من الحدود. ومع ذلك، فإن واقع قيام «هيئة تحرير الشام» بدفع «الجبهة الوطنية للتحرير» وخصوم آخرين خارج شمال إدلب بصورة كاملة تقريباً، تدعو إلى التشكيك في هذا السيناريو، لأن هذا قد يعني أساساً إنشاء ملاذ لـ تنظيم «القاعدة».
الخاتمة
لا تزال هناك الكثير من الأمور المجهولة حول حجم المعركة القادمة على إدلب ونتائجها. ومع ذلك، إذا ما التزمت دمشق وحلفاؤها باستراتيجيتهم السابقة، فمن المرجح أن يكون الهجوم القادم محدوداً، وإن كان لأسباب استراتيجية وليست إنسانية. كما سيفر مئات الآلاف من المدنيين إلى شمال المحافظة، مما سيتطلب استجابة إنسانية كبيرة في منطقة يسيطر عليها متطرفون معادون. ومع ذلك، قد لا تكون المعركة بحد ذاتها دامية بشكل كبير ـ على الأقل الجولة الأولى منها ضد المتمردين المدعومين من قبل تركيا.
وإذا بدأت جولة ثانية ضد «هيئة تحرير الشام» في شمال إدلب ومتى تم ذلك، فقد يكون ترتيبها مختلفاً. ومن المرجح أن تحاول موسكو وطهران ودمشق استخدام القوة الساحقة هناك، بحجة أن هدف القضاء على تنظيم «القاعدة» في المنطقة يبرر الانتهاكات الإنسانية الجسيمة. وعلى الرغم من أن هذه الخطة الميكيافيلية [جرياً على نظرية الغاية تبرر الوسيلة] قد تنجح من الناحية العسكرية، إلا أنها قد تلحق ضرراً شديداً بالعلاقات بين روسيا وتركيا. وبالتالي قد تمثل المعركة على إدلب فرصة لتقارب الولايات المتحدة مع أنقرة، لا سيّما إذا استهدفت القوات السورية أو الروسية مواقع المراقبة التركية التي تنتشر في جيب المتمردين.
فابريس بالونش، هو أستاذ مساعد ومدير الأبحاث في "جامعة ليون 2".