- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3996
الخطوات المقبلة في لبنان: من تمديد وقف إطلاق النار إلى تشكيل الحكومة
يُحلل مسؤولون عسكريون سابقون وخبراء من لبنان وإسرائيل انعكاسات الاضطراب السياسي في بيروت على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار القائم، وما قد يترتب عليه من تداعيات على مسار بناء السلام.
في الثالث عشر من شباط/فبراير، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي يتألف من محادثتين منفصلتين ومتتابعتين عبر الفيديو: الأولى مع فادي داوود ومكرم رباح، والثانية مع إفرايم دفرين وعساف أوريون. شغل داوود سابقاً منصب قائد مجموعة العمليات الأولى في القوات المسلحة اللبنانية قبل تقاعده. أما رباح، فهو أستاذ مساعد في الجامعة الأميركية في بيروت ومؤلف كتاب "الصراع في جبل لبنان: الدروز والموارنة والذاكرة الجماعي". أما ديفرين، فقد أمضى ثلاثة عقود في الجيش الإسرائيلي في مسيرة مهنية متميزة تولى خلالها منصب رئيس قسم التعاون الدولي قبل تقاعده . ويشغل أوريون حالياً منصب زميل روفين الدولي في معهد واشنطن، وزميل باحث أقدم في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، كما سبق أن شغل منصب رئيس شعبة التخطيط الاستراتيجي في الجيش الإسرائيلي. وفيما يلي ملخص لأبرز ما جاء في مداخلاتهم.
فادي داود
اتخذت القوات المسلحة اللبنانية خطوات مهمة منذ بدء وقف إطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل، إذ قامت بنشر 1500 جندي على الحدود الجنوبية لدعم القوات المتمركزة هناك مسبقاً والبالغ عددها 4000 جندي. وتقوم هذه القوات، بالتنسيق مع القيادة المركزية الأمريكية وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، بمواصلة مراقبة الحدود والعمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. وبفضل الدعم المقدم من الشركاء الدوليين، تمكنت القوات المسلحة اللبنانية من مداهمة 550 موقعاً تابعاً لـ "حزب الله" حتى الآن ومصادرة 100 من مخابئ الأسلحة التابعة للحزب.
ومع ذلك، فإن الطريق إلى الأمام ليس سهلاً بأي حال من الأحوال. إذ تُشكل البيئة السياسية والقيادة السياسية في لبنان العقبة الأكبر أمام إحراز تقدم ملموس. فمن ناحية، تُصدر السلطة التنفيذية بيانات غامضة في حين يستدعى الوضع الراهن أوامر واضحة ومباشرة وملزمة لوزارة الدفاع. علاوة على ذلك، لا تزال القوات المسلحة اللبنانية تفتقر إلى قائد دائم يضطلع بـالمسؤوليات كاملة. ورغم الفرصة المتاحة أمام الجيش لتعزيز احتكاره للأمن، فإن القيادة السياسية مطالبةٌ بالتحرك بحزم لتعزيز الهيكل القيادي للقوات المسلحة اللبنانية.
على الصعيد الإقليمي، تبرز تحديات إضافية، إذ قد تؤثر السياسات الداخلية الإسرائيلية وعمليات صنع القرار هناك على مسار التقدم في لبنان. ومع تأخر الجيش الإسرائيلي في الانسحاب، يُرجَّح أن يرفض "حزب الله" نزع سلاحه. كما يسود القلق في الأوساط اللبنانية بشأن الوضع غير المستقر في غزة، وكذلك حيال الجدل السياسي داخل إسرائيل بشأن توسيع نفوذها هناك. كما يتعين على الجيش اللبناني مواجهة اشتباكاتٍ جديدة داخل البلاد، إلى جانب التحديات الأمنية على حدوده الشرقية.
من الجدير بالذكر أن الجيش اللبناني قادرٌ على التصدي لـ"حزب الله"، الذي فقد بالفعل ما بين 80% و90% من ترسانته العسكرية، غير أن العقبات المؤسسية المحلية المستمرة، إلى جانب التهديدات الأمنية الإقليمية، تشير إلى أن استكمال المهمة سيتطلب ما هو أبعد من القدرات العسكرية وحدها.
مكرم رباح
مع اقتراب الموعد النهائي لوقف إطلاق النار في 18 شباط/فبراير، يقف لبنان عند منعطفٍ حرج. فقد تباطأت الحكومة الجديدة في تنفيذ الإصلاحات القضائية والعسكرية، وهي إصلاحات ضروريةٌ للتغلب على إرث الأنظمة القديمة. ويُعد تمرير القرارات الحاسمة عبر القيادة السياسية الخطوة التالية نحو تحقيق السلام.
ومن أبرز الإجراءات الفعالة التي يمكن أن للحكومة اتخاذها في إطار إعادة بناء لبنان تمكين القضاء من الاضطلاع بدوره في تحقيق المساءلة والمحاسبة، لا سيما فيما يتعلق بانفجار مرفأ بيروت. كما ينبغي على السلطات النظر في فرض عقوبات على الشخصيات التي تدعم خطاب "حزب الله"، لضمان عدم عرقلة الحزب وأنصاره للجهود الوطنية الرامية إلى إرساء السلام والاستقرار. ورغم أن قضية نزع سلاح "حزب الله" تظل محفوفةً بالتحديات، وتواجه تحديات كبيرة، لكن إخضاع الحزب للمساءلة ومحاسبته على أي انتهاكات قانونية أمر بالغ الأهمية.
فافتراض أن الحزب ببساطة سيتلاشى تلقائياً يُعد خطأً فادحا. إذ يتعين على الجيش اللبناني مواجهة احتكار الحزب للعنف في الجنوب والالتزام بتنفيذ القرار 1701، ليس بوصفه تنازلاً لأمن إسرائيل، بل ضماناً لسلامة لبنان وسيادته.
على المدى القريب، ينبغي أن تركز الحكومة على عملية نزع سلاح "حزب الله"، بالإضافة إلى تهيئة الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات البلدية والنيابية. فاستعادة الانتخابات الحرة والنزيهة تمثل خطوة محورية في إعادة تنشيط النظام السياسي اللبناني، حيث يمكن للأصوات الليبرالية، خاصة داخل الطائفة الشيعية، أن تتحدى هيمنة الحزب. في نهاية المطاف، يتطلع اللبنانيون، بمختلف انتماءاتهم، إلى تحقيق السلام، غير أن تحقيقه مرهونٌ بحل النزاعات الداخلية أولاً.
إفرايم ديفرين
حددت القيادة السياسية الإسرائيلية ثلاث عقبات رئيسية تعترض سبيل التوصل إلى وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار في لبنان. تتمثل العقبة الأولى في الالتزام بشروط الاتفاق، بغض النظر عن الإطار الزمني المحدد. غير أن "حزب الله" أظهر بالفعل عدم التزامه الكامل بما تم الاتفاق عليه.
أما العقبة الثانية، فتتمثل في عدم التزام الجيش اللبناني بنشر العدد الكامل من القوات التي وعد بإرسالها إلى جنوب لبنان. وعلى الرغم من تفهم إسرائيل للدوافع الأمنية التي أدت إلى ذلك، فإن هذا الأمر يثير القلق بشأن قدرة "حزب الله “على استعادة نفوذه هناك.
أما العقبة الثالثة، فتتمثل في ضرورة تأكيد لبنان سيادته العسكرية الحصرية على أراضيه، إلا أن الاحتجاجات المستمرة في مطار بيروت تعكس عدم تحقيق الجيش اللبناني لهذا الهدف بالكامل. لذا، ينبغي على المجتمع الدولي التروي قبل ضخ الأموال في الميزانية العامة للجيش. يتمثل النهج الأمثل في تركيز الدعم على توفير المعدات العسكرية للجيش اللبناني مع وضع شروط واضحة للتمويل المخصص لأجور الجنود، مما يعزز المساءلة ويضمن توافق الدعم المالي مع معايير أداء محددة.
أما فيما يتعلق بـ"حزب الله"، فعلى الرغم من الأضرار الجسيمة التي لحقت بقيادته وترسانته، فإنه لم يُهزم بعد. إذ لا يزال ما بين 10% و20% من أسلحته وعناصره في الخدمة، ويُرجح أن يتمكن من مواصلة عملياته السرية في الجنوب. فالحزب متجذرٌ بعمق في لبنان، كما أن بعض عناصر الجيش اللبناني قد تعاونت معه. ولمعالجة هذه المشكلة، يتعين على المجتمع الدولي النظر في فرض عقوباتٍ على شخصياتٍ مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري، باعتباره أحد أبرز الداعمين لـ"حزب الله". كما يحتاج لبنان إلى دعمٍ خارجي للحد من نفوذ الحزب، وتعزيز الثقة في مؤسساته العسكرية والسياسية.
ويبرز مصدر قلق آخر يتجلى في فشل (اليونيفيل) المتكرر في الوفاء بمهامها. فبدلاً من أن تعمل كقوة حفظ سلام محايدة، أصبحت جزءًا من المشكلة، سواء بسبب عدم فعاليتها أو بسبب تواطؤها. وإذا تعذرت إعادة هيكلة (اليونيفيل) لضمان قيامها بدورٍ فعّال في حفظ السلام والأمن، فإن استمرار وجودها سيكون أكثر ضرراً من نفعه.
أما الأولوية الفورية لإسرائيل، فتتمثل في ضمان العودة الآمنة لمواطنيها إلى البلدات الشمالية التي تم إخلاؤها خلال الحرب، لا سيما مع إعادة فتح المدارس في الأول من آذار/مارس. ومع ذلك، تظل إسرائيل ملتزمة بالتوصل إلى حل دائم لمسألة الحدود مع لبنان، وذلك استناداً إلى تقدم أمني ملموس، وليس مجرد الارتهان بالمواعيد السياسية. وعلى المدى البعيد، قد يستطيع البلدان تجاوز هذا الصراع والتحول إلى شريكين حقيقيين في السلام، إلا أن ذلك يظل مشروطاً بقدرتهما على التعامل مع التحديات الأمنية الأساسية التي تعوق تحقيقه.
أساف أوريون
يرى صانعو السياسات في كلا الجانبين فرصاً واعدة للتعاون في تحقيق الأهداف الأمنية. ويشكل التحول في الخطاب اللبناني مؤشراً على إعادة تقييم استراتيجي، حيث بات القادة اللبنانيون يدركون أن القضية لا تقتصر على التوصل إلى اتفاقٍ أمني فحسب، بل تشمل أيضاً ضمان نجاحه عمليًا. وفي المقابل، تتبنى إسرائيل مقاربة صبورة قائمة على الأداء، بدلاً من الالتزام بجدولٍ زمنيٍّ صارم، مع التركيز على بناء علاقةٍ طويلة الأمد بدلاً من الاكتفاء بترتيباتٍ أمنيةٍ مؤقتة.
شهدت استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي تحولاً جذرياً منذ هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، إذ لم يعد هناك مجالٌ للتسامح مع أي انتهاكاتٍ أمنيةٍ من قبل الخصوم. وقد تجلى هذا التحول في لبنان، حيث يتعاون الجيش الإسرائيلي مع قوات (اليونيفيل) والجيش اللبناني، لكنه لا يتردد في التحرك بشكلٍ منفرد عند الضرورة. ويجسد هذا النهج الجديد تصميماً صارماً والتزاماً بحماية المصالح الأمنية الإسرائيلية – وبشكلٍ غير مباشر، مصالح لبنان أيضاً.
بالنسبة للبنان، يكمن التحدي الأساسي في اتخاذ خطواتٍ حاسمةٍ على الصعيد الداخلي. فـ"حزب الله" قد تراجع، لكنه لم يُهزم بالكامل. وعليه، ينبغي للحكومة إصدار توجيهاتٍ واضحةٍ وحازمة للقوات المسلحة اللبنانية، ومطالبة (اليونيفيل) بالعمل بفعالية، وتمكين القوتين من مواجهة "حزب الله" في جميع المناطق، بما في ذلك تلك التي تُعرف بـ"الأملاك الخاصة".
أما المجتمع الدولي، فيجب أن يضطلع بدورٍ حاسم في جميع الجهود المذكورة أعلاه. إذ يتعين عليه أولاً وضع شروطٍ واضحةٍ لدعم الجيش اللبناني، بما يشمل منع استفزازات "حزب الله"، وتفكيك بنيته التحتية، والتعاون مع الحلفاء الدوليين لاستهداف شبكاته المالية واللوجستية والإجرامية. كما يجب على المسؤولين الدوليين إعادة تقييم دور (اليونيفيل)، لاتخاذ قرارٍ حاسمٍ بشأن مدى فعاليتها على الأرض. وإذا ثبت عدم قدرتها على أداء دورٍ مؤثر، فينبغي النظر في مسألة حلها.
قد يستغرق تحقيق الشراكة الكاملة للجيش اللبناني في تأمين لبنان بعض الوقت؛ طويلاً؛ وحتى ذلك الحين، يتعين على إسرائيل مواصلة حماية أمنها، سواء على طول الحدود أو خارجها ويُعتبر اتباع نهجٍ تدريجي في إعادة بناء الجيش اللبناني - استناداً إلى معايير أداء واضحة - أمراً بالغ الأهمية. ويمثل وقف الأعمال العدائية الحالي خطوة أولى قوية، إلا أن على المسؤولين السعي إلى التوصل إلى وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار، يعالج التهديدات الأمنية الجوهرية التي تواجه كلا البلدين، وفي مقدمتها "حزب الله". ومن هناك، قد تُفتح آفاقٌ أوسع أمام جهودٍ رسميةٍ لتعزيز السلام، ما سيشكل في نهاية المطاف هزيمة قاطعة لخطاب "حزب الله" بكونه الحامي المفترض للبنان.
أعدت هذا الملخص أودري كوست. أصبحت سلسلة منتدى السياسات ممكنة بفضل سخاء عائلة فلورنس وروبرت كوفمان.