- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الخطوط المتغيرة والنازحون داخليًا: أعزاز وعفرين وتوغل "هيئة تحرير الشام"
Article has been updated to include additional information refuting a claim made by one high-level source about the developments in Afrin during the HTS incursion, reflecting the confusion on the ground during this period.
تتوّغل هيئة تحرير الشام في شمال سوريا، تاركةً السكان المحليين في عفرين وأعزاز أكثر عرضةَ للخطر.
تم تحديث المقال ليشمل معلومات إضافية تُدحض ادعاء مصدر رفيع المستوى بخصوص التطورات الجارية في مدينة عفرين، وتوغل هيئة تحرير الشام فيها، وهو ما بدوره يعكس حالة الارتباك السائدة على الأرض في هذه المرحلة.
سكان شمال حلب يرفضون مشروع الجولاني
دخلت "هيئة تحرير الشام"، إحدى فصائل "جبهة النصرة"، عفرين هذا الأسبوع عبر الباسوطة من الجنوب وعبر دير بلوط من الجانب الجنوبي الغربي. وتمكّنت من الاستيلاء على عفرين بأكملها، بما في ذلك مدينة عفرين، وهي المدينة الكبيرة الوحيدة في المنطقة، في خطوةٍ ما كانت لتُصدّق قبل أيام قليلة فقط. والآن، تتجه نحو مدينة أعزاز الحدودية، وهي أكبر مدينة في شمال سوريا خاضعة لسيطرة المعارضة. ولحد الآن، تمكّن الفيلق الثالث، المكوّن بشكل رئيسي من "الجبهة الشامية"، الألوية المحلية في أعزاز ومارع وتل رفعت المتمركزة في كفر جنة على بعد بضعة أميال غرب أعزاز، من إحباط تقدم "هيئة تحرير الشام ." وجرت مفاوضات في الباسوطة، لكن "الشامية" رفضت جميع مطالب "هيئة تحرير الشام ." ولا تزال الاشتباكات مستمرة على جبهة كفر جنة.
بدأ القتال بسبب تجارة المخدرات المربحة والمتفشية في سوريا إلى جانب المصالح المتنافسة لألوية مختلفة داخل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا الذي يسيطر على المنطقة. كان أبو غنوم - الناشط في الباب الذي اغتيل مؤخرًا مع زوجته الحامل - يحقق في تورط "لواء الحمزة" المحلي في تجارة المخدرات. وفي وقت لاحق، حققت "الجبهة الشامية"، وهي الفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري، في الحادثة، وقامت "الشامية" كما يطلق عليها السكان المحليون، بإفراغ مقر "الحمزة" في الباب بعد أن أشارت الأدلة إلى أن قائدًا في اللواء مذنب.
يشير محللون وناشطون سوريون في شؤون الحمزة والعمشات إلى هذه الحادثة باعتبارها الشرارة التي جعلت "لواء الشاه" المجرم المرتبط، (المعروف بلواء "العمشات" تيمّنًا باسم زعيمه السيئ السمعة أبو عمشة، الذي يخضع أيضًا للتحقيق من قبل "الشامية" في جرائم عديدة) يطلب مساعدة الجولاني، أمير الحرب في "هيئة تحرير الشام"، من إدلب للدخول. بالإضافة إلى ذلك، تُعد هذه المناطق أهدافًا مفيدة لـ "هيئة تحرير الشام"، حيث تدير "الشامية" معابر حدودية مربحة هناك.
في 14 تشرين الأول / أكتوبر تم توقيع اتفاق بين الفيلق الثالث - الجبهة الشامية بشكل رئيسي - وهيئة تحرير الشام، حيث ينظم الاتفاق عملية وقف إطلاق النار ويسمح بعودة الجبهة الشامية إلى قواعدها في عفرين بهدف بناء حكم مشترك.
كانت هناك محادثات سرية جارية مع الجهات الدولية الفاعلة لتنفيذ خطة الجولاني في شمال غرب وشمال سوريا من خلال جرابلس. وعلى حد قول القائد العسكري للجبهة الشامية، أكبر لواء في الجيش السوري الوطني ومقره خارج اعزاز، "الآن فقط أصبح ذلك مرئيًا ." واضاف، قررنا عدم الدخول في حرب معهم، ولهذا انسحبنا من عفرين. لقد عقدنا اتفاقية معهم تتعلق بالأمور العسكرية لأننا منظمة عسكرية وليس لدينا مشروع بعينه يتعلق بكل جوانب الحكم الأخرى مثل حكومة الإنقاذ. لكننا لن نقبل أبدًا مشروعهم الخاص بمناطقنا."
وقد صرح أحد المصادر المقربة من المفاوضات في عفرين أن: "الهدف برمته هو حل الجبهة الشامية، وهي المحاولة الثانية [من نوعها] ." "الأمريكيون هددوا الأتراك يوم الجمعة: وعلى الجولاني مغادرة عفرين وإلا ستسمح [الولايات المتحدة] لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد بالدخول وهذا ما أثار غضب الأتراك وساعد على موازنة الوضع. يمكن للجبهة الشامية العودة إلى مقرها الرئيسي في عفرين، في المعبطلي ومدينة عفرين بشكل أساسي."
وتُظهر هذه الملاحظة حالة الفوضى والذعر التي كانت سائدة في مدينة عفرين في ذلك الحين، والتي لا يزال بعضها يتغلغل في المنطقة. ومع ذلك، وبعد هدوء الأوضاع إلى حد ما مؤخرا، ظهرت المزيد من المعلومات حول الاجتماع. وخلال مقابلة مع الكاتب، نفى مصدران كرديان سوريان مطلعان على الوضع - أحدهما حضر الاجتماع بين الأتراك والأمريكيين - أن التهديدات الامريكية تضمنت أيضًا السماح لقوات سوريا الديمقراطية بدخول عفرين.
عسكريًا، قالت عدة مصادر في عفرين: " خرجت هيئة تحرير الشام من عفرين، لكن أجهزة الأمن والاستخبارات لا زالت هناك ." وفي كفر جنة، غرب اعزاز، نجح الفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري في احباط محاولات هيئة تحرير الشام لدخول أعزاز. كما أدت المعركة الشرسة هناك إلى موازنة الوضع بالمثل. وفي صباح يوم الأحد، قصفت روسيا مواقع قرب كفر جنة، وكذلك مواقع قسد. وفي مساء الأحد، وردت أنباء عن محاولة هيئة تحرير الشام مرة أخرى التوغل في أعزاز، وقام السكان المحليين بغلق الطريق. وقد هتف المتظاهرون "يا اعزاز يا عفرين لا نريد الجولاني خنزير." كما خرج الناس أيضًا للاحتجاج على الجولاني في عدة مدن أخرى في شمال حلب مثل مارع، والراعي، والباب، وجرابلس.
وفي مساء يوم الإثنين، تدخل الأتراك مع ألوية من الجيش الوطني السوري - بما في ذلك "حركة ثائرون"، وهو كتلة منافسة للجبهة الشامية - بالإضافة إلى حلفاء مثل السلطان مراد والمعتصم والحمزات للسيطرة على نقاط تفتيش بعينها. ومع ذلك، لم تعلن هيئة تحرير الشام عن انسحابها الكامل، وذلك رغم انسحاب الجبهة الشامية إلى أعزاز. كما تم فتح الطريق بين أعزاز وعفرين مجددًا اعتبارًا من صباح يوم الثلاثاء، لكن السكان المحليين في عفرين وعزاز يخشون من اندلاع القتال في أي لحظة. وردا على ذلك التوغل، غردت السفارة الأمريكية في سوريا يوم الثلاثاء الماضي حيث قالت: "نشعر بالقلق من التوغل الأخير لهيئة تحرير الشام - وهي منظمة إرهابية- في شمال حلب. كما يجب ان تنسحب قوات الهيئة من المنطقة على الفور.
تنقّلتُ الأسبوع المنصرم في جميع أنحاء هذه المنطقة وزرت عفرين وأعزاز ومارع. وخلال الزيارة، أجريت مقابلات مع قادة وسكان من العرب السوريين والأكراد واليزيديين حول حياتهم في منطقة شمال غرب سوريا الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني السوري، والتحديات المستمرة للنزوح وأعمال العنف التي اتسمت بها هذه المنطقة.
تجاهلت بعض الحكومات الغربية شمال غرب سوريا منذ سنوات. فعلى سبيل المثال، أوقفت وزارة الخارجية الهولندية جميع المساعدات المقدمة إلى المنظمات غير الحكومية في المجتمع المدني، بما في ذلك "التنمية المحلية ودعم المشاريع الصغيرة"، وهي منظمة غير حكومية أسستها رزان زيتونة في الغوطة الشرقية، والمقدمة كذلك إلى عناصر الإنقاذ التابعين للخوذ البيضاء. وتم تبرير هذا القرار للبرلمان ببيان أن عودة نظام الأسد إلى المنطقة كانت وشيكة، وبالتالي لا فائدة من الاستمرار في دعم المنظمات غير الحكومية هناك.
وبعد أربع سنوات، لا تزال المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في الشمال خارج سيطرة النظام. وعلى الرغم من التحديات، فإن عدد السوريين من جميع أنحاء سوريا الذين يلتمسون اللجوء هناك يتزايد يومًا بعد يوم. ويصل عدد النازحين داخليًا الحاليين في المنطقة إلى 4.7 مليون كتقدير متحفّظ، ولكن يعتقد الباحثون أن هذا العدد هو في الواقع أعلى بكثير، حيث ينتظر النازحون داخليًا الجدد بطاقات هوية جديدة صادرة عن المجالس المحلية.
هذه المنطقة عبارة عن خليط من السكان السوريين العرب والأكراد واليزيديين، غير أنّ العنف المستمر والسلطات المتنافسة أدت إلى تشريد الكثيرين في كل مجموعة. تجدر الإشارة إلى أن سكّان مدينتَي أعزاز ومارع هم عرب بالأغلبية. وكانت تل رفعت تضم أكثرية من العرب (إلاّ أنه لم يبقَ منهم أحد تقريبًا)، وكانت مدينة عفرين ذات أغلبية كردية (بقي فيها حاليًا حوالي 40 بالمئة، وفقًا للمجلس الكردي المحلي في مدينة عفرين). ولدى جميع هذه المدن أعداد هائلة من النازحين داخليًا: 80 بالمئة من سكان أعزاز البالغ عددهم 260 ألف نسمة هم نازحون داخليًا من جميع أنحاء سوريا، وفقًا لجمعية الأطباء المستقلين. وتقدّر المصادر المحلية بأن مدينة عفرين تضم حاليًا نحو 60 بالمئة من النازحين داخليًا. وعلى النحو نفسه، حوالي نصف سكان مارع البالغ عددهم 40 ألف نسمة هم من النازحين داخليًا، وفقًا لقيادة "لواء المعتصم" المحلي.
ولكن، كما يُظهر هجوم "هيئة تحرير الشام" على عفرين بشكل واضح، لا يزال العنف في هذه المنطقة جزءًا من الحياة هنا. ولا تزال نيران الصراع بين الجيش الوطني السوري وقوات وحدات "حماية الشعب" المرتبطة بحزب العمال الكردستاني مستعرة، كما أن الخطوط الأمامية ضبابية. تقع تل رفعت التي تسيطر عليها وحدات "حماية الشعب" على بعد ثلاثة كيلومترات فقط من مارع التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري، وفي حين أن الأخيرة تقع في وادٍ إلى حدٍ ما، فإن تل رفعت لا تزال مرئية. وقد أفاد السكان المحليون في مارع بأن القصف على مارع يأتي من تل رفعت بانتظام، كما يرون أن المدينة تخضع في الوقت الراهن لسيطرة مختلطة بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام وإيران.
نازحو تل رفعت: قصة عشيرة عليطو
يتذكر بشير عليطو، الرئيس السابق لمجلس محافظة حلب الحرة من 2012 لغاية 2016 والمتحدث السياسي الحالي للنازحين من تل رفعت: "في آذار/مارس 2016، قصفت روسيا مارع لمدة ثلاثة أيام كاملة ." وحرّر المتمردون المحليون تل رفعت من النظام ومن "تنظيم داعش"، وقتلوا كبير الاستراتيجيين حجي البقار. ومع ذلك، أعرب عليطو عن أسفه قائلاً: "لم نتمكن من تحريرها من الروس وحزب العمال الكردستاني ." وتمامًا مثل موقف أنقرة، لا يرى بشير عليطو وعدد من النازحين داخليًا أي فرق بين وحدات "حماية الشعب" و"حزب العمال الكردستاني"، الذي صنفته تركيا والولايات المتحدة كجماعة إرهابية. وقال لي بشير عليطو: "نحن ندعو وحدات "حماية الشعب" و"قوات سوريا الديمقراطية": "حزب العمال الكردستاني"، لأننا نعلم أنها تتلقى أوامرها من قنديل ."
وفي معرض وصفه لمن فروا من المدينة خلال حملة الغارات الجوية الروسية الأولى، أشار إلى أن "الناس قد غادروا مع أمتعة قليلة، فكنّا نظن أننا سنعود خلال أسبوعين أو نحو ذلك. ولكن عندما أردنا العودة إلى منازلنا، اكتشفنا أن مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" دخلوا البلدة، ومنعونا من العودة ." واليوم، يستأجر عليطو منزلًا مع ثلاث عائلات أخرى في قرية كفر كلبين الواقعة بين مارع وأعزاز. ويعيش هو وعائلته الآن على بعد حوالي عشرة كيلومترات فقط من تل رفعت: "أستطيع أن أرى تل رفعت من سطح المنزل."
في حين أن عليطو قادر على استئجار منزل، فإن عددًا كبيرًا من النازحين من تل رفعت - إلى جانب سكان من 42 قرية وستة عشر مستوطنة أصغر تم الاستيلاء عليها أيضًا في ذلك الوقت - يعيشون في مخيمات مؤقتة للنازحين الداخليين بالقرب من سجو ويزيبار على الحدود التركية. وفي قرية سجو، يقول محمود عليطو الملقب بالزعيم، وهو قائد عسكري من تل رفعت أصبح لواؤه الآن جزءًا من "الشامية"، إن أسماء المتاجر مثل صيدلية تل رفعت تُظهر كيف ازدهرت القرية بسبب النازحين من تل رفعت والمقيمين في البلدة.
ولكن، لا تزال غالبية أفراد عشيرة عليطو تعيش في مخيمات النازحين داخليًا. وفي هذا السياق، قال لي رجل أعمال مطرود من تل رفعت يعيش في كيليس: "قرر [النازحون داخليًا] نصب خيام في منطقة سجو، وعدم الذهاب إلى عفرين. إذ لم يرغبوا في الاستقرار في منطقة عفرين الكردية ." وعندما سُئل عن الجهة التي تدفع ثمن هذه الأسس، أوضح محمود عليطو أن "الشامية" كانت "تنسق كل ذلك ." إذ تقع المخيمات المؤقتة بجوار مقر "الشامية" بالقرب من الحدود التركية، بل ويعيش بعض النازحين داخل المقر نفسه.
وهنا، أخبرني أحد السكان يدعى فراس عليطو أنه عندما أعلن الأتراك عن شنّ عملية عسكرية على تل رفعت، احتفل أهالي المخيمات، معتقدين أن التوغل سيسمح لهم بالعودة إلى منازلهم وأراضيهم ومحلاتهم. حتى أن البعض بدأ في تفكيك خيامه تحسبًا لذلك. وجاء الإدراك اللاحق بأن العملية لن تحصل كالصفعة: "عندما أدرك الناس أنهم مضطرون للبقاء في خيامهم وقضاء شتاء آخر في ظروف قاسية، توفي عشرة أو خمسة عشر شخصًا في المخيمات من أثر الصدمة ."
وذكر بشير عليطو أن بعض العائلات عادت في الواقع إلى تل رفعت، لكن قيادة المدينة "لم تسمح لها بالعودة إلى منازلها [و] منحتها منازل بعيدًا عن المدينة ." وأشار عليطو أيضًا إلى أن سقوط تل رفعت كان دافعًا لهجوم الجيش الوطني السوري على عفرين، وقال: "كنا جيرانًا مع "حزب العمال الكردستاني"، وعلى الرغم من أننا كنا نعرف تصرّفاته، إلا أننا لم نفكر أبدًا في دخول عفرين. ولكن تل رفعت غيّرت كل شيء ."
المجتمعات الإيزيدية: على حدود إدلب
في برج عبد الله، التي تقع تقريبًا بين مدينة عفرين ومحافظة إدلب المجاورة - حيث تحكم "هيئة تحرير الشام" - التقيت بالشيخ الديني للطائفة الإيزيدية في عفرين، الشيخ كالو، مع ممثلين آخرين. وتحدثنا عن الدين وكيف يدير المجتمع هنا.
المجتمع الحالي هو أصغر بكثير مما كان عليه سابقًا. ثمة حوالي 20 قرية أيزيدية بالكامل أو جزئيًا في جميع أنحاء عفرين، وكذلك في قطمة وبافلون بالقرب من أعزاز. وفي هذا الإطار، ذكر الشيخ كالو أن 600 أسرة لا تزال تعيش في المنطقة. عندما سيطر تنظيم "داعش" على سنجار في العراق، غادر عدد كبير من الشباب شمال غرب سوريا متوجهين إلى تركيا، حيث سعى الكثيرون إلى الذهاب إلى أوروبا. وركّزت العائلات بشكل خاص على إرسال بناتها وأفراد الأسرة النساء بعيدًا، خوفًا من أسر "داعش" لهن بعد الفظائع التي ارتكبها التنظيم في سنجار.
وفرّ المزيد من الشباب في عام 2018، خلال العملية التي شنها كل من تركيا والجيش الوطني السوري في عفرين. ووفقًا لما ذكره الممثلون "كان هناك قائد لواء من فرقة الحمزة [المدعومة من تركيا] يخطف الناس لطلب فدية. فقدّم عدد كبير منا الشكاوى وبات الآن مسجونًا في تركيا."
ومع ذلك، أخبرني الممثلون أيضًا عن نهج "هيئة تحرير الشام" الذي كان نذيرًا للهجوم الحالي. ففي جزيران/يونيو، دخلت "هيئة تحرير الشام" إلى إدلب ووصلت إلى تلة على بُعد كيلومترين فقط من مدينة عفرين. والآن بعد أن رأيتُ هذه الطريق بنفسي، أدركتُ مدى قرب هذه القوات من المجتمع المحلي، وكم كان ذلك مخيفًا بالنسبة لسكان المدينة. وفي ذلك الأسبوع، اقتربت "هيئة تحرير الشام" مجددًا من جنوب عفرين. وأفاد أبو أصلان الكوردي، زعيم كردي في "الشامية" في المعبطلي وسط عفرين، بأن "الجبهة الشامية، الفيلق الثالث للجيش الوطني السوري، هي الوحيدة التي تقاتلهم، أمّا الفصائل الأخرى فنائمة كالعادة."
أكراد عفرين السوريون: عالقون بين "وحدات حماية الشعب" والجيش الوطني السوري
خلال العملية العسكرية التي شنتها تركيا والجيش الوطني السوري في عفرين عام 2018، فرّ أكثر من 150 ألف كردي من عفرين إلى منطقة تل رفعت، فيما تم اعتقال 1700 كردي في عفرين. وقد أُفرج عن معظمهم، ولكن لا يزال أكثر من 100 كردي بريء محتجزًا في سجون تابعة للألوية، مثل "لواء الحمزة والسلطان" – وهو واقعٌ سائدٌ في جميع أنحاء سوريا.
أشار أزاد عثمان، رئيس "رابطة المستقلين الكرد السوريين" - وهي جماعة مرتبطة بالمعارضة السورية في اسطنبول – إلى أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" المسؤول عن الإدارة الذاتية "يعتقل كل من يعارضه"، مؤكدًا بذلك على موقف منظمته. وجاءت التقارير التي تفيد بقيام "وحدات حماية الشعب" بتجنيد الأطفال، والتي أكّدت حصولها الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان، لتغرس الخوف في نفوس السكان المحليين من "التنظيم ." ومع ذلك، أعرب عدنان حسن، وهو عضو آخر في الرابطة، عن امتعاضه من المعاملة التي تلقاها لدى قدومه إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري. "لقد سُجنت من قبل نظام الأسد، وأرسلتُ أطفالي الأربعة كافة إلى خارج عفرين عندما سيطر "حزب العمال الكردستاني" في عام 2012، خوفًا من أن يأخذهم هذا الأخير ويرسلهم إلى المعسكرات. وذهبتُ إلى لواء [الجيش الوطني السوري] وقلت إنني مثلكم، مناهض للأسد و"حزب العمال الكردستاني ." ولكن ماذا حدث؟ اعتقلوني وبقيت محتجزًا لمدة 24 يومًا. لقد سرقوا منزلي وسيارتي وأموالي. لقد استعدتُ منزلي الآن، ولكنني لم أسترجع سيارتي وأموالي ."
وفي عفرين، ردّد المواطن حسن أحمد الكلام نفسه: "سرق "حزب العمال الكردستاني" أطفالنا، وسرقت الألوية أموالنا ." وقد احتجز لواءٌ شقيق زوجته منذ 2018 في الراعي. وفي الإطار نفسه، أكّد رجل كردي آخر من بلدة راجو شمال عفرين أن "الأكراد يخشون عبور نقاط التفتيش التابعة للألوية ." فبعض المناطق آمنة، بعكس مناطق أخرى.
على الرغم من هذه التحديات، يحاول بعض أكراد عفرين العودة. إنما عليهم الاستعانة بالمهربين، لأن "وحدات حماية الشعب" تمنع سكان المناطق الواقعة تحت سيطرتها من العبور، في حين أن بعض نقاط التفتيش التابعة للجيش الوطني تفرض دفع خوّة للسماح لهم بالدخول. لذا، يأتي معظم أكراد عفرين عبر طريق أرخص، حيث ينتقلون من المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام في حلب إلى منبج ويعبرون نهر ساجور لدخول مناطق الجيش الوطني السوري.
الوصول إلى عفرين أمرٌ، والعودة إلى منازلهم أمرٌ آخر. عندما يصادر مدنيون المنازل - النازحون الذين فروا هم أنفسهم من مناطق أخرى في سوريا – يخلونها في معظم الحالات عند عودة المالك الكردي، وإن لم تكن هذه هي الحال دومًا. ولكن عندما يُصادر لواءٌ داخل الجيش الوطني السوري المنزل، تصبح القصة مختلفة. في هذا السياق، قالت لي ناشطة في عفرين: "المشكلة هي قيادة بعض الألوية، وليس الشباب. فيمكن للقيادة سرقة المنازل واحتلال المباني - إنهم يحكمون بالبندقية ."
لقد وضعت الولايات المتحدة لواء "أحرار الشرقية" على القائمة السوداء. وآخرون، مثل "فرقة السلطان مراد" التركمانية، يخشون الآن أيضًا أن يتم إدراجهم في القائمة السوداء. وفي هذا الإطار، قال أهالي مدينة عفرين إن الضغط على الألوية قلل من الانتهاكات في مدينة عفرين. ويبدو أن الضغط الممارس على الألوية والكشف عن انتهاكاتها قد أثّرا في تحسين الأوضاع في مناطق المعارضة هذه. كما سلّط الناشطون الأكراد داخل المدينة الضوء على عمليات الابتزاز وخسارة بسبب القمع الثقافي الذي يمارسه بعض قادة الألوية باعتباره شاغلهم الرئيسي.
في بلبل، التي لا تزال واحدة من أصعب المناطق التي يمكن العودة إليها، قابلتُ عائلة كانت قد عادت قبل سبعة أيام من منطقة خاضعة لسيطرة النظام في حلب وكانت تقيم مع أقارب لها في قرية قرنة المجاورة. وأوضحت العائلة، ولا سيّما الأم، أنها عادت بسبب الحنين: "نحن من الريف ولم نتمكن من التأقلم مع الحياة في حلب ."
وعندما سألتُ أفراد الأسرة عمّا إذا كانوا قد استعادوا منزلهم القديم، أوضحوا أنهم تحدثوا إلى الرجل الذي صادر منزلهم والذي هو من حمص في الأصل و"وعد بأنه سيغادر في غضون ثمانية أيام مع أغنامه إلى منطقة الباب. لقد رتّبنا الأمر فيما بيننا ." وبعد انقضاء الفترة الموعودة، راجعتُ معهم لمعرفة ما إذا كان قد تحقق الأمر فعلاً. فقال أحد أصدقاء العائلة: "كلا، لقد كان مجرد كلام فارغ ."
ومع ذلك، لا تزال أصداء الصراع قائمة. ففي مدينة عفرين تسببت الألغام التي زرعتها "وحدات حماية الشعب" في بلدات وقرى عفرين في مقتل ثلاثة عشر شخصًا معظمهم من الأكراد. وقد قابلتُ عددًا من الناجين من هذه الألغام، بالإضافة إلى أب فقد ولدَين ومنزله في انفجار لغم وُضع عند المدخل. ونظرًا لعدم وجود منظمات تُعنى بإزالة الألغام في عفرين، سيبقى معظمها في مكانه، وسينفجر من وقتٍ لآخر.
واليوم، يواجه سكان عفرين مرة أخرى اضطرابات كبيرة. ومع سيطرة "هيئة تحرير الشام" على مدينة عفرين في الوقت الحالي، واستجابتها لرغبة الجولاني، زعيم "هيئة تحرير الشام"، في توسيع منطقة سيطرة الجماعة، تستعد "الشامية" الآن لاحتمال توغل "هيئة تحرير الشام" في أعزاز. وبالنسبة لسكان المنطقة، تمثل هذه التطورات الأخيرة تهديدًا جديدًا للمجتمعات التي سبق وأن واجهت الكثير خلال العقد الماضي من الحرب السورية.