- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
العلاقات التركية المصرية بعد تضحية أردوغان بجماعة الإخوان المسلمين
تقوم تركيا حاليا بعمل مبادرات للتقارب مع مصر، لكن كيف سيكون رد السيسي؟
في خطوة مفاجأة، أعلنت القنوات الفضائية المعارضة للنظام المصري التي تبث من تركيا، إيقاف البرامج السياسية التي تهاجم السيسي ونظامه، وذلك بناء على تعليمات من الحكومة التركية. القرار الصادم قوبل بسعادة بالغة من أنصار النظام المصري الذين اعتبروه انتصار للسيسي. أما النظام المصري فلم يظهر حماس صوب تلك النقلة النوعية مكتفياً بتعقيب أسامة هيكل وزير الدولة للإعلام، الذي وصف القرار بأنه "بادرة طيبة من الجانب التركي". في غضون ذلك، انتاب الإسلاميين الفارين إلى تركيا مخاوف من أن تكون تلك الخطوة مقدمة لتسليمهم إلى القاهرة من قبل أردوغان، لكن الخطوات التالية التي قد يتخذها السيسي لم تتضح بعد.
خلفيات الأزمة المصرية - التركية
برز التوتر بين أردوغان والسيسي بعد أن أطاح الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي (المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين) إثر مظاهرات شعبية عارمة في عام ٢٠١٣، في حين رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (ذو الخلفية الإسلامية) الاعتراف بشرعية نظام السيسي ووصفه في لقاء تلفزيوني بـ "الطاغية" غير الشرعي. ولم يكتف أردوغان بالهجوم الإعلامي على شخص السيسي فقط، بل تقدمت تركيا في أغسطس ٢٠١٣ بطلب رسمي إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات على السيسي بوصفه مجرم حرب، لترد القاهرة بممارسة ضغوط ضد ترشيح تركيا للحصول على مقعد في مجلس الأمن.
مع الوقت تجاوز الصراع بين الرئيسين الخلاف الأيديولوجي، ليتحول إلى تعارض مصالح وتباين رؤى في الإقليم، بدءاً من الأزمة السورية، وانتهاءً بالحرب الليبية، مرورا بترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض. وطيلة تلك المدة ظل سلاح أردوغان الأبرز هو احتضانه للمعارضة الإسلامية في بلاده والسماح لهم ببث محطات تلفزيونية ومواقع إخبارية استهدفت بشكل أساسي الرئيس المصري ونظامه.
المفارقة أن رغم الفتور بين العاصمتين والذي وصل إلى حد طرد مصر للسفير التركي في القاهرة، وسحب سفيرها من أنقرة، إلا أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين استمرت دون ادنى تأثر، والتزم الطرفين بتطبيق اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بينهما، ليصل حجم التبادل التجاري بين الدولتين إلى ٥٫٢ مليار دولار.
المغازلة التركية للقاهرة
استمر الخطاب العدائي بين الدولتين في التصاعد، حتى بلغ قمته في يونيو ٢٠٢٠ حين لوح الرئيس المصري بالتدخل العسكري في ليبيا لدعم قوات الشرق في مواجه الغرب الليبي المدعوم من تركيا قائلا بوضوح "سرت - الجفرة" خط احمر.
لكن في أيلول / سبتمبر من العام نفسه بدأت أنقرة في توجيه رسائل أكثر دفئًا نحو القاهرة تحمل إشارات حول رغبتها في التقارب، تلاها تصريح من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلا " إنه لا مانع من إجراء محادثات استخباراتية مع مصر، لكن اتفاقها مع اليونان على ترسيم الحدود البحرية أحزننا". ثم أتى تصريح تشاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، ليؤكد نفسه الاتجاه قائلا" أن تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط إن سنحت الظروف".
أما المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية ابراهيم قالن فقد تجاوز نقطة التنقيب عن الغاز ليتحدث بوضوح عن مصالحه مع القاهرة حيث صرح في آذار/مارس الجاري " انه يمكن فتح صفحة جديدة في علاقات تركيا مع مصر ودول الخليج الأخرى من أجل استقرار المنطقة".
الرسائل الإيجابية الصادرة من تركيا حيال علاقتها بالقاهرة، بلغت قمتها في الثامن عشر من أيلول /سبتمبر حين قررت تركيا إجبار المحطات المعارضة المصرية والتي تبث من أراضيها على إيقاف أي هجوم على النظام المصري ورئيسه، وهو ما يمثل نقطة تحول في الصراع الأيديولوجي بين الدولتين. وهناك من يرى القرار التركي انعكاسا للقرار الذي اتخذته حليفتها قطر سابقا بتعديل خطابها نحو مصر.
لماذا التضحية بالإخوان المسلمين الآن؟
هناك عدة تفسيرات لقرار أردوغان بإسكات المحطات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين المعارضة للنظام المصري كبادرة نوايا حسنة من جانبه للسيسي، منها أن تلك الخطوة أتت كردة فعل لرسالة القاهرة الإيجابية الأخيرة نحو أنقرة، عبر استبعادها لمنطقة الجرف القاري (التي تدعي تركيا ملكيتها) من تعاقدها مع شركات التنقيب في المنطقة الاقتصادية الخالصة لها في البحر المتوسط.
هذا التفسير وإن كان يحفظ ماء وجه اردوغان ولا يظهره بمظهر المهرول، إلا انه يعتليه العوار، فاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر مع اليونان، لم تتضمن منطقة "الجرف القاري"، حيث اكتفى الطرفان بتوقيع اتفاق جزئي خاصا بهما، تاركين المناطق المتنازع عليها مع الجانب التركي لجولات قادمة. وعليه فما فعلته مصر لا يعدو كونه تحرك في نطاق اتفاقها المبرم مع اليونان في تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠٢٠.
أما التفسير الثاني وهو أن أردوغان يسعى لاستمالة مصر لتوقيع اتفاقية ترسيم حدود بحرية معه مثل تلك التي وقعها معه حكومة الوفاق الليبية في تشرين الثاني /نوفمبر ٢٠١٩ وبذلك تعزز تركيا موقفها في مواجهة قبرص واليونان، وتضمن مكان لها في منتدى غاز شرق البحر المتوسط، الذي دشنته مصر وضم كلا من: مصر الأردن فلسطين إسرائيل اليونان قبرص إيطاليا. ويهدف هذا المنتدى الى التنسيق بين الدول المنتجة للغاز والدول المستوردة له – وبالطبع كان غياب تركيا عن المنتدى واضحا.
الجديد والحاسم هنا هو تغير الإدارة الامريكية وقدوم الديمقراطيين للحكم والذي يفسر هذا التطور في العلاقات بين البلدين، ففي الوقت الذي يعاني أردوغان من ضغوط أوربية، يأتي بايدن للحكم محملا بكل تلك النقاط السلبية لأنقرة سواء فيما يخص صفقة صواريخ اس ـ 400 الروسية، أو معارضة تركيا لدعم التحالف الدولي لقوات سوريا الديمقراطية لمحاربة الإرهاب. والاهم من ذلك كله القمع الذي يمارسه اردوغان ضد المجتمع المدني في بلاده وهو ما يثير استياء الديمقراطيين.
قدوم بايدن المتزامن مع تزايد وتيرة الضغوط الأوربية، والاقتصاد التركي المتدهور، وتردي العلاقات التركية مع العواصم العربية الفاعلة، يشير الى أن أردوغان يبحث عن حلفاء جدد. ويبدو أن أردوغان قد جعل التضحية بجماعة الإخوان المسلمين خياره الأول للسعي وراء التهدئة مع القاهرة والرياض، وهو ما يؤمن له عدة مكاسب حال حدوثه.
كما يسعى اردوغان الى تشكيل حلفاً غير معلناً مع بن سلمان والسيسي حيث أن الثلاثة يواجهون نفس الاتهامات من فريق بايدن بقمع معارضيهم وضرب المجتمع المدني. ومن جانب آخر لتركيا بعد ذلك التنسيق مع مصر بشأن قضايا ليبيا وغاز شرق البحر المتوسط، حيث ساهم تشكيل الحكومة الانتقالية الليبية من جهة والصفقات الأخيرة بين البلدين من جهة أخرى إلى النأي بهم بعيدا عن الصراعات.
ورغم الرسائل التركية المتكررة التي تظهر استعداد أنقرة للتسوية مع مصر وقرارتها الأخيرة بمنع معارضي السيسي في الخارج من مهاجمته أو التطاول عليه، ما سيجنب السيسي صداعا دائما لطالما تحدث عنه، إلا أن القاهرة حتى الآن تتعامل مع الرغبة التركية في التقارب بفتور. وباستثناء تصريح وزير الإعلام المصري الذي وصف تلك الخطوة على أنها بادرة طيبة، لم يرد ذكر أردوغان في الإعلام المصري إطلاقاً بعد المبادرة التركية، لا بالسلب ولا بالإيجاب. وفي الأسابيع المقبلة، سيتضح ما إذا كان السيسي سيقبل الهدية ويتصالح، أم سيثبت أن مبادرات أردوغان كانت بلا مقابل.