- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
المفتاح لتجنّب حرب أخرى في غزة؟ مصر.
تقترب [منطقة الشرق الأوسط] من الذكرى الأولى لحرب غزة عام 2014، التي كانت الثالثة التي اندلعت بين إسرائيل و «حماس» في غضون ست سنوات، واستمرّت 51 يوماً. وتصبح الفترات الزمنية بين حرب وأخرى في غزة أقصر مرة بعد مرة، كما تطول كلّ حرب أكثر من سابقاتها. وإذا لم يتغير شيء [بين الطرفين المتنازعين]، ستندلع حرب أخرى. ولكنّ المفتاح الذي يكسر هذه الحلقة المفرغة لا يكمن في القدس ومدينة غزة فحسب، بل أيضاً في القاهرة ورام الله.
وباعتبارها أكبر دولة عربية والجار الجنوبي لغزة، لطالما شكّلت مصر تاريخياً لاعباً محورياً فيما يتعلق بالقطاع. وبالإضافة إلى ذلك، وضع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حداً لنمط الإهمال المصري السابق للحدود مع غزة. وقد اتّهمت القاهرة «حماس» بشكلٍ صارخ، وهي الحركة التي تدور في فلك جماعة «الإخوان المسلمين» في غزة، بالوقوف وراء هجمات تسبّبت بمقتل مصريين، كما شنّت حملةً منظّمة لإغلاق الأنفاق التي تستخدم لتهريب البضائع والأسلحة وحتى الأشخاص من مصر إلى غزة. إن ذلك يجب أن يمهّد الطريق لقيام مبادرة أوسع نطاقاً.
وقد سبق لـ «حماس» - الحركة التي صنفتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية - أن شعرت بلدغة مصر. فقد كان الدخل من التهريب عبر أنفاق غزة عنصراً حاسماً في إيرادات الحركة، إلا أن قمع مصر لهذه الأنفاق قد ساهم إلى حدّ كبير في عدم قدرة «حماس» على دفع رواتب موظفيها. ولكنّ ذلك يضر أيضاً بسكان غزة الذين طالت معاناتهم. ويقلق المسؤولون المصريون من اندلاع حرب أخرى في القطاع والتي من شأنها أن تقوّض الأمن القومي لكل من مصر وإسرائيل. وقد أحدث ذلك القلق تقارباً في وجهات النظر بين القاهرة والقدس: وعلى وجه الخصوص، ينبغي إيجاد وسيلة لمساعدة غزة دون مساعدة «حماس». وعلى هذا النحو، لا ينبغي اعتبار الخطوات الأخيرة التي اتخدتها كل من مصر وإسرائيل والهادفة إلى زيادة تدفق الإسمنت بغية إعادة إعمار غزة تقرّباً من «حماس»، بل إنها تشير في الواقع إلى رغبة بسيطة في التأكد من عدم انفجار الوضع في غزة.
لقد نصّ اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب في الصيف الماضي على صيغة محددة، ألا وهي أنّ السلطة الفلسطينية التي مقرّها في رام الله ويتزعمها الرئيس محمود عباس وحركة «فتح» العلمانية، تتولّى السيطرة على الحدود وتقود جهود إعادة الإعمار التي تبلغ قيمتها5.4 مليار دولار، وتهدف إلى منع «حماس» من جني مكاسب سياسية من عمليات الإعمار. ومع ذلك، لم يتمّ تنفيذ هذا التفاق بنجاح.
وتكمن المشكلة في أنّ عباس لم يكن راغباً في السيطرة على معابر غزة ما لم يتمّ نزع سلاح 15 ألف عنصر ناشط في «حماس». ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجراها الفلسطيني خليل الشقاقي، أضرّ هذا الموقف بالرئيس عباس من الناحية السياسية، إذ نظر إليه الكثير من الفلسطينيين بأنه انعكاساً للامبالاة تجاه محنة سكان غزة العاديين. وقد أثّر أيضاً على مصداقيته في مصر، التي خرجت عن طريقها لتأمين سيطرة السلطة الفلسطينية على المعابر كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار.
وإذا لم يتمّ إيجاد أي وسيلة لتحسين الوضع الإنساني وإعادة عمليات الإعمار في غزة، لا بدّ لـ «حماس» أن تأخذ زمام المبادرة. وطرحت الحركة اقتراحات مفادها أنها مستعدة للتفاوض مع إسرائيل على وقف إطلاق النار على المدى الطويل، مقابل اتخاذ تدابير لضمان انفتاح قطاع غزة. ويصغي الإسرائيليون إلى هذه الاقتراحات و[يتتبعون ما يجري حولها]. وقد صرّح الرئيس الإسرائيلي ريئوفين ريفلين بأنه لم يستبعد إمكانية إجراء محادثات مماثلة مع «حماس»، على الرغم من أنّ عقيدتها تقضي بتدمير إسرائيل. ويُقال أن قطر سعت إلى التوسط بين إسرائيل و«حماس». ولكنّ الشرعية التي سيمنحها أي اتفاق بين إسرائيل و «حركة المقاومة الفلسطينية» سترسّخ موقع هذه الأخيرة، وتضرّ بالتالي بالحركة الوطنية الفلسطينية.
ولهذا السبب، فإن مصر - التي تحترمها إسرائيل وتخشى منها «حماس» ويحتاجها عباس - هي في موقع ممتاز لتولي القيادة. وكما فعلت خلال حرب غزة، ينبغي على القاهرة أن تعمل مع الحكومات العربية التي تشاطرها الرأي لتجريد السيطرة المسلحة العلنية لـ «حماس» على قطاع غزة من أي شرعية. وينبغي عليها أيضاً أن تُوضح لعباس بأنها لن تتسامح مع تراخيه في إداء الأعمال المتوقعة منه. ويمكن أن تكرر مصر استعدادها لفتح المعبر من جنوب قطاع غزة إلى مصر في رفح عندما تتولّى السلطة الفلسطينية السيطرة عليه. وعلاوة على ذلك، فكما تقوم الأردن بتدريب قوات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، يمكن أن تقوم مصر أيضاً بتدريب هذه القوات لتعمل في قطاع غزة. كما يمكن أن تؤيّد جامعة الدول العربية سيطرة السلطة الفلسطينية على هذا المعبر. ويجدر بالذكر إن السيطرة على المعابر الحدودية وأموال إعادة الإعمار، إلى جانب الدعم المصري والعربي، قد يمنح نفوذاً كبيراً للسلطة الفلسطينية في مواجهة «حماس».
وستكون مصر أيضاً في موقع جيد يتيح لإسرائيل القيام بدورها في عملية إعادة الإعمار واتخاذ خطوات مثل السماح لمائة ألف عامل من غزة بالدخول إلى إسرائيل، وهو عدد يماثل نظيره من سكان الضفة الغربية الذين يعملون بالفعل في إسرائيل. وقد سبق أن صرّحت الأمم المتحدة بأنّ كل عامل من غزة يطعم 10 أشخاص. وبالتالي، فهذه وسيلة تتيح لسكان غزة العاديين، وليس لـ «حماس»، كسب المال.
وبالتالي، لا يمكن التوصّل إلى حلّ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بأكمله في الوقت الراهن، إلا أن إعادة إعمار غزة واستعادة ولاية السلطة الفلسطينية على القطاع سيشكّلان خطوة إيجابية وينبغي أن يكون التركيز الرئيسي عليهما. إن كون مصر زعيماً إقليمياً، يعني أن لديها الآن فرصة لجعل الضفة الغربية وقطاع غزة تحت قيادة موحدة. أما البديل فهو استمرار الوضع الراهن المدقع - والمزيد من الحروب حول غزة.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن. ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.
"واشنطن بوست"