- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
المسار التقدمي أمام فريق ترامب في إسرائيل وغزة: يجب اتباع خطى نيكولاي ملادينوف
نيكولاي ملادينوف، هو "منسق الأمم المتحدة لعملية السلام"، ووزير دفاع بلغاريا السابق. يتّسم نهجه بالوضوح والمباشرة لدى أدائه مهمته. وبصفتي مفاوضاً أمريكياً رئيسياً سابقاً، تعرفتُ على أشخاص آخرين تولوا المنصب نفسه، ولكن ملادينوف لا يشبه أياً منهم. فقد كانوا يميلون إلى إظهار التحيز الهيكلي للأمم المتحدة ضد إسرائيل وغالباً ما رأوا أن دورهم يكمن في تمثيل الفلسطينيين.
يدرك ملادينوف احتياجات كلا الجانبين. وحتى في الوقت الذي يحاول فيه تلبية احتياجاتهما، فإنه لا يتردد في انتقاد كل جانب على سلوكياته التي لا تتسق مع السلام. ففي ما يتعلق بالإسرائيليين، ينتقد أنشطتهم الاستيطانية التي تجعل الفلسطينيين يشعرون بالعجز، والذين يبدو أنهم، عندما يكونون خارج الكتل، يستبقون التوصل إلى الحل القائم على دولتين. أمّا في ما يخص الفلسطينيين، فينتقد تحريضهم ويسارع إلى إدانة محمود عباس لاستخدامه استعارات قديمة معادية للسامية في خطاب ألقاه في وقت سابق من هذا العام.
ويعمل ملادينوف حالياً على منع جولة أخرى من القتال بين الإسرائيليين وحركة «حماس» في غزة. وفي الأسبوع الماضي، شاركتُ معه في حلقة نقاش في القدس أوضح فيها أن الظروف الاقتصادية الصعبة في غزة - حيث تتوفر الكهرباء لمدة ثلاث ساعات فقط في اليوم، ولا تتوفر مياه الشرب المأمونة، ولا وقود لتشغيل محطات معالجة مياه الصرف الصحي - تخلق واقعاً ليس لدى الفلسطينيين فيه ما يخسرونه.
كما أنه لا يدافع عن جهود «حماس» لتحويل الانتباه بعيداً عن إخفاقاتها في الحكم - أو تحويلها لمواد البناء لاستخدامها لبناء أنفاق لشن هجمات داخل إسرائيل. بل على العكس تماماً. فلا يصب تركيزه الأساسي في الوقت الحاضر في توجيه الانتقادات، بل على الوضع الإنساني المروع في غزة، وهو على يقين تام أن هذا الواقع سيؤدي إلى نشوب صراع جديد قريباً.
لا يمكن لأي طرف أن يكسب هذا الصراع. بإمكان إسرائيل أن تهزم «حماس» عسكرياً، لكن ماذا بعد ذلك؟ لا يمكن للسلطة الفلسطينية تحت قيادة عباس أن تدخل إلى غزة داخل الدبابات الإسرائيلية لتتولى القيادة. كما تدرك «حماس» تماماً النتيجة المترتبة على حرب جديدة مع إسرائيل، تدفع فيها ثمناً باهظاً، دون توفر أي ضمان بأن منافسيها مثل «حركة الجهاد الإسلامي» المدعومين من الإيرانيين أو عناصر «القاعدة» أو تنظيم «الدولة الإسلامية» لن يستفيدوا من هزيمتها. وهذا الأمر لن يترك إسرائيل في وضع أفضل أو يجعل الصراع المقبل أقل احتمالاً. أمّا القيام بأعمال تنمية في غزة فقد تؤدي إلى ذلك.
ويعمل ملادينوف في سبيل تحقيق هذا الهدف. ويعلم أنه نظراً للحقائق والمناخ السائد في غزة، لا يمكن لـ «حماس» أن تبدو وكأنها تمنع جهداً دولياً حقيقياً للتخفيف من الأوضاع المزرية - ويعترف قادتها بذلك له ولغيره من الدبلوماسيين الذين تحدثتُ إليهم. لذا فهو يقوم بإنشاء صندوق استئماني دولي يمكن استخدامه على الفور لتنفيذ مشاريع تتعلق بالكهرباء والماء ومعالجة مياه الصرف الصحي.
وسيتم إدارة الصندوق الاستئماني وآلية تنفيذه دولياً، وليس من الضروري أن يعمل الصندوق عن طريق «حماس» أو السلطة الفلسطينية. (فمع وقف مدفوعات الكهرباء إلى إسرائيل مقابل الطاقة المقدمة إلى غزة وخفض الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية للعمال هناك منذ أن تولت «حماس» السلطة في عام ٢٠٠٧، زاد عباس من تفاقم الواقع الاقتصادي الصعب أصلاً. وباعتقاده أنه يضغط بذلك على «حماس»، ولكن لسوء الحظ، إن سكان غزة هم الذين يدفعون الثمن).
وفي حين يُحرِز ملادينوف [بعض] التقدم، بإمكانه الاستفادة أيضاً من المساعدة الأمريكية. وبما أنّ جاريد كوشنر وجيسون جرينبلات يقومان بزيارة المنطقة هذا الأسبوع، هناك فرصة كبيرة لتعزيز جهوده. فهما يدركان أن السياق الإقليمي بحاجة إلى التغيير إذا ما أرادا إطلاق خطة سلام - لا سيّما في وقت لن يجتمع فيه عباس ومسؤولو السلطة الفلسطينية معهما.
وآخر ما يحتاجان إليه أو تحتاجه المنطقة هو صراع آخر بين إسرائيل و«حماس» مثل ذلك الذي اندلع عام ٢٠١٤ ودام ٥٢ يوماً وتسبب بخسائر فادحة وضرراً كبيراً للفلسطينيين. إن تفادي مثل هذا الصراع أمراً ضرورياً إذا كان على القادة العرب أن يستجيبوا للخطة بغض النظر عن الجهود الفلسطينية الرامية إلى رفضها. وعلاوة على ذلك، إذا تمكّنت إدارة ترامب من إثبات أنها ساعدت على تخفيف المعاناة الفلسطينية في غزة، فمن المرجح أن يكون القادة العرب الرئيسيون أكثر انفتاحاً أمام الخطة.
لذا، يُعد هذا الأسبوع مناسباً ليس لتعزيز جهود ملادينوف فحسب، بل للاستثمار في الصندوق الاستئماني الذي أنشأه - ولحثّ السعودية والإمارات وقطر للقيام بالمثل. ولا يجب أن ترغب هذه الدول بنشوب حرب جديدة بين إسرائيل و«حماس»، علماً أن إيران تدفع حالياً باتجاه هذا الصراع لتعكّر صفو المنطقة وتضع قادة العرب السنة في موقف دفاعي لأن الخسائر الفلسطينية في غزة ستكون مرتفعة.
وبما أن القادة العرب سيودّون رؤية الولايات المتحدة تشارك في تمويل الصندوق، فلماذا لا تؤخذ المساعدات التي قطعتها إدارة ترامب عن "الأونروا"، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين؟ وبالتأكيد تعاني "الأونروا" من العديد من المشاكل، ولكنها تدفع أيضاً أجر ١٣ ألف عامل في غزة وتقدم وجبات الطعام من خلال مدارسها.
ينبغي استخدام الأموال التي تم قطعها من "الأونروا" للمساهمة في إعادة الكهرباء والمياه ومعالجة مياه الصرف الصحي. ومن خلال قيام الإدارة الأمريكية بذلك، فقد تمنع اندلاع حرب جديدة في غزة وتضفي المصداقية على جهود السلام التي يبذلها كوشنر وغرينبلات.
دينيس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن.
"نيويورك ديلي نيوز"