- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3654
المشاهير ورجال الدين والخلافة: عناصر لا يمكن التنبؤ بتأثيرها في احتجاجات إيران
من خلال قيام النظام الإيراني باستهداف المشاهير والاستعانة برجال الدين مالياً، كشف النظام الكثير عما يعتبره أكبر نقاط ضعفه.
مع استمرار موجة الاحتجاجات الأخيرة في اجتياح إيران، تؤدي سماتها الفريدة المتعددة - والتي تمت مناقشة بعضها في المرصد السياسي 3652 - إلى تقويض شرعية الجمهورية الإسلامية بشكل كبير. وسيصبح هذا التوجه والعناصر التي لا يمكن التنبؤ بأفعالها التي تحركه، معضلة ستعترض النظام عندما يتعين عليه أن يقرر من سيخلف المرشد الأعلى علي خامنئي - سواء في المستقبل أو قريباً إذا كانت الشائعات المتعلقة بسوء حالته الصحية صحيحة.
المشاهير الذين أيدوا الاحتجاجات
منذ بداية الحركة الاحتجاجية، أقدم النظام الإيراني على ترهيب الشخصيات العامة النافذة بوقاحة، في محاولة لمنعهم من الانضمام إلى الاحتجاجات أو الإعلان عن تضامنهم مع الناس في الشوارع. ومع ذلك، نشرت بعض الشخصيات الرياضية البارزة ونجوم السينما رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي تتعاطف مع الإجراءات المناهضة للنظام وتدين سلوك الحكومة وسياساتها، لا سيما قاعدة "الحجاب الإجباري" التي أشعلت هذه الجولة من الاحتجاجات. والجدير بالذكر أن معظم هذه الرسائل ظهرت على "إينستغرام" بسبب التصفية المكثفة التي فرضها النظام على التطبيقات الأخرى.
على سبيل المثال، تَعرّضَ نجم كرة القدم علي كريمي، وهو لاعب سابق في المنتخب الوطني، لعقوبة غير مسبوقة بالنسبة إلى شخصية بارزة مثله، وذلك عندما أعرب عن دعمه للمتظاهرين. فبعد رسالته بوقت قليل، داهمت قوات الأمن منزله وأغلقته ليوم واحد، ومنعته من دخوله. وتم القبض على العديد من المشاهير الآخرين بصورة غير مقيّدة. وفي 28 أيلول/سبتمبر، حذّر القضاء من أن السلطات ستصادر على الفور أصول أي شخصية تدعم المحتجين أو تشجعهم علانيةً.
لكن ذلك لم يمنع بعض المشاهير من تحدي السلطات. فبعد أن فرض القضاء حظر سفر على مهران موديري، "ملك الكوميديا" في إيران، أفادت بعض التقارير بأنه هرب من البلاد ونشر انتقادات حول رد النظام على الانتفاضة. وفي مناطق أخرى، ظهرت العديد من النساء المشاهير في الأماكن العامة أو عبر الإنترنت من دون حجاب.
ويستند الضغط العدائي الذي يمارسه النظام إلى تقييمه بأن المشاهير قد يكونون الطبقة الوحيدة القادرة على حشد الجماهير وتوسيع الحركة الاحتجاجية إلى درجة تهدد استقرار الجمهورية الإسلامية. وتنبع مكانتهم المتزايدة إلى حد كبير من احتمال أن تكون الشخصيات السياسية والمدنية التقليدية في إيران قد فقدت جزءاً كبيراً من قاعدة قوتها الاجتماعية، فضلاً عن ثقة العديد من الشباب الذين يتظاهرون في الشوارع.
صمت رجال الدين
حتى الآن، لم يرد رجال الدين الشيعة في إيران - بمن فيهم المرجعيات - على الاحتجاجات على الإطلاق. وهناك دلالات كبيرة لصمتهم على حالة المؤسسة بعد أربعة عقود من "الثورة الإسلامية":
- في عهد خامنئي، شهدت المؤسسة الدينية ثورة بيروقراطية شملت احتكار القيادة الدينية تحت قيادة المرشد الأعلى باعتباره "الفقيه الحاكم". وكان ذلك يعني تقليص دور المرجعيات، الذين كانوا تاريخياً مستقلين تماماً عن الحكومة.
- في الماضي، كان يتم تمويل رجال الدين بشكل أساسي من الضرائب الدينية الطوعية والأوقاف التي تسيطر عليها السلطات الدينية. وقد تغيّر ذلك مع اعتماد رجال الدين أكثر فأكثر على التمويل الحكومي. فعلى مدى العقد الماضي بشكل خاص، بدأوا بممارسة مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية (على سبيل المثال، شركات الاستيراد والتصدير، والمؤسسات الصناعية)، التي تعتمد جميعها بشدة على الامتيازات الحكومية لكي تبقى مربحة. وباختصار، لم يعد رجال الدين يعتمدون مالياً على الشعب الإيراني، لكنهم مدينون بالفضل للنظام إلى حد كبير.
- على الرغم من أن بعض السلطات الدينية تشعر على الأرجح بشكوك حيال سياسات النظام، وربما حتى حيال عقيدة "الفقيه الحاكم" التي تأسس عليها، إلا أنها قلقة أيضاً بشأن نوع الحكومة التي ستحل محل النظام في حال انهياره. وتعتقد (عن حق) أن نجاح الحركة الاحتجاجية المناهضة للنظام سيؤدي إلى ظهور حكومة جديدة غير مستعدة للحفاظ على المكانة الخاصة لهذه السلطات الدينية والمنافع التي تتمتع بها. وبالتالي، وبغض النظر عما إذا كان العديد من رجال الدين يوافقون على أيديولوجية النظام أو يختلفون معها، فمن المحتمل أنهم يرون أن بقاء الجمهورية الإسلامية هو السبيل الوحيد للحفاظ على امتيازاتهم السياسية والاقتصادية.
التداعيات على الخلافة
هل تشير هذه الاحتجاجات إلى بداية النهاية التي سيشهدها النظام، أم ستتمكن طهران من وقف الانتفاضة عبر اللجوء إلى المزيد من العنف؟ لا تزال الإجابة غير واضحة في الوقت الحالي، لكن مسألة خلافة خامنئي يمكن أن تحدد الإجابة.
إذا كانت الشائعات المستمرة حول اعتلال صحة المرشد الأعلى صحيحة، فقد يتوقع المرء بشكل معقول أن يتردد صنّاع القرار داخل النظام، وخاصةً «فيلق الحرس الثوري الإسلامي»، في قمع المتظاهرين بعنف إلى الدرجة التي لوحظت في الانتفاضات الماضية. ففي السيناريو الذي يستعد فيه المرشد الأعلى لمغادرة المشهد، سيؤدي تنفيذ عمليات القتل الجماعي في الشارع إلى خطر تعقيد عملية الخلافة بشدة، وإحباط أهداف «الحرس الثوري» بعد خامنئي. ومن الناحية الظاهرية، سيتطلب تعيين مرشد أعلى جديد وجود مشهد محلي أكثر هدوءاً وخالٍ من الاضطرابات الكبرى أو أزمات الشرعية. وبغض النظر عمن قد يكون خليفة خامنئي، سيحتاج إلى إنشاء قاعدة قوة اجتماعية لنفسه، حتى لو كانت تتوقف على أقلية من السكان. وهذا من شأنه أن يُمكّن المرشد القادم ونظامه من تكوين صورة عامة مؤاتية عنهما، وإرساء الشرعية الكافية لتأكيد سيطرتهما - بغض النظر عما إذا كان جزء كبير من الجمهور يشكك في سلطته بصورة غير علنية. ومن شأن الاحتجاجات المستمرة في الشوارع أن تؤدي إلى إحباط هذه الجهود.
علاوةً على ذلك، جعلت الحملات القمعية المتكررة التي تعرّض لها الأقران الإيرانيون عدداً كبيراً من النخب السياسية والمواطنين العاديين وحتى المؤيدين الأوفياء يطرحون أسئلة جوهرية حول مدى احترام النظام للقانون الإسلامي والقانون الإيراني. ومع كل أزمة جديدة، يعاني النظام من خسارة كبيرة في قاعدته الاجتماعية، لذا فإن الاحتجاجات المستمرة، وممارسة حملة قمع شديدة أخرى، وحدوث فوضى في عملية الخلافة تشكل مجتمعة تهديداً وجودياً للنظام بأكمله.
وإذا قرر النظام الامتناع عن ممارسة المزيد من العنف الجماعي، فسوف يحتاج إلى التوصل إلى حل وسط جاد مع المتظاهرين، سواء بشكل صريح أو ضمني. وقد يعني ذلك كما يُفترض تقديم وعد حكومي بالتوقف عن مضايقة المواطنين في المجال العام، وقد يشمل أيضاً منح نوع من الحرية بحكم الواقع فيما يتعلق بمظهر المرأة - أو على الأقل الفهم بأنه سيتم التعامل مع مثل هذه "الانتهاكات" للقواعد الدينية بتعاطف وليس بقسوة (أو بشكل فتاك).
وبدلاً من ذلك، يمكن أن يعتمد «الحرس الثوري» على تلاشي الحركة الاحتجاجية التي تفتقر حالياً إلى القيادة والتنظيم بسبب مزيج من الإرهاق الداخلي والترهيب المكثف الذي يمارسه النظام. ولكن إذا توسعت الحركة بشكل هائل وأظهرت علامات تدل على أنها أصبحت أكثر تنظيماً، فبالتالي قد يقرر «الحرس الثوري» أن انتظار تلاشيها لا يشكل خياراً، وأن ممارسة العنف بشكل غير محدود تغدو مطلوبة لإنهاء الاحتجاجات بشكل نهائي.
مهدي خلجي هو "زميل ليبيتسكي فاميلي" في معهد واشنطن.