- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المصريون ينتقدون بهدوء "إنجازات" السيسي قبل الانتخابات
بصرف النظر عن نتائج الانتخابات، يشعر الكثير من المصريين أن سياسات السيسي تضر ببلادهم وتعكس عدم الانتماء الوطني، وهي نتاج قرارات متهورة وغير مدروسة.
من المقرر إجراء الانتخابات من 10 إلى 12 كانون الأول/ديسمبر ويشهد المصريون حملةً انتخابيةً رئاسيةً غير عادلة على الإطلاق في سباق نتائجه معروفة مسبقا. ولكن بما أن هذا الموسم هو موسم انتخابات من الناحية النظرية، ينظّم السيسي حملته الانتخابية، وقد أعلن فيها أنه يود "استكمال الحلم بمدة رئاسية جديدة" وأن الولاية الجديدة ستكون "امتدادًا لسعينا المشترك من أجل مصر وشعبها".
يدعو إعلانه هذا أيضًا إلى إلقاء نظرة على ما "حققه" السيسي للبلاد حيث اتضح أن المصريين يناقشون غالبًا نجاحات الرئيس عبد الفتاح السيسي المزعومة، بلهجةٍ ساخرة للغاية. وفي حين أنه نادرًا ما يسخر المصريون من السيسي علنًا، يشير الكثيرون منهم سرًا إلى التناقض الحاد بين الشعارات التي تدّعي فيها الحكومة إحراز تقدم والوضع الاقتصادي المتردي على الأرض. ونظرًا إلى مجموعة من الإخفاقات المهمة من جانب الدولة، مثل انقطاع التيار الكهربائي ومشاريع الأشغال المكلفة وتراكم الديون الخارجية وانهيار الجنيه المصري، أصبحت تصريحات السيسي مدعاة سخرية بدرجة كبيرة جدًا في عيون الكثير من المصريين.
خلال الأشهر الماضية، كان الإنجاز الأبرز الذي حققته حكومة السيسي انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع. فقد أدى انقطاع الكهرباء غير المسبوق في تاريخ مصر الحديث إلى إغراق الأحياء السكنية والشوارع الرئيسية والساحات المركزية في ظلمة تامة، إذ لا تظهر سوى أضواء السيارات والمحال التجارية. ويشعر المصريون والسياح على حد سواء بالتعاسة لرؤية أهم ميدان في مصر وهو "ميدان التحرير" خاليًا من المارة ومظلمًا بالكامل ومقسمًا إلى مسارات مرورية.
في الصيف، بررت الحكومة هذا الوضع بالقول إن السبب الرئيسي لانقطاع التيار الكهربائي هو ارتفاع درجات الحرارة، وزعمت أن هذه كانت محاولةً لتخفيف الضغط على محطات الكهرباء ولإدارة الاستهلاك اليومي. ولكن بينما كان المصريون ينتظرون عودة الكهرباء إلى جدول التغذية السابق مع اقتراب نهاية فصل الصيف، تفاجأوا لمعرفتهم أن السلطات ستواصل قطع التيار الكهربائي في المستقبل المنظور.
فيما يعيش المواطن العادي اليوم من دون مصدر موثوق للكهرباء، أهدرت حكومة السيسي مليارات الدولارات على مشاريع فخمة ومكلفة وبنية تحتية لا تعالج أيًا من المسائل الطويلة الأمد أو التحديات اليومية الجديدة التي يواجهها المصريون. فالعاصمة الإدارية الجديدة، تمامًا مثل الجسور التي تم تشييدها مؤخرًا في المدينة، لم تحل أزمة المرور، بل استنفدت كميةً هائلةً من الموارد. ويتساءل المواطنون عن سبب إنفاق هذه الأموال على مشاريع لا تساهم بأي شكلٍ من الأشكال في معالجة الأحوال المعيشية الحالية، لا سيما في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار والسياسات المثبطة للسياحة التي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني المصري.
في الواقع، عند النظر إلى بعض الإنجازات التي يروجها السيسي، يتضح أن هناك هوة تفصل بين الوعود المقطوعة والوفاء بها فعليًا في الدولة المصرية.
1. التفريعة الجديدة لقناة السويس. وعد السيسي الشعب المصري بأن هذا المشروع سيحقق الرخاء وينهي الأزمة الاقتصادية. وزعم المسؤولون أن إيرادات مشروع القناة، الذي ساهم فيه المصريون بمدخراتهم الخاصة، ستصل إلى 100 مليار دولار. وبحلول أيار/مايو 2020، جمعت الحكومة حوالي 64 مليار جنيه، أي ما يعادل 10 مليارات دولار تقريبًا في ذلك الوقت. وقد اقترضت الحكومة مبلغًا إضافيًا قدره 850 مليون دولار من المصارف المحلية لتنفيذ المشروع. وفي غضون ذلك، كان من المتوقع أن تتكبد موازنة الدولة مبلغ 7.6 مليارات جنيه إضافي سنويًا لخدمة الدين مقابل مبلغ الـ 64 مليار جنيه المحصّل من المواطنين الذين لم يحصدوا أي منفعة بالمقابل. وبينما يحاول الرئيس السيسي تبرير المشروع الفاشل، يقول المصريون بسخرية إن "الهدف الرئيسي لهذا المشروع كان رفع معنويات المصريين!"
بعد فشل مشروع القناة في تحقيق الإيرادات، أُقرّ مشروع تعديل القانون رقم 30 لسنة 1975 الخاص بنظام "هيئة قناة السويس" لإنشاء صندوق مستقل تابع للهيئة. وقد أثار ذلك أيضًا غضب شرائح واسعة من المجتمع المصري ومجموعات المجتمع المدني والمثقفين، باعتبار أن ذلك سيسمح ببيع أو تأجير الأصول السيادية للدولة المصرية. ورفضت الجهات المدنية دعم أي مشروع يتضمن خصخصة أجزاء من القناة التي يعتبرها الشعب المصري رمزًا لنضالاته وتضحياته التاريخية. ووصف رئيس تحرير صحيفة "المصريون" هذا القانون بـ"الخطير"، مغردًا من حسابه الرسمي أن الحكومة اقترحت مشروع قانون يضع قناة السويس تحت رحمة صندوق استثمار، ما يمهد الطريق أمام نقل ملكيتها إلى "صندوق مصر السيادي". ويُدرج هذا القرار القناة ضمن العقارات المملوكة للدولة المعروضة للبيع. وأشار إلى أن هذا القانون، الذي سبق أن وافق عليه مجلس النواب موافقةً مبدئيةً، من شأنه أن يسمح ببيع وشراء واستئجار وتأجير الأصول المستثمَرة المنقولة وغير المنقولة ويؤدي سريعًا إلى الخراب.
2. العاصمة الإدارية الجديدة. أدى بناء المدينة الجديدة الضخمة إلى إثقال كاهل الدولة المصرية بالديون المستحقة للصين واستنزاف احتياطياتها من العملة الأجنبية. تقع العاصمة الإدارية الجديدة في المنطقة الصحراوية النائية على بعد حوالي 45 كيلومترًا من وسط القاهرة، ما يجعل الوصول إليها صعبًا للغاية. فعدم إمكانية الوصول إليها، إلى جانب الانكماش الاقتصادي المستمر، يجعل الانتقال إلى المدينة خيارًا غير مرغوب فيه أو مستحيلًا من الناحية المالية. وبالتالي، يمكن أن تصبح المدينة بسرعة مجرد مدينة أشباح في وسط الصحراء.
ستشمل الأبراج الضخمة الهشة في وسط الصحراء "البرج الأيقوني" الجديد، الذي سيكون أعلى ناطحة سحاب في أفريقيا بارتفاع 385 مترًا. ولكن على الرغم من عظمة ناطحات السحاب هذه، يطرح الناس السؤال التالي: أي فئة من المصريين تستطيع تحمُّل تكاليف العيش فيها؟
في تشرين الأول/أكتوبر 2017، وقّعت الحكومة المصرية اتفاقيةً بقيمة 3 مليارات دولار مع شركة إنشاءات صينية حكومية لبناء ما يصل إلى 20 ناطحة سحاب في العاصمة الإدارية الجديدة. وتدفع الحكومة المصرية في إطار هذه الاتفاقية 15 في المئة من نفقات المشروع، بينما تتم تغطية القيمة المتبقية من خلال قروض من المصارف الصينية التي سيتم سدادها على مدى عشر سنوات بعد الانتهاء من بناء الأبراج وبيعها. ويشمل ذلك "البرج الأيقوني" المذكور أعلاه والمثير للسخرية، والذي قد يشكل خطرًا على المارة المحتملين بشكل خاص نظرًا لتاريخ حوادث انهيار المباني في البلاد في حالات الاستعجال بالبناء. وبحسب وزير الإسكان، تبلغ قيمة الجولة الأولى من القروض الصينية نحو 834 مليون دولار (من إجمالي 3 مليارات دولار لتمويل المشروع). وستغطي الجولة الأولى تكاليف التصميم والإنشاء لسبعة مبانٍ شاهقة، بما في ذلك برجين إداريين وخمسة أبراج سكنية. وسيصل ارتفاع هذه الأبراج إلى 206 أمتار، وستضم 51 طابقًا وستبلغ مساحتها الإجمالية 600 ألف متر مربع.
تزعم السلطات أن العاصمة الجديدة ستضم في نهاية المطاف 6.5 ملايين شخص بالإضافة إلى جميع الوكالات والوزارات والمباني البرلمانية والقصر الرئاسي ومنطقة للسفارات الأجنبية والمنظمات الدولية ومركز أعمال عالمي ومدينة طبية عالمية ومدارس وجامعات دولية ومطار دولي. وقد تبلغ التكاليف الأولية لاستكمال المشروع خلال 5 إلى 7 سنوات 45 مليار دولار، في وقتٍ يستمر فيه ارتفاع قيمة الدولار واختفاؤه من المصارف المحلية ومدخرات المصريين.
وبحسب إحدى الشائعات المتداولة حاليًا حول العاصمة الجديدة، تم الانتهاء من مراحل معينة من الإنشاءات، لكن المشاريع متوقفة حاليًا ولا يمكن استكمالها بسبب عدم قدرة الدولة على تحمل التكاليف. بما أن المصدر الرئيسي لإيرادات المشروع يأتي من بيع الأراضي التي تُبنى عليها العاصمة، ونظرًا لعدم تحقيق إيراداتٍ كافية من تلك المبيعات، يفترض الكثيرون أن الحكومة توقفت عن البيع لفترة على أمل أن يرتفع سعر الأرض. ولا تزال هناك عقبات خطيرة أخرى، ولم يتضح بعد كيف ستتعامل الدولة مع غياب المشترين والمستثمرين بسبب قلة السيولة لدى المصريين، بالإضافة إلى تنامي الديون ذات الفوائد المتزايدة.
يطرح موقع المدينة أيضًا مشاكل لوجستية. فيعجز الكثير من المصريين عن تصوّر كيف سيصل آلاف الموظفين وغيرهم من المواطنين إلى العاصمة الإدارية الجديدة، لا سيما في ظل مشاكل المرور الكبيرة التي تعاني منها القاهرة أساسًا. فهذا التنقل سيشكل عبئًا إضافيًا سيتعين على الناس تحمّله. يعتبر المصريون أن هذا المشروع قد فشل، بل ويعتبرونه سببًا رئيسيًا للانهيار الاقتصادي في البلاد، وديون الدولة، واستنزاف احتياطيات العملات الأجنبية (والدولار الأمريكي على وجه الخصوص).
3. انخفاض قيمة الجنيه المصري واكتناز الدولار. تفاجأ المصريون بالأنظمة المحلية الجديدة الصادرة عن البنك المركزي والتي تحظر إرسال الدولار الأمريكي إلى الخارج من حسابات مصرفية بالدولار في مصر. ويُمنع أيضًا تداول الدولار داخل البلاد. لا يمكن بموجب القانون بيع الدولار للعملاء الذين يطلبونه في المصارف كما في السابق، حتى عندما يحتاج الناس إلى مبالغ مالية للسفر إلى الخارج، أو لشراء منتجات أجنبية، أو تذاكر طيران، أو تخصيص دولارات كأصول آمنة، أو الحصول على تأشيرات إلكترونية من الدول التي تتطلب الدفع بالدولار من بطاقات الائتمان. وبدلًا من ذلك، يتعين على المصريين الذهاب إلى السوق السوداء لشراء الدولار وبيعه، ما يعني أنهم قد يتعرضون لعقوباتٍ خطيرةٍ لمخالفتهم القانون. ويتساءل المصريون أيضًا عما يستطيعون فعله الآن بعد أن أصدر البنك المركزي مؤخرًا لوائح أخرى تحدد سقف السحوبات من بطاقات الائتمان حتى خلال تواجدهم خارج مصر، مع منع الأشخاص أيضًا من استخدام البطاقات محليًا لدفع ثمن المنتجات الدولية.
بما أن المصارف المحلية لا تستطيع إصدار بطاقات خصم أو ائتمان للعملاء الذين لديهم حسابات مصرفية بالدولار، يتعين على أولئك الذين أودعوا أموالهم بالدولار الذهاب شخصيًا إلى المصرف لإجراء المعاملات من حساباتهم الخاصة. ويستحيل عليهم إذًا على الصعيد العملي الوصول إلى أموالهم أثناء تواجدهم في الخارج بما أن الفروع الدولية للمصارف المصرية تتبع السياسة ذاتها.
يُعتبر هذا التحول صاعقًا بشكلٍ خاص بما أن مصر التزمت بالسياسات الاقتصادية للسوق المفتوحة بشأن هذه القضايا لعقود من الزمن. ويشكك المصريون في البرامج الحكومية الجديدة قيد التنفيذ ويقولون إنها ستسبب ضغوطًا إضافيةً مع انخفاض قيمة العملة المحلية واستمرار الارتفاع الحاد في الأسعار. وقد دفع ذلك الناس إلى الاستجابة لعروض الحكومة وإيداع مدخراتهم بالدولار، من دون أن تُطرح عليهم أي من الأسئلة المعتادة حول مصدر الدولارات، وبأسعار فائدة تصل إلى 9 في المئة وتُدفع بالجنيه المصري. ويثير سعي الحكومة الحثيث إلى الحصول على الدولار تساؤلاتٍ حول السبب الحقيقي وراء تنازلاتها وأسعار الفائدة المرتفعة. بالإضافة إلى ذلك، لدى "البنك الأهلي المصري" و"بنك مصر" (وكلاهما مصرفان حكوميان) أسعار فائدة تصل إلى 20 في المئة من قيمة أرصدة المصرف بالعملة المحلية المجمّدة لمدة ثلاث سنوات على الأقل.
وخلّفت محاولة الحكومة الاستحواذ على الدولار عواقب وخيمةً ليس على المصريين كأفراد فحسب، بل على الاقتصاد ككل. على سبيل المثال، أرغمت ندرة الدولارات في الأسواق المحلية عددًا من المصانع المحلية على إغلاق أبوابها. فأُغلق مثلًا مصنع الأجهزة الكهربائية التابع لـ"مجموعة العربي" بسبب عدم قدرته على استيراد المواد الخام وقطع الغيار التي يجب شراؤها بالعملة الصعبة، وتحديدًا بالدولار. ويخشى الكثيرون أيضًا من أن يؤدي الوضع الاقتصادي المتردي إلى انسحاب الشركات الأجنبية من البلاد، ما يزيد الضغط على الاقتصاد المترنّح.
يرتبط كل ذلك بإعلان الرئيس السيسي مؤخرًا أن مصر ستنضم إلى مجموعة "بريكس" في بداية عام 2024. ويعتبر المصريون أن هذه الخطوة هي محاولة للتحصّن مسبقًا من نفوذ الدولار وليس لوضع خطة محلية هادفة للنمو الاقتصادي. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الرسمية أشادت بالانضمام إلى مجموعة "بريكس" باعتباره حبل النجاة لاقتصاد البلاد، يخشى الكثير من المصريين العاديين من أن يضطروا إلى دفع ثمن هذه المناورة الفاشلة في حياتهم اليومية. ويبرز أيضًا قلق وغضب بشأن أهداف حكومة السيسي من هذه السياسات. كيف استطاعت أن تأخذ المدخرات المتواضعة والأموال الخاصة بالناس العاديين الذين يحاولون تلبية احتياجاتهم اليومية فحسب؟
4. "صندوق مصر السيادي". تبرز مخاوف كبيرة لدى عامة الناس حول ما إذا كانت الأصول السيادية للدولة ستُستخدم لأغراض التنمية أو أنها مجرد عقود انتهازية لإخفاء الفساد. تأسس "صندوق مصر السيادي" في عام 2018 لنقل أصول الدولة غير المستغلة على شكل مبانٍ وعقارات للمساهمة في التنمية الاقتصادية. يرتبط هذا الصندوق مباشرةً بالرئيس، ويستمر في إثارة حفيظة المواطنين المصريين فيما تحاول الحكومة تقديم تبريرات لتراكم ثروات "الصندوق السيادي". ويعتبر الناس أن هذا الصندوق يخفي الاستنزاف المنهجي للأصول السيادية ونقلها من الدولة المصرية إلى شركات الاستثمار الأجنبية، ويشعرون أن وسط القاهرة التاريخي على وجه الخصوص أصبح ملكًا للمستثمرين الأجانب.
حصل "الصندوق السيادي" مؤخرًا على ملكية مبنى وزارة الداخلية القديم في وسط القاهرة، ويمتلك أسهم "شركة مصر للتأمين" بنسبة مئة في المئة (بموجب القانون رقم 102 لسنة 2023) وكذلك "مجمع التحرير" الحكومي. وبما أن الصندوق يدعي أن هذا الأخير لم يعد يخدم المصلحة العامة، تم فتح المبنى أمام الاستثمار من خارج الحكومة، ويعتبر الناس ذلك دعوةً لإجراء تعاملاتٍ تجاريةٍ بدون أي رقابة أو مساءلة من الوكالات المعنية.
وصرّح وزير التخطيط في نهاية عام 2022 أن كل مليار جنيه ينفقه الصندوق يجذب استثمارات تصل إلى 5.4 مليارات جنيه، ويمكن أن يحقق عوائد تصل إلى 15 مليار جنيه من الاستثمارات الأجنبية. فقد تم إنشاء الصندوق لتحسين الكفاءة في إدارة أصول الدولة والمساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة في إدارة أموالها وأصولها. كما سعى إلى تحقيق الاستخدام الأمثل لهذه الأموال والأصول وفق الممارسات والمعايير الدولية الفضلى بما يحقق قيمةً كبرى للأجيال القادمة.
في أوائل عام 2023، أشاد الرئيس السيسي مرارًا بـ"صندوق مصر السيادي" وبدوره في الاستخدام الأمثل لأصول الدولة وممتلكاتها، مدعيًا أن التنمية المستدامة لهذه الأصول ستؤدي إلى تعظيم العوائد للأجيال الحالية والمستقبلية والحفاظ عليها. وقال إنه شريك رئيسي في التنمية، لا سيما في ما يتعلق بجهود الصندوق في تنفيذ سياسة ملكية الدولة وتعزيز المشاركة مع القطاع الخاص.
إلا أن الشعب المصري غير مقتنع بالتبريرات التي قدمتها الحكومة، لا سيما في ظل الفساد المستشري والفقر والانهيار الاقتصادي الوشيك وتراجع القدرة الشرائية وتعاظم الدين الوطني. ويسخر المصريون أيضًا من مصطلح "القطاع الخاص" لإدراكهم أن الفساد منتشر ويستمر في التفاقم، وأن "القطاع الخاص" يتكون بشكلٍ أساسي من أشخاصٍ يستنزفون ثروات الدولة.
5. هدم القاهرة التاريخية. إن المنازل وورش العمل الحرفية والمقابر في جميع أنحاء القاهرة القديمة مهددة بالتدمير من دون سابق إنذار. ومع اختفاء الحدائق والأشجار وتحول الأحياء إلى صحارٍ حضرية قاسية ومغبرة، يشير سكان القاهرة بسخرية إلى الخراب الحاصل على أنه "كرم أخلاق الجنرالات"، في إشارة إلى كيفية تنفيذ الجيش لما يسميه السيسي "التنمية".
استيقظ السكان مؤخرًا على صوت الآليات الثقيلة والجرافات وهي تدمر مناطق مختلفة من القاهرة التاريخية، بما في ذلك المقابر في منطقة الإمام الشافعي. كما تم هدم أضرحة تاريخية أخرى تضم رفات شخصيات سياسية وثقافية وفنية وأدبية بارزة. فقد تساءلت أستاذة في قسم العمارة والتصميم الحضري في كلية الهندسة في جامعة القاهرة: "أي منفعة عامة يمكن أن تتقدم على التراث؟" وأضافت أن هذه الأضرحة تعود لشخصيات مهمة للغاية في تاريخ مصر الوطني. وبرزت اعتراضات شديدة اللهجة من جانب الأحزاب السياسية على عملية الهدم هذه، بما في ذلك "الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي"، وكذلك منظمات المجتمع المدني وخبراء الآثار، وقد تم تجاهلها كلها. وقد أدى ذلك إلى استقالة الكثير من الخبراء المصريين الذين يرفضون هذا المحو لقرون من تاريخ مصر العريق. لطالما غضت الدولة الطرف عن المواقع التاريخية في المدينة، والتي أصبحت متداعيةً بفعل التلوث ومرور الزمن، إلا أن الحكومة تنتقل اليوم من الإهمال إلى التدمير النشط.
بصرف النظر عن نتائج الانتخابات، يشعر الكثير من المصريين أن سياسات السيسي تضر ببلادهم وتعكس عدم الانتماء الوطني، وهي نتاج قرارات متهورة وغير مدروسة. وكما يقول الناس الآن: "سيبيعوننا كما يبيعون مصر، شيئًا فشيئًا".
لكن الشكاوى متفرقة ومحدودة علنًا. فالمصريون يدركون أن مناقشة سياسات السيسي الخارجية والداخلية ستؤدي إلى اعتقالهم أو اختفائهم قسرًا بتهمة "تقويض هيبة الدولة" و"نشر الشائعات". ولكن معظم المصريين يشعرون الآن بخيبة الأمل وعدم الانتماء. فأولئك الذين انتفضوا وثاروا فقدوا اليوم الأمل كليًا، ليحل محله الإحباط والغضب المتزايدان. وتتردد أصداء هذا الاحتجاج الصامت في كل مكان وبات على وشك الانفجار. ويبحث الشباب ومتوسطو العمر عن فرص للسفر إلى الخارج ليعيشوا حياةً كريمة.
وفي غضون ذلك، عقد السيسي في "المؤتمر العالمي الأول للسكان والصحة والتنمية" جلسة نقاش أكد فيها إمكانية تسهيل الهجرة القانونية إلى بعض الدول التي تنخفض فيها معدلات الولادات. وفي لهجة متهكمة باتت شائعةً، يقول المصريون بتحسر: "لقد باعونا أوهام، واليوم يبيعوننا نحن أيضًا".
في ظل هذه الصعوبات الاقتصادية والسخط المنتشر على نطاقٍ واسع، يبني الرئيس حملته الانتخابية على ما يسميه "التطورات الإيجابية" التي حققتها حكومته. ففي خطاب مُتلفز ألقاه في عاصمته الإدارية الجديدة في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، انتقد السيسي خصومه السياسيين ورفض الوضع الاقتصادي المتردي، قائلًا: "لو كان ثمن ازدهار الأمة ألا تأكل وألا تشرب، فلا نأكل ولا نشرب". وتوجّه بالكلام إلى المصريين قائلًا: "اصمدوا وحولوا الظروف القاسية التي نحن فيها إلى منحة، وكلما صمدتم كلما تخطيتم [الأزمات الاقتصادية]". وقد تبعت هذا التصريح تعليقاتٌ أكثر إثارةً للحيرة والقلق، إذ تابع السيسي عبر طرح فرضيات يمكنه من خلالها زعزعة استقرار البلاد، متفاخرًا بأنه يستطيع تدمير مصر بملياري جنيه مصري (ما يعادل 30 مليون دولار) فقط عبر توزيع المواد الأفيونية على 100 ألف مواطن يمرون بـ"ظروف صعبة". وأثارت تعليقاته إدانةً فوريةً من خصومه السياسيين ووسائل الإعلام الدولية على حد سواء، إلا أنها قدمت لمحةً واقعيةً دقيقةً عن النهج الذي اعتمدته الحكومة المصرية تجاه مواطنيها البالغ عددهم 110 ملايين نسمة ومدى اهتمامها بهم.