الميليشيات العراقية تقصف موقعين أمريكيين في العراق وسوريا
تبنت الميليشيات المدعومة من إيران انضباطاً صارماً حتى الآن، ولم تعلن مسؤوليتها عن أي من الهجمات على قاعدة "خراب الجير" في سوريا أو قاعدة "عين الأسد" الجوية في العراق. وقد بُذلت جهود لتجنب الانتقام الأمريكي مع إعطاء تحذير لرئيس الوزراء السوداني بأن عليه مواصلة الضغط من أجل الانسحاب الأمريكي.
تعرضت قاعدة أمريكية في سوريا ("خراب الجير") وأخرى في العراق ("عين الأسد") لهجوم في 21 و 22 نيسان/أبريل 2024 على التوالي. ووفقاً لتقارير مفتوحة المصدر بدرجة من الموثوقية، ومن بينها تقارير لوكالات صحفية نقلت تصريحات مسؤولين أمريكيين لم تذكر أسماءهم، تم استخدام صواريخ وطائرات مسيّرة ضد القاعدتَين الأمريكيتين في العراق وسوريا لأول مرة منذ 4 شباط/فبراير 2024.
وتم شن الهجوم الأول ليلاً (الساعة 9:50 مساءً بتوقيت بغداد في 21 نيسان/أبريل) وأُطلقت فيه صواريخ من منطقة أحمد آغا الواقعة في شمال محافظة نينوى العراقية باتجاه قاعدة "خراب الجير" (منطقة الهبوط في رميلان) في شمال شرق سوريا. وشهد هذا الهجوم إطلاق خمس قذائف على الأقل من عيار 122 ملم بزاوية مرتفعة على ما يبدو باتجاه سوريا. وادّعت "قوات الأمن العراقية" بإنها أحرقت مركبة الإطلاق، غير أن الفيديو يشير إلى أنها اشتعلت أثناء عملية الإطلاق (الشكل 1). و "خراب الجير" هو موقع مستهدف يرتبط بشكل شبه حصري بـ"حركة حزب الله النجباء"
أما الهجوم الثاني فكان عبارة عن ضربة بطائرة مسيّرة على قاعدة "عين الأسد" الجوية في محافظة الأنبار بالعراق، وتم شنّه من نقطة إطلاق غير معروفة في العراق أو سوريا. وتجدر الإشارة إلى أن استهداف موقع "عين الأسد" يرتبط بشكل شبه حصري بـ"كتائب حزب الله". وفي حادث من المحتمل أن يكون مرتبط بذلك، تم العثور على حطام طائرة مسيّرة من طراز "شاهد-101" في المدائن على الطرف الغربي من محافظة واسط في 22 نيسان/أبريل، وربما كانت إحدى الطائرات المسيرة التي شاركت في سلسلة الهجمات نفسها التي وقعت في وضح النهار.
تقارير "المقاومة" عن هجوم قاعدة "خراب الجير"
بدءً من الساعة 10:00 مساءً تقريباً بتوقيت بغداد (في 21 نيسان/أبريل) أفادت في البداية معظم حسابات "المقاومة" على منصة "تلغرام" بأن الهجوم الذي استهدف قاعدة "خراب الجير" كان عبارة عن هجوم بطائرة مسيّرة (الشكل 2)، ولكن بعد ذلك نُشر حساب لوكالة "رويترز" في الساعة 11:15 ليلاً (في 21 نيسان/أبريل) نقلاً عن مصادر أمنية أن الهجوم كان صاروخياً. وبعد نشر تقرير "رويترز"، أفادت وسائل التواصل الاجتماعي التابعة "للمقاومة" بأن الهجوم كان صاروخياً وليس بطائرة مسيّرة (الشكل 3).
وفي الساعة 04:31 فجراً بتوقيت بغداد (في 22 نيسان/أبريل)، أشارت شبكة "صابرين نيوز" صراحةً إلى أن "كتائب حزب الله" (الملتزمة بهدنة مع القوات الأمريكية فرضتها على نفسها منذ أن قتلت 3 أمريكيين في 28 كانون الثاني/يناير) لم تتبنَّ أي مسؤولية وأفادت أن الجماعة الإرهابية "لم تصدر أي بيان خلال الـ 48 ساعة الماضية" (الشكل 4). وجاء ذلك رداً على منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تزعم أن "كتائب حزب الله" أعلنت مسؤوليتها عن هجوم قاعدة "خراب الجير".
وبالمثل، لم تعلن "المقاومة الإسلامية في العراق" مسؤوليتها عن أي من الهجومين حتى الآن، وحتى لم تدلِ بأي تعليق حول الضربات. ومنذ أن أوقفت "كتائب حزب الله" هجماتها في أواخر كانون الثاني/يناير، تم التخلي عن الحساب الأساسي لـ "المقاومة الإسلامية في العراق" على منصة "تلغرام" وإنشاء حساب جديد تتحكم به "حركة حزب الله النجباء" في أوائل شهر شباط/فبراير. وتبنّى الحساب الجديد لـ "المقاومة الإسلامية في العراق" حصرياً مسؤولية الهجمات المزعومة بالطائرات المسيرة وصواريخ "كروز" ضد إسرائيل.
الهجوم بطائرة مسيّرة على قاعدة "عين الأسد"
في 22 نيسان/أبريل، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أمريكي قوله إن قاعدة "عين الأسد" الجوية في غرب العراق تعرضت للاستهداف بطائرة مسيّرة متفجرة. ومن المستغرب أن وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالـ"مقاومة" لم تنقل الخبر تقريباً في حين تسارع عادةً إلى الإبلاغ عن هذه الهجمات وتضخيمها. كما لم يقم أي حساب لـ"المقاومة" على مواقع التواصل الاجتماعي بالتلميح إلى الهجوم كما جرت العادة سابقاً.
هل انتهى وقف إطلاق النار؟
أعربت قنوات الميليشيات على منصة "تلغرام" عن استيائها المتزايد من التحالف في الأيام الأخيرة (فيما يتعلق بالتأخير المتصوَّر في انسحاب قوات التحالف ودور الولايات المتحدة والتحالف في دعم إسرائيل ضد إيران)، ويشير ذلك (ظاهرياً) إلى تراجع القبول الشعبي فيما يتعلّق بالحفاظ على وقف إطلاق النار.
ومن وجهة نظر "الأضواء الكاشفة للميليشيات"، لم يشكل الهجومان انتهاكاً لقواعد الانضباط بل عملاً منسقاً من "حركة حزب الله النجباء" و"كتائب حزب الله"، حظي على الأرجح بموافقة "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإسلامي الإيراني". وانطوى الهدف على الأرجح على التعبير عن عدم الرضا من رئيس الوزراء السوداني عند عودته إلى العراق من العاصمة واشنطن، وتذكيره بمن يحكم العراق ودفعه إلى الضغط على التحالف من أجل وضع جدول زمني محدد للانسحاب.
وتُظهر أدلة واضحة على التنسيق في مجال العمليات، وتشير عادة إلى ضلوع "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" (يرتبط كل هدف ارتباطاً شديداً بإحدى الجهتَين الفاعلتين الحركيتين الرئيسيتين، "حركة حزب الله النجباء" و"كتائب حزب الله") وفي الفضاء الإلكتروني (مع ضبط الرسائل). وتم أيضاً تنفيذ العملية بعناية، دون وقوع ضحايا في صفوف القوات الأمريكية، ودون تبني أي مسؤولية عنها، وفي الواقع، تم إنكار أي انخراط فيها، ليتم بعد ذلك بذل جهود لتجنب التصعيد الذي قد يُعرّض "كتائب حزب الله" وإيران للخطر.
عدم السماح بالتبجح المتواضع
قد يشير سلوك "المقاومة" الإعلامي المحيط بهذين الحدثين إلى نهج جديد تم اعتماده على نطاق الشبكات، بما في ذلك الشبكتَين الفرعيتين لـ "كتائب حزب الله" و"حركة حزب الله النجباء"، والذي غالباً ما يكون مؤشراً إلى عملية منسقة من "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإسلامي الإيراني". وربما تختبر الجماعات المسلحة عزيمة الولايات المتحدة، وتفعل ذلك بطريقة تسهل على الولايات المتحدة تجاهلها، أي شن هجمات لا تصل لدرجة تستدعي عادة الانتقام الأمريكي ومن دون الاحتفاء بها عبر قنوات "المقاومة" الرئيسية. وفي هذه المرحلة، قد تضع إيران و"حركة حزب الله النجباء" و"كتائب حزب الله" الإنكار المعقول الكامل فوق أي اعتبارات أخرى، مما يجعل من الصعب على الولايات المتحدة نسب الهجمات إلى ميليشيا معينة، وبالتالي ربما تكون قد ضيقت الخناق على وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لها.