- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المظهر دائم التغير للمرأة المصرية
مع التغير الذي طرأ على ذوق المرأة المصرية منذ منتصف القرن حتى اليوم، أصبح ارتداء الحجاب أحد الاتجاهات المتزايدة بوضوح في شوارع القاهرة.
كتب الروائي البريطاني إل بي هارتلي في إحدى رواياته قائلاً "في الماضي تجدها دولة أخرى، وأهلها يفعلون الأشياء على نحو مختلف على ما هي عليه الآن". وبالنظر إلى ديناميكية حياة المرأة المصرية فيمكن أن نجد هذا القول أصدق ما يكون على وضع المرأة المصرية، إذ تغيرت الصورة العامة للمرأة المصرية بشكل جذري في الأربعين سنة الماضية. ففي العام الماضي، نشرت صحيفة فورين بوليسي صورًا لنساء مصريات عام 1959 وهن يستمتعن بالشمس والبحر في إحدى منتجعات الإسكندرية، وهي صورة قد تكون مستغربة في يومنا هذا. فخلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي كانت نساء الحضر المصريات يرتدين التنورات القصيرة والقمصان قصيرة الأكمام. وفي الإسكندرية كمثل القاهرة، ترى طابعها العالمي المتطور يضعف نتيجة للفكر الإسلامي المتنامي والذي تجلى في اتجاه النساء نحو ارتداء الحجاب.
يرى البعض أن هذه الظاهرة نشأت بعد هزيمة مصر في حرب 1967 وهي التي كانت مصدرًا لشعور الناس بالمهانة ودفعت العديد من المصريين لانتهاج الإسلام انتهاجًا كاملاً كوسيلة لتجميع قوى الوطن. لكنك تجد الكاتب طارق عثمان يرى أن ارتداء الحجاب كان شائعًا في السبعينات والثمانينات حيث سافر ثلاثة ملايين مصري إلى الخليج سعيًا وراء الرزق. وحين عادوا، عادوا ومعهم الكثير من الأعراف الاجتماعية الدينية التي كانت سائدة هناك. وفي غضون عقدين من الزمان زاد عدد النساء اللواتي يرتدين الحجاب من ثلاثين إلى خمسة وستين في المائة. أما اليوم وحسب ما ورد في جريدة ذا نيويورك تايمز فإن مالا يقل عن 90% من النساء يرتدين الحجاب. يقول مخرج الأفلام يسري نصر الله إن شيوع الحجاب لم يكن سببه "اتجاه المصريات فجأة نحو الدين" ولكنها "الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية التي تعصف بالبلد".
مع ذلك، بدأت النخبة المصرية في الاتجاه نحو السمة الغالبة، حتى إن أحد نجوم البوب غنى يحث النساء على تغطية شعورهن. كانت مصر تسمى يومًا "هوليوود الشرق"، لكنك الآن تجد العديد من الممثلات يفضلن تغطية رؤوسهن بل إن منهن الآن من ترفض الغناء أو الرقص أمام الشاشة، فها هي الممثلة صابرين والتي لعبت دور المغنية الأسطورة أم كلثوم تعتزل التمثيل بعد أن قررت ارتداء الحجاب. حاليًا، تجري قناة فضائية جديدة تسمى ماريا بثها التجريبي والعاملون بها جميعهم من المنتقبات. وقد وجهت انتقادات إلى القناة من قبل رموز إعلامية لا تحبذ فكرة عدم معرفة من يتحدث إليك من وراء ستار.
يظن البعض أن الحجاب يمثل حماية للمرأة المصرية ويحررها من لفت الانتباه غير المغروب، إلا أنه ومع ارتداء الكثير من النساء ثيابًا أكثر تحفظًا يظل التحرش الجنسي مأساة يومية للكثير من النسوة، حيث وجد المركز المصري لحقوق المرأة في 2008 أن ما لا يقل عن 83% من المصريات تعرضن لبعض أشكال التحرش الجنسي وأن ثلثي الرجال أقروا بتحرشهم بالنساء، وبدت المشكلة تزداد سوءًا منذ بداية الثورة، والتي لم تثني بعض نواب الإخوان المسلمين مثل عزة الجرف عن لومها النساء لتعرضهن للتحرش الجنسي.
من الواضح أنها مرت أوقات كان بها دعم حثيث بالمجتمع المصري هدفه تغطية النساء، ففي 2006 تلقت الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه الإسلامي بجامعة الأزهر تهديدات عديدة بعد تصريحها في إحدى برامج التلفاز أن النقاب ليس فرضًا مستدلة بأنه "لا وجود لدليل قاطع من القرءان الكريم يلزم النساء بتغطية وجوههن". في العام الماضي أصدر السلفيون عددًا من فتاوى المرأة وكان من بينها تحريم ارتداء النساء للأحذية ذات الكعوب العالية والبناطيل إلا إذا كان ذلك لأزواجهن أو أمام محارمهن. أعلن مرشح الرئاسة حازم صلاح أبو إسماعيل خططًا – بعد انتخابه – يجبر فيها النساء على ارتداء الحجاب وقال إنه ليس في الإسلام ضمانات للحرية الشخصية. والأدهى أن المجتمع القبطي لم يكن بمنأى عن تيارات التوجه الإسلامي، ففي منتصف شهر مايو/أيار الأخير حث الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس للكنسية الأرثوذكسية النساء المسيحيات على الاستزادة من زي العفاف مثل أخواتهن المسلمات.
بل هي أول مرة في التاريخ المصري الحديث تجد فيها نجلاء على محمود أول من ارتدى الحجاب من زوجات الرؤساء، وقد صرح الرئيس محمد مرسي أنه لن يقر قانونًا يجبر النساء على ارتداء الحجاب، ولكن يبقى السؤال عن ماهية الشخص أو الشيء الذي سوف يغرس جذور الاعتدال اللازم لطمأنة النساء إلى احترام خياراتهن الشخصية وبخاصة ملابسهن. مصر دولة تحتاج النظر في قيمها الاجتماعية وإذا ما أرادت التقدم والنجاح فعليها تشجيع مشاركة المرأة في كافة مناحي الحياة العامة، أو إن شئت فقل إن دورهن المرئي ينبغي ألا يكون مقيدًا بشروط.