- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
النظام الإيراني يستهدف الاحتجاجات بتكتيكات المعلومات المضللة الراسخة
ردًا على موجة الاحتجاجات الأخيرة، وبعد عقود من حملات التضليل العالمية والمحلية، عمل النظام الإيراني على مضاعفة تلاعبه بوسائل الإعلام.
نشرت طهران هذا الأسبوع لائحة الاتهامات الموجهة ضد الصحفيتين نيلوفر حميدي وإله محمدي المحتجزتين في سجن إيفين، حيث أصدرت وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الايرانية، وجهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري الإيراني بيانًا مشتركًا اتهم الصحفيتين بالتخابر مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، والعمل على "تمهيد الطريق لتكثيف الضغوط الخارجية". ورغم سخافة تلك الاتهامات، الا أنها ستساعد في تسليط الضوء على الروايات التي تلجأ إليها طهران باستمرار لنزع الشرعية عن المعارضة والتقليل من أهميتها داخل البلاد.
تصوّر جمهورية إيران الإسلامية نفسها على أنها الهدف والضحية الرئيسية لمؤامرة سياسية وحملات معلومات مضللة معادية لها. ومع ذلك، فإن هذه الادعاءات المتكررة والسياقات التي قُدمت من خلالها، تُثبت أنها بحدّ ذاتها مركز للأخبار المزيفة والمعلومات المضللة التي تستهدف دولًا أخرى وحتى المجتمع الإيراني. ولم تتوان الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها عام 1979 عن التلاعب بشعبها من خلال الإعلام، وقد كانت وسائل الإعلام الحكومية، بما فيها خدمة "إذاعة جمهورية إيران الإسلامية" التي تحتكر الإعلام أساسًا، أشبه بسلاح طمس شامل للمعلومات.
في الوقت الراهن، تنقل وسائل الإعلام الحكومية في إيران ومنصات الشتات الفارسي حول العالم بشكل مزيف الاحتجاجات الشعبية في المناطق الطرفية مثل كردستان وخوزستان وبلوشستان على أنها ذات طبيعة "انفصالية". وقد سمحت هذه السردية للنظام بتشويه صورة المحتجين وإحداث شرخ بينهم وبتبرير استخدامه للعنف الشديد في قمعهم.
وكما حصل في الماضي، يشكل نشر الأخبار المزيّفة بشأن الاحتجاجات الداخلية، ووصفها بأنها "أنشطة انفصالية"، محاولة من قبل النظام للقضاء على أي مظاهر للوحدة أو التضامن الناشئ بين المحتجين خصوصًا والشعب الإيراني عمومًا. ويأمل النظام أن يغير الرأي العام متذرعًا بحجة أن سلامة أراضي إيران بخطر، ولا سيما في مناطق ومحافظات إيران الوسطية التي يقطنها الإيرانيون الفارسيون بشكل رئيسي.
وفي ظل غياب حرية الصحافة، يبقى إخضاع المعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام الحكومية لتقييمات دقيقة مهمة صعبة. وبحسب مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2022 الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، تندرج إيران ضمن أسوأ 10 دول على صعيد حرية الصحافة، كما أنها "إحدى أكثر الدول قمعًا للصحافيين". غير أن تغطيتها في الآونة الأخيرة للاحتجاجات الشعبية ضد القمع أثبتت مدى شيوع وخداع هذه السرديات.
تاريخ حافل بالمعلومات المضللة
يبدو أن استراتيجية المعلومات المضللة التي تنتهجها إيران قديمة ومن عمر النظام نفسه. فقد عملت المؤسسات الإعلامية الحكومية مثل "إذاعة جمهورية إيران الإسلامية"، بصفتها أجهزة أيديولوجية تابعة للنظام، على إنتاج سلطة وقيم النظام وفرضها على الشعب الإيراني. وبطبيعة الحال، أججت عقود من هذه الحملة الدعائية كراهية الشعب لاستراتيجية الدولة الشاملة التي يصفها البعض بأنها "عار على الوطن".
وفي عصر الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، يشكل إنشاء آلاف المواقع الإلكترونية المزيفة والحسابات المزيفة على موقع "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تويتر" أداة استخدمتها الجمهورية الإسلامية لنشر الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة على الصعيد الدولي، وهي أداة يقر المسؤولون الإيرانيون باستخدامها ويتحدثون عنها علنًا. على سبيل المثال، أشار روح الله مومن نسب، الرئيس السابق لـ "مركز الإعلام الرقمي" التابع لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الذي يعارض بشدة النفاذ الحر إلى الإنترنت ويدعم بقوة "قانون حماية مستخدمي الفضاء السيبراني"، بفخر إلى شبكة المعلومات المضللة التي تستخدمها إيران كأحد أسلحة الحرب النفسية. كما أن المسؤولين في الجمهورية الإسلامية تباهوا بإنشاء "فرق سيبرانية" للتلاعب بالسرديات العالمية على "تويتر" ومنصات أخرى.
هذا وشنّت الجمهورية الإسلامية حربًا نفسية مماثلة أيضًا على معارضيها المحليين. فعلى سبيل المثال، تستغل "إذاعة جمهورية إيران الإسلامية" شبكة واسعة من المنظمات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية والقضائية لتسهيل "إسكات وتعيير وتشويه سمعة وذم وترهيب ومعاقبة" المعارضين الداخليين وحتى تعذيبهم، وفق تقرير صدر عن "الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان".
وبالفعل، تتعاون "إذاعة جمهورية إيران الإسلامية" مع وزارة الاستخبارات و"حرس الثورة الإسلامية الإيرانية"، وقد نشرت اعترافات قسرية على الأرجح لـ355 شخصًا على الأقل. وفي حين تتنوع أهداف المعلومات المضللة التي تنشرها الجمهورية الإسلامية، يبقى الهدف الرئيسي التحكم بالرأي العام، وتحريض الجماعات على بعضها وتلطيخ سمعة الناشطين والمحتجين.
فحملات النظام القائمة على الكراهية والمعلومات المضللة تحرص على تشويه صورة مجتمعات الأقليات، بما فيها العرب والأذريين والبهائيين والبلوش والأكراد والتركمان في إيران. وفي حادثة وقعت مؤخرًا، وصفت وسائل الإعلام أربعة عناصر يشتبه بانتمائهم أو تأييدهم للحزب السياسي الكردي اليساري "كومله" بأنهم إرهابيون تابعون لإسرائيل في آب/أغسطس على الرغم من عدم وجود أدلة كافية.
ومع مرور الوقت، رسخت استراتيجية الاستهداف التي ينتهجها النظام عنصرية مزمنة في المجتمع ورهابًا من مطالبة الجماعات الدينية والعرقية غير الفارسية وغير الشيعية بالديمقراطية. ويبدو أن هذا الرهاب من الجماعات غير الفارسية راسخ بشكل عميق، حتى أن وسائل الإعلام المعادية للنظام في الشتات الفارسي تميل إلى استخدامه بحيث تحرج المعلقين والناشطين الأكراد، على سبيل المثال، بأسئلة لا أساس لها عن أجندات الانفصاليين والمؤثرين الخارجيين. ولسوء الحظ، لم تنفك حملات المعلومات المضللة والخطابات العنصرية تزداد سوءًا خلال موجات الاحتجاجات الأخيرة التي عمّت إيران.
المعلومات المضللة والاحتجاجات الحالية في إيران
بحلول الأسبوع الثاني من الاحتجاجات، اتضح أن النظام كان يطبق استراتيجيات المعلومات المضللة عبر الإنترنت لمحاولة تحويل الانتفاضة إلى ثورة مسلحة، وهو تغيير كان ليبرر زيادة وتيرة العنف الذي يمارسه النظام ويؤمّن له الدعم. فقد نشرت وسائل التواصل الاجتماعي وحسابات مزيفة ووسائل إعلامية حكومية أخبارًا وفيديوهات مضللة أظهرت على ما يبدو جماعات مسلحة كردية، ولا سيما "قوات البيشمركة"، بين المحتجين. كما عرضت فيديوهات أخرى تظهر صراحة قوات أمن إيرانية ترتدي البزة العسكرية الخاصة بـ "قوات البيشمركة" وتضايق سكان مدن كردية. وعلى الرغم من الحملة التي بدأها النظام منذ عقود لتدمير آثار المقاومة الكردية وإضفاء الطابع العسكري على محافظة كردستان، حاول النظام بالفعل إرغام "قوات البيشمركة" الكردية الحقيقية على الانتقال من قواعدها البعيدة في كردستان العراق إلى مناطق حضرية بهدف الانضمام إلى المحتجين، ما يترك انطباعًا بأن المحتجين يستخدمون العنف وأنه على النظام أن يرد بكاملة قوته وبوحشية.
وفي حين تنتشر المعلومات المضللة على نطاق واسع، أصبح من الصعب إيجاد تقارير دقيقة عن الاحتجاجات وحملة القمع العنيفة التي يمارسها النظام، ولا سيما في ظل عرقلة إيران النفاذ إلى الإنترنت في أرجاء البلاد منذ الأسبوع الأول، واستهدافها المنهجي للصحفيين المستقلين الذين يغطون الاحتجاجات. وقد منع الانقطاع المتكرر للإنترنت المحتجين من إيصال وجهة نظرهم وتنسيق أنشطتهم ومشاركة تجاربهم مع الحرس الثوري وقوات النظام الأخرى.
وعلى الرغم من أن مقتل جينا "مهسا " أميني في 16 أيلول/سبتمبر أطلق موجة تضامن في أوساط الشعب الإيراني ضد النظام، عززت الجمهورية الإسلامية استراتيجيات المعلومات المضللة والأخبار المزيفة التي تطبقها ردًا على ذلك، في تحد مباشر لتضامن الشعب. وفي حال واصل النظام بنجاح وصف الانتفاضات بأنها ثورة انفصالية، مستغلًا حالة التوترات الدقيقة أساسًا بين المجتمعات الفارسية وغير الفارسية في ظل منع تداول أي معلومات حقيقية في الخطاب العام، ستخضع وحدة الشعب غير المسبوقة خلال موجة الاحتجاجات هذه للاختبار الأصعب. فخلال الأيام والأسابيع المقبلة، على الشعب الإيراني أن يثبت أن وحدته دائمة وليست مؤقتة.