- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
القادة العرب بحاجة إلى مضاعفة جهودهم لتفادي نشوب حرب في غزة
تستمر الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الصدامات الحالية بين إسرائيل والفلسطينيين في غزة. والأمل هو تجنب اندلاع حرب رابعة بين إسرائيل و«حماس» في غضون السنوات العشر الماضية.
وحتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، إلّا أن استئناف المساعدات الدولية الهامة لغزة سيتطلب على الأرجح عودة السلطة الفلسطينية، التي طردتها «حماس» من القطاع باستعمالها العنف عام 2007. وفي هذا الصدد، قال يحيى السنوار، زعيم «حماس» في غزة منذ عام 2017، إنه يود أن تعود السلطة الفلسطينية [لممارسة سيطرتها]. ولكن مقابل أي ثمن؟ الجواب أنه يريد أن تحافظ «حماس» على أسلحتها.
ويرى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن هناك فخاً [ربما تسعى «حماس» إلى إيقاعه فيه]. فهو يخشى أن تدخل السلطة الفلسطينية في طريق مسدود من خلال تحمّلها كامل المسؤولية في غزة بينما تحتفظ «حماس» بكامل السلطة - كما هو الحال مع «حزب الله» في لبنان. وهكذا، كان على استعداد لدعوة «حماس» علناً إلى تسليم أسلحتها. وفي هذا الصدد، أخبرنا مسؤول في "جيش الدفاع الإسرائيلي" أن السيد عباس قد خفّض الأموال الشهرية المرسلة إلى غزة من 112 مليون دولار إلى 84 مليون دولار. وقد ولّد ذلك بعض من ردود الفعل، من بينها اندلاع مظاهرات نادرة في مدينة رام الله بالضفة الغربية حثّ فيها المحتجون السيد عباس على تحويل المزيد من الأموال إلى القطاع.
[ولا يحتاج المتتبع للأحداث الكثير من المؤشرات للقول بأن] الوضع قاتم في غزة. فالقطاع لا يحصل إلا على أربع ساعات من الكهرباء يومياً، واقتصاده يقاوم بصعوبة بالغة. وقد أخبرنا مسؤولون من الأمم المتحدة أن دخل الفرد من سكان غزة هو أقل من 3.50 دولار في اليوم في المتوسط، وهو ثلث ما يتقاضاه الفرد في الضفة الغربية. وفي هذا الصدد، يجدر بالذكر أن إسرائيل - التي تدرك أن «حماس» أقسمت على تدميرها - واضطرت إلى الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الصاروخية المتكررة على مدنها، تفرض العديد من القيود على غزة. وهو الأمر بالنسبة لمصر، كوْن «حماس» جزءاً من شبكة «الإخوان المسلمين» المحظورة وتربطها علاقات مع الجهاديين الناشطين في سيناء.
وتقوم مصر بقيادة الجهود لإعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة. فبعد أن خلصت إلى أن نزع السلاح الفوري لحركة «حماس» هو أمر غير واقعي، تُركز القاهرة على إعادة [سيطرة] السلطة الفلسطينية على القطاع، باعتبارها العنوان الشرعي للمساعدات الكبيرة، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تغيير الديناميكية السياسية. و لا يحظى السيد عباس بشعبية كبيرة في غزة لأن سكان القطاع يؤمنون بأنه غير مكترث بمعاناتهم، لكن عودته على رأس قوافل المساعدات يمكن أن يغيّر ذلك التصوّر. وبمجرد أن تتحول المشاعر لصالحه، تعتقد مصر أن عباس قد يحقق نجاحاً أكبر في الدعوة إلى نزع السلاح.
بيد، قد لا يتوفر الوقت الكافي للسيد عباس البالغ من العمر 83 عاماً، للإنتظار لمثل هذه المناورات السياسية الطويلة المدى. ولديه أيضاً جميع الأسباب التي تجعله يشكّك في استعداد «حماس» الأكبر لنزع سلاحها بمرور الوقت. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف يمكن "تحويل الدائرة إلى مربع"؟ قد يكمن الجواب في ممارسة الضغط على كلا الجانبين.
بإمكان مصر، بمساندة جامعة الدول العربية أو دول مثل السعودية والإمارات والأردن، أن تصدر بياناً واضحاً يعلن أن أسلحة «حماس» غير شرعية، وتردّد ما حثّ إليه عباس مراراً وتكراراً فيما يتعلق بغزة، وهو: "سلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح شرعي واحد ". وهذا من شأنه أن يوضح أن القادة العرب لن يعملوا على إضفاء الشرعية على «حماس» التي تبقى مسلحة بصورة دائمة، وذلك تمشياً مع المشاعر التي دفعت جامعة الدول العربية إلى تصنيف «حزب الله» كياناً إرهابياً في عام 2016. وقد يكون للإدانة العربية الصريحة لحركة «حماس» صدىً أوسع بكثير من الشجب الأمريكي والإسرائيلي. كما أنها ستعزل الدول التي تدعم «حماس»، ومن بينها قطر.
وفي غضون ذلك، يجب على الدول العربية أن تُذكّر الرئيس عباس أنه لا يتمتع برفاهية البقاء خارج غزة، بما أنه لا يمكن نزع شرعية «حماس» بشكل فعال ما لم تعد السلطة الفلسطينية [لممارسة سيطرتها على القطاع]. وعليه، ينبغي على هذه الدول أن تشير إلى استعدادها لغض النظر عن السيد عباس وتجاوز «حماس» كلياً من خلال مساعدة الهيئات الدولية على تقديم المساعدات المباشرة لغزة. إن هذا لا يمثل المسار المثالي، لكن الرسالة يجب أن تكون واضحة وهي: أن القادة العرب سيواصلون الضغط على «حماس» إلى أجل غير مسمى من أجل نزع سلاحها، ولكن فقط إذا عاد السيد عباس إلى القطاع.
وإذا استأنفت السلطة الفلسطينية سيطرتها على غزة، فسوف تحتاج الدول المانحة إلى الوفاء بالتعهدات التي قطعتها منذ سنوات بتقديم المساعدات إلى القطاع، وسيتعيّن على مصر أن تكون أكثر انفتاحاً تجاه معبر رفح الحدودي. ولكن لا يمكن نجاح هذه الجهود ما لم تجد إسرائيل طريقة للتخفيف من قيودها بشكل كبير على حركة البضائع والأشخاص دون تعريض أمنها للخطر. ومن المؤكد أنه إذا أصبحت غزة أكثر استقراراً فإن ذلك سيصب في مصلحة إسرائيل، سواء لتفادي نشوب حرب أو وقف الأزمة في مجال الصحة العامة. وفي هذا الصدد كانت غزة، في مرحلة ما من العام الماضي، تُلقي يومياً إلى البحر المتوسط ما يقدر بـ 25 مليون غالون من مياه الصرف الصحي غير المعالجة، مما أجبر إسرائيل على إغلاق الشواطئ ومرافق تحلية المياه في مدينة عسقلان المجاورة بشكل مؤقت.
ويريد العرب والإسرائيليون على حد سواء منع اندلاع حرب أخرى في غزة. إلّا أن النجاح سيتطلب مشاركة عدة جهات وهي: الدول العربية، السيد عباس، المانحين الدوليين، «حماس» وإسرائيل. ولا بد أن يدركوا جميعاً أن لديهم دوراً حيوياً يؤدونه في التخفيف من بؤس القطاع.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز في معهد واشنطن، وعضو سابق في الفريق الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط في الفترة 2013-2014. غيث العمري هو زميل أقدم في المعهد ومستشار سابق لفريق التفاوض الفلسطيني في الفترة 1999-2001.
"وول ستريت جورنال"