- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2502
القدس واللاجئون: تحديات ثابتة يواجهها الأردن
في الأسابيع الأخيرة، تركّزت الأنظار على روسيا واستهدافها الشرس لمدينتَي حمص وإدلب في شمال سوريا، في حين تم إيلاء اهتمام أقل إلى الجنوب السوري، على الرغم من أنّ التدخل العسكري الروسي هناك قد يترتّب عليه آثار خطيرةً بالنسبة للأردن. ومع إيواء المملكة الهاشمية بالفعل لأكثر من مليون لاجئ سوري وتعاملها مع التداعيات السياسية الناجمة عن العنف الإسرائيلي -الفلسطيني في القدس، من المرجّح أن يمارس نشر القوات الروسية ضغطاً كبيراً على المملكة، وخاصة إذا انتقل القتال جنوباً. ويقيناً، تشكّل التطوّرات في القدس مصدر إزعاجٍ للأردن، لكنّها تبقى في مصافّ المخاوف من الدرجة الثانية، مقارنةً بأزمة اللاجئين الآخذة في التفاقم على الأرجح. وفي حين قد تساعد مبادرةٌ تشريعية مهمةّ في الكونغرس الأمريكي على تخفيف المخاطر الأمنية المباشرة التي تعترض الأردن، إلّا أنّها لن تقلّص من تدفّق اللاجئين أو تعزل الأردن عن التهديدات المستقبلية الناجمة عن نشر القوات الروسية.
خلفية القدس
تقرّ معاهدة السلام الأردنية -الإسرائيلية التي وقّعت عام 1994 صراحةً بـ "دور المملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن المقدّسة للمسلمين في القدس"، وهو دورٌ ينعكس في الإدارة المستمرّة للمسجد الأقصى والحرم الشريف (أو جبل الهيكل) من قِبَل وزارة الأوقاف الأردنية، التي تُشرف على الأوقاف الدينية في المملكة. وأثناء فترات التوتّر - كتلك التي كانت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، عندما أدّى مقتل إسرائيلي وفلسطيني إلى إغلاق الحرم القدسي الشريف أمام المصلّين - يعمل عادةً المسؤولون الأردنيون والإسرائيليون معاً على تخفيف حدة الوضع. وتحقيقاً لهذه الغاية، التقى الملك عبد الله ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عمان في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ووفقاً للتقارير وافق رئيس الوزراء على منع اليهود من الصعود إلى جبل الهيكل.
الأزمة الحالية
لقد استمرّ هذا الوضع المريح ما يقرب من عام، ثمّ زار وزير الإسكان الإسرائيلي أوري أريئيل في أيلول/ سبتمبر الحرم القدسي الشريف، وأريئيل هو من دعا في عام 2013 على نحوٍ مثيرٍ للجدل إلى إزالة المواقع الإسلامية المقدّسة وبناء الهيكل اليهودي الثالث. وأثارت زيارة أريئيل احتجاجات فلسطينية عنيفة، أدّت بدورها إلى إصابة عشرات الفلسطينيين بجروح من قبل الشرطة الإسرائيلية، وإلى وقوع سلسلة من الهجمات المميتة التي استهدفت الإسرائيليين. وقد شكّلت هذه الأحداث باكورة سلسلةٍ من الاتهامات المتبادلة بين إسرائيل والأردن، حيث ألقى الإسرائيليون اللوم على وزارة الأوقاف لعدم توفيرها الأمن المناسب في الحرم القدسي، في حين أدان الأردنيون نتنياهو لمخالفته الوعد الذي قطعه للعاهل الأردني عام 2014. كذلك، اتّهم الأردنيون "القوات الخاصّة التابعة لـ «جيش الاحتلال الإسرائيلي» باقتحام باحات المسجد الأقصى"، ومحاولتها "تغيير الوضع القائم" في القدس. غير أنّ مسؤولين أردنيين آخرين يؤكّدون أنّ "المرابطين"، أي المقاتلين الذين تسبّبوا بالمشاكل، هم في الواقع عرب إسرائيل - لا فلسطينيي الضفة الغربية - وبالتالي فإنّ إسرائيل هي المسؤولة عن منعهم من الصعود إلى جبل الهيكل.
ومنذ ذلك الحين، تقدّم الأردن بقرار إلى مجلس الأمن الدولي يدين إسرائيل، وقد قيل إنّ الملك يرفض تلقّي المكالمات الهاتفية من رئيس الوزراء. وفي وقتٍ سابقٍ من الأسبوع الأول من تشرين الأول/أكتوبر، دعا 45 نائباً في البرلمان الأردني المؤلّف من 130 عضواً الحكومة إلى سحب السفير الأردني من تل أبيب، وطرد السفير الإسرائيلي من عمان ومراجعة معاهدة سلام "وادي عربة".
استمرار التحديات التي يواجهها اللاجئون
بينما تُعتَبر أحداث القدس مصدر إزعاج للملك، يشكّل اللاجئون السوريون مصدراً محتملاً لانعدام الاستقرار في المملكة. وفي الوقت الحاضر، تقول عمان إنّها تأوي 1,4 مليون سوري، نحو 700 ألفٍ منهم مسجّلون لدى "مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" ("المفوضية"). وفي حين يدور النقاش حول العدد الفعلي للاجئين غير المسجّلين، ليس هناك شك في أنّ هؤلاء يعيشون حياةً قاسية. ووفقاً لإحصاءات "المفوضية"، يقيم أقلّ من 120,000 من هؤلاء السوريين في مخيمات اللاجئين في المملكة، وترزح نسبة 86 بالمائة من اللاجئين المقيمين خارج هذه المخيّمات تحت خطّ الفقر. والأسوأ من ذلك هو أنّ الدعم المالي الدولي للاجئين في الأردن - وغيره من الدول المضيفة - غير كافٍ. ففي عام 2014، ناشدت الأمم المتحدة [العالم] تأمين مبلغ 4,5 مليار دولار من التبرّعات لتوفير الغذاء الضروري وغيره من المساعدات للاجئين السوريين المستضعفين في جميع أنحاء المنطقة. بيد، لم تتمكّن الأمم المتحدة من تحقيق سوى 37 في المائة من مجمل هدفها التمويلي، تاركةً الأردن يواجه عجزاً بقيمة 724 مليون دولار، وفقاً لـ "المفوضية لشؤون اللاجئين". وبسبب هذا العجز، قلّص "برنامج الأغذية العالمي" هذا العام من إعاناته الغذائية الشهرية الضئيلة أصلاً، التي تصل قيمتها إلى 7 دولارات [للفرد الواحد]، والتي يستفيد منها آلاف السوريين في المملكة.
وفي الأسابيع الأخيرة، بدا أنّ هذا الوضع اليائس قد تسبّب في نزوح يومي لحوالي 150 لاجئاً سورياً - أو 3,000 نازح شهرياً - يختارون العودة إلى بلادهم الواقعة في أتون الحرب بدلاً من البقاء في الأردن. وفي حين أنه ليس هناك شك في أنّ هذا التدفّق الخارجي هو موضع ترحيب لدى عمان، لكن من غير المرجّح أن يستمرّ هذا الانخفاض في الأرقام. ووفقاً لتقارير صحفية أخيرة، يقاوم الأردن الضغوط الأمريكية رافضاً دخول آلاف اللاجئين السوريين الوافدين من السويداء، وذلك بسبب المخاوف المتعلّقة بالأمن كما يُقال. ونظراً إلى أنّ معظم اللاجئين السوريين يفرّ هرباً من نظام الأسد، من شبه المؤكّد أنّ العمليات العسكرية الروسية القوية، العشوائية على ما يبدو والداعمة للنظام السوري، سوف تفاقم المشكلة. وممّا يثير القلق بشكلٍ خاصّ بالنسبة إلى عمان هو احتمال أن تؤدي حملةٌ روسية في الجنوب السوري إلى إشعال فتيل هجرةٍ جماعية نحو الحدود الأردنية.
قرار الكونغرس بشأن الأردن
وسط التركيز على اللاجئين والقدس، اتّخذ الكونغرس الأمريكي في الأسابيع الأخيرة عدداً من الخطوات لمساعدة الأردن على الصمود في وجه العاصفة بشكلٍ أفضل. وقد تمّ على سبيل المثال تمرير قرار مجلس النواب رقم 907، المعروف باسم «قانون التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والأردن» لعام 2015، وذلك في شهر أيلول/ سبتمبر المنصرم. ونظراً لأنّ الأردن يحظى بدعمٍ نادرٍ من الحزبين [الديمقراطي والجمهوري] في الكونغرس، من المرجّح أن يمرّر مجلس الشيوخ بسهولة مشروع القانون الذي يرفع وضع الأردن في «قانون مراقبة تصدير الأسلحة» إلى مصاف وضع "حلف شمال الأطلسي" وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وإسرائيل ونيوزيلندا. وعندما يُسنّ هذا القانون، سيتيح من جملة عددٍ من الأمور تبسيطَ عملية شراء الأسلحة، وفتح آفاق جديدة للتعاون الدفاعي الثنائي، والحدّ من المتطلّبات البيرقراطية وشروط الإبلاغ التي تصرّ عليها وزارة الدفاع الأمريكية، والمتعلّقة بإجراء التدريبات مع الأردن.
وبالترادف مع هذه المبادرة التشريعية الأمريكية، تطلب عمان من الكونغرس والإدارة الأمريكية تقديم المزيد من المساعدات العسكرية للسنة المالية 2016/2017، لتشمل مروحيات من طراز "بلاك هوك" (لدى الأردن ثمانٍ منها فقط قيد الخدمة) ومناظير متطوّرة للرؤية الليلية، وربّما أيضاً عدداً من الطائرات المسلّحة بدون طيار. ومن شأن هذه الأسلحة أن تساعد المملكة الهاشمية على التعامل مع التهديدات الإرهابية والأمنية الناشئة على الحدود. وإذا وافقت الإدارة الأمريكية على هذا الطلب، فإنّها سترفع خط الأساس الحالي للمساعدات الاقتصادية والعسكرية وضمانات القروض التي تؤمّنها واشنطن للمملكة، إلى أكثر من مليار دولار سنوياً. تجدر الإشارة إلى أن سعر المروحية الواحدة من طراز "بلاك هوك" يبلغ 17 مليون دولار، وهي إذاً ليست رخيصة. ولكن، نظراً للتهديد الوافد من سوريا، من المستبعد أن يعارض الكونغرس والإدارة هذا الطلب. أمّا التحدي الأكبر أمام التسليم على المدى القصير، فقد يكون توافر هذه المروحيات.
المحصلة
على الرغم من أنّ سفك الدماء في القدس يشكّل تهديداً أقلّ قرباً، إلّا أنّه يزعزع بشكلٍ متزايد العلاقات العامة بالنسبة إلى الملك. فقد يؤدّي العنف في القدس، الذي أصبح يشكّل إحراجاً للملك عبد الله، إلى إثارة السخط الشعبي في النهاية تجاه معاهدة تعزّز في نواحٍ أخرى علاقةً مثمرة للغاية مع إسرائيل قوامها الدفاع وتبادل المعلومات الاستخباراتية. ويطال هذا الأمر أيضاً العصب التاريخي لدى الهاشميين، الذين تولّوا حتى عام 1925 إدارة المواقع الإسلامية المقدّسة في مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة. وفي هذا الصدد، لا شكّ في أنّ المحادثة الهاتفية في 17 أيلول/ سبتمبر بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الأمريكي باراك أوباما، والتي ناقشا فيها "التصعيد الإسرائيلي" في القدس، قد قوبلت من جانب عمان بازدراءٍ كبير.
وإذا ما وضعنا هذه الديناميات جانباً، تُعتبر التطوّرات في القدس قضية ثانوية نسبياً بالنسبة إلى الأردن إذا ما قورنت بأزمة اللاجئين السوريين. وفي ظلّ التدخّل العسكري الروسي، قد يمسي احتشاد اللاجئين على الحدود الأردنية أكثر سوءاً. وتشير التشريعات الأردنية الجديدة أمام البرلمان لإصلاح النظام الانتخابي المعقّد للغاية في المملكة إلى أنّ الملك أصبح الآن مرتاحاً لتحييد جماعة «الإخوان المسلمين»، التي شكّلت تقليدياً أقوى أقطاب المعارضة السياسية الداخلية للعاهل الأردني. لكنّ الخطر الذي يشكّله تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») أو «الدولة الإسلامية» بأيديولوجيته من وراء الحدود - إن لم يكن خطر الجهاديين أنفسهم - لا يزال مصدر قلقٍ كبير، لا سيما في ظلّ التحديات الاقتصادية التي يفرضها اللاجئون.
وفي حين أنّ سياسة "الصبر الاستراتيجي" التي تنتهجها إدارة أوباما - والتي تسمح للروس والإيرانيين بالغوص في المستنقع السوري - قد تمثّل الخيار الأنسب، إلّا أنّها لن تفعل شيئاً يُذكر لحماية الأردن إذا ازداد الوضع تدهوراً. وبالإضافة إلى تمرير «قانون التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والأردن» وتأمين المعدات العسكرية الإضافية، من الحكمة أن تزيد واشنطن دعمها الإنساني للمملكة للمساعدة في التخفيف من عبء أزمة اللاجئين الطويلة الأمد. والأهمّ من ذلك، ينبغي على واشنطن أن تتغلب على تردّدها، قبل تحرّك روسيا المتوقّع نحو الجنوب السوري، فتبدأ بإنشاء تحالف، وتلتزم علناً بإنشاء ودعم منطقةٍ آمنة لإيواء اللاجئين في جنوب سوريا. فضلاً عن ذلك، يمكن أن تعزّز الولايات المتحدة استقرار الأردن من خلال تقديم المساعدة للاجئين الحاليين في المملكة، والحدّ من احتمالات تدفق موجة هائلة أخرى من المهاجرين. فالمساعدات الأمنية وحدها، على الرغم من قيمتها الملحوظة، قد لا تكون كافيةً للحفاظ على أكثر شركاء واشنطن العرب موثوقيًة.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.