- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
القمة الإيطالية الإفريقية 2024: واجهة للشراكة؟
فيما تطمح روما إلى أن تكون منفذًا لدخول الغاز الطبيعي من أفريقيا إلى الأسواق الأوروبية، يكتنف "خطة ماتي" غموض بشأن ما يمكن أن تحققه أفريقيا من مكاسب في هذا المجال من حيث التنمية.
على الرغم من التفاؤل الذي ظهر في القمة الإيطالية الإفريقية التي استضافتها الحكومة الإيطالية في روما يومي 28 و29 كانون الثاني/يناير، والتي جمعت ممثلين من أكثر من 25 دولة إلى جانب قيادة الاتحاد الأوروبي، برزت صعوبة لإخفاء التناقضات الأساسية المرتبطة بالحدث. فقد أعلنت إيطاليا، بقيادة رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني، عن طموحها بـ "العمل من أجل تنمية أفريقيا في إطار شراكة جديدة بين أنداد". لكن يبدو أن هذا التصريح يتأرجح بين الآمال الساذجة والمكر السياسي، ما يوحي لبعض المراقبين أن هذا الوعد بـ "شراكة بين أنداد" ينم عن خداع وليس عن صدق.
فيما تطمح روما إلى أن تكون منفذًا لدخول الغاز الطبيعي من أفريقيا إلى الأسواق الأوروبية، يكتنف "خطة ماتي" غموض بشأن ما يمكن أن تحققه أفريقيا من مكاسب في هذا المجال من حيث التنمية. ففي مثل هذا الجو الحافل بالوعود الطموحة وواقع المصالح السياسية والانتخابية الأوروبية قصيرة المدى، قد يتبين أن القمة الإيطالية الإفريقية تشكل فصلًا جديدًا من قصة العلاقة الأوروبية الإفريقية القائمة منذ وقت طويل، حيث تخفي الخطابات الواعدة بالمساواة والشراكة في الكثير من الأحيان ديناميكيات القوة غير المتوازنة والمصالح المتباينة.
من ناحية، تؤكد إيطاليا بقيادة ميلوني وائتلافها الشعبوي اليميني المتطرف رغبتها في المساهمة في تقدم أفريقيا تحت ستار التعاون المتجدد والمتوازن. فالمبادرة الرائدة للحكومة الإيطالية تهدف إلى تعبئة 5.5 مليار يورو لخطتها المقترحة للتنمية الإفريقية على مدى السنوات الخمس إلى السبع المقبلة من خلال الجمع بين ملفات التعاون الإيطالية وصندوق تغير المناخ الخاص بالبلاد، وهو الأمر الذي تعارضه بشدة أحزاب المعارضة الإيطالية.
لكن هذه الوعود تُقابل بالتشكيك، ويعرب عدد من البلدان الإفريقية عن استيائهم مما يعتبره تدخلًا أوروبيًا أو فرضًا للإرادة الأوروبية، على الرغم من سعيهم إلى الحصول على الدعم المالي والاقتصادي الأساسي. يعتبر العديد من الزعماء الأفارقة أن وعود ميلوني واهية. فمن ناحية، طورت إيطاليا خطتها الخاصة بأفريقيا بدون مساهمة من القيادة الإفريقية. بالإضافة إلى ذلك، لا تكفي الأموال التي تم التعهد بها لتوفير حلول مستدامة وطويلة الأجل للعديد من القضايا التي تواجهها القارة. على الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أبدتا دعمهما من خلال التزامات مالية كبيرة، إلا أن القيمة المضافة لهذه القمة والوفاء بوعودها لا يزالان غير مؤكدين.
إن النية المعلنة لإيجاد أوجه تآزر (وتمويل إضافي) مع برامج أخرى، مثل البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي، تثير تساؤلات حول جدوى وصدق الالتزامات التي تم التعهد بها في سياق يسود فيه عدم اليقين بشأن النوايا والنتائج الملموسة. كما أن احتياجات الطاقة تقع بشكل ظاهر في قلب المبادرة، كما يبين بوضوح الدور البارز الذي تلعبه شركة الطاقة الإيطالية العملاقة "إيني" في الخطة.
مكافحة الأسباب الجذرية للهجرة لا تزال أساسية
سبق أن استكشف لاعب أوروبي آخر، وهو ألمانيا، نهجًا مماثلًا ورفضه في نهاية المطاف نظرًا لفشله في تحقيق النتائج المتوقعة. فبرلين سعت إلى تطوير سياسة جديدة تجاه أفريقيا، بشكل مستقل عن الاتحاد الأوروبي أو فرنسا، نظرًا لسمعة فرنسا السيئة كقوة استعمارية سابقة. وفي هذه المحاولة الرامية إلى تجديد العلاقات مع أفريقيا، أكدت ألمانيا لشركائها الأفارقة أنها قد لاحظت الأخطاء التي ارتكبها الفرنسيون، وأن برلين ستطبق نهجًا عقلانيًا ومنهجيًا في سياستها مع تجنب التدخل الأبوي.
كان طموح ألمانيا في ذلك الوقت "جديرًا بالثناء" من حيث الشكل مثل ذاك الذي تعرب عنه ميلوني اليوم، من حيث دعوته إلى إنهاء حقبة مساعدات التنمية التقليدية وتفضيله توجيه الاستثمارات الخاصة نحو دعم مصادر الطاقة المتجددة والحفاظ على البيئة. لكن أزمة الهجرة تشكل الخلفية الكامنة باستمرار وراء هذه النهج، ومن هنا سعت ألمانيا إلى تأسيس نوع جديد من التعاون قادر على إبقاء المهاجرين المحتملين الشباب في بلدانهم الأصلية. بالتالي، وإلى حد كبير من أجل وقف تدفق الهجرة، قامت الحكومة الألمانية بصياغة استراتيجيتها الإفريقية الجديدة، بحيث شجعت بشكل أساسي الشركات الألمانية على الاستثمار في أفريقيا. ولكن كما هي الحال مع إيطاليا، كان وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا هو الدافع الأساسي وراء تعاون ألمانيا مع أفريقيا. وكما هو الحال مع "خطة ماتي" المقترحة، حال هذا التركيز الأحادي على أزمة الهجرة دون التوصل إلى نهج شامل متعدد الأبعاد يمكنه معالجة القضايا الأساسية التي تحفز على الهجرة من أفريقيا.
ويبدو أن حكومة ميلوني لم تستوعب هذا الدرس، إذ استمرت بإعطاء الأولوية للهجرة على قضايا أخرى. فقد تم تجديد اتفاقية مثيرة للجدل بشأن الهجرة بين إيطاليا وليبيا تلقائيًا لمدة ثلاث سنوات وسط تحذيرات من المنظمات الإنسانية من أن ذلك قد يجعل روما والاتحاد الأوروبي متواطئين في جرائم ضد الإنسانية. وتم تجديد مذكرة التفاهم بشأن الهجرة، الموقعة في 2 شباط/فبراير 2017، لتزويد السلطات الليبية بالدعم المالي والفني من أجل "مكافحة الهجرة غير الشرعية"، تلقائيًا للمرة الثانية في عام 2022.
سياق جيوسياسي يفضي إلى التجديد
إن الأزمنة تتغير، ولم يعد السياق الدولي يفضي إلى مشاحنات غير مثمرة ومبادرات رمزية. فالحكومة الألمانية الحالية باتت تدرك على ما يبدو اليوم ضرورة إجراء نقلة نوعية في العلاقات الأوروبية الإفريقية. ففي بيان صدر مؤخرًا، قدمت وزيرة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية، سفينيا شولز، استراتيجية ألمانية منقحة للقارة الإفريقية، قائلةً إن "أفريقيا تنمو وتتغير بشكل هائل. وتطورها سيحدد شكل القرن الحادي والعشرين، وبالتالي مستقبل ألمانيا وأوروبا أيضًا". ويشير هذا الاتجاه الاستراتيجي الجديد إلى اعتزام ألمانيا استعطاف الاتحاد الأوروبي من خلال الانخراط في مبادراته الأوسع تجاه أفريقيا بدلًا من ملاحقة مسار مستقل. ويعكس هذا التحول أيضًا رغبة في إحداث تحول جذري في العلاقات بين أوروبا وأفريقيا من خلال تجاوز الإرث الاستعماري ومعالجة الخلل التاريخي في توازن القوى بين القارات.
في الواقع، إذا كان زعماء الاتحاد الأوروبي الذين حضروا قمة ميلوني في روما صادقين في اهتمامهم بأفريقيا، ولا يسعون فحسب إلى الظهور والترويج لأنفسهم قبل الانتخابات الأوروبية، يتعين عليهم محاكاة التعديل الاستراتيجي الذي أجرته ألمانيا والتركيز على معالجة اختلال توازن القوى بين القارتين.
ويتعين على الأوروبيين أن يدركوا أن الاعتماد المفرط على الروابط التاريخية والجغرافية، الذي يُفترض أن يمنحهم ميزة في مواجهة منافسين مثل الصين أو الهند أو تركيا، يمثل تفسيرًا خاطئًا استراتيجيًا للحالة الراهنة للعلاقات الأوروبية الإفريقية. في الواقع، أقامت العديد من الدول الإفريقية علاقات مهمة ليس فقط مع الصين وتركيا، بل وأيضًا، على نحو مدهش بعد الحرب في أوكرانيا، في مجال التعاون العسكري مع روسيا. وترددت العديد من البلدان الإفريقية في اتخاذ موقف واضح من نزاع ينطوي على مثل هذه الرهانات الأخلاقية الواضحة، الأمر الذي صدم كثر في الغرب، ولكن ينبغي أن يشكل دعوة للاستيقاظ مفادها أن البلدان الأفريقية لا تشعر بأنها ملزمة بدعم أوروبا تلقائيًا.
وإذا كان هدف أوروبا يتلخص حقًا في دعم التنمية المستدامة وطويلة الأمد في أفريقيا، يتعين عليها تجاوز الخطاب المتعلق بالنفط والغاز، والذي تجسده حتى تسمية "خطة ماتي"، تكريمًا لمؤسس شركة النفط الكبرى في إيطاليا "إيني". ولكي تصبح أوروبا شريكًا استراتيجيًا فعليًا للقارة الإفريقية، كما أشارت الخبيرة لوريلا ستيلا مارتيني من مركز أبحاث "إيكو"، يجب أن تركز على الفرص التي توفرها التنمية الخضراء والتحول في مجال الطاقة، والتي ستكون كذلك أكثر انسجامًا مع "الصفقة الأوروبية الخضراء" الخاصة بها.
أفريقيا تحتاج إلى نسج تحالفاتها الخاصة
اليوم، تسعى العديد من الدول الإفريقية إلى التحرر من دورها التقليدي في السياسة العالمية وتبني موقف استباقي. فالدول باتت ترغب في اختيار شركائها بشكل مستقل من دون الانجرار إلى تحالفات يمليها الآخرون. وتجدر الإشارة إلى أن الانتقادات التي وجهها وزير الخارجية التونسي إلى المجموعة الأوروبية عندما اتهمها بأنها تعاني "من شعور بالتفوق وتعتقد أنها نموذج يجب اتباعه بينما هي في الواقع أقلية"، يجب أن تفهم في هذا السياق. وعلى الرغم من أن كثر في المنطقة قد يتشاركون هذا الشعور، حان الوقت لتجاوز هذه التصريحات غير المثمرة ورؤية أوروبا على حقيقتها، كفرصة لتنمية القارة ومواجهة التحديات العالمية معًا. وكما قال الكاتب المالي أمادو همباطي با عن حق: "لا ينبغي للشراكات بين الأمم أن تكون مرايا تعكس أوجه تفاوت الماضي، بل نوافذ مفتوحة على آفاق المستقبل المشترك".
وهناك مجال كبير لتصور هذا المستقبل المشترك، إذ أن مصير أوروبا متشابك مع مصير أفريقيا ومرتبط به ارتباطًا وثيقًا. حاليًا، يعتبر الاتحاد الأوروبي ذاته الشريك التجاري الرئيسي لأفريقيا، بحيث تتركز فيه أكثر من 30 في المائة من التبادلات التجارية الخارجية للقارة. وفي الوقت عينه، تحتاج أوروبا، في سعيها إلى تنويع مصادر الطاقة، إلى أفريقيا لتزويدها بإمدادات الغاز الطبيعي. ومع الإعلان عن الاستغلال الوشيك لحقول الغاز الشاسعة قبالة ساحل أفريقيا الغربي، بما في ذلك الاحتياطيات التي تقدر بنحو 2.83 تريليون متر مكعب بين السنغال وموريتانيا، تبرز أفريقيا كلاعب رئيسي في هذا القطاع. ويمكن أن تصبح الجزائر، التي تحتل المرتبة العاشرة بين أكبر منتجي الغاز في العالم، إلى جانب نيجيريا وأنغولا ومصر وليبيا، محاور أساسية لتقليل الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.
لكن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب تنسيقًا متبادلًا. يتعين على أفريقيا معالجة الفساد وسوء الإدارة المستمرين في القارة، وهي آفات لطالما أهملتها الدول الغربية، بل واستغلتها في بعض الحالات. وينبغي بأوروبا من جانبها أن تعترف بنفوذ أفريقيا المتزايد على الساحة العالمية وتدعمه من خلال مواءمة إجراءاتها مع الأولويات الإفريقية من دون المساس بالقيم التي ترتكز عليها، ألا وهي احترام كرامة الإنسان، والحرية، والديمقراطية، والمساواة، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق الأقليات.
ولا يمكن لهذه الديناميكية أن تزدهر إلا من خلال الالتزام المتناغم من جانب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو شرط أساسي للتآزر مع الرؤى الشاملة للمفوضية الأوروبية. فأي استراتيجية أحادية لدولة عضو، تركز في المقام الأول على إدارة الهجرة في سياستها الإفريقية، محكوم عليها بطبيعتها بالفشل. وقد تجلى ذلك بشكل خاص في مذكرة التفاهم بشأن الهجرة، التي قادتها رئيسة الوزراء الإيطالية. وعندما بدأ التفاوض على تفاصيل تنفيذ سياسة مكافحة الهجرة، تراجعت تونس قائلةً إنها لا تستطيع أن تكون بمثابة خفر سواحل للاتحاد الأوروبي.
يُخشى أن تكون "خطة ماتي" مجرد امتداد لهذه المذكرة، بحيث تحوّل الزعماء الأفارقة المجتمعين في روما إلى مجرد خفر سواحل للاتحاد الأوروبي مقابل عدد قليل من المشاريع الصغيرة في مجال الطاقة المتجددة، أو حتى الغاز. فهذا التوجه لا يهدد بتقويض عمق العلاقات الأوروبية الإفريقية وغناها فحسب، بل يحصر أيضًا أدوار رؤساء الدول الإفريقية بالأدوار الهامشية، بعيدًا عن التعاون المتوازن الذي يحقق منفعة متبادلة والذي ينبغي أن يميز العلاقات بين القارتين. فضلًا عن ذلك، تثير هذه الصفقة مخاوف جدية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، بحيث تدرك السلطات الإيطالية تمام الإدراك أن الأدوات التي قد تكون في صدد توفيرها ستلعب دورًا أساسيًا في ارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا وتونس. تم تجديد مذكرة التفاهم بشأن الهجرة، الموقعة في 2 شباط/فبراير 2017، لتزويد السلطات الليبية بالدعم المالي والفني من أجل "مكافحة الهجرة غير الشرعية"، تلقائيًا للمرة الثانية في عام 2022. وجاء هذا التجديد وسط تحذيرات من المنظمات الإنسانية من أن ذلك قد يجعل روما والاتحاد الأوروبي متواطئين في جرائم ضد الإنسانية.
إن تنفيذ "خطة ماتي" يضفي الشرعية على سياسة ميلوني العنصرية المناهضة للهجرة ويبرّئ ترحيل آلاف المهاجرين إلى الصحراء الليبية، حيث يتعرضون للابتزاز وسوء المعاملة والقتل.
لا ينبغي بأفريقيا أن تتحول ببساطة إلى منطقة احتجاز لإيطاليا. وبالنسبة للعديد من المراقبين الأفارقة، تبدو "خطة ماتي" في الوقت الحالي بشكل متزايد وكأنها اقتراح فاشي الطابع حيث تقوم جورجيا ميلوني بضخ الغاز الإفريقي بشكل متهور وترحيل المهاجرين بلا مبالاة.