لم يعلّق خامنئي على استئناف المحادثات النووية منذ تموز/يوليو، لذلك لا يمكن تقييم أفكاره المحدّدة حول الوضع الحالي لمجريات الأمور المتعلقة بإحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة». وستكون مقاربة المفاوضين الإيرانيين والشروط المسبقة التي يطرحونها في اليوم الأول من اجتماعات فيينا إشارة جيدة لما إذا كان النظام على استعداد لتجاوز الخطاب المتشدد وراء الأبواب المغلقة والموافقة على تسوية أم لا.
بعد توقف دام أشهر، ستُستأنف المفاوضات النووية الإيرانية في 29 تشرين الثاني/نوفمبر في محاولة لإحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة». ولتمهيد الطريق لاجتماعات فيينا، نشرت الصحيفة الرسمية لحكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي افتتاحية في 14 تشرين الثاني/نوفمبر بعنوان "عملية هزيمة العقوبات". وشدد المقال على أن إيران تنتهج مقاربة جديدة تجاه الغرب منذ بعض الوقت تتمثل في توسعة نطاق تخصيب اليورانيوم وغيرها من الأنشطة النووية من أجل وضع الكرة في ملعب المجتمع الدولي وفرض إجابات عملية للمأزق. وتتواف هذه الاستراتيجية مع خطاب المرشد الأعلى علي خامنئي خلال الأشهر الأخيرة والذي أشار إلى تردده في العودة إلى إطار عمل «الخطة».
إذاً، ما الذي يعتبره المسؤولون الإيرانيون بمثابة اتفاق جيد؟ إذا كانت افتتاحية الحكومة تمثل أي مؤشر، فقد تحافظ الشروط التي سيقدمونها الأسبوع المقبل على طابع مبالغ فيه، مع تكرار كبير للمطالب السابقة وإضافة بعض المطالب الجديدة التي قد تكون حتى أكثر تشدداً.
المطلب الأول: يجب أن تركز المفاوضات فقط على رفع العقوبات. لطالما كانت إيران مصرة على رفض مناقشة أنشطتها في المنطقة أو برامجها الصاروخية في إطار المفاوضات النووية. غير أن الافتتاحية ذهبت أبعد من ذلك بقليل من خلال التشديد على أن النظام لن يتفاوض بعد الآن حول أنشطته النووية أيضاً. بدورها، صوّرت البيانات الإيرانية الأخيرة على نحو متكرر محادثات فيينا على أنها منتدى لمناقشة رفع العقوبات فقط، إما مقللةً من شأن أنه لا بدّ من أن تشمل المناقشات أيضاً قضايا مثل تخصيب اليورانيوم أو متجاهلةً هذا الواقع. على سبيل المثال، صرّح كبير المفاوضين الإيرانيين في المحادثات النووية علي باقري كني لقناة "الجزيرة" في 22 تشرين الثاني/نوفمبر بأنه لا يوجد سبب يدعو إيران إلى وقف أنشطتها النووية التي تخالف «خطة العمل الشاملة المشتركة» ما لم "يُظهر الطرف غير الممتثل التزامه بها"، في إشارة إلى انسحاب واشنطن من الاتفاق في عام 2018.
ونظراً إلى التقدّم النووي الملحوظ الذي حققته طهران خلال العام الماضي، فإن رفض التفاوض بشأن هذه الأنشطة إلى حين رفع كافة العقوبات قد يكون غير مجدٍ نظراً إلى أهداف الغرب القصوى المتمثلة بعدم انتشار الأسلحة النووية. وربما يكون موقف طهران مجرد خدعة تهدف إلى مساعدتها على تقليص نطاق الانعكاسات النووية المطلوبة أو استخدام "التسويات" الدنيا كأوراق تفاوضية. ومع ذلك، إذا رفض المسؤولون الإيرانيون حقاً تغيير رأيهم في هذا الصدد، فقد يشير ذلك إلى أنهم يستأنفون محادثات فيينا فقط لإضاعة (أو شراء) الوقت وليس للتوصل إلى اتفاق جديد.
المطلب الثاني: على واشنطن التعويض لإيران عن انسحابها من «خطة العمل الشاملة المشتركة». خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي في 8 تشرين الثاني/نوفمبر، أصرّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده على أن تقرّ الولايات المتحدة بمسؤوليتها عن الوضع الراهن. وقد ذهبت افتتاحية 14 تشرين الثاني/نوفمبر إلى أبعد من ذلك، معتبرةً أنه على واشنطن تعويض إيران عن خسائرها من أجل بناء الثقة اللازمة بين المفاوضين. وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قد ذكر هذه الفكرة عدة مرات في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك مطالبته في 27 تشرين الأول/أكتوبر بأن تفك واشنطن تجميد 10 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة كبادرة حسن نية لإظهار أن لإدارة بايدن "رغبة حقيقية في رفع العقوبات". وقد يصف بعض المراقبين ذلك على أنه الشرط الافتتاحي في اتفاق مؤقت قائم على مبدأ "الأقل مقابل الأقل" من أجل تخفيف حدة التوترات مع الولايات المتحدة والحدّ من التقدّم النووي الإيراني المستمر قبل إجراء محادثات أوسع نطاقاً. ومع ذلك، فقد رفض المسؤولون الإيرانيون مراراً وتكراراً الاقتراحات الإضافية خلال العام الماضي، مشددين على أن الاتفاق الوحيد الذي سيبرمونه هو رفع كامل للعقوبات، تليه العودة إلى الامتثال بالالتزامات النووية في إطار «خطة العمل الشاملة المشتركة».
المطلب الثالث: يجب رفع كافة العقوبات غير المتعلقة بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة». لطالما شدّدت إيران على أنها تتوقع من واشنطن رفع جميع العقوبات التي "تتعارض مع الاتفاق النووي"، بما في ذلك 1500 عقوبة فردية فرضتها إدارة ترامب بعد انسحابها من «الخطة» عام 2018، فضلاً عن العقوبات غير النووية وغيرها من الإجراءات الأحادية الجانب التي فُرضت في عهد الرئيس أوباما. وفي تموز/يوليو من هذا العام، نشر مكتب المرشد الأعلى مقابلة مع مندوب إيران لدى "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" كاظم غريب آبادي، الذي ادعى أنه خلال الجولات السابقة لمفاوضات فيينا، رفضت الولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة في عهد ترامب عن أكثر من 500 شخص أو غيرها من القيود الرئيسية (على سبيل المثال، أوامر تنفيذية مختلفة تتعلق بحظر توريد الأسلحة؛ و "قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات" لعام 2017).
المطلب الرابع: يجب وضع آلية للتحقق من رفع العقوبات فعلياً. في خطابه في عيد النوروز في آذار/مارس 2021، اتهم خامنئي إدارة أوباما برفع العقوبات "على الورق" فقط خلال السنوات الأولى من «خطة العمل الشاملة المشتركة»، مؤكداً أن واشنطن استمرت في تهديد الشركات وردعها عن التعامل مع إيران. وأمام هذه الخلفية، أقرت افتتاحية 14 تشرين الثاني/نوفمبر بأن رفع كافة العقوبات سيستغرق وقتاً؛ كما ذكرت أن طهران قد تسمح لهيئة محايدة بالإشراف على عملية التحقق، وأشارت إلى أن قدرة البلاد على شراء/بيع النفط وتحويل احتياطياتها من العملات الأجنبية محلياً ستكون بمثابة مؤشرات جيدة على فعالية العملية. ومجدداً، يبدو أن طهران تتوقع تبلور كل هذه العمليات والضمانات قبل العودة إلى التزاماتها النووية.
في أيلول/سبتمبر، قام "مركز أبحاث المجلس" بتفصيل الكيفية التي يجب أن تكون عليها آلية التحقق هذه. وأوصى بأن يتمّ تحديد رفع العقوبات بشروط كمّيّة وإعادة تقييمها على أساس متواصل، بحيث يمكن لإيران أن تقرر ما إذا كانت ستواصل التزامها بالاتفاق أو تقلّص التزاماتها من جديد. ثم اقترح التقرير قائمة طويلة من المؤشرات لتحديد مستوى امتثال واشنطن، مثل بيع مليوني برميل نفط يومياً كحد أدنى. وقدّر تقرير صادر عن المركز نفسه في نيسان/أبريل أن تستغرق عملية التحقق الأولية ما بين ثلاثة وستة أشهر.
المطلب الخامس: على واشنطن تقديم ضمانات بأنها ستمتثل للاتفاق الجديد. في تموز/يوليو، أفاد خامنئي أن السلطات الأمريكية رفضت تقديم ضمانات حول "امتثالها لالتزاماتها في المستقبل"، وكرّر المسؤولون الإيرانيون هذه النقطة خلال الأيام الأخيرة. وقد شدّدت افتتاحية 14 تشرين الثاني/نوفمبر بشكل صارم على الحاجة إلى مثل هذه الالتزامات الأمريكية. وفي 12 تشرين الثاني/نوفمبر، أوضح عبد اللهيان أن التصنيفات الأمريكية الأخيرة لكيانات إيرانية جعلت تقديم واشنطن ضمانات موضوعية "ضرورة محتومة". وفي اليوم السابق، أشار باقري كني إلى أنه سيتعين على الحكومات الأوروبية ضمان تعاملها مع إيران بغض النظر عن الموقف الأمريكي، مما يشير إلى أنها قد تستخدم نوعاً من التشريعات المانعة لإبطال مفاعيل أي عقوبات أمريكية ناتجة عن ذلك على الشركات الأوروبية.
ومن المفترض أن يدرك المسؤولون الإيرانيون أن واشنطن ستواجه صعوبات في تلبية هذا المطلب. وينبع تبريرهم لهذا التشديد على الأرجح من الرغبة في زيادة تكلفة أي انسحاب أمريكي مستقبلي مع تقليل التأثير على طهران. على سبيل المثال، ألمح غريب آبادي في تموز/يوليو إلى أن إيران طلبت من واشنطن منح الشركات "فترة زمنية معقولة" لمواصلة العمل في الجمهورية الإسلامية في حال فرض عقوبات أخرى، مشيراً إلى أن المسؤولين الأمريكيين قد رفضوا الفكرة. وبالمثل، أشار "مركز أبحاث المجلس" إلى أن المفاوضين يجعلون واشنطن تتخذ خطوات "لتقليل مخاطر التجارة مع إيران".
التداعيات
ما أن تبدأ المفاوضات، سيتضح ما إذا كانت اللغة الصارمة في افتتاحية 14 تشرين الثاني/نوفمبر هي مجرد استعراض أو تمثل موقف طهران الفعلي. ولم يعلّق خامنئي على استئناف المحادثات منذ تموز/يوليو، لذلك لا يمكن تقييم أفكاره المحدّدة حول الوضع الحالي لمجريات الأمور إلّا من منظور خطاب حكومة رئيسي. وستكون مقاربة المفاوضين الإيرانيين والشروط المسبقة التي يطرحونها في اليوم الأول من اجتماعات فيينا إشارة جيدة لما إذا كان النظام على استعداد لتجاوز الخطاب المتشدد وراء الأبواب المغلقة والموافقة على تسوية أم لا.
وفي جميع الأحوال، من المحبط ألا تكون طهران قد فعلت الكثير لتحضير الشعب الإيراني لاحتمال تراجع تقدمه النووي الدعائي في أغلب الأحيان. بل على العكس، يمكن أن يؤدي خطابها إلى تعقيد السعي الصعب أساساً للتوصل إلى اتفاق جديد من خلال التلميح للجماهير المحلية بأن إيران ليست بحاجة إلى أن تتحرك ساكناً على طاولة المفاوضات لضمان تخفيف العقوبات.
عومير كرمي هو زميل زائر سابق في معهد واشنطن.