- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الرد على اتفاق "إبراهيم" يشير إلى تضاؤل دور القدس في الخطاب الإرهابي السني
نظرًا لأهمية الدور الذي لعبته القدس في الخطاب العام للعديد من المنظمات الإرهابية السنية في الماضي، قد يتوقع المرء أن يكون الرد على اتفاق إبراهيم من قبل هذه المنظمات قوياً وصارخا. ومع ذلك، ومما يثير الدهشة هو تجاهل المنظمات الإرهابية السنية الرئيسية إلى حد كبير للاتفاق حيث أشارت إليه فقط بشكل عابر. وفي المقابل، استمر أردوغان وغيره من الجهات الإسلامية الفاعلة في إظهار مدى ارتباط هويتهم العامة بالقضية محاولين استغلالها كأداة مفيدة في مساعيهم المستمرة للحصول على الشعبية الإقليمية.
كما حذرت قيادة تنظيم "داعش" من الإفراط في التأكيد على إعادة السيطرة على المسجد الأقصى تحت القيادة الإسلامية لبعض الوقت. وبالمثل، ركزت الجماعات الجهادية السلفية بشكل ضئيل نسبيًا على القضية الفلسطينية بعد توقيع الاتفاق.
شرعت معظم التنظيمات الإرهابية السنية في نشر تقارير إخبارية غير ملحوظة مستخدمة ذات اللغة التي تستخدمها مواقع الممانعة. وبالنظر إلى الاعتراضات الفلسطينية العميقة على الاتفاق – الذي وصفته بعض القيادات الفلسطينية على أنه طعنة في ظهر الفلسطينيين - فإن ردود المنظمات المتطرفة كانت صامتة بشكل مثير للفضول خاصة إذا أخذنا في الاعتبار الدعم الصريح الذي قدمته الجماعات السلفية الجهادية للقضية الفلسطينية في الماضي.
حتى الآن، لم يولي تنظيم "داعش" اهتماما أكبر لاتفاقية إبراهيم في منشوراته الخاصة، فمنذ الثالث عشر من آب /أغسطس والكشف عن "اتفاق إبراهيم"، أصدر التنظيم ثمانية أعداد من إصداره النبأ، ولم يتطرق للاتفاق سوي في عدد واحد. وفي حين تناول التنظيم اتفاق إبراهيم في مقال افتتاحي في جريدة النبأ، لم تتطرق أي منظمة إرهابية أخرى للاتفاق بصورة رسمية. وعند مقارنة الدعم العلني وغير المسبوق الذي وفرته تلك التنظيمات للقضية الفلسطينية في الماضي، بردود الأفعال الغاضبة على قرار ترامب لعام 2017 بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فان موقف تلك التنظيمات الصامت بات ملحوظا للغاية.
يمثل تنظيم القاعدة مثال رائع آخر، فتنظيم القاعدة الذي تعج أدبياته بالقضية الفلسطينية، والتي كانت من ثوابت انطلاقه، والذي أسرع داعياً المسلمين في كافة الأرجاء بالتحرك صوب القدس، في كانون الأول/ ديسمبر 2017- عندما أعلنت الإدارة الامريكية عزمها على نقل سفارتها الى القدس، انتظر أكثر من شهر من توقيع اتفاق إبراهيم لإصدار بيان تحت عنوان "بشأن تطبيع صهاينة العرب مع اليهود". وعلى الرغم من أن هذه الوثيقة تدين صراحة دول الخليج باعتبارها مسؤولة عن "البيع الكامل للقضية الفلسطينية"، إلا أنها تدعوا إلى حملة أوسع "لاستهداف الصهاينة - اليهود وغير اليهود - أينما كانوا، في شبه الجزيرة العربية أو في مناطق أخرى من العالم الإسلامي". كما دعت إلى التمرد داخل هذه البلدان نفسها "للإطاحة بأنظمتها الاستبدادية" عوضاً عن استهداف القدس على وجه التحديد.
إضافة إلى ذلك، أصدر تنظيم القاعدة بيان بإسم "قاعدة الجهاد بجزيرة العرب"، حمل عنوان "بيان حول ما تناقلته وسائل الإعلام من إنشاء قاعدة عسكرية إسرائيلية في جزيرة سقطرى"، حيث ركز البيان على شائعة بناء الإمارات وإسرائيل لقاعدة تجسس في جزيرة سقطرى اليمنية، وأنطلق منها في انتقاد الإمارات، وليس اتفاقية السلام والموقف بالنسبة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وبالمثل، سارعت حركة الشباب المجاهدين الصومالية أيضا في الرد على موقف ترامب 2017 عام، ببيان قوى تحت عنوان "الملتقى بيت المقدس"، دعت فيه المسلمين للجهاد بالنفس والمال من اجل القدس، ولم تلق بالاً بالإعلان الثلاثي. وفي حين أصدرت وكالة أنباء "شهداء" التابعة لحركة الشباب المجاهدين بيانًا بعنوان "بيت المقدس نقطة التقاء"، يدعو المسلمين إلى الجهاد بحياتهم وأموالهم من أجل القدس، امتنع البيان عن أي ذكر لاتفاق إبراهيم.
كما لم تصدر هيئة تحرير الشام السورية بيانًا رسميًا بشأن الاتفاق، وذلك على الرغم من نشرها بيانا سابقا حول إعلان القدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017، جاء فيه "وإننا في الشام نعبر عن وقوفنا مع قضية القدس، لأنها قضية كل المسلمين والأحرار والشرفاء في العالم... ولكن الطريق إلى القدس تبين أنه الطريق إلى كل مدينة سنية في سوريا في الوقت الذي ينعم فيه "الإسرائيلي" بالأمان، تعيش مدن الشام ويلات تدمير النظام وحلفائه لها".
كل هذه التنظيمات تعاملت مع القرار الأمريكي السابق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس على انه فرصة رئيسية للدعاية، فما الذي يجعل اتفاق إبراهيم مختلف؟
الحقيقة أن موقف تنظيم "داعش" من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والقدس والمسجد الأقصى، كان واضحا منذ البداية، كما أن رد فعل التنظيم على اتفاقيات إبراهيم يعكس ذلك التاريخ، حيث استنكر التنظيم في الماضي فكرة التذرع وتكريس قضية المسجد الأقصى على حساب مشاكل أخرى أكثر أهمية للأجندة السلفية الجهادية. وفي هذا الصدد، يتماشى الموقف الداعشي مع آراء ابن تيمية (توفي 1328م)، المرجع الرئيسي لدي السلفية الجهادية. وفي هذا الصدد، يرى التنظيم أن "الجهاد المشروع يكون بقتال اليهود في فلسطين وبقتال الطواغيت وأتباعهم من المرتدين في كل مكان في الوقت نفسه، وكذلك الصليبيين، وكل المشركين في العالم، أما حصر الجهاد باليهود فقط فهو تبديل لشرع الله، واتباع لأهواء الطواغيت الذين يريدون منع المسلمين من جهاد المشركين والمرتدين في البلدان التي يحكمونها".
ومع ذلك، قد يكون السبب وراء ذلك أيضًا أن القضية الفلسطينية ببساطة لم تعد أداة فعالة للخطاب العام لهذه الجماعات بعد الآن، ولم تعد تجني ثمارها من حيث الحشد والتأييد بالنسبة لتلك التنظيمات في السنوات الماضية، وهذا ما دلل عليه توماس هيغامر وآخرون، بكون تمثيل الفلسطينيين في القاعدة ضئيل مقارنة بغيره من الجنسيات، أو في كون الدعوات التي أطلقتها التنظيمات بعد خطاب الرئيس الأمريكي ترامب، وحث أتباعهم والمؤمنون بأفكارهم، على الجهاد من أجل القدس والقضية الفلسطينية، لم تظهر أي نتائج ملموسة على أرض الواقع.
خارج السلفية الجهادية، ما زالت المتاجرة بالقضية مستمرة من قبل الخطاب الإخواني المتطابق مع خطاب الرئيس التركي أردوغان، حيث لعبت القضية الفلسطينية دورًا تأسيسيًا في خطاب جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها، حيث يتجلى ذلك بوضوح في كتابات مؤسس الجماعة حسن البنا خلال حقبة الثلاثينيات. ومع ذلك، وبعد أن فقدت الجماعة شعبيتها خلال فترة الربيع العربي، صار الخطاب الذي استخدمته الجماعة وسيلة لتحسين صورتها لدى الرأي العام.
وعلى وتيرة الخطاب الإخواني، يمكن قراءة الخطاب الأردوغاني في سياق محاولاته المستميتة للظهور كخليفة للمسلمين، والمدافع عن المسلمين والمقدسات الإسلامية، حيث استغل أردوغان الخطاب المؤيد للفلسطينيين بحرفية، في حين أكد على ارتباط تركيا بالأرض.
ورداً على توقيع اتفاقيات إبراهيم، هدد أردوغان بقطع العلاقات مع الإمارات، وانتقد الدولة الخليجية على "سلوكها المنافق"، وأعلنت وزارة الخارجية التركية في وقت سابق أن القيادة الفلسطينية كانت على حق في رفض الصفقة. لكن أردوغان أكد أيضًا وبشكل ملحوظ على الحقبة العثمانية في القدس قائلا: "في هذه المدينة التي اضطررنا التي اضطررنا لمغادرتها مكرهين دامعي الاعين خلال الحرب العالمية الأولى، لا يزال من الممكن العثور على آثار المقاومة العثمانية. لذا القدس مدينتنا، مدينة منا."
وبصورة عامة، فإن آراء "داعش" حول القيمة المبالغ فيها للمسجد الأقصى بالنسبة للحركة السلفية الجهادية ربما تكون قد انتصرت على النموذج السابق الذي تبنته القاعدة، مما أدى إلى تراجع خطاب المنظمات الإرهابية حول القضية الفلسطينية. وعلى هذا النحو، وفي حين يبدو أن العديد من الجهاديين السلفيين قد فقدوا إيمانهم بالقضية الفلسطينية كأداة خطابية لتعزيز وضمان الدعم لقضيتهم، يرى أردوغان والجماعات الإسلامية أن هناك مصلحة في الاستمرار في تقديم مطالبات تتعلق بالقضية، وهو ما يعكس نموذجا بديلا يتذرع بالقضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب شخصية.