- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2424
الرئيس التونسي يزور البيت الأبيض
في 21 أيار/مايو، سيلتقي الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في واشنطن، في زيارته الأولى للولايات المتحدة منذ انتخابه رئيساً لتونس في كانون الأول/ديسمبر لفترة ولاية أمدها خمس سنوات. وتوّج تشكيل الحكومة الجديدة في تونس ظاهريّاً، التحوّل السياسي الذي أثارته الإطاحة بالرئيس التونسي المستبد السابق الذي شغل منصبه لفترة طويلة، زين العابدين بن علي، في عام 2011. ومع ذلك، فمن أجل ضمان بقاء تونس قصة نجاح، يتوجّب على واشنطن أن تنتهز زيارة السبسي للتشديد بقوة على التزامها المعلن بإرساء شراكة استراتيجية موسعة مع هذه الدولة المتعثرة.
قصة دولتي تونس
في الوقت الذي غرقت فيه معظم بلدان "الربيع العربي" في حالة من الفوضى والعنف، أو عادت إلى الاستبدادية، خرجت تونس من "ثورة الياسمين" واضعة أسس ديمقراطية متينة نسبيّاً. فمنذ عام 2011 اعتمدت دستوراً يحافظ على الحريات المدنية والمساواة بين الجنسين والفصل بين السلطات. وأجرت دورتين انتخابيتين بشكل سلمي، ويعتبر ذلك إنجازاً أساسياً للديمقراطيات الناشئة. بالإضافة إلى ذلك، شرعت تونس في بناء نظام سياسي شامل بمشاركة الإسلاميّين وغير الإسلاميّين. على سبيل المثال، يتكوّن البرلمان الذي انتخب في تشرين الأول/أكتوبر 2014 من ممثلين عن حزب السبسي العلماني "نداء تونس"، وحركة "النهضة" الإسلامية، وحزب "الإتحاد الوطني الحر" المناهض للإسلاميين، بالإضافة إلى ائتلاف من الأحزاب اليسارية المعروفة باسم "الجبهة الشعبية"، وحزب "آفاق تونس" الليبرالي الجديد، ومجموعة كبيرة من المستقلين. وبالمثل، فإن حكومة رئيس الوزراء الحبيب الصيد التي تشكلت في شباط/فبراير، تشمل وزراء إسلاميين وغير إسلاميين. وفي حين لا يوجد قصور سياسي في تونس، فإن القادة السياسيين الإسلاميين وغير الإسلاميين الذين يهمهم الوصول إلى توافق، فضلاً عن المجتمع المدني المزدهر واليقظ، قد ساهموا في بقاء الإنتقال السياسي على المسار الصحيح.
وعلى الرغم من هذه الإنجازات، سيعود السبسي من زيارته إلى البيت الأبيض إلى بلاد تواجه تهديدات اقتصادية وأمنية هائلة ناتجة عن تجربته في التحول الديمقراطي. إذ ما زالت نسبة البطالة تصل إلى حوالي 15 في المائة، وهي أقل من الـ 18 في المائة التي وصلت إليها بعد الثورة، غير أنها لا تزال فوق المستوى التي كانت عليه ما قبل الثورة. أما السياحة التي لطالما كانت تعتبر مصدراً رئيسيّاً لفرص العمل والعملات الأجنبية، فقد شهدت إنخفاضاً بعد عام 2011. وما كادت أن تنتعش إلى حد ما إلى أن وقع هجوم إرهابي فظيع استهدف "متحف باردو" في تونس العاصمة في آذار/مارس هذا العام، تسبب في مقتل واحد وعشرين أجنبيّاً ومواطناً تونسيّاً واحداً. وبالنسبة إلى صناعة الفوسفات التي كانت تعتبر في السابق المصدر الرئيسي الآخر للعملات الأجنبية، فقد خسرت البلاد حوالي ملياري دولار منذ الانتفاضة، ويعود ذلك جزئيّاً إلى إضراب موظفي شركة التعدين العائدة إلى الدولة والذين يصل عددهم إلى 30 ألف موظف تونسي تقريباً. وقد شهدت الأشهر الأخيرة أيضاً عدداً متزايداً من الاحتجاجات والإضرابات عن الطعام والاعتصامات من جانب المجتمعات المهمشة وخريجي الجامعات العاطلين عن العمل الذين يشعرون بالاحباط بسبب غياب الاستثمارات الحكومية وعدم حصولهم على وظائف. وفي بعض الحالات، اشتبك المتظاهرون مع الشرطة، مما أثار احتمال توسّع نطاق الاضطرابات. وبالنسبة إلى عدد من التونسيين، لم تؤدِّ الديمقراطية بعد إلى تحسين مستوى معيشتهم الأساسي.
إلى جانب ذلك، فإن الوضع الأمني يثير القلق بشكل متساوٍ. ففي العام الأول بعد الثورة ظهرت حركة جهادية سلفية وانعكست أعمالها من خلال أنشطة "الدعوة" وأعمال العنف التي قامت بها بعض الجماعات مثل «كتيبة أنصار الشريعة في تونس»، و «كتيبة عقبة بن نافع»، و تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وفي عام 2013، أطلاق جهاديّون النار على سياسيَينْ يساريَينْ بارزَينْ (ومؤخراً أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» مسؤوليته المشكك بها عن الحادثة)، كما أن عناصر من «كتيبة عقبة بن نافع» قتلت ثمانية جنود في منطقة جبل شامبي بالقرب من الحدود الغربية مع الجزائر. وأدت حملة الحكومة اللاحقة إلى اعتقال عدد من قادة الجهاديين وتقليص الوجود الواضح لجماعاتهم في المدن، غير أنّ هذه المكاسب قابلها تدهور في الأوضاع على طول الحدود.
وعلى الحدود الجزائرية قتلت الجماعات الجهادية عشرات الجنود التونسيين منذ عام 2013، وغالباً بالتواطؤ مع عصابات الجريمة المنظمة التي تسيطر على طرق التهريب. وفي الوقت نفسه، عبَر مئات الجهاديين التونسيين الحدود إلى ليبيا، حيث يُعتقد أنّ العديد منهم أمضوا وقتاً في معسكرات تدريب الإرهابيين وانضموا إلى الميليشيات الإسلامية. وقد أدّى غياب القانون في ليبيا أيضاً إلى تسارع تدفق الأسلحة والسلع المهرّبة الأخرى إلى تونس، وسهّل مرور نحو 3000 تونسي يُقال إنّهم سافروا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى «داعش» وجماعات جهادية أخرى.
أين تكمن أهمية تونس؟
خلص البعض في واشنطن إلى القول بأن لتونس أهمية جيواستراتيجية قليلة بالنسبة إلى الولايات المتحدة ولا تتعدّى القيمة الرمزية لديمقراطية عربية ناجحة. ولكن هناك ما لا يقل عن ثلاثة أسباب استراتيجية تبرر توفير المساعدات الأمريكية الكبيرة للديمقراطية الناشئة.
أولاً، قد يشجّع فشل الدولة التونسية المتطرفين الدينيين في جميع أنحاء المنطقة. وبالتالي، يتعين على صناع القرار ألّا يقلّلوا من أهميّة الآثار المترتبة على مثل هذا التطور، لا سيما نظراً إلى الاضطرابات الخطيرة التي يسببها المتطرفون بالفعل في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ثانياً، يخفي الوضع السياسي في تونس الرواية السائدة في السنوات الأربع الماضية والقائلة بأنّه يتوجّب على المنطقة أن تختار ما بين المستبدّ العلماني الذي يستهزئ بالسياسات الديمقراطية وبين الديمقراطيين الإسلاميين الذين يروّجون لسياسات غير ليبرالية للغاية. ولطالما أخفى هذا الإطار الثنائي التعقيدات في بلد مثل تونس، حيث يمكن رؤية المستبدّ يتجول في الزي الديني أو العلماني، ويمكن سماع الديمقراطيين الليبراليين ينتقدون النخب العلمانية من عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي والإسلاميين على حدّ سواء. وخلافاً للتفسيرات التقليدية أو التنبؤات، وفّرت تونس مساحة للديمقراطيين الليبراليين العرب للظهور وربما أيضاً للازدهار. وهذا تطور ملحوظ يتوجب على واشنطن أن تدعمه.
ثالثاً، بدأ التونسيون ينظرون بإيجابية متزايدة نحو الولايات المتحدة، وهذا اتجاه نادر في العالم العربي. وكان استطلاع للرأي أجراه "مركز غالوب" عام 2014 قد صنّف تونس بين سبع دول فقط في العالم التي ارتفعت فيها نسبة شعبية قادة الولايات المتحدة بما لا يقل عن عشرة نقاط مئوية مقارنة بالعام السابق. وبالنسبة إلى إدارة أمريكية تواجه انتقادات شديدة بشأن افتقارها للاهتمام (أو أسوأ) كما يسود الاعتقاد تجاه الأصدقاء والحلفاء، تقدّم تونس مثالاً محتملاً على العكس من ذلك.
دعم الولايات المتحدة في المستقبل
إعترفت إدارة أوباما عن حق، رغم أن ذلك جاء متأخراً، بأن الوضع في تونس يتطلب التزاماً أكبر من جانب الولايات المتحدة. ففي شباط/فبراير الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن خطط لمضاعفة المساعدات الاقتصادية وزيادة المساعدة المتعلقة بالأمن لتونس بنسبة ثلاث مرات تقريباً، في السنة المالية 2016. وفي أعقاب هجوم "باردو" أعلن مسؤولون أمريكيون عن زيادات إضافية في المساعدات الأمنية. ونظراً لأن المساعدة الثنائية لتونس قد انخفضت بشكل مطرد على مدى السنوات الثلاث الماضية، يعتبر الهدف الظاهري للإدارة الأمريكية حول عكس هذا الاتجاه أمراً مشجعّاً. وتأتي زيارة الرئيس السبسي كفرصة مناسبة للبناء على الالتزامات الأخيرة ومواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية.
أما على الصعيد الاقتصادي، فيتعين على صنّاع القرار الأمريكيين التفكير بشكل خلاق حول سبل مساعدة تونس في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة للحد من البطالة وتحقيق نمو الاقتصاد، وخاصة في المناطق المهملة حيث ترتفع نسب الجريمة ويكثر احتمال توغل الجهاديين. وبسبب غياب الحلول السريعة لهذا المأزق، يمكن للمساعدات الأمريكية أن تحدث فرقاً إذا ما أحسن توجيهها. كما أن تقديم المساعدات غير المرتبطة مباشرة بالاقتصاد قد يكون لها نتائج اقتصادية مهمة. فعلى سبيل المثال، قد يساعد التمويل المقدّم إلى البرلمانيين التونسيين لاستئجار مكاتب وتوظيف الموظفين، وهما أمران ضروريان لا يتمتع بهما اليوم سوى القليل، في تسريع عمليات الهيئة التشريعية اليوميّة واعتماد الإصلاحات الاقتصادية المقترحة.
وعلى الصعيد الأمني، تشكل تونس وضعاً استثنائياً يختلف عن القاعدة الإقليمية التي غالباً ما تتسم بها علاقات واشنطن مع الأنظمة العربية التي تشاركها مصالحها الاستراتيجية لكن تبقى من دون شك غير ديمقراطية. وإذا واصلت تونس سيرها في مسارها الحالي ولم تنخفض الضغوط الممارسة على الحكومة لتجنب العودة إلى حالة سيطرة الشرطة وإحكام قبضتها على الوضع، سيتمكن صناع القرار الأمريكيين من تقديم المساعدة الأمنية دون أن يواجهوا معضلة أخلاقية كبيرة. وسيؤدّي الإسراع في تسليم المعدات العسكرية اللازمة، وتدريب القوات المسلحة حول أساليب مكافحة التمرد، ومساعدة صناع القرار الأمنيين في تبسيط عملية جمع المعلومات الاستخبارية ووضع استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب إلى مساعدة الدولة بشكل كبير على ضمان الاستقرار. ومن الناحية المثالية، قد يركّز العنصر الأمني في الشراكة الاستراتيجية المعززة مع تونس على مساعدة البلاد على حماية حدودها، واجتثاث التمرد في الجبال الغربية، وتتبّع حركة التونسيين المقاتلين مع الجماعات الجهادية في سوريا والعراق عن قرب، وإصلاح قطاع الأمن. وإذا أجريت هذه الإصلاحات بشكل صحيح، قد تؤدي إلى تعزيز قدرة الدولة على حماية المواطنين والسياح على حد سواء دون تقويض المكاسب التي حققّتها البلاد بعد معاناة في مجال الحرية السياسية.
سارة فوير هي زميلة سوريف في معهد واشنطن.