- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
السودان أمام طرق وعرة: اتفاق "تقاسم السلطة" ودوره في مستقبل البلاد
بعد أشهرٍ من الاضطرابات وإراقة الدماء في الشوارع السودانية، تمّ توقيع اتفاق مهم لتقاسم السلطة في 17 آب/أغسطس بين "المجلس العسكري الانتقالي" وتحالف المعارضة المدنية المعروف باسم "قوى إعلان الحرية والتغيير." وقد أسفر الاتفاق عن إنشاء مجلس انتقالي مؤلف من ستة مدنيين وخمسة قادة عسكريين سيتناوبون على قيادة المجلس خلال الفترة الانتقالية. وعليه، سيتولى الجيش إدارة المجلس الانتقالي لفترة 21 شهرًا على أن يديره التحالف المذكور خلال الأشهر الثمانية عشر التالية. وسيسمح هذا الاتفاق لـ"قوى إعلان الحرية والتغيير" بالسيطرة على الحكومة الانتقالية – باستثناء وزارتي الداخلية والدفاع، فيما سيحظى التحالف بأغلبية الثلثين في البرلمان إضافةً إلى الحق في تعيين عالم الاقتصاد البارز عبدالله حمدوك أول رئيس وزراء مدني منذ تولّي عمر البشير السلطة في العام 1989.
وصحيحٌ أن الاتفاق يمثّل خطوةً في الاتجاه الصحيح بالنسبة للسودان، لكنه يطرح في الوقت نفسه عددًا من التحديات أمام تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" – لا سيما الحفاظ على تأييد الشعب السوداني له. فمجرد تقاسم السلطة مع المجلس العسكري قد يعرّض التحالف لانتقادٍ أكبر من الشعب الذي سيحمّله "الذنب بحكم علاقته" بالمجلس. على سبيل المثال، كان "المجلس العسكري الانتقالي" قد قطع الإنترنت ووسائل التواصل للحدّ من تسرّب الأخبار من السودان بغية التعتيم على انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها "قوات التدخل السريع" في أرجاء البلاد. ومع عودة الإنترنت، اكتسحت الشبكة فيديوهاتٌ تُظهر عمليات القمع الوحشية التي ارتُكبت في الثالث من حزيران/يونيو أمام مقر الجيش في الخرطوم، ما عزّز استياء الشعب السوداني من "المجلس العسكري الانتقالي". ففي أعقاب إبرام اتفاق تقاسم السلطة، علم الشعب فجأةً بتعرّض المئات إما للقتل أو للإصابة أو للاغتصاب على يد القوات التابعة لـ"المجلس العسكري الانتقالي". ولذلك، في حال قرر تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" منح أعضاء "المجلس العسكري الانتقالي" حصانةً ضدّ انتهاكات حقوق الإنسان هذه – بما أنه قد يتعرض للضغط من أجل القيام بذلك خلال الفترة الانتقالية – من الممكن أن يخسر دعم الشعب السوداني وبالتالي شرعيته كهيئة حاكمة.
ويُعتبر هذا الأمر مبعث قلق خاص نظرًا إلى أن تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" بنى شرعيته باعتباره ممثلًا مدنيًا من خلال حملات محلية ودولية هدفت إلى فضح فظائع الجيش، وذلك عبر تنظيم عصيان مدني حاشد والدعوة إلى إنصاف ضحايا القمع الوحشي في الخرطوم. وكان من شأن قاعدة الدعم الهائلة التي حظي بها التحالف من ملايين السودانيين أن أظهرت قدرته أمام داعمي الجيش في المنطقة.
مع ذلك، تُعتبر سلطة تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" مقيدةً أكثر من سلطة "المجلس العسكري الانتقالي" ومن المرجح إلى حدّ أكبر أن يتمّ تحميله مسؤولية أي عوائق مستقبلية بسبب الآمال الكبيرة التي يعلّقها الشعب السوداني عليه. وفي ظل توقيع الاتفاق السياسي، قد يواجه التحالف انقسامًا سياسيًا كبيرًا بسبب غياب الإجماع بين فصائله. واللافت بشكل خاص هو أن التحالف سبق أن خسر دعم "الجبهة الثورية السودانية" التي تضم "حركة العدل والمساواة" وحركات المتمردين في ولايتَي جنوب كردفان والنيل الأزرق و"حركة تحرير السودان."
فقد رفضت هذه الجماعات اتفاق تقاسم السلطة، مدعيةً أنها توصلت سابقًا إلى اتفاق مع تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" في أديس أبابا من أجل دمج ميليشياتها ووحداتها شبه العسكرية في صفوف الجيش السوداني والمشاركة كأطراف رئيسية في عملية السلام. لذا فإنّ أي استثناء لاحق لهذه الجماعات العسكرية قد يطرح تهديدًا كبيرًا أمام الانتقال الديمقراطي في السودان ومصداقية التحالف ككل.
نظرًا إلى التهديدات المحتملة، يحتاج التحالف إلى دعم المجتمع الدولي، وبخاصةٍ الولايات المتحدة، من أجل الحث على عملية انتقالية سلمية ناجحة نحو تشكيل حكومة مدنية في السودان. وعلى واشنطن ربط الانتقال إلى الديمقراطية بإزالة السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ويُشار في هذا السياق إلى أن الولايات المتحدة كانت قد صنّفت على نحو خاص المدير السابق لجهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني صالح غوش على قائمة الإرهاب لضلوعه في "انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان". وعلى الولايات المتحدة توسيع نطاق هذا الإجراء من خلال التهديد بفرض عقوبات على قادة عسكريين سودانيين بارزين متورطين في انتهاكات حقوق الإنسان – بمن فيهم رئيس "المجلس العسكري الانتقالي" عبد الفتاح عبد الرحمن برهان وكذلك "قوات التدخل السريع" وقائدها اللواء محمد حمدان دقلو حميدتي. وبشكل خاص، ستُظهر هذه التهديدات التزام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بعملية انتقالية سلسة من قيادة "المجلس العسكري الانتقالي" وتساعد على كبح أي طموحات لدى قائد "قوات التدخل السريع" اللواء حميدتي ترمي إلى إفساد الاتفاق الحالي بين "المجلس العسكري الانتقالي" وتحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير".
كما ستردع العقوبات الجيش السوداني و"قوات التدخل لسريع" عن ارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتشار الاضطرابات في السودان. ومن شأن اتخاذ خطوات ملموسة ضد منتهكي حقوق الإنسان في السودان أن يشير أيضًا إلى أنه على القوى الإقليمية الحدّ من الدعم الذي تقدّمه إلى "المجلس العسكري الانتقالي" و"قوات الدعم السريع" منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير.
حاليًا، يُعتبر تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" قوة مهيمنة في الساحة السياسية السودانية وقد نجح في حشد الشعب السوداني خلف مطالبه. ومن أجل حصد أكبر قدر ممكن من الفوائد من اتفاق تقاسم السلطة مع "المجلس العسكري الانتقالي"، على التحالف أن يدرك خطر فقدان الدعم في أوساط المتظاهرين السودانيين وفصائل أخرى تابعة له، وأن يتخذ خطوات تتماشى مع المواقف التي سمحت له بحصد هذا الدعم. غير أنه لا يجب الافتراض بأن التحالف قوي بما يكفي لمعالجة هذه المسائل بمفرده. فبغية ضمان انتقال ديمقراطي سلس، على الولايات المتحدة وأعضاء المجتمع الدولي مساعدة السودان على الضغط على كلٍّ من "المجلس العسكري الانتقالي" و"قوات الدعم السريع". فقد تسفر إضاعة هذه الفرصة عن انتشار الفظائع وإعادة ظهور الجماعات الإسلامية إضافةً إلى تدفق هائل للاجئين إلى الدول المجاورة. لذلك من المهم مقاربة هذا الوضع بحذر، إذ إن أي عملية انتقالية ديمقراطية فاشلة قد تتسبب باستمرار الفظائع في وقتٍ يواجه فيه السودان مرحلة دقيقة من تاريخه.