السياسة التركية تعرقل الحرب على الإرهاب في سورية والعراق
لماذا تحمست تركيا فجأة وقررت المشاركة في محاربة تنظيم "داعش" الآن؟
أعلنت الحكومة العراقية بإشراف من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة عن قيامها بالتنسيق مع القوات الكردية للبدء بمعركة تحرير الموصل العراقية وطرد تنظيم " داعش". وردا على ذلك، بدأت الحكومة التركية بافتعال المشاكل والتصعيد في تصريحاتها لوضع العراقيل لتأخير انطلاق المعركة أو لوضع تصور جديد لها يلحظ دورا" تركيا" أساسيا" ومحوريا". وعلى وجه الخصوص، شرع الساسة الأتراك في مناقشة أهمية مشاركة بلادهم في العمليات العسكرية بشكل بعيد عن الأعراف الدبلوماسية، تارة باللعب على الوتر الطائفي عبر تقديم بلادهم على أنها الحامي للسنة، وتارة عبر اللعب على الوتر العرقي عبر تسويق فكرة أن الموصل مدينة تركية مداعبة بذلك مشاعر التركمان الموصلليين.
هذه الأساليب دفعت الحكومة العراقية لإعلان رفضها للمشاركة التركية في معركة الموصل وتطور الموضوع إلى تصعيد إعلامي وحرب تصريحات بين بغداد وأنقرة لدرجة وصلت إلى الخروج عن الأعراف واللياقة الدبلوماسية، وتحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أنه سيلجأ إلى خيارات أخرى في حال الإصرار على منع تركيا من المشاركة.
وهنا من المفيد أن نطرح السؤال التالي: لماذا تحمست تركيا فجأة وقررت المشاركة في محاربة تنظيم "داعش" الآن؟!
وما الذي منعها من تقديم العون للجيش العراقي وللبيشمركة عندما سيطر تنظيم "داعش “قبل عامين على الموصل ووصل إلى مشارف العاصمة أربيل؟! وما الذي منع تركيا من محاربة تنظيم "داعش" الذي كان جارها على الحدود السورية لمدة ثلاثة سنوات تقريبا؟! انطلاقا من هذه الأسئلة سنحاول شرح حقيقة ما يجري على الأرض في سورية والعراق والدور التركي المعرقل لعملية القضاء على الإرهاب والمبادرات الإنسانية في المنطقة.
حققت الفصائل الثورية (الحليفة لقوات سورية الديمقراطية) تقدما" في ريف حلب الشمالي وسيطرت على عدة قرى كانت تحت سيطرة تنظيم "داعش“في هجوم فاجأ الجميع حيث قامت بالالتفاف على تل قراح والهجوم على تنظيم "داعش " من على محور حصية واستطاعت السيطرة على عدة قرى ووصلت إلى سد الشهباء وهي منطقة لها أهمية استراتيجية إذ تعتبر هي البوابة للوصول إلى المناطق والقرى التي تتبع بمنطقة الباب.
و هنا سارع الجيش التركي لوقف تقدم الفصائل الثورية الحليفة لقوات سورية الديمقراطية فبدأت المدفعية التركية بقصف قرى أم حوش - حربل - أم القرى - احرص و من جهة أخرى أعطت الحكومة التركية أوامرها لفصائل درع الفرات بالهجوم و قصف قرى الشيخ عيسى و عيد دقنة و المالكية و كشتعار ، و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فتدخلت الطائرات الحربية التركية و قصفت قرة مناطق الشهباء و بالتزامن مع القصف الجوي، كانت المدفعية التركية تقصف قرى في جنديرس و شيا و راجو و هي مناطق بعيدة كل البعد عن الجبهات و لا توجد فيها أية اشتباكات و لا تحوي أية مواقع عسكرية مهمة .
إن قيام تركيا بالعمل عل إحداث حالة من الفوضى في عفرين عبر استهداف القرى لإجبار المدنيين على النزوح، وخلق حالة من التململ لضرب الحاضنة الشعبية لوحدات حماية الشعب، يمثل قضية أساسية ومثيرة للجدل بالنسبة للمواطنين الأكراد بشكل عام وأهالي الشهداء الذين استشهدوا في معركة تحرير كوباني والذين لديهم الكثير من الأسئلة موجهة إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
لماذا هذا الصمت تجاه المجازر التي يرتكبها الجيش التركي في عفرين والشهباء بحق المدنيين ومقاتلي قوات سورية الديمقراطية؟؟
ألم نتفق أثناء معركة كوباني أن ما يجمع الوحدات الكردية وقوات سورية الديمقراطية بالتحالف الدولي هو اتفاق وتحالف قيم.. هدفه محاربة الإرهاب وإعلاء القيم الإنسانية؟!
هل يعلم التحالف الدولي أن محمود برخدان، القائد العام لوحدات حماية الشعب YPG في عفرين والشهباء حاليا" والذي تستهدفه ورفاقه الطائرات التركية هو نفسه بطل معركة تحرير كوباني؟!
هل يعلم التحالف الدولي أن الطائرات التركية قتلت عدة مقاتلات كرديات هن صديقات لآرين ميركان (بطلة كوباني)؟
إن التخبط الذي تشهده السياسة التركية وخصوصا" في ملفي العلاقة مع دول الجوار ومحاربة الإرهاب جعل من تركيا دولة مشكوك بنواياها وخصوصا" أن تركيا تعمل على استحضار الثقافة والشعارات العثمانية والترويج أن أردوغان سيقود العثمانيين الجدد؟! دون مراعاة لما عانته شعوب المنطقة من إبادة جماعية ومجازر وفظائع ارتكبها العثمانيون بحق الأرمن واليونان والسريان والكرد والعرب.
وفى حقيقة الأمر، هناك شك من أن الحكومة التركية ستعمل على معالجة ملف حربها على الإرهاب في سورية والعراق. هل ستقوم الحكومة التركية بالعمل على فتح قنوات حوار مع قوى وطنية لديها ثقلها العسكري والشعبي على الأرض بغض النظر عن عرق ودين تلك القوى؟ وهل ستتعاون تركيا مع المجتمع الدولي لتقريب وجهات النظر بين كافة الأفرقاء المعتدلين الذي يحملون أجندة وطنية وأخلاق إنسانية في سورية والعراق لتشكيل جبهة موحدة لمحاربة الإرهاب؟ للأسف، لن يصب ذلك في مصلحة الدولة التركية خاصة والمنطقة بشكل عام.
لو قامت الحكومة التركية بتلك الخطوة وقامت بمراجعة حقيقية سياساتها تجاه شعوب المنطقة وشاركت بشكل إيجابي في معارك منبج والموصل، لقلنا إن تركيا في طريقها للعودة إلى سياسة صفر مشاكل مع جيرانها، ولكنها مع كل آسف تصرفت بشكل معاكس تماما" مما دفع معظم الحركات الشعبية في سوريا والعراق لرفض الوجود التركي واعتبار القوات التركية قوات احتلال.