- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
التعامل مع خطب الكراهية
برز في الآونة الأخيرة جدال آخر حول خطبة مدتها ساعة ألقاها الإمام عمار شاهين في "مركز دافيس الإسلامي" في ولاية كاليفورنيا الأميركية. فقد بدت كلماته مليئة بالحقد ومعادية لليهود إذ قال: "اللهم حرر الأقصى من دنس اليهود. اللهم أهلكهم ولا تبقي منهم أحدًا". وكثرت الخطب المماثلة التي يلقيها أئمة مسلمون. ففي المسجد الأقصى في القدس، على سبيل المثال، قال الشيخ عمر أبو سارة في خطبته: "أقولها بشكل واضح لليهود: لقد حان الوقت لذبحكم، حان الوقت لمقاتلتكم وقتلكم". وفي مونتريال، كندا، أدلى الشيخ محمد بن موسى آل نصر بخطبة في مسجد دار الأرقم طالب فيها بقتل اليهود. وردد الإمام باللغة العربية مقولة منسوبة للرسول: "يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي تَعَالَ فَاقْتُلْهُ".
وغالبًا خلال هذه الخطب ما يلجأ الخطيب إلى حديث نبوي مزعوم حول وقوع معركة فاصلة يوم الآخرة استنادًا إلى تعاليم دينية خاطئة قائلة إن عشية يوم القيامة سيقاتل المسلمون اليهود ويقتلوهم. وعندها يقول الحجر والشجر: "يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله". وهنالك ما يزيد على أكثر من 10 آلاف حديث نبوي تمّ جمعها بعد مرور 150 عامًا على وفاة الرسول، ولا زالت صحة بعض تلك الأحاديث محل خلاف. وقد أصبح هذا الحديث على وجه الخصوص محط جدل لأنه يتناقض والنص القرآني وينمّي مشاعر العداء في أوساط المسلمين تجاه اليهود، ويمثل ذريعة لروح العنصرية والتعصب.
ومن خلال تحريضهم على إبادة اليهود، يطبّق هؤلاء الخطباء القليلون عقيدتهم بطريقة خاطئة تتعارض مع القرآن الكريم. فخطب الكراهية هذه لا تعكس قيم الإسلام الحقة أو ما يعنيه أن تكون مسلمًا، بل تنشر صراحةً مبادئ مناهضة للمجتمع الديمقراطي الليبرالي. كما أنها تعيق التقدّم الانساني وتزيد من الهجمات الإرهابية التي تستهدف مدنيين أبرياء. وهي تهدّد علاقات المحبة والصداقة المجتمعية، مما يثير الريبة تجاه المسلمين في عالم شفاف.
وردًا على خطب الكراهية التي يلقيها الشيوخ ورجال الدين، أصبحت جرائم الحقد المرتكبة محتمة، لا سيما في ظل بروز جماعات على مواقع التواصل الاجتماعي تشيد بالعنف والكراهية وتشيد بالاعتداء على الآخر. وهذا أمر غير مقبول البتة ليس فقط لأنه مخالف للتعاليم والعقيدة السمحة فحسب، بل لأنه انتهاك للقانون. فكلام الكراهية الذي يتسبب بالضرر للآخرين لا يدخل ضمن حرية التعبير.
وما لم يتوقف هذا المنحى، فإن احتمال وقوع نزاع دموي داخل المجتمعات المتعددة الثقافات كبيرًا، ويجب أن يحتل ردع تفشي هذه الظاهرة أولويات اليهود والمسلمين والمسيحيين وغيرهم.
غير أن إلقاء اللوم على الإسلام وشجب الخطب والسعي إلى تقديم اعتذارات ورفع شكاوى إلى الشرطة وكتابة العرائض ضد الأئمة تدعو إلى طردهم من مناصبهم وترحيلهم، كلها خطوات لن تساعد وحدها على الحد من هذه الظاهرة، بل إن دعم الإسلاميين المعتدلين لنشر رسالتهم التي تنادي بالتسامح، والمحبة، والتعاون، والتعايش السلمي، هو الاسلوب الصواب. فلا يمكن الوقوف في وجه ترويج إيديولوجيا متطرفة شريرة مقدمة تحت غطاء ديني وتقويضها سوى من خلال تعزيز إيديولوجيا الإسلام الليبرالي المعتدل المنمثل بالوسطية، وهي لفظ مأخوذ من القرآن الكريم:}"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً"{[سورة البقرة، الآية 286:143]. فالإسلام، كما تدعو الوسطية، يتبنى الحوار والعدل والاعتدال والتوازن والتسامح والحرية الدينية للجميع، ويعطي الأولوية إلى حرية الدين قبل الهوية الدينية.
وتستشهد الوسطية بالقرآن الكريم، الذي يدين العنف والقتل صراحةً، حيث جاء: "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا" (سورة المائدة، الآية 5:32) وقوله تعالى: "فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا"، (سورة النساء، الآية 4:90).
وإن للإسلام عرف متجذر من الاعتدال والمصالحة والسلام لمقاومة قوى الشر. كما أن تعاليم الإسلام سلمية وتشدد بانتظام على العفو والرحمة ومسامحة الآخرين واحترامهم والابتعاد عن أي أعمال عدائية تجاه الآخر. وجاء في القرآن الكريم ما نصّه: "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (سورة الممتحنة، الآية 60:8). وترمي الآية إلى التشجيع على بناء علاقات جيدة مع كافة الأديان والطوائف والمذاهب وتحظر إيذاء الآخرين.
وتسعى الوسطية الى نشر أصوات المسلمين المعتدلين الليبراليين الذين يمارسون الوفاق بين الأديان من خلال الحوار والتعاون.
ويتعين على المسلمين المعتدلين مواجهة المسلمين المتطرفين بالدعوة إلى الانفتاح وتقبّل التنوع والتعددية ورفض سوء تفسير الإيمان غير المبرر والتلاعب بعقول المؤمنين الأبرياء.
ومن خلال التعبير عن مخاوفنا، نأمل حثّ المجتمع المسلم على شجب الدعوات إلى إبادة الأديان الأخرى. ومن خلال إطلاق دعوة صادقة من القلب لوقف استخدام منابر المساجد أو أية منابر أخرى من أجل الدعوة للعنف مما قد يقود في نهاية المطاف إلى الإبادة والمذابح، ترمي الوسطية إلى بناء عالم أكثر محبة وأكثر إنسانيةً.