- تحليل السياسات
- شهادة أمام الكونغرس
التحديات الأمنية في مصر بعد عامين من حكم مرسي
"فيما يلي التوصيات الختامية من شهادة معدة سلفاً أدلى بها ديفيد شينكر أمام "اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس النواب الأمريكي". للإطلاع على ملاحظاته كاملة، يُرجى تحميل ملف الـ "بي دي إف" أو مشاهدة فيديو الجلسة".
تاريخياً، كانت مسؤولية الأمن في سيناء تقع على عاتق المخابرات، أي "مديرية المخابرات العامة" المصرية. وعلى مدى عقود، كانت قوات الأمن المصرية، والسياح وقوات حفظ السلام الدولية في سيناء موضع استهداف بشكل دوري من قبل الإرهابيين تحت أنظار "مديرية المخابرات العامة". وأبرز هذه الاستهدافات ما جرى بين عامي 2004 و2006 حين نفذت شبكات من النشطاء البدو والفلسطينيين سلسلة من الهجمات رفيعة المستوى على أبرز الوجهات السياحية على البحر الأحمر في سيناء - شرم الشيخ وطابا ودهب - مما أسفر عن مقتل أكثر من مائة شخص من الأجانب والمصريين. ومع ذلك، طالما بقيت سيناء هادئة نسبياً، سمحت السلطات المصرية لسكانها الذين يبلغ عددهم 500 ألف شخص، ومعظمهم من البدو، بمواصلة أنشطتهم، بما في ذلك عمليات التهريب المربحة إلى إسرائيل والأردن وغزة.
ليس هناك شك أن مصر تقع وسط جوار متوتر. فإلى الغرب تقع دولة ليبيا التي تعاني من الفشل، وإلى الجنوب دولة السودان التي تعاني الأمر نفسه. أما إلى الشرق، فتواجه مصر التمرد المتنامي في سيناء وفي قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة «حماس». ولكن من نواح عديدة، يبدو أن مصر لا تتخذ حتى الخطوات الأكثر وضوحاً والضرورية لتأمين الدولة بصورة أفضل. ونرى أنه على الرغم من أن مصر تشكو باستمرار من الأسلحة المتدفقة من ليبيا، إلا أنها لم تعطِ الأولوية لتمويل تدابير الأمن الحدودية على تلك الحدود.
إلى جانب ذلك تفتقر قدرات مصر على مكافحة الإرهاب على الصعيد المحلي إلى القوة. إذ انبثقت "مديرية المخابرات العامة" عن ثورة عام 2011 في ظل دولة ضعيفة، ولم تتعافَ حتى الآن على ما يبدو. وإذا كان مقتل ثمانية سياح مكسيكيين عن طريق الخطأ في الصحراء الغربية في أيلول/ سبتمبر 2015 يشير إلى [هذا الضعف]، فإن جمع المعلومات والاتصالات بين الجيش والأجهزة الأمنية المحلية الأخرى يشكل أيضاً مشكلة فعلية. ومن الواضح أن جمع المعلومات الاستخبارية لا يزال في عجز خطر في سيناء أيضاً، على الرغم من أن التعاون مع الإسرائيليين يساعد على ملء بعض الثغرات وفقاً لبعض التقارير.
إن التحديات الأمنية التي تواجهها مصر هائلة، وفي الوقت الحاضر ليست القاهرة على مستوى هذه المهمة. ونظراً إلى تدهور الوضع الإقليمي، ينبغي أن يشكل استمرار الاستقرار والأمن في مصر أولوية بالنسبة للولايات المتحدة. ففي هذا السياق باستطاعة واشنطن، بالتعاون مع القاهرة، اتخاذ العديد من الخطوات للمساعدة على تخفيف حدة هذه التهديدات. ويمكن أن تشمل هذه الخطوات ما يلي:
التدريب على مكافحة الإرهاب. قامت مصر، بعد الحصول على موافقة إسرائيل، بنشر آلاف الجنود وعشرات العربات المدرعة والدبابات والمروحيات والطائرات ذات الأجنحة الثابتة في سيناء، لمحاربة التمرد. ولكن النهج العسكري البحت الذي تعتمده مصر والذي يفتقر إلى البراعة لم ينجح، ومن غير المرجح أن ينجح. فالموضوع ليس مشكلة القوى العاملة، بل مشكلة في التكتيكات. ولأكثر من عقد من الزمن، كانت الولايات المتحدة تنفذ عمليات لمكافحة التمرد ضد المتشددين الإسلاميين، وقد تعلمت دروساً قيمة في غضون ذلك، ويجب على مصر، وهي حليف رئيسي من خارج "حلف شمال الأطلسي" ("الناتو")، الاستفادة منها. يُذكر أن القاهرة كانت تاريخياً تقاوم فكرة قبول النصيحة. لذا على واشنطن أن تقدم لمصر عرضاً للتدريب في مجال مكافحة التمرد الحديث، في مصر أو الولايات المتحدة أو في مكان آخر، لا يمكن لمصر رفضه، الأمر الذي سيحفز بشكل خلّاق توجيه مصر نحو نهج جديد في عمليات مكافحة التمرد ونحو اعتماده.
تطوير سيناء. إن نهج مكافحة التمرد الذي تعتمده سيناء يتمتع ببعد واحد، ولكن حملات مكافحة التمرد الناجحة تتمتع بجانب مدني وآخر عسكري على حد سواء. ولم تبدأ المشاكل في سيناء مع بروز تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية». فالمنطقة مهمشة وتعاني من نقص في الخدمات منذ فترة طويلة وهي غير راضية عن أداء القاهرة تجاهها. ولم يؤدِ وصول تنظيمي «القاعدة» و«داعش» وانهيار الروابط القبلية التقليدية، سوى إلى تفاقم الوضع، كما ويبدو أن الأضرار المدنية الجانبية التي تسبب بها الجيش تزيد الأمور سوءاً. وفي ظل غياب الفرص الاقتصادية والتعليمية، ستستمر سيناء في كونها أرضاً خصبة لتجنيد الجهاديين. وإلى جانب محاربة التمرد، يجب على واشنطن أن تتعاون مع القاهرة وغيرها من الشركاء الإقليميين للاستثمار في سيناء، في إطار يتخطى فنادق شرم الشيخ.
الاستفادة من الخليج. لم تحقق واشنطن نجاحاً يُذكر في تحفيز التحسينات في الحوكمة المصرية أو التعديلات على التكتيكات العسكرية من خلال تكييف مساعداتها المالية مع ذلك. فمن الممكن أن حلفاء الولايات المتحدة في الخليج - أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والتي تلتزم حالياً بتغطية ميزانية مصر - سيكونون أكثر حظاً في الضغط على القاهرة لمنح الأولوية للتنمية الاقتصادية في سيناء واعتماد التقنيات الحديثة في مكافحة التمرد. لذا على الإدارة الأمريكية التعامل مع حلفائها في الخليج العربي للمساعدة في إقناع مصر بالحكمة الكامنة وراء هاتين المبادرتين.
زيادة الوضوح. كانت مصر عازفة عن السماح للصحفيين أو غيرهم من المراقبين الأجانب، بما في ذلك المسؤولين العسكريين الأمريكيين من مكتب ملحق الدفاع في السفارة الأمريكية في القاهرة، بالدخول إلى شبه الجزيرة. ونتيجة لذلك، سيكون من المفيد أن يتمتع الاستراتيجيون الأمريكيون بمزيد من الوضوح بشأن الوضع على الأرض في سيناء. ولو استجابت مصر للولايات المتحدة من قبل، لكان ذلك قد مهّد الطريق لوجود استشاري أمريكي أكثر قوة. بالإضافة إلى ذلك، ونظراً إلى أن مصر تنشر أنظمة أسلحة أمريكية الأصل في العمليات القتالية، مع ارتفاع اتهامات انتهاكات حقوق الإنسان، سيكون من المهم إثبات هذه المزاعم أو دحضها. وهذا يتطلب وجود الصحفيين على أرض المعركة.
تأمين الحدود مع ليبيا. ضغطت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على مصر لإعادة برمجة نسبة من حصتها من التمويل العسكري الخارجي السنوي التي تبلغ 1.3 مليار دولار لنشر تجهيزات وأنظمة للمساعدة على تعزيز تأمين الحدود الطويلة والخطرة والتي يسهل اختراقها بين مصر وليبيا. إلا أن موقف مصر حتى الآن قد تجلى بالرفض. إن تعلق مصر الرجعي بالأنظمة باهظة الثمن، مثل طائرات "إف- 16" ودبابات "إم1 إي 1" وصواريخ "هاربون"، مع منفعة هامشية فقط في بيئة التهديد الحالية يقوّض أمن الدولة. وفي هذا السياق، لا تبرز رغبة تُذكر في الكونغرس لزيادة التمويل العسكري الخارجي السنوي لمصر والذي يبلغ 1.3 مليار دولار. لذا، على واشنطن أن تفعل ما بوسعها من أجل التودد إلى مصر المتسمة بالتعنت لتخصيص موارد مالية لبالونات المنطاد، وأنظمة "C4ISR"، وحتى طائرات مروحية من طراز "بلاك هوك" للإستجابة السريعة للقوات على التهديدات.
زيادة الدعم المالي. سيكون من الصعب إقناع مصر بالحد من شراء أنظمة الأسلحة المكلفة للغاية. وإذا سمحت نسبة الوضوح المتاحة، ربما يمكن لواشنطن أن تشجع القاهرة على القيام بذلك من خلال بيعها أنظمة أسلحة أخرى ذات قيمة عالية/هيبة عالية، بما في ذلك الطائرات المسلحة من دون طيار، التي ستفيد العمليات على طول الحدود الليبية وفي سيناء.
تعزيز الحوار حول ليبيا. يبرز اختلاف كامل بين القاهرة وواشنطن حول ليبيا. فواشنطن تدعم المحادثات بين الفصائل الليبية والتي ترى القاهرة أن لا فرصة لها في النجاح. وترى مصر أن ميليشيا "عملية الكرامة" التابعة للجنرال الليبي خليفة حفتر هي القوة العسكرية المحلية الأكثر اعتدالاً والتي تستحق الدعم من العتاد. وفي السنوات الأخيرة، اتخذت مصر مرتين تدابير عسكرية في ليبيا ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» من دون إعلام واشنطن أولاً. وبالتالي، فإن زيادة في الفهم، وربما التنسيق، حول ليبيا قد تؤدي بالطبع إلى زيادة فعالية التدابير، وخاصة من حيث تبادل المعلومات الاستخباراتية في المستقبل.
تشجيع المزيد من التعاون بين إسرائيل ومصر. في آب/ أغسطس 2013، أفادت بعض التقارير أن طائرة إسرائيلية من دون طيار كانت تعمل في المجال الجوي المصري بإذن من السلطات المصرية، قتلت خمسة من المقاتلين الإسلاميين في شبه الجزيرة. إن التعاون الهادئ بين إسرائيل ومصر في سيناء هو من النقاط المضيئة القليلة في المنطقة، ولكنها رغم ذلك لا تزال حساسة. وتمتلك إسرائيل قدرات استخباراتية وحركية متقدمة لمساعدة مصر في عمليات مكافحة التمرد في سيناء. وبالتالي، يجب أن تستمر الولايات المتحدة في تشجيع هذا التعاون، وحث السيسي على تعميقه من أعلى المستويات إلى مستويات العمل الفعلي.
تحسين أمن المطارات المصرية. على الرغم من إحجام القاهرة عن الاعتراف بأن قنبلة قد تكون قد أسقطت الطائرة الروسية فوق سيناء في تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أن من مصلحة الولايات المتحدة ومصر والمجتمع الدولي كافة معالجة المخاوف بشأن أمن المطارات في مصر. وكما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تشرين الثاني/ نوفمبر، فإن المسؤولين الأوروبيين "شكوا مراراً وتكراراً من أن الأشعة السينية وأجهزة الكشف عن المتفجرات المستخدمة لفحص الأمتعة، قديمة وتفتقر إلى الصيانة أو أن الموظفين الذين يشغلونها غير مدربين بشكل كافٍ". وهذه مشكلة يمكن للدعم المالي والتقني الغربي أن يساعد على حلها، لا بل يتوجب عليه القيام بذلك.
منع المزيد من التأخير غير المنتج. في عام 2013، أخّر الكونغرس نقل عشر طائرات مروحية هجومية من طراز "أباتشي" للاستخدام في مكافحة التمرد في مصر لمدة عام كامل. يُشار إلى أن هذه المروحية الهجومية المسلحة بصواريخ "هيلفاير" تشكل المنصة المصرية المفضلة لعمليات سيناء، الأمر الذي أثار غضب القيادة المصرية من التأخر. وفي الواقع، أكد هذا الأمر لكثير من القيادة العسكرية العليا نظرية المؤامرة التي تقول بأن واشنطن كانت تدعم عودة جماعة «الإخوان المسلمين» إلى السلطة. وفي حين أنه من الواضح أن أسباباً علقت عملية التسليم، إلا أن هذا الأمر لا يخدم الولايات المتحدة أو المصالح المصرية. وفي المستقبل، إذا رأت الولايات المتحدة ضرورة في حجب أنظمة الأسلحة عن مصر، يجب عليها أن تكون حريصة على عدم اختيار أدوات مكافحة التمرد.
تجنب الاستفادة من المساعدة العسكرية الأمريكية. في حين لا يبدو أن مصر تأخذ مشكلة الإرهاب على محمل الجد، تشير الأدلة إلى أن إدارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تعتبرها تشكل تهديداً خطيراً. إن سياسات القاهرة في مجال حقوق الإنسان تطرح إشكالية وربما تأتي بنتائج عكسية على استقرار الدولة على المدى الطويل. بيد، إن قطع المساعدات الأمريكية لن يحسّن من تصرف القاهرة ولن يعزز العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر المشحونة أصلاً. وفي الواقع، تشير السوابق في هذا الإطار إلى أن وقف المساعدات سيؤدي إلى تفاقم أسوأ الميول في الحوكمة المصرية وليس إلى جعلها معتدلة. وللحصول على ما تريده من مصر، يجب أن تكون الولايات المتحدة أكثر إبداعاً، وربما عن طريق طرح احتمال إعادة صرف المساعدات في وقت مبكر، أو بيع معدات لم يسبق لها مثيل للقاهرة، مثل الطائرات من دون طيار. وحيث أن مصر تحصل حالياً على مليارات الدولارات من التمويل الخليجي كل عام، بما في ذلك المساعدات العسكرية الهائلة، لم تعد واشنطن هي الطرف الوحيد الداعم.
ديفيد شينكر هو زميل "أوفزين" ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
"اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس النواب الأمريكي"