التحديات التي تواجه حكم طالبان وتأثيرها المحتمل على المنطقة
تعمل كل من العوامل الداخلية والخارجية على إضعاف حركة طالبان، مما يجعل استقرار الحركة على المدى الطويل أمرا مستبعدا بشكل متزايد.
لم يُجدي التدخل الخارجي في القضاء على حركة طالبان، طيلة السنين الماضية، والآن بعد أن حصلت طالبان على ما كانت تصبوا إليه، يتوقع المراقبون الإقليميين بشكل متزايد أن الحركة ستأكل نفسها حيث تعاني من انقسامات داخلية طاحنة، وفشلها في كسب دعم الشباب الأفغاني، فضلا عن التحديدات المتزايدة التي يمثلها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في ولاية خرسان.
إن فشل تجربة طالبان في الحكم سيكون له مردود إيجابي مؤقت يتمثل في إضعاف أنشطة التنظيمات الجهادية الأخرى خارج نطاق جنوب أسيا خاصة في الشرق الأوسط والتي عملت على استغلال النجاح الطالباني في التسويق لتحركاتها ومشاريعها السياسة. ومع ذلك، هناك أيضا بعض التداعيات الأكثر واقعية والتي تتمثل في تحول الحركة مرة أخرى للعمل المسلح، وعمل تشبيكات موسعة مع حركات إرهابية أخرى في الداخل الأفغاني والمنطقة. إن الهجوم الأخير الذي شنه تنظيم "داعش" في الحسكة يؤكد بلا شك أن التنظيم لا يزال نشطًا، وأن هناك جيوب للتنظيم في أماكن أخرى تشكل أيضًا مصدر قلق للاستقرار الإقليمي الأوسع. وللأسف، ستعود أفغانستان إلى ما كانت عليه لتصبح بؤرة للمجموعات الإرهابية ومنصة إطلاق تحضيرية للهجمات ضد الدول الكبرى. وبالطبع، كل ذلك سينعكس بشكل سلبي على امن المنطقة.
أولا: الانقسام الداخلي في الحركة
تمثل الانقسامات الداخلية التي تمر بها الحركة أحد اهم العناصر التي تهدد فعاليتها، ففي عام 2018 أجرت "آنا لارسون"، دراسة حول مدى التماسك داخل حركة طالبان، عن طريق عقد لقاءات مباشرة مع قادة طالبان أو المقربون من الحركة.
ورغم اتفاق الجميع على أن الحكومة الأفغانية السابقة كانت حكومة فاسدة، ألا انه هناك بعض المجموعات المنتمية للحركة تم إقصاؤها من المشاركة في الحكم. وفى هذا الصدد، عبر ممثلي الشمال عن استيائهم نتيجة الاستبعاد الواضح للمقاتلين من الشمال من مجالس طالبان "كويتا وبيشاور"، فضلًا عن عدم تعيين قيادات عليهم منهم. كما يفتقر العشرات من القادة العسكريين الذين تم اختيارهم من قبل مجلس شورى "كويتا" إلى وجود قاعدة اجتماعية.
أما ممثلي الغرب / الشمال -الغربي، فقد رأوا أن 90 % من طالبان في بادغيس ليسوا سعداء بسيطرة جماعة قندهار على الحركة بأكملها. أما ممثلي الجنوب الشرقي، فقد رأوا أن مجلسي بيشاور وكويتا لا يدعموهم لرفضهم النفوذ الباكستاني، كما شددوا على أن هناك مشاكل داخل صفوف بيشاور وكويتا، ما بين الحقانيون وجبهة منصور.
في هذا السياق، أظهرت بعض التقارير أن الحركة تنقسم لثلاث مجموعات على الأقل، الأولى ممثلة في فريق مفاوضات السلام الأمريكي، بقيادة الملا عبد الغني بردار، والثانية، ممثلة في الجناح العسكري بقيادة مولوي يعقوب، نجل الملا عمر مؤسس حركة طالبان. والثالثة، ممثلة في جناح شبكة حقاني وقائدها سراج حقاني، والتي تظهر شكليًا كجزء تحت مظلة طالبان. قوة هذه المجموعات متفاوتة، أقلها بلا شك فريق مفاوضات السلام، والخلاف الأبرز والممكن أن يؤثر هو الخلاف بين حقاني ويعقوب والذي أشارت بعض التقارير إلى أنه وصل للاقتتال بين الطرفين.
جانب الانقسام بين حقاني ويعقوب، يظهر في الموقف من الهند، ففي الوقت الذي رأي فيه بعض قيادات طالبان أن إلغاء الهند للحكم الذاتي لكشمير والحملة العسكرية اللاحقة "شأن داخلي هندي"، أظهرت بعض التقارير أن هناك متشددين مناهضين للهند يتدربون على عمليات كشمير في معسكر تدريب لطالبان في أفغانستان. ومع تحركات دول المنطقة يمكن أن تتنامى تلك الخلافات الداخلية، مما قد يترتب عليه ظهور حركات تمرد داخلية واقتتال علني مع الوقت، ربما يسفر عن ظهور مجموعات طالبانية صغيرة، ترفع شعارات البقاء على العهد وأسس الملا عمر.
ثانيا: الموقف المجتمعي والشبابي من الحركة
بعد صعود حركة طالبان للسلطة خرج بعض المواطنين على أنغام رقصة "أتان" الأفغانية التقليدية رافعين العلم الأفغاني، كنوع من أنواع الرفض للصعود الطالباني، وأشار البعض أن ذلك يعبر عن وجود نوع من التحول السياسي والاجتماعي يفرض نفسه على الحركة، وعليها التعامل معه.
يمثل الشباب تحت سن 25 ثلثي حجم السكان في أفغانستان، واعتاد هؤلاء الشباب الذين ولودا بعد الغزو الامريكية لأفغانستان على العديد من الحريات التي تناوئها طالبان مثل الحق في التعليم والصحافة الحرة. ومن ثم، يمثل شباب أفغانستان أكبر تهديد محلي طويل الأمد لأهداف الحركة. وبناء على ذلك، سيكون من أولويات الحركة كسب هؤلاء الشباب واستقطابهم.
وفى هذا الإطار، اظهر استطلاع للرأي أجرته "The Asia Foundation"، أن هناك حالة من الاستياء الداخلي في أفغانستان حول الأوضاع المعيشية التي كانت سائدة قبيل صعود طالبان والتي يتعين على الحركة مواجهتها، حيث رأى نحو 76% من المستطلعين أن هناك معاناة في الوصول للوظائف. ومع ذلك، بدأت طالبان في أرسال رسائل طمأنةلهؤلاء الشباب بعد صعودها، مثل الوعد بعدم الرجوع إلى العنف أو الانتقام ممن حاربوها، وتعهدها باحترام حقوق المرأة، كمحاولة لكسب جيل الشباب الذي يمثل ما يزيد عن نصف سكان أفغانستان. مع ذلك، ظهرت حالات قتل انتقامي وزواج قسري، فضلًا عن إغراق شوارع كابل بصور تحث النساء على ارتداء البرقع وإلا تعرضن للضرب.
ومع ضعف قيادة الحركة في فرض سيطرتها الكاملة على عناصرها وهذا ما ظهر في الرسائل التي كانت تبثها الحركة لعناصرها في بداية صعودها بضبط النفس، والأوامر للقيادات العسكرية بالتعامل مع العناصر غير الخاضعة للأوامر، من الممكن أن تتصاعد النبرات الشبابية المناهضة للحركة، ما قد ينتج عنه زعزعة استقرار لحكم الحركة.
ثالثا: تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"
يمثل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أحد اهم التحديات التي تقف حائلا أمام سيطرة طالبان على حكم البلاد، حيث يسعى تنظيم الدولة الإسلامية لأن يكون بديلًا لحركة طالبان، مما يدفع الحركة للدخول في سباق مع الوقت للقضاء على التنظيم. ويرجع هذا السباق لسببين، كما أشار "كولين بي كلارك"، الأول أن "ولاية خراسان" مع الوقت تمثل تهديدًا متزايد لشرعية طالبان، والثاني أنه هناك علاقة عكسية ما بين اهتمام الحركة بمحاربة التنظيم، وقدرتها على تلبية احتياجات الشعب ومواجهة الوضع الاقتصادي الصعب، مما يزيد من التهديد لشرعيتها.
ينظر تنظيم داعش لحركة طالبان على أنها الخصم الاستراتيجي الرئيسي له في جنوب آسيا، حيث بدء أعضاء ولاية خراسان منذ البداية التشكيك في شرعية طالبان في الأوساط الجهادية، مما سهل للتنظيم كسب عناصر جديدة في داخله منشقة عن الحركة. فضلًا عن أن تنظيم داعش ربما يكون جذابًا لهؤلاء الذين يسعون للانتقام من الحركة، وقد ظهرت في بعض حالات استقطاب داعش لأعضاء مخابرات أفغان سابقين، فضلًا استقطابها للشباب الأصغر سنًا من الطبقة الوسطىالذين قد يصبحون مستائين بشكل متزايد من طالبان.
ناهيك عن الخلاف بين طالبان وبين التيار السلفي الموجود في الداخل الأفغاني وغير المنتمي لولاية خراسان، والذي ربما تدفعه المضايقات نحو الالتحاق بصفوف التنظيم، أو على الأقل توفير ملاذاً آمن لعناصره. ونظرا لأن حركة طالبان قد أتت للسلطة بالقوة فإن افتقادها للشرعية سيؤدى إلى تراجع الدعم الشعبي لها في مواجهة تنظيم "داعش"، خاصة حال فشلها في سد احتياجات الشعب وتحسين الوضع الاقتصادي.
على الرغم من القوة التي أظهرها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في ولاية خرسان، إلا أنه في الوقت الحالي ليس من المرجح أن يكون قادرًا على التخطيط لتنفيذ هجمات على أهداف بعيدة. وحال نجاح ولاية خراسان الداعشية في أفغانستان وسيطرتها على مساحة واسعة من الأراضي وتجنديها لعناصر ناقمة على حركة طالبان، فأن ذلك سيكون بمثابة إعادة إحياء التنظيم في الشرق الأوسط. فمن ناحية سيركز التنظيم دعايته ومزاعمه بإنه حامل راية الجهاد ولابد من دعمه في إقامة الخلافة الإسلامية بوصفها مشروع عالمي، ومن زاوية أخرى سيوفر ذلك له فرص إنشاء معسكرات تدريب وتأهيل لعناصره وتصديرها للشرق الأوسط الذي شهد هزيمتهم المنكرة.
وفى حين تساهم تلك العوامل السالف ذكرها في إضعاف حكم طالبان، إلا أنه لا تمثل وسائل ضغط آنية وسريعة للقضاء على تواجد الحركة في الحكم على المدى القصير، بل ربما تدفع لظهور حركات مناهضة داخلية تتصاعد قوتها مع الوقت، ربما يقود بعضها أعضاء منشقين عن الحركة ذاتها، فضلًا عن إعطاء فرصة لتنظيم مثل داعش للتوغل بصورة أكبر. من زاوية أخرى ربما تدفع المشاكل المتعلقة بالمياه إلى توتر في العلاقات خاصة مع إيران وباكستان والهند، مما قد يسفر عن تراجع في دعم الأولى والثانية للحركة.