- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2758
التقارب بين إيران و «حزب العمال الكردستاني» قد يزعزع استقرار «حكومة إقليم كردستان»
في ظلّ تقدّم الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») في العراق وسوريا، يسعى «حزب العمال الكردستاني» [التركي] إلى تحقيق أقصى قدر من المكاسب. فبالإضافة إلى تقدّمه العسكري في وجه قوات تنظيم «الدولة الإسلامية»، يكتسب «حزب العمال الكردستاني» المزيد من القوّة على الساحة السياسية في «إقليم كردستان العراق»، إذ يستغلّ الانقسامات الداخلية في المنطقة بينما يستعد لتصعيدٍ محتمل في تركيا وسوريا. وتتقارب مصالح هذه الجماعة على نحو متزايد مع مصالح إيران، التي لطالما سعت إلى إضعاف التأثير التركي وتعزيز نفوذ بغداد على «حكومة إقليم كردستان» في أربيل. ومن جانبها تسعى أنقرة إلى الحفاظ على علاقاتها الجيدة مع «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، أقوى فصيل في «حكومة إقليم كردستان».
وبسبب الخصومة بين «حزب العمال الكردستاني» و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» التي شتتت انتباههما، سمح الحزبان أساساً بأن يتم استخدامهما كوكلاء لهذه القوى الإقليمية، وانحراف الأكراد عن فرصٍ لتوحيد «حكومة إقليم كردستان» وتحقيق استقرارها. وفي الوقت نفسه، سئمت أحزاب كردية عراقية من حكم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الأحادي الجانب وبدأت بالوقوف في صف «حزب العمال الكردستاني»، الأمر الذي ساعده على اكتساب المزيد من الشعبية على المستوى المحلي.
السياق الإقليمي للخصومة بين «حزب العمال الكردستاني» و «الحزب الديمقراطي الكردستاني»
في البداية، نفخت الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» روحاً جديدة في الحركة الكردية العابرة للحدود الوطنية. فعندما هاجمت قوات تنظيم «الدولة الإسلامية» أربيل في عام 2014، جاء مقاتلو «حزب العمال الكردستاني» من تركيا وسوريا للدفاع عن المدينة، في حين ساعدت قوات البيشمركة التابعة لـ «حكومة إقليم كردستان» «حزب الاتحاد الديمقراطي» - الذي هو فرعٌ لـ «حزب العمال الكردستاني» في سوريا - في صدّ تنظيم «الدولة الإسلامية» في كوباني. وبعيداً عن الجبهة العسكرية، عثر عددٌ كبير من الشباب الأكراد من إيران وسوريا وتركيا على فرص عمل في «كردستان العراق»، وبذلك ساعدوا أسرهم من خلال إرسالهم تحويلات مالية وأقاموا روابط اقتصادية بين المجتمعات الكردية في بلدان مختلفة.
إلّا أنّ أي تفاؤل بقوميةٍ كردية عابرة للحدود لم يدم طويلاً، إذ بدأ تأثير كل من إيران وتركيا يؤدي إلى تفاقم التشاحن بين «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«حزب العمال الكردستاني» وداخل «حكومة إقليم كردستان». فقد تباعدت المصالح الإقليمية لطهران وأنقرة بشكلٍ مطرد بسبب الحرب في سوريا، وانهيار مفاوضات السلام بين تركيا و«حزب العمال الكردستاني» في عام 2015، وفي ظل هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق. وعلى الرغم من تصاعد خطر تنظيم «الدولة الإسلامية» في تركيا، ظلت الحكومة التركية تنظر إلى «حزب العمال الكردستاني» و«حزب الاتحاد الديمقراطي» كالعدو الأول لها. وتسعى أنقرة اليوم إلى احتواء إيران وتقويض أي محاولات لتوحيد المناطق الكردية في سوريا.
وفي المقابل، أعادت إيران إحياء روابطها التاريخية مع كل من «حزب العمال الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني»، الخصم الرئيسي لـ «الحزب الديمقراطي الكردستاني». وتسعى طهران أيضاً إلى تقويض الحكم الذاتي لـ «حكومة إقليم كردستان» عن الحكومة العراقية في بغداد، التي تخضع لتأثير إيران الملحوظ. ومن جهةٍ أخرى، أنهى «حزب الحياة الحرة في كردستان»، وهو الفرع الإيراني لـ «حزب العمال الكردستاني»، العمليات العدائية ضد النظام الإيراني في عام 2011، مما يشير إلى بدء نوع من شهر العسل مع طهران.
ويعطي الوضع الحالي في بلدة سنجار في شمال البلاد صورةً عن الوضع الراهن. فلإيران مصلحة كبيرة في الحرص على عدم خضوع الحدود بين العراق وسوريا لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا وحدها مثل «الحزب الديمقراطي الكردستاني» والميليشيات العربية السنية، ويخدم الوجود المستمر لـ «حزب العمال الكردستاني»/«حزب الاتحاد الديمقراطي» في سنجار هذا الهدف. فعندما خسر «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بلدة سنجار لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في عام 2014، فتح «حزب العمال الكردستاني»/«حزب الاتحاد الديمقراطي» ممراً آمناً من أجل فرار سكان البلدة ذوي الأغلبية اليزيدية. وعلى الرغم من أنّ «الحزب الديمقراطي الكردستاني» استعاد المدينة في نهاية المطاف، إلا أن «حزب العمال الكردستاني» لم يغادرها، بل شكّل قوةً يزيدية محلية، هي «وحدات مقاومة سنجار»، التي سُجلت في الحكومة العراقية في حزيران/يونيو 2015 كـ «وحدة حشدٍ شعبي»، مما سمح لها بالحصول على تمويل من بغداد. ونظراً لنفوذ إيران على القيادة العامة لـ «وحدات الحشد الشعبي»، فمن المرجّح أنّ تكون طهران راضيةٌ عن القوة اليزيدية.
«حزب العمال الكردستاني» مقابل «الحزب الديمقراطي الكردستاني» في العراق
ليس الوجود العسكري لـ «حزب العمال الكردستاني» في أراضي «حكومة إقليم كردستان» خبراً جديداً، فقد أبقت الجماعة قواتها في المناطق الحدودية الجبلية من شمال العراق منذ سنواتٍ طويلة. ووفقاً لتقديرات نشرتها الصحيفة الكردية "روداو" في نيسان/أبريل عام 2016، يسيطر «حزب العمال الكردستاني» على حوالى 650 قرية ضمن حدود «حكومة إقليم كردستان»، وخاصة في الأراضي الشرقية الخاضعة اسمياً لسلطة «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (رغم أنه تجدر الإشارة إلى أن العديد من هذه القرى غير مأهولة خلال فصل الشتاء).
إلّا أنّ التطورات الأخيرة أدّت إلى زيادة الحذر ما بين الفصيلين الكرديين. فـ «حزب العمال الكردستاني» يخشى من أن يدعم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» تركيا في مهاجمة قواعده في شمال العراق - هذا الشعور الذي تفاقم بسبب روابط أربيل مع أنقرة في مجاليْ الاقتصاد والطاقة. أمّا «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، فيشعر بأنه محاطٌ بعددٍ متزايد من مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» بعد تمركزهم في سنجار إلى الغرب. وتحمل الحالة الأخيرة تداعياتٍ سياسية أيضاً، فمن بين أعضاء «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الستة والعشرين في البرلمان العراقي، ستة منهم من محافظة نينوى التي تضم بلدة سنجار.
وبالفعل، تعقّد هذه المواجهة في سنجار التنافس على القيادة الرمزية للحركة القومية الكردية الأوسع. وعلى الرغم من أنّ لكل من «حزب العمال الكردستاني» و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» متابعين كثيرين في سوريا تحت قيادته، إلا أنهما وجدا صعوبةً أكبر في إرساء موطئ قدمٍ في دائرة نفوذ بعضهما البعض - أي تركيا والعراق، على التوالي.
وفي سوريا، تربط «حزب العمال الكردستاني» علاقاتٌ طويلة الأمد مع نظام الأسد، وقد سمحت دمشق أساساً لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» بالسيطرة على الأراضي الكردية على طول الحدود الشمالية بمجرد بدء الحرب. ومنذ ذلك الحين، يرفض «حزب الاتحاد الديمقراطي» مشاركة السلطة مع الجماعات التابعة لـ «الحزب الديمقراطي الكردستاني» في سوريا، الأمر الذي أثار غضب الأكراد العراقيين. ونتيجةً لذلك، يخشى «حزب العمال الكردستاني» اليوم من أن يدعم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الجهود التركية لإضعاف الأكراد السوريين.
ويخلق هذا التحزب الكردي المتزايد، مقترناً بالتقاء المصالح مع إيران، فرصاً جديدة لـ «حزب العمال الكردستاني» لإقامة وجود سياسي له في «إقليم كردستان العراق»، وخاصة في المعاقل المعارضة لـ «الحزب الديمقراطي الكردستاني» مثل السليمانية وكركوك. ونظراً للجغرافيا والتاريخ، تمارس إيران نفوذاً كبيراً في السليمانية، حيث ساعدت «الاتحاد الوطني الكردستاني» على محاربة «الحزب الديمقراطي الكردستاني» المدعوم من تركيا في أواخر التسعينيات. ومن ثمّ، حافظ الحزبان الكرديان العراقيان على سيطرتهما الإقطاعية كلٌ على منطقته. إلّا أنّ التحديات الهائلة التي ظهرت عام 2014 وطبيعتها - أي انخفاض أسعار النفط، واقتطاع الميزانية من قبل بغداد، وهجوم تنظيم «الدولة الإسلامية» - كشفت عن عيوب حكم «حكومة إقليم كردستان». وتسببت الصدمة المالية الناتجة بشلل الاقتصاد الكردي وقدرة الحكومة على دفع أجور موظفي القطاع العام. ومنذ ذلك الحين، سئمت نسبةٌ كبيرة من الجمهور الكردي من فساد «حكومة إقليم كردستان» وعجزها عن ترجمة عائداتها الهائلة خلال سنوات الازدهار، إلى تنمية مستدامة.
تنحية «حزب غوران» جانباً
لقد كان من دواعي سرور المعارضة الكردية، بقيادة «حزب غوران» («حركة التغيير»)، أن تحوّل كلّ هذا الغضب الشعبي نحو «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الذي يستخدم منذ سنوات ثرواته وهياكله التنظيمية الأكبر للهيمنة على سياسة «حكومة إقليم كردستان»، وقمع منافسيه في بعض الأحيان. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2015، عندما واجه زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني دعوات لإنهاء مدة رئاسته المنتهية صلاحيتها، أغلق البرلمان الكردي وأقال وزراء «حركة التغيير» من الحكومة. ويبقى «حزب غوران» اليوم منحصراً في السليمانية، عاجزاً عن تحقيق الإصلاحات الأكبر التي وعد بها. وبذلك، رضخت المعارضة، بل حتى دعمت، الوجود المتزايد لـ «حزب العمال الكردستاني» في «إقليم كردستان العراق».
أمّا الشعب، فيبدو أنّه يرى المثالية في «حزب العمال الكردستاني»، الذي لم تنصهر بعد أهدافه الاشتراكية مع وقائع الحكم. لذلك يحقق الحزب شعبيةً أكبر، ويضمّ أعضاءً جدد على حساب «الاتحاد الوطني الكردستاني» و «حركة التغيير»، كما أنشأ وكالة أنباء "روج نيوز" ومقرها في «إقليم كردستان العراق»، وشكّل عدداً كبيراً من مجموعات الشبيبة. وفي أيلول/سبتمبر، شكل السياسيون في كركوك حزب سياسي جديد تربطه صلات بـ «حزب العمال الكردستاني» يُدعى «الجبهة الديمقراطية الشعبية».
ويحمل الصراع الكردي الداخلي تداعياتٍ جيوسياسية إقليمية أيضاً. فقد ندد خصوم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بسياسات أنقرة تجاه «حزب العمال الكردستاني/«حزب الاتحاد الديمقراطي» في مناسبات مختلفة ودعموا الفصائل القومية الكردية في الانتخابات التركية. وفي الوقت نفسه، دخل مسؤولو «الاتحاد الوطني الكردستاني» في محادثات مع طهران حول بناء خط أنابيب لتصدير النفط من السليمانية إلى إيران. وحيث شعر «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بأنه محاصر سياسياً وجغرافياً، فقد ضاعف رهانه على روابطه مع تركيا على الرغم من فشل أنقرة في إنقاذ أربيل عندما بدأ تنظيم «الدولة الإسلامية» هجومه [عام 2014].
ثمن التحزّب
على الرغم من بروز فرصة تاريخية لتعزيز الاستقلالية، إلا أن الأكراد العراقيين على وشك خسارتها مرةً أخرى بسبب السياسات المثيرة للانقسام، والحوكمة الفاشلة، والدول المجاورة المخرِّبة. وتدفع «حكومة إقليم كردستان» اليوم ثمن عدم الاستثمار في مؤسسات دولتها وديمقراطيتها والحكم من دون شفافية ومساءلة كافية. وإزاء هذه الخلفية، يشكّل الوجود العسكري والسياسي لـ «حزب العمال الكردستاني» في «إقليم كردستان العراق» - الآخذ في الازدياد بمباركة إيران على ما يبدو - عامل فتنةٍ ويمكن أن يؤدي إلى نزاعٍ مسلح. وحتى إذا تمّ تخفيف التوترات الراهنة في مناطق مثل سنجار، قد يدخل طرفٌ جديد على الساحة السياسية في «إقليم كردستان» على شكل حزبٍ تابعٍ لـ «حزب العمال الكردستاني»، ويأتي بتداعياتٍ غير مضمونة على الوحدة الكردية العراقية.
وفي نهاية المطاف، يعتمد أمن «حكومة إقليم كردستان» واستقرارها على الاستمرار في مسار الديمقراطية وبناء المؤسسات. فبدون هذه المؤسسات، سوف يجد الأكراد أنفسهم يخدمون كوكلاءٍ دائميين لأطرافٍ لها مصالحها الخاصة، مما سيقوّض سنواتٍ من الحكم الذاتي الذي اكتُسب بشق الأنفس. ويقع عبء العودة إلى هذا المسار بشكلٍ أساسي على «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الذي لم يفعل الشيء الكثير للحكم بطريقةٍ جامعة.
ومن جانبها، تحتفظ الولايات المتحدة بنفوذ على فصائل كردية مختلفة. وإذا كانت تأمل بإبعاد التأثير الإيراني وتجنّب اندلاع حرب أهلية كردية أخرى، فيتعين على واشنطن أن تعزز المؤسسات الديمقراطية لـ «حكومة إقليم كردستان» وتساعد في إصلاح اقتصادها. وستساهم المؤسسات الفاعلة أيضاً في التخفيف من التوترات بين «حزب العمال الكردستاني» و«الحزب الديمقراطي الكردستاني»، ربما من خلال فتح طرق التجارة بين «حكومة إقليم كردستان» والأكراد السوريين. وفي المقابل، فإنّ شن هجوم من قبل «حزب العمال الكردستاني» على تركيا من أراضي «حكومة إقليم كردستان» سيقوّض الدعم الأمريكي لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» في المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وفوق كل هذا، ما لم تثبت الجهات الفاعلة ذات الصلة عن استعدادها لإعادة إحياء عملية السلام بين تركيا و«حزب العمال الكردستاني» واعتماد مقاربة شمولية فيما يخص الحوكمة ما بعد فترة تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، فمن المرجح أن تولّد المزيد من عدم الاستقرار بين حلفاء الولايات المتحدة.
بلال وهاب هو زميل "سوريف" في معهد واشنطن.