- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
أمريكا يجب أن تبعث رسالة قوية إلى سوريا مفادها أن استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب غير مقبول
بشار الأسد هاجم ثانية. فقد شن النظام السوري هجوماً جوياً باستخدامه غاز السارين في مدينة خان شيخون. وتشير التقارير الأولية من "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إلى مقتل ما لا يقل عن 100 شخص، معظمهم من الأطفال. وكما لو أن إسقاط الأسلحة الكيماوية على البلدة لم يكن كافياً، استهدف النظام بعد ذلك، وبضربة جوية، العيادة التي يعالَج فيها ضحايا الهجوم الكيميائي.
وتشكل هذه الهجمات جزءاً من موجة من عمليات القصف الجوي التي تقوم بها القوات الجوية لنظام الأسد عبر مقاطعة إدلب في شمال غرب سوريا، وهي منطقة تستمر قوات المعارضة في الحفاظ على وجود فيها والسيطرة عليها. ومن الواضح أن وقف إطلاق النار الذي تدّعي روسيا أنها توسطت فيه مع تركيا وإيران لا ينطبق على قوات الأسد. وعندما يتعلق الأمر بنظام الأسد، لا يمكن أن يكون هناك أي شك بأنه لم يدمر جميع أسلحته الكيميائية أو يشحنها إلى خارج البلاد - على الرغم من التزامه بذلك كجزء من الاتفاق الذي تم التوصل إليه عام 2013، وتفاوضت حوله الولايات المتحدة وروسيا. والأسوأ من ذلك، أنه لا يتردد في استخدامه.
وفي حين تستمر إدارة ترامب في طريقها نحو صياغة سياستها بشأن سوريا، إلا أن هذه اللحظة يجب أن تبلور تركيزها وعليها أن توضح بأنه لا يمكنها التصدي فقط لـ تنظيم «الدولة الإسلامية». ولا يمكن تحقيق النجاح ضد تنظيم «داعش» في سوريا إذا لا يعالج ذلك [مشكلة] الأسد أيضاً. ويبدو أن تصريح وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في تركيا بأن مستقبل الأسد يعود إلى الشعب السوري يبدو وكأنه يعكس الحقائق المتغيرة في سوريا وقبضة زمرة الأسد المتزايدة على السلطة هناك.
بيد، إن أي سياسة تترك النظام سليماً أو لا تفعل شيئاً لتُظهر بأنه سيكون هناك ثمن باهظ على استخدام الأسلحة الكيميائية سيضمن فقط نداء أولئك [المناهضين للنظام] في سوريا المستعدين لمواصلة الحرب ضد الأسد. وللأسف، يعني ذلك الجماعات الإسلامية السنية المتطرفة على نحو متزايد، بما في ذلك «جبهة فتح الشام»، التي هي فرع من تنظيم «القاعدة».
بالإضافة إلى ذلك، أكد الرئيس الأمريكي وفريقه من "مجلس الأمن القومي" التزامهما بوقف انتشار [الأسلحة]. وبالتأكيد لابد أن يشمل ذلك فرض حظر حقيقي على استخدام أي أسلحة دمار شامل، بما فيها الأسلحة الكيميائية. ووصف البيت الأبيض الهجوم بالأسلحة الكيميائية "بغيض [وغير قانوني]" ووجه اللوم إلى الأسد.
وإذا ما توقف البيت الأبيض عند هذا الحد ولن يفعل أكثر من ذلك، فسيبعث برسالة مفادها أن استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب مقبولاً. ولن يكون الأسد الرئيس الوحيد الذي سيتأثر بذلك بل أي زعيم منخرط في صراع يعتقد أن بإمكانه الحصول على [بعض] المزايا باستخدامه الأسلحة الكيميائية.
ويقيناً، هناك نقطة إضافية وهي أن الأسد ينتهك الاتفاق ذاته الذي توصلت إليه إدارة أوباما مع الروس. لذلك فإن هذا أيضاً وقتاً مناسباً لمعرفة ما إذا كان هناك أي معنى للاتفاقات مع الروس، إذا ما انتُهكت من قبل طرف ثالث. وفي الواقع، توجد هنا فرصة للإدارة الأمريكية لمعرفة ما سيعمله الروس.
لقد كتبتُ سابقاً بأن أي تعاون مع روسيا في سوريا يجب أن يستند على عدم قيام الروس ثانية بتعزيز سلطة الإيرانيين في تلك البلاد. ولا يزال ذلك اختباراً جيداً لأن هناك صراعاً أكبر يدور في المنطقة، وأن شركاء أمريكا التقليديين - من العرب والإسرائيليين - يشعرون بالتهديد من جانب إيران ومن استخدامها للميليشيات الشيعية لكسب النفوذ والتأثير المهيمن في جميع أنحاء المنطقة.
ولكن هنا اختبار أكثر إلحاحاً. إذا ما اختارت روسيا أن تنكر أن نظام الأسد - الطرف السوري الوحيد في الحرب الذي يملك سلاحاً جوياً - كان مسؤولاً عن هذا الهجوم، ستكون الرسالة واضحة ومفهومة، وهي أنه لا يمكن التعاون مع الروس في سوريا. وستشير هذه الرسالة إلى أن الروس سيواصلون بذل جهود كبيرة لحماية نظام الأسد، بغض النظر عن عدد جرائم الحرب التي يرتكبها. وسوف تُظهر أن الاتفاقات مع الروس، على الأقل حول سوريا، هي ظرفية بحتة، وطالما تخدم المصالح الروسية فسيتم التقيّد بها، بينما سيتم التخلي عنها عندما لا تخدم هذه المصالح. وبدلاً من ذلك، إذا انضم الروس إلى الولايات المتحدة في إدانة العملية، وفرضوا عقوبات على النظام، وأصروا على أنه ينبغي على الأسد أن يسمح الآن بمنح صلاحية كاملة لضمان تدمير الأسلحة الكيميائية المتبقية لديه، سيكون لدى الولايات المتحدة على الأقل بعض الأمور لمناقشتها.
وفي النهاية، يجب أن تكون هناك سياسة لإدارة ترامب تجاه نظام الأسد. فلا يمكن أن تكون شريكة في المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» أو الإسلاميين السنة المتطرفين الآخرين في المعارضة لأن الأسد هو المصدر المنفرد الأكبر للتجنيد بالنسبة لهم. إن اختبار الروس على ردهم على استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية هو أمر واحد للإدارة الأمريكية، والرغبة في معاقبة نظام الأسد ليس بالعقوبات فحسب، بل بضربات عسكرية محتملة ضد القوات المسؤولة عن الهجوم أيضاً يمكن أن يكون أمراً آخر. وإذا ما فهم الروس ذلك، فقد يزداد استعدادهم للتعاون.
دينيس روس هو مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المميز في معهد واشنطن.
"نيويورك ديلي نيوز"