- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
انقسام التركمان حول قرار المحكمة العراقية المرتقب بشأن الحصص التركمانية في برلمان إقليم كردستان العراق
يشعر التركمان في إقليم كردستان العراق بالقلق الشديد إزاء قرار المحكمة الاتحادية العليا، المقرر إصداره في 27 كانون الأول/ديسمبر، بشأن مسألة إلغاء المقاعد الأحد عشر المخصصة للأقليات في برلمان حكومة إقليم كردستان المؤلف من 111 عضوًا، والذي يضم حاليًا خمسة مقاعد مخصصة للتركمان.
في 25 شباط/فبراير من العام المقبل، تزمع حكومة إقليم كردستان إجراء الانتخابات البرلمانية الإقليمية، التي تم تأجيلها مرتين بسبب الخلافات بين الحزبين الحاكمين، "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، حول قانون الانتخابات ومقاعد الكوتا. فقد طالب "الاتحاد الوطني الكردستاني" والعديد من الأحزاب الكردية الأخرى بإجراء تغييرات على النظام الانتخابي الحالي، إلا أنها لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، على الرغم من الجهود التي بذلتها بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) ورئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني. وقام "الاتحاد الوطني الكردستاني"، الذي لطالما اتهم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" باستغلال النظام الانتخابي، وعلى وجه التحديد نظام المحاصصة(الكوتا)، برفع القضية إلى المحكمة الاتحادية.
في غضون ذلك، يجد التركمان في إقليم كردستان العراق أنفسهم عالقين في النزاع القائم بين الحزبين الكرديين المهيمنين. ومن المرجح أن يؤدي قرار المحكمة بإلغاء مقاعد الكوتا إلى تقويض تمثيلهم السياسي الضعيف أصلًا في حكومة إقليم كردستان. ولا شك في أن ذلك سيؤثر على نفوذ تركيا في حكومة إقليم كردستان، كونها تلعب دور حامي التركمان في العراق.
ما مدى فعالية نظام المحاصصة للتركمان؟
يسود المجتمع التركماني في العراق انقسام سياسي، بحسب قرب الأفراد من القوتين الإقليميتين تركيا وإيران، وما إذا كانوا سنة أو شيعة. فغالبية التركمان في إقليم كردستان العراق يعيشون في أربيل، تحت حكم "الحزب الديمقراطي الكردستاني". ويتمتع جميع نواب الكوتا التركمان، بما في ذلك أولئك الذين تدعمهم تركيا، بعلاقات وثيقة مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني".
وفقًا للسياسيين التركمان، يعيش بين 100000 و400000 تركماني في إقليم كردستان العراق. لكن في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في عام 2018، حصل نواب الكوتا التركمان الخمسة معًا على أقل من 9000 صوت. وقد تكون أحد الأسباب المحتملة الكامنة وراء هذا العدد المنخفض على نحو مفاجئ أن بعض الناخبين التركمان يختارون الأحزاب السياسية الكردية في صناديق الاقتراع. وقد يكون تفسير آخر بالنسبة لبعض السياسيين أن الناخبين التركمان يعتمدون على نظام المحاصصة لانتخاب النواب بدلًا من المشاركة مباشرةً في الانتخابات. لكن تجدر الإشارة أيضًا إلى أن انخفاض نسبة المشاركة يعكس فشل السياسيين التركمان ونظام المحاصصة الحالي في كسب ثقة المجتمع التركماني.
في الواقع، على الرغم من أنه يُفترض بنظام المحاصصة ضمان تمثيل الأقليات، تنظر الأحزاب المهيمنة في برلماني بغداد وأربيل على حد سواء إلى هذه المناصب على الأرجح على أنها "مقاعد إضافية" وليست كيانات سياسية منفصلة. يمكن لهذه الأحزاب الكبيرة حشد أنصارها للتصويت لمرشحي الأقليات المنتمين إلى الحزب مقابل ولاء المرشحين. ويُعتبر هذا النظام فعالًا بشكل خاص نظرًا لقلة الأصوات المطلوبة. فالحصص تعني أن المرشحين التركمان يُنتخبون لعضوية البرلمان من خلال أصوات أقل بكثير مما يحتاجه المرشح العادي. ويمكن انتخاب مرشح مقعد الكوتا التركماني بأقل من ألف صوت، في حين يحتاج المرشح العادي إلى آلاف الأصوات. بالمقابل، من دون نظام المحاصصة، سيواجه المرشحون التركمان صعوبة كبيرة في الفوز ولو بمقعد واحد. فلا شك في أن نظام المحاصصة يساعد في إعطاء التركمان صوتًا سياسيًا، على الرغم من أن "الاتحاد الوطني الكردستاني" يتهم هؤلاء السياسيين بدعم الأجندة السياسية "للحزب الديمقراطي الكردستاني".
يدافع نواب الكوتا التركمان عن النظام الانتخابي الحالي إدراكًا منهم لمدى ضعف حظوظهم في الانتخابات من دون نظام المحاصصة. فهم يعارضون أي تخفيض في أعداد مقاعد الكوتا. بالإضافة إلى ذلك، يشككون في استقلالية المحكمة، مؤكدين أن القرارات السابقة التي أصدرتها المحكمة مؤخرًا، مثل الحكم المثير للجدل بأن مبيعات النفط المستقلة في إقليم كردستان العراق غير قانونية، كانت تحركها دوافع سياسية لإعادة ترجيح كفة السلطة باتجاه الائتلاف الحاكم في بغداد.
لكن القوى السياسية المتنافسة لديها أيضًا آراء بشأن نظام المحاصصة حيث يقترح "الاتحاد الوطني الكردستاني" توزيع الحصص بين دوائر انتخابية متعددة، بما في ذلك السليمانية، منطقة نفوذه. كما أعربت أحزاب المعارضة الكردية في إقليم كردستان العراق، مثل حركة "غوران" و"حركة الجيل الجديد"، عن تشكيكها في ما إذا كانت نظام المحاصصة، بما في ذلك الحصص التركمانية، يوفر تمثيلًا حقيقيًا للأقليات. لكن الصحفي التركماني محمد فريد أربيل أوغلو، رئيس تحرير وكالة الأنباء التركمانية (TEBA)، قال لكاتب المقال إن "الاتحاد الوطني الكردستاني" يأمل أيضًا الاستفادة من الحصص مثلما يفعل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" من خلال دعم إعادة هيكلة النظام. وإذا لم يحدث ذلك، فهو يعتقد أن "الاتحاد الوطني الكردستاني" سيقوم على الأرجح بإلغائها بالكامل.
نظام المحاصصة: قضية خلافية بين التركمان
على الرغم من العلاقات الوثيقة بين تركيا و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، يتفاوت مستوى قرب السياسيين التركمان في حكومة إقليم كردستان، التي يهيمن عليها "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، من تركيا، كما أظهرت المراحل العصيبة بين أنقرة وأربيل، مثل الاستفتاء المشؤوم الذي قاده "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في كردستان في عام 2017. بينما عارضت أنقرة بشدة الاستفتاء باعتبار أنه سيضر بسلامة العراق، قلقت أيضًا من أن يولّد الاستفتاء أفكارًا انفصالية لدى السكان الأكراد في تركيا. وقد خلق هذا الوضع حالة عدم ثقة في العلاقات بين أنقرة و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، ما دفع هذه العلاقات إلى نقطة الانهيار.
وفي إطار هذا النزاع، مُنعت السياسية التركمانية منى قهوجي، نائبة رئيس "حزب الإصلاح التركماني" وأمينة برلمان حكومة إقليم كردستان قبل حله، مؤقتًا من دخول تركيا على خلفية دعمها للاستفتاء. لكن قهوجي والسياسيين من كادر أربيل في "الجبهة التركمانية العراقية" المدعومة من تركيا، هم على نفس الموجة في ما يتعلق بالحفاظ على مقاعد الكوتا.
فضلًا عن ذلك، لا تتفق جميع الشخصيات السياسية التركمانية على ضرورة الحفاظ على نظام المحاصصة. فقد كتب سنان أحمد آغا، الذي قاد الجبهة التركمانية العراقية من عام 2000 إلى عام 2003، في تصريح على فيسبوك أن نظام المحاصصة هو عبارة عن دائرة ضيقة ومغلقة "تجعل من المكون مشلولًا في تمثيل المواطنين عمومًا والمكون الذي يمثله خصوصًا". ويرى آغا أن الحفاظ على نظام المحاصصة يعني الذوبان التدريجي لكيانات الأقليات السياسية المنفصلة ضمن القوى السياسية الأكبر في إقليم كردستان العراق.
بالمقابل، يقدم أربيل أوغلو ادعاءً كثيرًا ما أثير من قبل، وهو أن بعض المرشحين التركمان تم انتخابهم بأصوات قوات البشمركة والأسايش التابعة "للحزب الديمقراطي الكردستاني"، وبالتالي لا يتم انتخابهم ولا يمثلون أصوات التركمان. وبحسب أربيل أوغلو، فإن الأغلبية الشعبية التركمانية غير راضية عن نظام المحاصصة، كما يبين واقع أنها "لم تشارك في الانتخابات منذ سنوات، باعتبار أن المرشحين سيُنتخبون على أي حال نظرًا لنظام المحاصصة". ويوافق أربيل أوغلو على أن إلغاء نظام المحاصصة سيكون له تأثير ضار على التركمان، مشيرًا إلى أنه إذا حدث ذلك، "سيكون لدى جميع الأحزاب التركمانية فرص جد ضئيلة للحصول على أصوات من المواطنين وقد يتم استبعادها من البرلمان".
أزمات تلوح في الأفق في المجال السياسي التركماني
أدلى التركمان بأقل من تسعة آلاف صوت للأحزاب التركمانية في الانتخابات السابقة. وإذا تم إلغاء الحصص التركمانية، من غير المرجح أن يمنح الناخبون التركمان هذه الأحزاب عشرات الآلاف من الأصوات. وإذا تكررت أرقام التصويت السابقة، في غياب الحصص، سيتلاشى التمثيل التركماني، ما يضعف ثقة التركمان في السياسيين التركمان الحاليين وفي النظام السياسي. بالإضافة إلى ذلك، سيكون من الصعب على التركمان الحصول على المنصب الوزاري ومنصب أمين سر البرلمان الذي يشغلونه حاليًا. ومن غير المرجح أن يتم منحهم مناصب إضافية.
لا تركز تركيا على المجتمع التركماني في إقليم كردستان بقدر ما تركز على التركمان في منطقة كركوك المتنازع عليها، لكن من الواضح أن تقليص التمثيل السياسي للتركمان في إقليم كردستان أو إلغاؤه سيضر بادعاء تركيا بأن التركمان هم ثاني أهم مجموعة عرقية في إقليم كردستان بعد سكانها الأكراد، وبالتالي ينبغي منحهم الوزن السياسي المناسب. وهذا من شأنه إضعاف الدور التركي في المناقشات حول التركمان مع محاوري أنقرة الأكراد.
لكن من غير المرجح أن يؤثر هذا التغيير في التمثيل التركماني على العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية القوية بين أنقرة وأربيل أو على عمليات تركيا ضد "حزب العمال الكردستاني" في المنطقة. فإذا لم يتمكن التركمان من إرسال ممثلين إلى البرلمان، فمن المتوقع أن تستخدم أنقرة علاقاتها الوثيقة مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" للضغط على الحكومة الجديدة لتقوم بإدراج تركمان من خارج البرلمان. لكن ذلك سيثير بلا شك رد فعل من قبل الأحزاب الكردية المعارضة ويلقي بظلال الشك على شرعية المرشحين المقترحين.
من ناحية أخرى، قد يبرز خيار مثير للاهتمام إذا تم توزيع الحصص على الدوائر الانتخابية، حيث سيتم دعم بعض الحصص التركمانية من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني. وقد يجر ذلك التركمان، المنقسمين لناحية التفضيلات المتعلقة بالقوى السياسية العاملة في جميع أنحاء العراق، إلى قلب نزاعات جديدة مثل الصراع بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" والتوترات بين أنقرة والسليمانية. في الواقع، يمكن لكلي الحزبين الكرديين استخدام الحصص التركمانية التابعة لهما كأداة في البرلمان في إطار تنافسهما على السلطة. فضلًا عن ذلك، بما أن تركيا تتهم "الاتحاد الوطني الكردستاني" بدعم "حزب العمال الكردستاني"، يُحتمل أن تعلق الحصص التركمانية التي ستدعم "الاتحاد الوطني الكردستاني" في وسط الصراع بين أنقرة والسليمانية.
نظرًا لعلاقات أنقرة السيئة مع "الاتحاد الوطني الكردستاني"، قد لا تكون راضية عن هذا الاحتمال، لكن الاتحاد الوطني الكردستاني سيرغب في استخدامه كورقة مساومة في وجه كل من أربيل وأنقرة. وشدد أربيل أوغلو على أنه "في مثل هذا السيناريو، سينقسم التركمان إلى فئتين: التركمان الخضر والتركمان الصفر"، في إشارة إلى الانقسامات الإدارية والسياسية والعسكرية في إقليم كردستان، المنقسم بين المنطقة الصفراء "للحزب الديمقراطي الكردستاني" والمنطقة الخضراء "للاتحاد الوطني الكردستاني".
إذا تم إلغاء نظام المحاصصة، قد تضطر الأحزاب التركمانية إلى التنافس بشكل أكبر في ما بينها وإعداد المزيد من السياسات الموجهة نحو الرأي العام لجذب مجتمعها. وعلى المدى الطويل، قد يدفع هذا الوضع بعض الأحزاب السياسية القائمة حتى إلى تبني خط سياسي قومي، أو قد تظهر أحزاب جديدة تدافع عن هذا الخطاب. لكن في هذا السيناريو الذي يبدو مستبعدًا للغاية، قد يواجه التركمان في إقليم كردستان العراق، المعروفون بموقفهم السياسي المعتدل وموقفهم غير النقدي تجاه السلطات الكردية، تحديات جديدة ضمن النظام القائم.
على الرغم من كل احتمالات التغيير هذه، من الممكن أيضًا أن يقضي حكم المحكمة باستمرار نظام المحاصصة كما هو. ويرى أربيل أوغلو أنه "إذا استمر نظام المحاصصة، ستبقى التحالفات على حالها. سيكون البرلمانيون من التركمان، لكن لن يأتي ذلك بأي فائدة على الشعب".
Photo by Mustafa Turkmeni, Creative Commons license